الفصل الثاني
دور المجلس الدستوري في الرقابة
على أعمال السلطة التشريعية

يحدد الدستور للمجلس الدستوري اختصاصات متنوعة , فيعتبر المجلس الدستوري الهيئة التي تختص بالنظر في الطعون الانتخابية والنزاعات المتعلقة بها , وكذلك للمجلس الدستوري الاختصاص بالإشراف على الاستفتاءات , وله أيضا الاختصاص في مراقبة احترام الاختصاص بين السلطات العامة , وللمجلس اختصاصات استشارية أخرى .
وفيما يتعلق بدور المجلس في رقابة دستورية القوانين وأعمال السلطة التشريعية فان هذه الرقابة تنصب علي القوانين بمختلف أنواعها سواء كانت أساسية أو عادية كما تنصب كذلك على اللوائح التي تصدر عن البرلمان وذلك لتنظيم العمل داخل كل مجلس يخصه طبقاً للقانون .

ومن هنا يظهر لنا أن اختصاصات المجلس الدستوري محددة ومحصورة في مسائل معينة وسوف نتعرض لهذه القاعدة في المبحث الأول ثم لرقابة دستورية القوانين في المبحث الثاني.








المبحث الأول
قاعدة اختصاص المجلس الدستوري
على سبيل الحصر
يتحدد دور المجلس طبقاً لاختصاصات معروفة , والنصوص التي تحدد اختصاصات المجلس الدستوري قد ترد في الدستور وكذلك في القوانين الأساسية والقوانين العادية بل وفي بعض القرارات , ويرجع ذلك إلى أن الدستور لم يحدد تعريفاً معيناً لتحديد اختصاصات المجلس ولم يضع أي شروط عامة لذلك , وبالتالي فان أمر تفسير القاعدة التي تضمنها الدستور وخاصة فيما يتعلق بتوسيع اختصاصات المجلس يعتبر أمر مبررا و لا يتعارض مع النصوص الأساسية في الدستور , فالقاعدة العامة أن المجلس يلتزم بالاختصاصات التي حددتها النصوص وان كان هناك اتجاه نحو المرونة في ذلك .

المطلب الأول
القاعدة العامة في الاختصاص
ضرورة وجود نص صريح
قرر المجلس الدستوري انه لا يستطيع التعرض إلا للأمور التي ورد بها نص وذلك لان الدستور حدد صراحة اختصاص المجلس الدستوري , وهذا يعني أن المجلس ليس له اختصاص عام لسهر علي احترام القوانين للدستور خاصة وان نفس المهمة منحها الدستور لرئيس الدولة . وهذا تطبيق على الأمور التي ينظر المجلس فيها النزاع كهيئة قضائية وكذلك على الأمور المتعلقة بأخذ رأيه كهيئة استشارية .

أولا : في الأمور الاستشارية :
فان المجلس الدستوري لم يقبل حتى الآن انه صاحب الاختصاص العام في هذا الشأن أي انه يقرر في أحكامه انه لا يشكل سلطة استشارية إلا فيما ورد بشأنه نص صريح , وطبقا للنص فان رئيس الدولة وحده وكذلك الحكومة يمكنها طلب رأي المجلس بحالة الظروف الاستثنائية وتهديد امن وسلامة الوطن كما سبقت الإشارة وحالة تنظيم الاستفتاءات , وهذا التفسير الضيق لاختصاص المجلس يتوافق ونشأة المجلس الدستوري تلك النشأة التي كانت وقبل كل شيء من اجل أن يكون المجلس قاضياً للقانون الدستوري وليس هناك قاضً إلا بنص ولا يمكنه ممارسة إلا الأعمال التي جاءت في النص .

ثانياً : في المسائل ذات الطابع القضائي :
كذلك الشأن في المنازعات التي يمكن نظرها من المجلس الدستوري كهيئة قضائية فأن الأمر بالنسبة لها أن المجلس لا يكون مختصا إلا بمقتضى نص صريح في شأن ذلك , فإذا كانت لا تدخل ضمن اختصاصاته طبقا لتفسير المجلس فانه يقضي بعدم اختصاصه , فالدستور ينص على أن المجلس يقرر في حالة النزاع بشأن شرعية الانتخابات المتعلقة بأعضاء المجلس النيابي أو مجلس الشيوخ ولكن المجلس رفض أن ينظر النزاع المتعلق بطلب رد المصاريف الانتخابية , لكن المجلس قرر أن اختصاصه ينحصر في الحالة التي يكون فيها النزاع قائماً على شرعية حصول العضو على أصوات أكثر مما يستحق وكل ماعدا ذلك لا يدخل في اختصاص المجلس .
كذلك الشأن فيما يتعلق بنص الدستور على أن القوانين قبل إصدارها يمكن أن تحول إلى المجلس الدستوري من اجل أن يعلن عن دستوريتها , ولكن هذا لا يعني أن المجلس يمكن أن ينعقد بعد صدور قانون بعد اخذ رأي الشعب فيه أي بعد استفتاء شعبي وذلك لأن القانون في هذه الحالة يعتبر تعبيراً عن السيادة الشعبية في أدق صورها .
كذلك فقد قرر المجلس عدم اختصاصه بفحص مطابقة القوانين للمعاهدة الدولية , بمعنى أن المجلس إذا كان هناك طلباً أمامه بعدم شرعية قانون لمخالفته لنص أو نصوص معاهدة وذلك لأن المعاهدة بنص الدستور هي أسمى من القانون فأن المجلس يرفض هذا الطلب لأن الدستور نص على حقه في رقـابة القوانين بالنسبة للدستور وليس القوانين بالنسبة للمعاهدة .




المطلب الثاني
الاستثناءات على القاعدة العامة
والتفسير الواسع لاختصاص المجلس

ولكن لا يعني هذا أن المجلس يلتزم حرفياً بنصوص الدستور والقوانين وبظاهر النص لتحديد سلطاته أو اختصاصاته .فهناك اتجاه لتحقيق بعض المرونة خاصة في السنوات الأخيرة , فالمجلس يمارس في بعض الحالات اختصاصات محددة ليست في الدستور نفسه وإنما في القوانين الأساسية كما هو الشأن بالنسبة لمراقبة العمليات المتعلقة بالاستفتاءات وعزل أعضاء البرلمان , أو بواسطة القوانين العادية كما هو الشأن بالنسبة لنظر أحكام المحاكم الإدارية في مسائل الانتخابات والذي يعتبر فيها المجلس الدستوري كمحكمة استـئناف أو حتى بقرارات كما هو الشأن بالنسبة لمراقبة الدعاية الانتخابية في الإذاعة والتلفزيون أثناء المعارك الانتخابية المتعلقة باختيار رئيس الدولة .
كذلك يتجه المجلس في بعض الأحيان إلى تفسير النصوص المتعلقة باختصاصه تفسيراً واسعاً بل وفي بعض الأوقات يقبل المجلس ممارسة الاختصاص والذي لا تنص عليه النصوص صراحة , ومن ذلك مثلاً إعطاء رأيه في مسألة اللجوء إلى الاستفتاء بالرغم من أن اختصاصه في هذه المسألة ينحصر فقط في تنظيم عمليات الاستفتاء بعد تقريره بواسطة السلطة المختصة , كذلك قبل المجلس الدعوى للانعقاد والمقدمة من مجموعة من الأعضاء في البرلمان لنظر دستورية بعض المعاهدات الدولية بالرغم من أن النص يرى أن هؤلاء لهم الحق في ذلك فيما يتعلق بدستورية القوانين فقط وليس المعاهدات .