المطلب الرابع
طبيعة المجلس الدستوري

في بداية النشأة كان الجدل عنيفا حول طبيعة هذا المجلس، هل هي سياسية أم قضائية .

أطروحة الطبيعة السياسية للمجلس:

يقدم أصحاب أطروحة الطبيعة السياسية للمجلس ـ جانب محدود من الفقه كان يؤازرهم أعضاء في المجلس الدستوري نفسه ـ حجتين أساسيتين لدعم أطروحتهم: الأولى طريقة تعيين أعضاءه من السلطات السياسية العليا في الدولة. فكانوا يرون في هذا تسييس للمجلس. الثانية، وهي اقل خلافية، تحيل إلى أن فكرة الرقابة الدستورية على القوانين، العمل الأساسي للمجلس، هي عمل سياسي أكثر منه عملا قضائيا. فتدخله قبل إصدار القوانين لرقابة تسبق الإجراءات التشريعية يقود المجلس إلى أن يكون فاعلا في هذه الإجراءات أو " شريك مشرع" من بعض الوجوه والذي يمارسه هنا ليست رقابة قضائية وإنما " مؤسساتية"
ويري البعض أن الرقابة هنا لا تشكل نزاعا، ولكنها قراءة تكميلية للقانون في مجمله هادفة إلى تفحص ما إذا كان القانون مطابقا لتعليمات الدستور.

من الواضح أن فعل الرقابة الدستورية على القوانين يتضمن بعدا سياسيا من الصعب فصله عن البعد القضائي البحت. ومع ذلك يعترف أصحاب أطروحة الطبيعة السياسية للمجلس بان البعد السياسي الذي يطبع تركيب وعمل المجلس لا يسمح مع ذلك باستبعاد الطبيعة القضائية للمجلس المذكور، إلا إذا تم تبني مفهوما ضيقا خاصا لطبيعة المفهوم القضائي .

أطروحة الطبيعة القضائية للمجلس:

وهي اليوم أطروحة الغالبية العظمى. يعود الفضل بتعميقها والإقناع بها إلى عضوين سابقين في المجلس الدستوري وهما مارسال والين وفرنسوا ليشار ساندتهم في ذلك، لاحقا، الأغلبية المطلقة للفقه.

وتقدم في ذلك عنصرين أساسيين:

عنصر مادي. وهو أن للمحكمة أهلية النطق بالقانون وتحكم بمقتضاه وليس بمقتضى الأنصاف أو الملائمة .. وان عمل المجلس الدستوري، ضمن اختصاصات أخرى، النطق بدستورية النصوص المحالة إليه للنظر فيها. وهذا ما يقوده إلى تفسير الدستور والقوانين للحكم بمطابقتها أو مخالفتها له. وبطبيعة الحال لا تنظر قرارات المجلس في النزاعات بين الأطراف، ما عدا المواد الانتخابية.

وعنصر شكلي يميز المحكمة، وهو حجية الشيء المقضي به المرتبطة بقراراتها. وبهذا الصدد توضح المادة 62 من الدستور دون لبس أن " قرارات المجلس الدستوري غير قابلة لأي طعن. تفرض على السلطات العامة وكل الهيئات الإدارية والقضائية". ولها حجية الشيء المقضي به. عبارة حجية الشيء المقضي به غير منصوص عليها في الدستور ولكن فُسرت المادة 62 المذكورة على أنها تتضمن هذه الحجية .

وتبقى ضرورة أن الأشخاص المدعون للنطق بالقانون يجب أن يكونوا حقوقيين وهذا ما لم يتم أخذه بعين الاعتبار في القانون الأساسي للمجلس الدستوري، الذي لا يضم فقط حقوقيين وإنما كذلك سياسيين. ويبرر البعض ذلك بالقول أن القانون الدستوري نفسه هو " قانون سياسي "
في حين يشترط، غالبا، في تكوين المجالس الدستورية الأوروبية أن يكون أعضاؤها حقوقيين، ( ايطاليا وألمانيا ).

ومع ذلك فان بين الأعضاء ال 63 الذين تشكلت منهم المجالس الدستورية الفرنسية منذ عام 1959 كانت نسبة من يحملون درجة دكتوراه في الحقوق 26%. ونسبة الأستاذة البارزين في كليات الحقوق 26% ، بينهم أسماء مشهورة في فقه القانون الفرنسي مثل: الرئيس فرنسوا ليشار F. Luchaie و العميد جورج فيدال G. Vedel و الرئيس جاك روبير J. Robert وغيرهم من المشاهير. ويقرر بعضهم أن ما هو مهم ليس أن يكون المجلس مكونا من اختصاصيين في شتى فروع القانون، وإنما في التوازن بين السياسيين والحقوقيين، لان المسائل المطلوب النظر فيها هي في غالبيتها سياسية ـ قانونية.

ولم يعد يجادل احد اليوم بكون المجلس الدستوري محكمة ذات خصوصية. كما أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وصفت المجلس الدستوري بأنه " قضاء دستوري".وقد تجاوز الزمن الجدل حول طبيعته.















المبحث الثاني
الإجراءات

تختلف الإجراءات التي يجب أتباعها أمام المجلس حسب المسألة المراد النظر فيها , ورغم ذلك يمكن القول أن هناك بعض الخصائص العامة لهذه الإجراءات والتي توجد في كل حالات انعقاد المجلس و أيا كانت المشكلة التي سوف ينظر إليها .