وعلى الرغم من أن الهيئات المعنية بوضع هذه الشروط تحاول أن تضع صيغاً للعقود الدولية يمكن أن تلائم احتياجات ومتطلبات الحياة التجارية ، إلا أن تعدد الصيغ واختلافها حتى بالنسبة للموضوع الواحد غالباً ما تؤدى إلى إيجاد المتعاقدين فى مواقف غير متوقعة أو فى مراكز غير متكافئة ، وتنتج هذه المشاكل عن الأسباب الآتية :-
1 – تحاول صيغ العقود النموذجية أن تواجه التفاصيل دون وجود قواعد عامة ، أو مبادئ عامة تحكم العلاقة التعاقدية . ولا يجوز أن نتصور أن هذا القول يتعارض مع ما سبق أن ذكرناه من وجود شروط عامة وشروط تفصيلية للتعاقد ، لأننا لا نقصد هنا الشروط العامة التى تتعلق بعقد من نوع معين وإنما نشير إلى الأصول القانونية التى تحكم جوهر العلاقة التعاقدية وهى ما تفتقر إليه العقود النموذجية .
2 – تبرم هذه العقود بين أطراف تتعارض مصالحها الاقتصادية ولا نعنى بتعارض المصالح هنا مجرد التعارض الناشئ عن طبيعة اختلاف مركز كل متعاقد كالتعارض الناشئ عن وجود بائع ومشتر فى عقد البيع أو مقاول ورب عمل فى عقد المقاولة ، أو مؤمن ومستأمن فى عقد التأمين ، أو مصرف وعميل فى عقد فتح الاعتماد لأن هذا التعارض حتمى ، وإنما نعنى بالتعارض هنا عدم التكافؤ الاقتصادى بين المتعاقدين ، فالتبادل التجارى للسلع قد يتم بين دول مستعمرة ومستعمراتها السابقة أو بين دول متقدمة اقتصادية ودول نامية أو متخلفة أو بين دول اشتراكية ودول رأسمالية .
3 – قد ينتمى أطراف العلاقة التعاقدية إلى دول تتباين نظمها القانونية ويترتب على ذلك اختلاف تفسير المقصود ببعض الاصطلاحات {صفحة 19} القانونية من دولة إلى أخرى . كما قد لا تعرف بعض النظم القانونية اصطلاحات تعرفها نظم أخرى . وقد توجد فى بعض النظم تنظيمات قانونية لا توجد فى غيرها من النظم من ذلك مثلا أن النظام الأنجلوأمريكى لا يعرف اصطلاح الخطأ الجسيم المعروف فى النظام اللاتينى ، كما أن نظام المشاركة “ Partnership ” والنظام المعروف باسم “ Trust ” لا يوجد إلا فى النظام الأنجلوأمريكى دون النظام اللاتينى .
13– الحلول المقترحة لحل هذه المشاكل :
يقترح كتاب قانون التجارة الدولية لحل المشاكل المشار إليها فيما تقدم ما يأتى :-
1 – الالتزام بأصول قانونية واحدة تعتبر كحد أدنى لمبادئ قانونية عالمية تساعد تدريجيا على إلغاء الحدود بالنسبة لحرية انتقال السلع ، ومن أهم هذه الأصول الاعتراف بمبدأ حرية التعاقد فى جميع القوانين الوطنية فى نطاق التجارة الدولية ، ونلاحظ أن هذا الحل يوافق عليه كثير من كتاب قانون التجارة الدولية سواء منهم من ينتمى إلى دول نظام الاقتصاد المخطط أى الدول الاشتراكية أو إلى دول السوق الحر أى الدول الرأسمالية .
2 – يجب أن يراعى عند وضع الشروط العامة أو العقود النموذجية أن توضع بطريقة تضمن حماية مختلف المصالح المعنية ، ويمكن ضمان هذه الحماية إذا تم وضع الشروط العامة أو العقود النموذجية على أسس معينة أهمها – كما حدث فى صيغ العقود التى وضعتها اللجنة الاقتصادية الأوروبية – مناقشة المشاكل المتعلقة بالتجارة الدولية بواسطة مندوبين أو مؤهلين فنيا لذلك ويمثلون جميع الدوائر المعنية بهذه العقود فيجب مثلا تمثيل تجار السلعة سواء كانوا مصدرين أو مستوردين التى توضع لها صيغ العقود، وتمثيل { صفحة 20 } الناقلين والمؤمنين والمصارف ، على أن يكون لدى الجميع الرغبة فى إيجاد قواعد تحكم علاقاتهم التجارية تتسم بالعدالة بالنسبة لجميع الأطراف دون أن تسيطر على أحدهم الرغبة فى الإفادة من قوة مركزه الاقتصادى بالنسبة للطرف الآخر .
3 – يجب أن يراعى عند وضع هذه الشروط العامة أو العقود النموذجية أن تتمتع بقدر كبير من المرونة بحيث يمكن دائما ملاءمة هذه الشروط أو العقود مع الظروف المتغيرة للتجارة الدولية وذلك حتى يمكن أن تتمتع هذه الوسيلة لتوحيد قانون التجارة الدولية بتوحيد شروط التعاقد بأهمية عملية تفوق الاتفاقيات الدولية فى مجال التجارة الدولية.
4 – لابد من قبول التحكيم التجارى كوسيلة وحيدة لتسوية الخلافات الناشئة عن العقود الدولية والاعتراف فى جميع الدول بأحكام هيئات التحكيم التجارى ، وتلعب اتفاقية نيويورك 1958 ، دوراً هاماً فى هذا المجال .
5 – يجب أن يكون مضمون الشروط العامة أو العقود النموذجية التى توضع فى مختلف فروع التجارة الدولية كاملاً ومفصلاً بقدر الإمكان ، إذ أنه برغم خضوع هذا المضمون لمبدأ التفاوض الحر للأطراف ، فإن مواجهة الشروط العامة أو العقود النموذجية للحلول اللازمة للمشاكل القانونية الجوهرية التى يمكن أن تثور بين المتعاقدين خلال فترة التعامل موضوع العقد ، من شأنه أن يجعل العقد الدولى بحق ، قانون المتعاقدين وبحيث يحل محل القوانين الوطنية التى يمكن أن تنطبق فى مجالات أخرى وبهذا يتحقق أهم أهداف العقد الدولى ، وهو وحدة المعاملة التجارية الدولية .
ونخلص مما تقدم جميعه ، أن العقد الدولى يمكن أن يحل محل الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية ويصبح قانون المتعاقدين فى {صفحة 21 } نطاق المعاملة التجارية الدولية ، إذا روعيت الاعتبارات التى أشرنا إليها واتبعت الأصول الفنية التى تحقق هذا الهدف على النحو الذى عرضنا له فيما تقدم .
14 – تصور عملى لما يمكن أن يكون عليه العقد الدولى :
يتضمن العقد الدولى عادة أو يجب أن يتضمن الأمور الآتية :-
1 – مقدمة :
تحتوى على تعريف محدد للاصطلاحات التجارية التى يتكرر استعمالها فى العقد حتى لا يثور الخلاف بين المتعاقدين حول تفسير هذه الاصطلاحات خاصة إذا انتمى المتعاقدان ، كما قدمت إلى نظم قانونية متباينة .
2 – قواعد انعقاد العقد ( تحديد وقت انعقاده والقيمة القانونية للمراحل السابقة على التعاقد باعتبارها منتهية ولا صفة إلزامية لها بعد إتمام التعاقد ) .
3 – تحديد المبيع من حيث الصنف والصفات والخصائص ودرجة الجودة والمقدار أو الوزن أو عدد الوحدات .
4 – إذا كانت البضاعة مما يجب تغليفها ، يجب أن ينص العقد على طريقة تغليفها ونوع الأغلفة والطرف الذى يتحمل نفقات التغليف .
5 – موضوع تسليم البضاعة من البائع وتسلمها من قبل المشترى فيحدد العقد زمان التسليم ومكانه وهو أمر يختلف بحسب نوع أداة النقل ونوع العملية التجارية ، وهل يتم التعاقد على أساس سيف “ C.I.F.” أو “ C. & F ” أو فوب “ F.O.B.” .
ويرتبط بالتسليم تحديد الطرف الذى يتحمل تبعة هلاك البضاعة ومتى تنتقل هذه التبعة من البائع إلى المشترى ، وهى مسألة تهتم { صفحة 22} بها العقود الدولية عادة ، بينما لا ينصرف اهتمام معظم العقود الدولية إلى تحديد وقت انتقال ملكية المبيع ، لأن المشترى يفيد بالمبيع بمجرد تسلمه له .
6 – الوفاء بالثمن وينظم العقد الدولى عادة طريقة سداد الثمن عن طريق فتح اعتماد من جانب المشترى أو من يعينه لمصلحة البائع . كذلك قد يتفق المتعاقدان على حق البائع فى زيادة الثمن أثناء فترة تنفيذ العقد إذا طرأت ظروف يحددها العقد تقتضى ذلك ويبين العقد عادة فى هذه الحالة طريقة حساب الزيادة .
7 – حق المشترى فى فحص البضاعة المبيعة والمدة التى يتم فيها ذلك وحقه فى إخطار البائع بعدم مطابقة البضاعة لما تم الاتفاق عليه والأجل المحدد لهذا الإخطار والمدد الخاصة برفع الدعاوى أو توجيه المطالبات عما يحدث من مخالفات للعقد .
8 – إذا كان المبيع أجهزة أو آلات أو أدوات فينص العقد عادة على ضمان البائع للعيوب التى قد تظهر فى المبيع ومدة التزام البائع بهذا الضمان .
9 – أنواع الجزاءات التى يجب إعمالها عند مخالفة شروط العقد والالتزامات التى يضعها على عاتق أطرافه ، وقد تتمثل هذه الجزاءات فى التعويض أو الغرامة التى تفرض على المخالف أو إصلاح المبيع أو استبداله ، وقد يكون الفسخ هو الجزاء المقرر على مخالفة التزام معين .
10 – ينص العقد أيضا على تحديد القوة القاهرة التى تؤدى إلى تحلل أحد الأطراف من التزامه أو وقف الالتزام حتى تزول القوة القاهرة .{صفحة 23} .
11 – وجود شرط التحكيم لحل المنازعات التى قد تثور بين المتعاقدين وطريقة تشكيل هيئة التحكيم والقواعد التى تتبع لإتمام التحكيم وينص عادة على اتباع قواعد غرفة التجارة الدولية بباريس أو قواعد اليونسيترال ، كما قد ينص العقد على بيان القانون الواجب التطبيق على النزاع فى الأمور التى تنشأ بين المتعاقدين ولا يواجهها العقد .{صفحة24}.
الفصل الثانى
صور للبيوع التجارية الدولية
وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية (1)
15 –غرفة التجارة الدولية :
تلعب هذه الغرفة دوراً هاماً فى مجال التجارة الدولية عامة ، وفى نطاق العقود التجارية الدولية على وجه الخصوص ، سواء من حيث تحديد المقصود بالاصطلاحات التى تستعمل فى هذا المجال ، أو تحديد التزامات أطراف هذه العقود . ومن ناحية أخرى فإن لهذه الغرفة دوراً بارزاً فى مجال تسوية المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقود التجارية الدولية وفقاً لنظام التحكيم التجارى الدولى الذى وضعت الغرفة القواعد الخاصة به ، يتبعها المتعاقدون عندما يشيرون إليها فى عقودهم .
وقد أنشئت غرفة التجارة الدولية فى عام 1919 ومقرها باريس (2) ، وكانت الحاجة إلى إنشائها الشعور بضرورة وجود منظمة تجمع فى مجال التجارة الدولية بين الأشخاص الذين يزاولون الأعمال التجارية على اختلاف أنواعها فتجمع مندوبين لما يقرب من تسعين دولة ، إذ أن لها لجانا وطنية “ National Committees ” فى أكثر من خمسين دولة فضلاً عن أعضاء فى أكثر من أربعين دولة أخرى وتجمع بين خبرات مختلفة من منتجين ومستهلكين وأصحاب مصانع وبنوك وشركات تأمين وناقلين وخبراء فى علم الاقتصاد والقانون وتشمل هذه {صفحة 25} المجموعة من الخبرات المختلفة لكى تضع قواعد تنبع حقيقة من حاجة التجارة الدولية ، فهى منظمة رجال الأعمال فى العالم ، لتحقق وتحافظ على مبدأ حرية التجارة الدولية ولتنسيق وتيسير النشاط التجارى ولتمثيل مجتمع رجال الأعمال على المستوى الدولى .
ولما كانت المصطلحات التجارية المستعملة فى مختلف دول العالم ، قد يختلف تفسيرها من دولة إلى أخرى لتباين الأنظمة القانونية ، فقد شعر المجتمع التجارى الدولى بالحاجة إلى توحيد هذه المصطلحات المستعملة في التجارة الدولية ، ومن بين هذه المصطلحات ما يتعلق بالبيوع التجارية الدولية ، وعرفت القواعد التى وضعتها الغرفة فى هذا المجال باسم الانكوترمز “ Incoterms ” كذلك أصدرت الغرفة قواعد خاصة بالتحكيم التجارى الدولى ، وكذلك قواعد تحكم الاعتمادات المستندية ، وقواعد تتعلق بنقل البضائع.