) .
56 – ثانياً: البيوع المستبعدة ضمناً :
هناك بعض البيوع لم تنص الاتفاقية على استبعادها صراحة ، ولكن يمكن استخلاص استبعادها ضمنا من مجموع نصوص اتفاقية فيينا وذلك على النحو التالى :-
(أ) بيع العقار :
تعالج الاتفاقية البيع الدولى للبضائع ، ولما كان العقار لا يعتبر قانوناً من البضائع أو السلع فإنه يستبعد من الخضوع لأحكام الاتفاقية . ونلاحظ أن عنوان القانون الموحد لاتفاقية لاهاى سنة 1964 باللغة الفرنسية هو بيع المنقولات المادية objets mobiliers corporels بينما يستخدم الأصل الإنجليزى لهذا القانون اصطلاح بيع البضائع sale of goods { صفحة 72 } أما اتفاقية فيينا فانها تستخدم اصطلاح بيع البضائع سواء فى الأصل الفرنسى marchandises أو فى الأصل الإنجليزى .
ونلاحظ أن اتفاقية فيينا وإن كانت تقضى صراحة بأنه لا يشترط لسريان أحكامها أن يكون أطراف البيع من التجار أو أن يكون البيع تجارياً ، إلا أن الواضح من مجموع نصوص هذه الاتفاقية أنها تنصرف أساساً إلى البيع التجارى خاصة بعد أن استبعدت المادة 2 صراحة البيع الذى يرد على سلع استهلاكية ، ذلك أن الهدف من النص على عدم اشتراط تجارية البيع أو الصفة التجارية لأطرافه هو تجنب الدخول فى معيار التفرقة بين العمل التجارى والعمل المدنى وهى تفرقة لا تعرفها بعض النظم القانونية ، فضلا عن اختلاف معيارها فى الدول التى تأخذ بهذه التفرقة .
على أنه من المسلم به أن اصطلاح " سلعة " أو " بضاعة " لا يتضمن التعامل على العقار ، مهما اختلفت طبيعة النظم القانونية لذلك فإن استبعاد العقار من الخضوع لأحكام الاتفاقية ، أمر لا خلاف عليه ، فضلا عن أن نصوص الاتفاقية كلها تعالج بيع البضائع التى تعتبر من المنقولات ، فالنصوص التى تتكلم عن التزام البائع بالتسليم وتعالج بالتالى زمان التسليم ومكانه ، وتتعرض للحالات التى تكون فيها البضاعة المبيعة محل نقل من مكان إلى آخر ثم تعرض للالتزام بتسليم بضاعة مطابقة لما تم الاتفاق عليه من حيث النوع والكمية ، كلها تفترض أن الأمر يتعلق ببيع منقولات ، وأن بيع العقار ليس وارداً ضمن البيوع التى تخضع للاتفاقية .
(ب) بيع المنقول المعنوى :
تؤدى نصوص الاتفاقية كذلك ، إلى أنها لاتسرى على بيع المنقول المعنوى برغم أن الاتفاقية لم تستعمل اصطلاح الأصل الفرنسى للقانون الموحد لاتفاقية لاهاى وهو( بيع المنقولات المادية ) ، إلا أن { صفحة 73 } مجموع نصوص الاتفاقية تؤدى إلى أنها تسرى على بيع المنقولات المادية دون بيع المنقولات المعنوية كحقوق الدائنية وبيع المحل التجارى ، وبيع حقوق الملكية الصناعية والتجارية ، وحقوق الملكية الأدبية والفنية.
57 – ثالثاً : استبعاد عقدى الاستصناع والمقاولة :
تنص الفقرة (1) من المادة 3 من اتفاقية فيينا على أن " تعتبر من قبيل عقود البيع ، العقود التى يتم بمقتضاها توريد سلع يتم صنعها أو إنتاجها ، ما لم يقدم الطرف الذى يطلب هذه السلع جزءاً جوهرياً a substantial part من المواد اللازمة لتصنيعها أو إنتاجها " . وبمقتضى هذا النص فإن بيع السلع المصنوعة أو المنتجة أو التى يتعهد فيها البائع بصنعها أو بإنتاجها ، كبيع صفقة من الآلات سيتم تصنيعها بمعرفة البائع ، أو بيع كمية من القمح سيتم زراعتها بواسطة البائع ، فإن العقد هنا يعتبر عقد بيع ويخضع لأحكام الاتفاقية .
أما إذا قدم الطرف الذى يطلب هذه السلع جزءاً جوهرياً من المواد التى تدخل فى صناعة أو إنتاج السلعة محل البيع ، فإن العقد لا يعتبر فى هذا الفرض من عقود البيع الخاضعة للاتفاقية .
ذلك أن العقد يعتبر بيعا إذا كان الصانع ( البائع ) يقدم من عنده المواد اللازمة لصناعة السلعة ، أما إذا كان طالب السلعة هو الذى يقدم المواد الأولية أو الجزء الأكبر منها ، بحيث يقتصر عمل الطرف الآخر على مجرد صنع السلعة ، أو تقديم جزء غير هام من المواد الأولية بالإضافة إلى صنعها ، فإن العقد لا يعد بيعاً وإنما هو عقد استصناع أو عقد مقاولة (17) وبالتالى يعتبر من البيوع المستبعدة التى { صفحة 74} لا تخضع للاتفاقية . وعلى الطرف الذى يتمسك بأن العقد ليس بيعاً وإنما من عقود الاستصناع التى لا تخضع للاتفاقية ، عبء إثبات ذلك .
وقد استبعدت المادة 6 من القانون الموحد لاتفاقية لاهاى سنة 1964 عقد الاستصناع من الخضوع لأحكامه بنص مماثل لنص المادة 3 (1) من اتفاقية فيينا .
وبعد أن استبعدت الاتفاقية عقد الاستصناع من الخضوع لها ، نصت المادة 3 أيضاً فى فقرتها الثانية على أنه " لا تسرى الاتفاقية على العقود التى يكون فيها الجزء الغالب preponderant part من التزامات الطرف الذى يورد السلع إلى طالبها عبارة عن تقديم عمل أو أى نوع آخر من أنواع الخدمات " .
والسبب فى استبعاد هذا العقد أنه يعتبر فى جوهره من عقود المقاولة ، ذلك أن محل عقد المقاولة ، القيام بعمل أو تقديم خدمة إلى الطرف الآخر ، من ذلك مثلا عقود الإنشاءات وأهم صورة لهذه العقود عقد تسليم المفتاح الذى يتفق فيه رب العمل مع المقاول على أن يقوم لحسابه بإنشاء مبنى أو مصنع أو فندق أو مطار أو إحدى المنشآت المتصلة بمرفق عام كمحطات الصرف الصحى أو مترو الأنفاق ، فهذه الصور من العقود قد يقدم فيها المقاول بعض السلع إلى رب العمل ولكن الجزء الهام من العقد هو العمل أو الخدمة التى يقدمها المقاول إلى رب العمل (18) . كذلك قد يتعهد المقاول بتوريد بعض السلع لحساب رب العمل ولكنه يتعهد بتركيبها فى إحدى المنشآت التابعة للأخير ، من ذلك المقاول الذى يورد آلات ميكانيكية أو أجهزة { صفحة 75} كهربائية لإحدى المنشآت ويلتزم بالقيام بتركيبها وتشغيلها ، كالقيام بتركيب آلات يوردها المقاول إلى رب العمل أو القيام بتوريد وتركيب أجهزة تكييف لحساب رب العمل ، فالعقد هنا وان اشتمل فى جزء منه على بيع بعض السلع ، إلا أن جزءاً هاماً منه يتمثل فى القيام بتركيب وتشغيل الآلات والأجهزة التى يوردها المقاول ، ولذلك يعتبر العقد هنا من العقود غير الخاضعة لاتفاقية فيينا ، بشرط أن يثبت أن الجزء الغالب من التزامات المقاول تتمثل فى تقديم عمل أو القيام بخدمة أخرى بحيث لا يعتبر توريد السلع سوى أحد الالتزامات التابعة لالتزامات المقاول فى العقد ، ويمكن أن يستعان فى هذا الصدد لإثبات طبيعة العقد وما إذا كان يعتبر عقد مقاولة أو عقد بيع بتقدير قيمة السلع التى يتم توريدها مع مقارنتها بالأجر الذى سيدفع مقابل العمل أو الخدمة ، فإذا كانت القيمة الأولى هى الغالبة فالعقد يعد بيعا خاضعاً للاتفاقية ، والا فهو عقد مقاولة يستبعد من نطاق الخضوع للاتفاقية لتخضع للقانون المحلى . ويجب أن تكون قيمة الجزء الغالب أكثر من 50 % من القيمة الكاملة للعقد (19).
ولكى يسهل هذا التقدير فإنه ينظر إلى عقد المقاولة كما لو كان متضمنا لعقدين ، عقد توريد السلع وعقد تقديم الخدمات أو العمل ، فالأصل أن يخضع العقد الأول لاتفاقية فيينا بينما يخضع العقد الثانى للقانون الوطنى أو المحلى ، والفيصل فى تحديد ذلك ، الرجوع إلى أحكام القانون المحلى للتحقق مما إذا كان من الممكن ومن المحتم الفصل بين هذين العقدين ، برغم أن إرادة الطرفين تلعب دوراً هاماً فى هذا المجال ، حتى ولو كان القانون المحلى ينظر إلى هذا العقد المركب كعقد واحد . ويعنى ما تقدم أن نصوص العقد والمظاهر التى تحيط به يمكن أن تدل أو تعبر عن نية طرفيه ، لاعتبار العقد عقد بيع بحسب السمة الغالبة عليه أو أنه عقد مقاولة لأن العمل يمثل الجزء الهام فيه برغم اشتماله على توريد بعض السلع . { صفحة 76 }
ومع ذلك فإن المادة 6 من اتفاقية فيينا تسمح لأطراف التعاقد بتعديل الفقرة 2 من المادة 3 منها وذلك باعتبار العقد من عقود البيع ولو كان الالتزام بتركيب الأجهزة أو الآلات التى يتم توريدها يشكل الجزء الغالب من التزامات المقاول ، بحيث يستطيع أطراف التعاقد بإرادتهم إدخال هذا العقد فى مجال الخضوع لأحكام الاتفاقية برغم أنه بحسب نص المادة 3/2 يعد من العقود المستبعدة (20) .
وفى أثناء مناقشة المادة 3 من اتفاقية فيينا ، عرضت المملكة المتحدة ، اقتراحا باستبعاد عقود بيع نقل المعرفة الفنية أو التكنولوجيا من الخضوع لأحكام الاتفاقية ، وهى العقود التى يكون محلها بيع سلعة يتم تصنيعها أو إنتاجها متى قدم صاحب السلعة المعلومات أو الخبرة الفنية إلى الصانع حتى يتم تصنيعها أو إنتاجها ، على أن هذا الاقتراح لم يلق قبولا من أعضاء لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية ، إذ ربما يترتب على الأخذ به استبعاد عدد من عقود البيع الدولى من نطاق الخضوع للاتفاقية (21) { صفحة 77 }
الفرع الثالث
المسائل المستبعدة
58 – أولاً : سريان الاتفاقية فقط على تكوين وآثار عقد البيع :
تنص المادة 4 من اتفاقية فيينا على ما يأتى :
" تحكم هذه الاتفاقية فقط ، تكوين عقد البيع ، وحقوق والتزامات كل من البائع والمشترى والناشئة عن عقد البيع ، وفيما عدا ما يرد بشأنه نص صريح مخالف فى هذه الاتفاقية ، فإنها لا تسرى على وجه الخصوص على ما يأتى :
(أ) صحة العقد أو صحة أى شرط من شروطه ، أو صحة الأعراف السارية عليه.
(ب) الأثر الذى قد يرتبه عقد البيع على ملكية البضائع أو السلع محل البيع " .
وقد تضمنت المادة 8 من القانون الموحد لاتفاقية لاهاى سنة 1964 نصاً مماثلاً ولكنها استبعدت أيضاً الأحكام الخاصة بتكوين عقد البيع من نطاق الاتفاقية التى تعالج آثار عقد البيع ، إذ تعالج فى اتفاقية أحكام تكوين عقد البيع ، ولما كانت اتفاقية فيينا تعالج الأمرين معاً كما قدمنا ، فإنها تنص على أنها تحكم فقط قواعد تكوين عقد البيع والآثار المترتبة على العقد ، أما الالتزامات أو قواعد المسئولية التى تنشأ خارج عقد البيع ولكن بسببه ، فإنها لا تخضع للاتفاقية . { صفحة 78 }
59 – صحة البيع وصحة شروطه :
استبعدت اتفاقية فيينا صراحة المسائل المتعلقة بصحة عقد البيع وصحة الشروط التى يتضمنها هذا العقد ، تاركة هذين الأمرين لتنظيم القوانين الوطنية .
ولما كانت اتفاقية فيينا قد نظمت فقط من قواعد تكوين عقد البيع ، أحكام الإيجاب والقبول – كما فعلت اتفاقية لاهاى سنة 1964 – فإن الأركان الأخرى لعقد البيع تخضع لأحكام القوانين الوطنية ، من ذلك قواعد الأهلية وشروط صحة الرضا وعيوبه من غلط وإكراه وتدليس .
ومن ناحية أخرى فإن الأحكام الموضوعية لصحة البيع كمشروعية محل البيع أو سببه لا تخضع لأحكام الاتفاقية ، وإنما تخضع لأحكام القوانين الوطنية ، لأن هذه الأمور من المسائل التى تختلف من دولة إلى أخرى ومن العسير إخضاعها لقواعد موحدة ، إذ ما قد يعتبر مشروعا فى إحدى الدول قد لا يعد كذلك فى دولة أخرى ، كالاتجار فى الخمور مثلا . كذلك قد تختلف القواعد الاقتصادية التى تحكم التصدير والاستيراد والرقابة عليهما من دولة إلى أخرى ، كما تختلف القوانين الوطنية التى تهدف إلى حماية المستهلك . لكل ذلك استبعدت اتفاقية فيينا أحكام صحة عقد البيع أو صحة الشروط التى يتضمنها من الخضوع لها .
60 – صحة الأعراف السارية :
أما عن صحة الأعراف السارية على عقد البيع ، فإن هذا يعنى موافقة العرف للنظام العام فى الدولة (22) ، ولما كانت هذه المسألة تختلف من دولة إلى أخرى بحيث يصعب وضع قاعدة موحدة تلزم { صفحة 79 } الدول باتباع أو احترام هذا العرف ، فإن الاتفاقية آثرت أن تترك هذه المسألة للقوانين الوطنية .
ومع ذلك فقد سمحت الاتفاقية للدول بألا تقر قواعد العرف الدولى الذى يتعارض مع أحكام القوانين الوطنية ، أى التى تتعارض مع قواعد النظام العام فى مختلف الدول (23) ، فإذا كان العرف الدولى مثلا يقضى بالأخذ بسعر فائدة تأخير على ثمن السلع محل البيع ، يزيد على الحد الأقصى المقرر فى قانون دولة معينة ، فإنه لا يجوز الأخذ بهذا العرف فى تلك الدولة .
ونلاحظ أن المسألة المستبعدة فى اتفاقية فيينا فى هذا الشأن هو صحة العرف الثابت دوليا متى تعارض مع النظام العام فى الدولة ، أما تطبيق العرف ذاته فلا يستبعد من نطاق الخضوع للاتفاقية ، والعكس هو الصحيح وفقا للمادة 9 من اتفاقية فيينا التى تقضى صراحة بالتزام أطراف البيع بأحكام العرف ، ما دام أن هذا العرف لا يتعارض مع قواعد النظام العام فى الدولة .
61 – أثر عقد البيع على ملكية البضائع محل التعاقد :
تستبعد اتفاقية فيينا أيضا أثر عقد البيع على ملكية البضائع محل التعاقد ، أى ما إذا كان يترتب على عقد البيع فى ذاته نقل ملكية البضائع محل البيع أم أن ثمة إجراءً معيناً يجب إتباعه لتنتقل الملكية . واستبعاد هذا الأمر منطقى لأن تقرير انتقال ملكية البيع ولحظة انتقال هذه الملكية من الأمور الخلافية التى تتباين فيها النظم القانونية المختلفة والتى ترجع عادة إلى اعتبارات تاريخية تتعلق بهذه النظم ، فمن هذه النظم ما يرتب نقل الملكية على مجرد إبرام العقد ، ومنها ما يربط بين القيام بعمل معين ونقل الملكية من ذلك إفراز المبيع أو تسليمه إلى المشترى .{ صفحة 80}
62 – ثانياً : استبعاد مسئولية البائع عن الأضرار البدنية التى تحدثها البضاعة المبيعة:
تنص المادة 5 من اتفاقية فيينا على أنه : " لا تنطبق أحكام الاتفاقية على مسئولية البائع عن الوفاة أو الأضرار البدنية التى تسببها السلعة المبيعة لأى شخص " (24) .
ويقصد هذا النص أن الاتفاقية لا تنطبق على أحكام مسئولية المنتج عن الأضرار البدنية التى تحدثها السلع المعيبة .
ويعد هذا الحكم من الأحكام المستحدثة فى اتفاقية فيينا والتى لم تنص عليها قواعد القانون الموحد لاتفاقية لاهاى . على أنه يمكن أيضا استخلاص هذا الحكم من نص الفقرة الأولى من المادة 4 من الاتفاقية التى تقضى ضمنا بأنها لا تنطبق على الالتزامات والمسئوليات الخارجة عن نطاق عقد البيع ، إذ قضت هذه الفقرة صراحة بأن الاتفاقية لا تنطبق إلا على قواعد تكوين عقد البيع ، وحقوق والتزامات كل من المشترى والبائع الناشئة عن عقد البيع ، على النحو الذى عرضنا له فيما تقدم .
على أنه يبقى فى نظرنا لحكم المادة 5 من اتفاقية فيينا أهمية خاصة إذ تنشئ هذه المادة حكما لا يمكن استخلاصه من المادة 4/1 من الاتفاقية ، إذ لا تنطبق هذه الاتفاقية بموجب المادة 5 على الأضرار البدنية التى قد تلحق أى شخص بسبب السلعة ولو كانت هذه الأضرار { صفحة 81 } ناشئة للطرف المتعاقد مع البائع أى للمشترى المباشر والتى قد يفهم من المادة 4/1 أنها تخضع للاتفاقية ، أى ولو كان نطاق هذه الأضرار داخلا فى دائرة التعاقد وليس ناشئا عن المسئولية التقصيرية كالأضرار التى تصيب المستهلك الذى يتعامل مع المشترى المباشر من سلعة معيبة بسبب خطأ ارتكبه المنتج فى إنتاجها ذلك أن هذه الأضرار الأخيرة يمكن استخلاص استبعادها ضمنا من نص المادة 4/1 من الاتفاقية ، كما أسلفنا القول .
ونلاحظ أن الاتفاقية لم تستبعد إلا الأضرار البدنية دون الأضرار المادية التى تلحق الممتلكات والتى تحدث مباشرة للمشترى من السلعة المعيبة محل البيع .
63 – ثالثاً : استبعاد أحكام الاتفاقية أو مخالفة أو تعديل حكم فيها ( مبدأ حرية الإرادة فى تحديد نطاق تطبيق الاتفاقية ) :
تنص المادة 6 من الاتفاقية على أنه :
" يمكن لأطراف العقد استبعاد تطبيق هذه الاتفاقية أو مع عدم الإخلال بحكم المادة 12 فإنه يجوز لهم مخالفة أحد نصوصها أو تعديل آثار نص من هذه النصوص " .
ويعنى هذا النص أن من حق طرفى البيع الاتفاق على استبعاد تطبيق أحكام هذه الاتفاقية بالكامل ولو توافرت شروط تطبيقها ، وقد أخذت اتفاقية فيينا فى هذا الخصوص بما قررته المادة 3 من القانون الموحد لاتفاقية لاهاى سنة 1964 والتى تقضى بجواز استبعاد أحكام القانون الموحد برمته أو استبعاد بعض أحكامه ، ويرى البعض أن الأخذ بهذا المبدأ يظهر بوضوح احترام مبدأ سلطان الإرادة والاعتداد بحرية المتعاقدين ، ذلك أن النص قرر حقهما فى استبعاد تطبيق القانون الموحد على عقدهما دون أن يقيدهما بتحديد القانون الواجب التطبيق فى هذه الحالة على العقد (25) . { صفحة 82 }
وقد أثير أمام لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية عند مناقشة هذا الحكم ، ما إذا كان يتعين النص على أنه يشترط لتطبيق الاتفاقية أن يختار طرفا عقد البيع صراحة تطبيقها بالنص على هذا الحكم فى العقد ، أم أن هذه الاتفاقية تطبق تلقائيا عند عدم النص فى عقد البيع على تطبيق قانون آخر عليه . وقد رفض اقتراح ضرورة اختيار تطبيق الاتفاقية صراحة فى عقد البيع لإمكان سريان أحكامها لأن من شأن هذا أن يحول الاتفاقية إلى مجرد عقد نموذجى . ولذلك فإن الاتفاقية يمكن استبعاد تطبيقها بالنص صراحة على اختيار قانون آخر وطنى يحكم العقد ، هذا فضلا عن إمكان الاتفاق على استبعاد أحكام الاتفاقية دون النص على تطبيق قانون آخر على العقد وذلك بإمكان استبعاد حكم من أحكام الاتفاقية أو تعديله حتى لو تم ذلك بالنص على الأخذ بشروط عقد من العقود النموذجية . ويعنى ما تقدم أن أحكام الاتفاقية لا تتعلق بالنظام العام ويجوز لطرفى عقد البيع الاتفاق على مخالفتها ، وذلك مع الأخذ فى الاعتبار أن حكم المادة 12 من الاتفاقية يتعلق بالنظام العام ولا يجوز الاتفاق على مخالفته ، وتقضى المادة المذكورة بألا يسرى الحكم الذى يقرر جواز إثبات عقد البيع بأى طريق من طرق الإثبات غير الكتابة متى كان مركز أعمال أحد طرفى البيع يقع فى دولة متعاقدة تأخذ بالتحفظ الوارد فى المادة 96 من الاتفاقية ، وهو التحفظ الذى يقضى بحق كل دولة متعاقدة يقضى تشريعها بوجوب إثبات عقد البيع بالكتابة فى ألا تطبق أحكام الاتفاقية التى تقضى بجواز إثبات عقد البيع بأى طريق من طرق الإثبات غير الكتابة .
ونلاحظ أن اتفاقية فيينا لم تنص على حكم مماثل لما أخذ به القانون الموحد لاتفاقية لاهاى سنة 1964 والذى قضت مادته الثالثة بأن استبعاد أحكام القانون الموحد كما يمكنه أن يقع صراحة يمكن أن يكون ضمنا ، وليس معنى هذا أن اتفاقية فيينا لا تأخذ بمبدأ الاستبعاد الضمنى لأحكامها وإنما أرادت الاتفاقية أن تتفادى إسراف { صفحة83 } المحاكم أو تسرعها فى استبعاد أحكام الاتفاقية (26 ) .
هذا ومن المقرر أن حرية المتعاقدين فى عقد البيع الدولى للبضائع لا تقتصر فقط على حقهما فى استبعاد أحكام اتفاقية فيينا عندما تكون واجبة التطبيق ، وإنما يجوز لهما أيضا الاتفاق على تطبيق أحكام الاتفاقية على عقد بيع لا يخضع أصلا لها . مثل عقد بيع سفينة مثلا ، وذلك بالرغم من عدم النص فى الاتفاقية على الأخذ بحكم مماثل لحكم المادة 4 من القانون الموحد لاتفاقية لاهاى التى تقرر صراحة إمكان الاتفاق على تطبيق القانون الموحد على عقد لا يخضع أصلاً لأحكام هذا القانون طبقا لشروط تطبيقه ، على أن مقتضى الأخذ بهذا الحكم فى اتفاقية فيينا ، أن يسمح القانون الوطنى الذى يتم العقد فى ظله بالأخذ به وذلك متى لم يكن من شأن الأخذ بهذا الحكم مخالفة قواعد قانونية آمرة يقررها القانون الوطنى (27) . { صفحة 84 }
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش الفصل الأول
(1) (1) Schlechtriem : Uniform Sales Law, the UN Convention on contracts of the international sale of goods, Vienna 1986, p.24.
(2) (2) محسن شفيق ، المرجع السابق ، رقم 176 .
(3) (3) فيكون للدولة التى تأخذ بهذا التحفظ أن تطبق الاتفاقية ولو لم يؤد تطبيق قواعد القانون الدولى الخاص فى هذه الدولة إلى تطبيق قانون دولة متعاقدة .
(4) (4) أنظر ما تقدم رقم 10 ، ص 15 – 17 .
(5) (5) أنظر مؤلف شليشتريم Schlechtriem المشار إليه آنفا ، ص 27 .
(6) (6) محسن شفيق ، رقم 170 ، ص 103 .
(7) (7) أنظر مؤلفنا فى القانون التجارى جـ 1 ، المقدمة .
(8) (8) محسن شفيق ، أرقام 171 ، 172 ، 173 ، ص 104 ومابعدها .
(9) (9) شليشتريم ، المرجع السابق ، ص 28 .
(10) (10) محسن شفيق ، المرجع السابق ، بند 165 ، ص 99 – 100 .
(11) (11) أنظر مؤلفنا فى القانون التجارى جـ 2 رقم 32 ، ص 36 .
(12) (12) شليشتريم ، ص 29 .
(13) (13) محسن شفيق رقم 205 ، ص 123 .
(14) (14) هذه البيوع تعد أيضاً من البيوع المستبعدة وفقاً لاتفاقية لاهاى سنة 1964 .
(15) (15) محسن شفيق رقم 205 ، ص 123 .
(16) (16) وقد اقترح ممثل العراق استبعاد بيوع البترول من نطاق الخضوع لاتفاقية فيينا لأن منظمة الأوبك وضعت عقوداً نموذجية لبيع البترول ، ولكن هذا الاقتراح لم يلق استجابة من باقى الدول الأعضاء فى لجنة قانون التجارة الدولية التابعة للأمم المتحدة.
(17) (17) محسن شفيق ، المرجع السابق رقم 200 ص 117 .
(18) (18) نشير فى هذا الصدد إلى الدليل الذى وضعته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية لعقود المنشآت الصناعية والتى تضمنت تنظيما خاصا لهذه العقود ، وقد أجيز هذا الدليل فى اجتماع اللجنة الذى عقد فى مدينة فيينا فى أغسطس سنة 1987 .
(19) (19) شليشتريم ، المرجع السابق ، ص 31 ، 32 .
(20) (20) تنص المادة 6 على أنه يمكن لأطراف التعاقد استبعاد تطبيق أحكام الاتفاقية أو مخالفة أو تغيير أثر من الآثار المترتبة على أحد نصوصها .
(21) (21) شليشتريم ص 32 .
(22) (22) محسن شفيق ، المرجع السابق رقم 192 ص 113 .
(23) (23) شليشتريم ص 33 .
(24) (24) تختلف الأضرار البدنية عن الأضرار المادية فالأولى تلحق الجسم البشرى سواء أدت إلى الوفاة أو إلى إصابة بدنية ، أما الثانية فتلحق الأموال أو الممتلكات كما لو ترتب على السلعة المعيبة ضرر مادى للأموال من ذلك لو تسببت الآلة المعيبة التى تم شراؤها فى إتلاف المواد الأولية أو المواد نصف المصنوعة التى تدخل فى صناعة السلعة مما أدى إلى إلحاق أضرار مادية بمشترى الآلة ، وهى أضرار لم تستبعدها المادة 5 من اتفاقية فيينا .
(25) (25) محسن شفيق ، المرجع السابق ، رقم 209 ، ص 126 .
(26) (26) شليشتريم ص 35 .
(27) (27) شليشتريم ص 36 .

الفصل الثانى
تكوين عقد البيع
64 – تمهيد :
رأينا فيما تقدم أن اتفاقية فيينا قد جمعت فى نصوصها بين الأحكام التى تتعلق بتكوين عقد البيع الدولى للبضائع ، والأحكام الموضوعية لهذا العقد وهما الموضوعان اللذان كانا ينظم كل منهما اتفاقية مستقلة من اتفاقيتى لاهاى سنة 1964 .
وقد تضمن القسم الثانى من الاتفاقية أحكام تكوين عقد البيع بينما نظم القسم الثالث الأحكام الموضوعية للعقد ، وأجازت المادة 92 من اتفاقية فيينا لكل دولة متعاقدة أن تلتزم فقط بأحد القسمين الثانى أو الثالث من الاتفاقية عند التوقيع أو التصديق أو الموافقة أو الانضمام إليها (1) .
ولم تعالج اتفاقية فيينا من قواعد تكوين عقد البيع سوى ركن الرضاء فلم تنظم ركنى السبب والمحل ، بل انها لم تعالج كل أحكام الرضاء ، إذ أنها أغفلت عمداً تنظيم عيوب الرضا لأنها من الأمور التى تختلف فيها التشريعات الوطنية واقتصر التنظيم الذى أتت به الاتفاقية على الإيجاب والقبول ، ذلك لأن اتفاقية فيينا اقتفت أثر اتفاقية لاهاى سنة 1964 بشأن تكوين عقد البيع الدولى وقد اكتفت هذه الاتفاقية الأخيرة أيضا بتنظيم جزء من ركن واحد من أركان العقد هو الرضاء ، ولم تتناول منه إلا الإيجاب والقبول ، فأهملت تنظيم { صفحة 85 } قواعد الأهلية والأحكام المتعلقة بعيوب الرضاء لصعوبة الوصول إلى التوحيد التشريعى فيها (2) .
ونلاحظ أن اتفاقية فيينا قد وردت فيها نصوص تتعلق بتفسير العقد وإثباته ضمن القواعد العامة للاتفاقية وقبل النصوص المنظمة لتكوين العقد . ولما كانت أحكام تفسير العقد وإثباته من الأمور التى تتصل بدراسة تكوين العقد ، فإننا سندرس هذه القواعد فى هذا الباب الذى يتعلق بتكوين عقد البيع ، بعد دراسة أحكام الإيجاب والقبول .
ونقسم دراستنا فى هذا الفصل إذن إلى فرعين ، نتناول فى الأول قواعد الإيجاب والقبول ، ونخصص الثانى لتفسير العقد وإثباته . { صفحة 86 }

الفرع الأول
الإيجاب والقبول
65 – تقديم وتقسيم :
ينعقد العقد بإيجاب وقبول يصدران عن طرفى العقد ، دون أن يشترط فى ذلك أن يصدر الإيجاب عن المشترى والقبول عن البائع أو العكس ، إذ العبرة باتصال القبول بالإيجاب الذى يوجهه أحد طرفى العقد إلى الطرف الآخر .
على أن الأمر لا يتم بهذه الصورة البسيطة فى نطاق عقد البيع الدولى ، لأن هذا العقد تسبقه عادة إما مفاوضات بين طرفى البيع ، أو معاملات سابقة بين الطرفين ، بحيث يعتبر سلوك الطرفين كافياً لانعقاد العقد دون حاجة إلى تميز أو تجسيد كل من الإيجاب والقبول .
ووفقاً لأحكام القانون الموحد لاتفاقية لاهاى سنة 1964 ، فإن الإيجاب والقبول لا ينتجان أثرهما إلا إذا وصلا إلى علم الطرف الآخر ، ويعتبر تسليم التعبير عن الإرادة إلى الطرف الذى وجه له بمثابة وصول هذا التعبير إلى الطرف الذى وجه إليه ، وما يصدق على الإيجاب والقبول ، يصدق أيضا فى القانون الموحد على الرجوع فيهما .
وقد عالجت اتفاقية فيينا أحكام الإيجاب والقبول بنصوص تتشابه فى مجموعها مع أحكام اتفاقية لاهاى سنة 1964 بشأن تكوين العقد (3) . وعالجت المواد من 14 إلى 17 من اتفاقية فيينا قواعد { صفحة 87 } الإيجاب offer ، ونظمت المواد من 18 إلى 22 أحكام القبول acceptance .
وندرس فى مبحثين على التوالى كل من الإيجاب والقبول وفقاً لاتفاقية فيينا . ثم نتكلم فى مبحث ثالث عن اقتران الإيجاب بالقبول .