" ما لم يتفق بين الطرفين على العكس ، يعتبر أنهما قد اتفقا ضمنا على أن يسرى على العقد بينهما أو على تكوينه ، العادة التجارية التى يعلمان بها أو يجب أن يعلما بها ، والتى تكون معروفة للكافة فى مجال التجارة الدولية ويراعيها المتعاقدون عادة فى العقود الدولية فى نفس نوع التجارة محل التعاقد " .
ويعنى هذا النص أن العادة التجارية تعتبر ملزمة طبقاً لاتفاق ضمنى غير ظاهر بين المتعاقدين ، متى كان طرفا العقد يعلمان أو يجب أن يعلما بهذه العادة ، ولكن تحدد الفقرة الثانية من المادة 9 بعض المتطلبات القانونية لكى تعتبر مثل هذه العادة ملزمة للمتعاقدين وذلك باشتراط أن تكون معلومة للكافة فى مجال التجارة الدولية فى نفس نوع التجارة محل التعاقد ، ويراعيها المتعاقدون عادة فى هذا المجال .
ويهدف هذا النص إلى منح قيمة قانونية كبيرة للعادات التجارية السائدة فى مجال التجارة الدولية فى نوع معين من أنواع النشاط ، على سبيل المثال ، فى التجارة الدولية للحبوب فإن العادات التجارية التى يتبعها المتعاقدون فى بيع وشراء الحبوب فى السوق الدولى يجب احترامها قانوناً عند تفسير عقد بيع يكون محله هذا النوع من التجارة (41) . {صفحة 121 }
ويقلل هذا النص من أهمية العادات التجارية المحلية التى تعرفها البيوع الوطنية ، ولا يتبعها المتعاقدون عادة فى المعاملات الدولية ، فهى عادات لا يمكن أن يعترف بدوليتها لأن الطرف المتعاقد الأجنبى لا يعلمها ولا يفترض فيه أن يعلمها .
وترجع أهمية العادات التجارية فى مجال عقد البيع الدولى إلى أنها تستمد إلزامها من الاتفاق الضمنى بين المتعاقدين على الأخذ بها ، وفى هذا تغلب اتفاقية فيينا إرادة الطرفين على أحكامها .
المبحث الثانى
إثبات عقد البيع الدولى للبضائع
86 – مبدأ حرية شكل العقد :
يعتبر مبدأ حرية تكوين إثبات التصرفات التجارية ، من المبادئ المسلم بها فى مختلف النظم القانونية . وبالرغم من أن اتفاقية فيينا تعالج البيع الدولى للبضائع وتنص صراحة على أنه لا يشترط أن يكون البيع تجارياً لكى يخضع لأحكامها ، إلا أنه من المقرر أن هذه الاتفاقية تنصرف أحكامها أساسا إلى البيع التجارى الدولى ، لذلك لم يكن من الغريب أن تقرر الاتفاقية مبدأ حرية كل من تكوين وإثبات عقد البيع الدولى للبضائع.
وتنص المادة 11 من الاتفاقية على أن :
" لا يشترط إبرام عقد البيع ولا إثباته بالكتابة ، فلا يخضع العقد لأى شرط شكلى. ويمكن إثبات العقد بأى طريق من طرق الإثبات بما فيها البينة " ، ومن هذا النص يبين أن عقد البيع الدولى للبضائع يعتبر وفقا لاتفاقية فيينا عقداً رضائياً وليس عقداً شكلياً ، فلم تشترط لإبرام هذا العقد أن يفرغ فى شكل معين . { صفحة 122 }
ومن ناحية أخرى ، فإن الاتفاقية قررت أيضا عدم خضوع إثبات هذا العقد لشكل معين ، فهو يخضع لمبدأ حرية الإثبات ، فيجوز إثباته بكافة طرق الإثبات بما فى ذلك شهادة الشهود .
وقد جاء نص المادة 11 من اتفاقية فيينا على هذا النحو ليستجيب لحاجات التجارة الدولية ، التى تتحرر من قيود الشكل عند إبرام عقد البيع الدولى .
87 – شرط التحفظ على مبدأ حرية تكوين وإثبات العقد :
إذا كان مبدأ حرية تكوين وإثبات عقد البيع الدولى للبضائع هو الأصل وفقاً لأحكام اتفاقية فيينا ، فإن الاتفاقية راعت أن قوانين بعض الدول ، قد تتطلب شكلاً معيناً لتكوين عقد البيع ، لذلك وضعت الاتفاقية تحفظاً على مبدأ حرية شكل العقد ، يجيز للدول التى تأخذ به ، أن تطبق القاعدة التى يأخذ بها قانونها الوطنى متى كان واجب التطبيق على العقد وفقاً لقواعد تنازع القوانين ، إذا كان هذا القانون يتطلب الكتابة كشكل للعقد.
لذلك نصت المادة 12 من الاتفاقية على أن :
" لا تطبق بخصوص كل من المادة 11 والمادة 29 والقسم الثانى من هذه الاتفاقية ( المتعلقة بتكوين عقد البيع ) والتى تسمح بأن يتم عقد البيع أو أى تعديل أو إنهاء له بالتراضى أو بأن يصدر الإيجاب أو القبول أو أى تعبير عن الإرادة فى أى شكل آخر غير الكتابة ، عندما يكون مركز أعمال أحد المتعاقدين فى دولة متعاقدة تكون قد أخذت بالتحفظ الوارد فى المادة 96 من هذه الاتفاقية . ولا يجوز للمتعاقدين مخالفة هذه المادة أو تغيير أثرها " .
ويلاحظ على هذا النص ما يأتى :
1 – يشير إلى عدم تطبيق المادة 11 والتى رأينا حكمها فى البند السابق والتى تقضى بمبدأ حرية شكل عقد البيع . وكذلك { صفحة 123 } المادة 29 من الاتفاقية التى تقرر فقرتها الأولى أن عقد البيع يمكن تعديله أو انهاؤه بمجرد تراضى الطرفين . بينما تقضى الفقرة الثانية منها بأن العقد المكتوب الذى يتضمن شرطاً يتطلب أن يتم أى اتفاق على تعديل أو إنهاء العقد بالكتابة فإنه لا يكفى التراضى لتعديل أو إنهاء العقد وعلى أية حال فإن سلوك أحد الطرفين يمكن أن يمنعه من التمسك بهذا النص إذا اعتمد الطرف الآخر على هذا السلوك . وكذلك يشير نص المادة 22 إلى عدم تطبيق أحكام القسم الثانى من الاتفاقية الذى يتضمن قواعد الإيجاب والقبول . أى أن النص يشير إلى عدم التقيد بأحكام الاتفاقية التى لا تشترط شكلاً معيناً للتعبير عن الإرادة عند إبرام عقد البيع إذا كان مركز أعمال أحد المتعاقدين فى دولة متعاقدة أخذت بالتحفظ الوارد فى المادة 96 من الاتفاقية .
2 – تقضى المادة 96 من الاتفاقية بإيراد تحفظ من شأنه ، أنه يجوز لأية دولة متعاقدة يتطلب قانونها أن يبرم عقد البيع أو يثبت بالكتابة ، أن تعلن فى أى وقت وطبقاً للمادة 12 من الاتفاقية بأن نصوص المادة 11 والمادة 29 والقسم الثانى من الاتفاقية ( المتعلق بالإيجاب والقبول ) والتى تسمح بأن يتم عقد البيع أو تعديله أو انهاؤه بالتراضى أو أن يصدر الإيجاب أو القبول أو أى تعبير عن الإرادة فى أى شكل غير الكتابة ، بألا تطبق هذه الأحكام إذا كان مركز أعمال أى من طرفى العقد فى هذه الدولة ( أى الدولة التى تعلن الأخذ بالتحفظ المشار إليه فى المادة 96 ) .
ويلاحظ أن هذا التحفظ لا يشترط لنفاذه الأخذ به عند التصديق على الاتفاقية أو الانضمام إليها وإنما يمكن الأخذ به فى أى وقت ، أى تستطيع أن تعلن أية دولة متعاقدة الأخذ بهذا التحفظ حتى بعد الانضمام إلى الاتفاقية .
3 – تؤكد الجملة الأخيرة من المادة 12/2 من الاتفاقية أن نص المادة 12 يعتبر آمراً فلا يجوز للمتعاقدين النص على مخالفته أو تغيير حكمه أو أثره .{ صفحة 124 }
88 – المقصود بالكتابة فى اتفاقية فيينا :
رأينا من عرض النصوص الواردة فى اتفاقية فيينا بشأن شكل العقد ، أن الأصل هو حرية شكل عقد البيع ، والاستثناء أن تأخذ بعض الدول بالتحفظ الوارد فى المادة 96 من الاتفاقية ، فتطبق أحكام قوانينها التى تتطلب الكتابة كشكل لإبرام عقد البيع أو كشرط لإثباته . ويقصد بالكتابة ، كل محرر مكتوب صادر عن المتعاقدين . على أن معنى الكتابة فى مجال قانون التجارة الدولية ، ووفقا للاتجاه الحديث لا يشمل فقط كل محرر مكتوب يثبت أنه صادر عن أحد المتعاقدين أو عنهما معا وذلك بتوقيعه ممن صدر عنه ، بل يشمل المحرر المكتوب وفقا للمعنى الحديث فى قانون التجارة الدولية أى محرر يثبت إرساله من أحد الطرفين إلى الآخر ولو لم يكن موقعاً بخط الصادر منه هذا المحرر من ذلك البرقية والتلكس . لذلك نصت المادة 13 من اتفاقية فيينا على تقنين هذا المبدأ صراحة ، فتقرر أنه :
" فى تطبيق أحكام هذه الاتفاقية ، تشمل الكتابة ، البرقية والتلكس "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش الفصل الثانى
(1) (1) أنظر ما تقدم رقم 40 .
(2) (2) محسن شفيق رقم 219 ص 132 و 133 .
(3) (3) شليشتريم ص 48 .
(4) (4) الأستاذ السنهورى فى الوسيط ، جـ 1 ، المجلد الأول ، الطبعة الثالثة سنة 1981 رقم 72 ص 213 .
(5) (5) نقض مدنى فى 19 يونيه 1969 ، مجموعة أحكام النقض ، السنة 20 رقم 159 ص 1017 .
(6) (6) السنهورى ، المرجع السابق رقم 100 ص 261 ، 262 .
(7) (7) نقض مدنى فى 9 فبراير 1967 ، مجموعة أحكام النقض ، السنة 18 رقم 52 ص 334 .
(8) (8) السنهورى ، رقم 101 ، ص 264 .
(9) (9) السنهورى ، رقم 102 ، ص 264 .
(10) (10) نلاحظ أن صياغة نص الفقرة الثانية من المادة 14 من الاتفاقية فى النسخة الفرنسية تختلف عن النسخة الإنجليزية ، إذ جاء فى النسخة الفرنسية أن توجيه العرض إلى أشخاص غير محددين personnes indéterminée يعد مجرد دعوة إلى الإيجاب . أما النص الإنجليزى فقد قرر أن العرض الموجه إلى غير شخص أو أشخاص محددين يعد مجرد دعوة لتقديم إيجاب ، بيد أن المعنى الذى يمكن أن يستخلص من النصين الفرنسى والإنجليزى واحد على النحو الذى عرضنا له فى المتن ، فالمقصود توجيه العرض إلى الجمهور .
(11) (11) السنهورى ، رقم 100 ، ص 261 و 262 وهامش 21 من الصفحة الأخيرة .
(12) (12) السنهورى : المرجع السابق رقم 81 ، ص 227 و 228 .
(13) (13) السنهورى ، رقم 103 ، ص 264 .
(14) (14) السنهورى ، رقم 104 ، ص 265 و 266 .
(15) (15) شليشتريم ص 52 .
(16) (16) ، (17 ) السنهورى رقم 104 ص 267 .
(18) (18) محسن شفيق ، رقم 227 ص 139 .
(19) (19) محسن شفيق هامش 2 من ص 140 .
(20) (20) السنهورى ، المرجع السابق رقم 113 ص 282 وما بعدها .
(21) (21) شليشتريم ص 54 . وطبقا لنص المادة 9 من الاتفاقية الواردة بشأن تفسير العقد ، يلتزم المتعاقدان بالعادات التجارية التى يتفقا على الالتزام بها وكذلك بالتعامل السابق بينهما . أنظر ما سيأتى لاحقاً بشأن تفسير العقد فى الفصل الثانى .
(22) (22) محسن شفيق رقم 232 ص 142 .
(23) (23) السنهورى رقم 111 ص 277 .
(24) (24) عبر النص الفرنسى عن عبارة " بصفة خاصة " بكلمة notamment أما النص الإنجليزى فقد عبر عن هذا المعنى بعبارة among other things وهو تعبير أكثر صراحة فى أن التحديد الوارد فى النص على سبيل المثال وليس حصريا.
(25) (25) شليشتريم ص 56 .
(26) (26) محسن شفيق ، رقم 232 ص 144 .
(27) (27) كذلك تضمن القانون الموحد لاتفاقية لاهاى سنة 1964 حكما لم يرد فى اتفاقية فيينا يقضى بأنه متى كان الإيجاب شفوياً وجب أن يكون القبول فوريا إلا إذا اتضح من الظروف اتجاه نية الموجب إلى منح المخاطب مهلة للتفكير ( المادة 8/1 ) .
(28) (28) محسن شفيق رقم 234 ص 144 .
(29) (29) انظر ما تقدم رقم 68 .
(30) (30) السنهورى رقم 81 ص 228 .
(31) (31) أنظر ما تقدم رقم 73 .
(32) (32) أنظر ما تقدم رقم 71 .
(33) (33) اعتمدنا فى عرضنا الموجز لهذه النظريات على مؤلف الأستاذ السنهورى المشار إليه فيما تقدم ، من رقم 123 إلى رقم 126 ص 309 – 310 .
(34) (34) شليشتريم ص 38 .
(35) (35) محسن شفيق رقم 249 ص 154 .
(36) (36) ويقترب هذا الحكم من رأى يقول به الدكتور أحمد الشيتى فى رسالته تكوين العقد وتفسيره فى القانون المصرى الجديد ص 58 وأشار إليه الأستاذ السنهورى المرجع السابق ص 821 ، وهو أن النية المشتركة للمتعاقدين تتمثل فى الإيجاب الموجه من الموجب إلى الطرف الآخر ، مفهوماً على النحو الذى أخذ به الطرف الآخر أو كان يستطيع أن يأخذ به ، فالإيجاب يصدر من الموجب ويتلقاه الطرف الآخر ، ويفهمه أو كان يستطيع أن يفهمه على نحو معين ، فهذا الفهم الحاصل فعلا أو المستطاع تحصيله هو الذى يقف عنده لأنه هو القدر المتيقن الذى يتلاقى عنده المتعاقدان .
(37) (37) أنظر ما تقدم رقم 66 .
(38) (38) أنظر ما تقدم رقم 71 .
(39) (39) نقض مدنى فى 16 مايو سنة 1967 مجموعة النقض السنة 18 رقم 150 ص 1005 ونقض مدنى فى 24 مايو سنة 1962 المجموعة السنة 13 ص 963. على أن التكييف القانونى الصحيح لما قصده المتعاقدان وإنزال حكم القانون على العقد هو مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض ، أنظر نقض مدنى فى 9 مارس سنة 1972 المجموعة السنة 23 رقم 29 ص 276 ونقض مدنى فى 2 يونيو سنة 1970 المجموعة السنة 21 رقم 152 ص 951 .
(40) (40) شليشترم ص 42 .
(41) (41) شليشترم ص 41 .
__________________