صياغة الدستور ، أى دستور عملية مركبة من ثلاثة عناصر على الأقل ، أولها أنها عملية سياسية بإمتياز حيث تسعى كل القوى السياسية الفاعلة فى المجتمع لأن تكون رؤيتها لمستقبل البلد مسيطرة على نصوصه ، و بالتالى فإن إحداث التوازن بين الرؤى المختلفة مسألة جوهرية ، و هى عملية أدبيه حيث أن إحكام الصياغة وجمالها يجعل عملية الصياغة عمل أدبى غاية فى الأهمية ليتغنى بكلماته الشعب خلال سنوات و سنوات ، وهى فى النهاية عملية قانونيه بإعتبار أن الدستور ابو القوانين ، أو قمة الهرم القانونى كما يصفه الأساتذه ، فإذا طبقت ذلك على المشروع المعروض لوجدت للأسف أن هذه العناصر المختلفة ، غائبة تماما عنه فمن ناحية لم تمثل فى الجمعية التأسيسية كافة التيارات السياسية بطريقة متوازنه الأمر الذى جعل نصوص الدستور لا تعبر عن كافة الإتجاهات و إنما كرست إتجاها واحد فى نصوص مباشرة أو بين السطور و من ناحية آخرى فإن التركيز على مضمون النصوص و تفصيلاتها الممله جاء على حساب الصياغة الأدبيه ، حيث غابت عن هذه النصوص الدقة و الجمال ، و أخيرا من الناحية الفنية البحته فلى على المشروع مآخذ كثيرة ، إذ ان التدقيق فى النصوص لمحاولة فهمها تكشف عن عوار متعمد أو من قبيل الخطأ غير المغتفر ، و أكتفى بسرد بعض الجوانب تاركا البعض الآخر وذلك حسب أهمية وخطورة النص : 1 ـ المواد 51 و 52 و 53 تنظم هذه المواد حرية تكوين الجمعيات و الأحزاب من ناحية و النقابات من ناحية آخرى وهذه النصوص بعد أن قررت المبدأ العام وهو حرية تكوين هذه المؤسسات أوردت عليه إستثناءا هادما له حيث أجازت حل هذه المؤسسات ككيانات قانونيه، بحكم القضاء الذى سيستند على نصوص قانونية تحدد حالات الحل وهذا أمر غاية فى الخطورة ، فقد يكون مفهوما ان تحل مجالس إدارتها أما حل الكيان القانونى نفسه فهو أمر خطير للغايه . فإذا أضفنا الى هذا ان نص الماده 53 يقصر تمثيل المهنة على نقابة واحده فإن الحرية التى منحها فى بداية النص تصبح منقوصة . 2 ـ الماده 70 من المشرع تتحدث عن تحريم عمل الأطفال إلا انها ترجع و تجيزه إذا كان العمل يناسب عمره و لا يمنع إستمراره فى التعليم وكأن هماك اعمال تناسب الأطفال و لا تمنع استمرارهم فى التعليم ، إن هذا الإستثناء يتعارض مع كل الإتفاقات الدولية التى وقعتها مصر ، إضافة إلى إعلان الأمم المتحدة المتعلق بحقوق الطفل . 3 ـ المادة 76 التى تتحدث عن انه لا جريمة ولا عقوبة الا بنص دستورى أو قانونى ، وهو نص غاية فى الخطورة إذ يسمح للقاضى الجنائى الرجوع لنصوص الدستور لمعرفة ما هو مجرم من عدمه و تطبيق هذا النص يسمح للقاضى بتطبيق الشريعة الإسلامية مباشرة من مصادرها إستنادا الى النص الدستورى الأمر الذى يفتح الباب لإجتهادات لا حصر لها فى مجال ظل دائما محكم الصياغة و منضبط التفسير الا هو مجال التجريم و العقاب . 4 ـ المادة 81 التى تتحدث عن الحقوق و الحريات اللصيقة بالشخصية ، و تقيدها بعدم التعارض مع المقومات الواردة فى باب الدولة و المجتمع ، و من الناحية العملية فإن الإشارة الى هذه المقومات يجعل التقييد مطاطا لإستنباطه من نصوص جاءت بصيغ عامة و غير منضبطه . 5 ـ و أخيرا المادة 198 التى تجيز احالة المدنيين الى المحاكم العسكريه ، وقد حاول واضع النص ان يحيط القضاء العسكرى ببعض الضمانات ليحقق إستقلاليته الا ان كل ذلك لا يبرر محاكمة المدنيين امامه و النص على ذلك فى الدستور لأول مرة فى التاريخ الدستورى المصرى . هذه بعض المآخذ الفنية على بعض النصوص المطروحة للإستفتاء بإعتبارها مشروع دستور مصر و ساحاول فى الأيام القادمة تحليل النصوص الآخرى لبيان عوارها . لكل هذا وغيره أرفض مشروع الدستور .


Shaban Abd Elrahman