باسم صاحب السمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح

المحكمة الدستورية
بالجلسة المنعقدة علناً بالمحكمة بتاريخ 14 من جمادي الآخر 1430هـ الموافق 7 من يونيه 2009م.
الوقـائـع
حيث إن حاصل الوقائع – حسبما يبين من حكم الإحالة وسائر الأوراق – أن النيابة العامة أسندت إلى (المتهمين) عدة تهم نسبت فيها إليهما أنهما في غضون عام 2006 بدائرة مخفر المباحث الجنائية محافظة العاصمة ارتكب (المتهم الأول) تزويراً في محرر رسمي بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة، واستعمال محرر رسمي فقد قوته القانونية قاصداً الإيهام بأنه مازال محتفظا بقوته القانونية، وسرقة بطاقة مدنية وذلك على النحو المبين بالتحقيقات، وقيام (المتهم الثاني) بارتكاب تزوير في محرر رسمي بقصد استعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة، وانتحال شخصية، واستعمال محرر رسمي زوره غيره مع علمه بتزويره، واشتراكه في جريمة بعد وقوعها حال علمه بتمام ارتكابها بإخفاء البطاقة المدنية المتحصلة من جريمة السرقة موضوع التهمة المسندة إلى المتهم الأول وذلك على النحو المبين بالتحقيقات، وطلبت النيابة عقابهما بالمواد (49/ثانياً) و (55/1) و (217/1-2) و (219) و (257) و (259/1) و (260) و (261) من قانون الجزاء.
وحيث إن مبنى النعي على هذين النصين – حسبما يبين من حكم الإحالة – أو أولهما قد جرم فعل إخفاء الأشياء المتحصلة من ارتكاب الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها بعد وقوعها وكان الفاعل على علم بتمام ارتكابها، وأسبغ على المخفي وصف الشريك في الجريمة بعد وقوعها، وأن النص الثاني أنزل العقاب الذي حدده على من أسبغ عليه هذا الوصف، في حين أن الاشتراك في الجريمة يتطلب قصدا خاصاً وإتيان فعل من الأفعال المكونة للاشتراك كالتحريض أو الاتفاق أو المساعدة مما يستوجب عقلاً ومنطقاً أن تكون هذه الأفعال سابقة على ارتكاب الجريمة أو معاصرة لها لأنها تقع بناء على فعل الشريك وما قصد إليه، ولهذا فإن معاقبة من أخفي الأشياء المتحصلة من ارتكاب الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها دون قيامه بأن دور في الجريمة قبل ارتكابها واعتباره شريكا فيها بعد وقوعها يخالف مبدأ شخصية العقوبة المنصوص عليه في المادة (33) من الدستور.
وحيث إن هذا النعى سديد، وذلك أن النص في المادة (30) من الدستور على أن "الحرية الشخصية مكفولة" وفي المادة (32) منه على أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ..." وفي المادة (33) منه على أن "العقوبة شخصية " يدل – وحسبما جرى به قضاء هذه المحكمة – على أن مبدأ شرعية الجريمة والعقوبة الذي يخول المشرع بموجب سلطته التقديرية – التي يمارسها وفقاً للدستور – الحق في إنشاء الجرائم وتحديد العقوبات التي تناسبها وإن اتخذ هذا المبدأ من كفالة الحرية الشخصية بنياناً لإقراره، وأساساً لتأكيده إلا أن هذه الحرية ذاتها هي التي تقيد محتواه ومضمونه، بحيث لا يكون إنفاذه إلا بالقدر اللازم الذي يكفل صونها، ولازم ذلك أنه يجب أن تكون الأفعال المؤثمة محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها، وأن تكون واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها حتى يكون المخاطبون بها على بينة من حقيقة تلك الأفعال التي يتعين عليهم اجتنابها وذلك تحقيقا لهدف المشرع من العقوبة وهو الزجر الخاص للمجرم جزاءً وفاقاً لما اقترفته يداه من جرم، والردع العام لغيره لحمله على الإعراض عن إتيان الجرم، كذلك فإن مراعاة الحرية الشخصية تقتضي عدم إعمال نصوص عقابية يساء تطبيقها بالنسبة إلى المراكز القانونية القائمة للمخاطبين بها. كما أن شرعية العقوبة بينها وبين شخصية العقوبة صلة لا تنقصم، فهما ترتبطان بمن كان مسئولا عن ارتكاب الجريمة، فالأصل في الجريمة أن عقوبتها لا يتحملها إلا المسئول عنها قانوناً، ذلك بأن الشخص لا يحمل إلا وزر نفسه، ولا يدعي على حمل وزر غيره، فعاقبة الجريمة لا يؤخذ بها إلا من جناها ولا يعاقب عنها إلا شخص من قارفها، سواء كان فعالاً أصلياً لها أو كان شركيا فيها، وهذه الأمور وإن كانت تتسق مع قواعد العدالة – من منظور اجتماعي – فإنها تجد أصلها الثابت في مبادئ الشريعة الإسلامية الغراء، وآية ذلك قول الله تعالي في محكمة التنزيل {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} الإسراء : الآية 15، وقوله عز وجل {قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} سورة سبأ : الآية 25.
وحيث إن الاشتراك في الجريمة – بحسب الأصل – لا يعتبر قائما إلا إذا توافر في حق الشريك إتيانه بفعل من الأفعال التي تدل عليه من تحريض أو اتفاق أو مساعدة للفاعل الأصلي التي تدل عليه من تحريض أو اتفاق أو مساعدة للفاعل الأصلي للجريمة قبل وقوعها أو في وقت معاصر لها، وثبوت اتجاه إرادته وانصراف قصده من وراء هذا السلوك إلى وقوعها، إذ أن المدار في الاشتراك في الجريمة هو علاقة الشريك بذات الفعل المؤثم المكون للجريمة، وليس بأشخاص من ساهموا معه فيها، فالشريك يستمد صفته من فعل الاشتراك الذي ارتكبه وقصده منه ومن الجريمة التي وقعت بناء عليه، فهو بالقطع شريك في الجريمة ذاتها وليس مجرد شريك مع شخص فاعلها، ولما كان النصان المطعون فيهما قد اعتبرا من قام بإخفاء الأشياء المتحصلة من ارتكاب الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها بعد تمام ارتكاب الجريمة شريكاً فيها وعليه عقوبتها، دون أن يصدر منه قبل وقوعها أي فعل من أفعال الاشتراك ينبئ بانعقاد نيته واتجاه إرادته وانصراف قصد إلى ارتكاب الجريمة ذاتها، فإن تجريم فعل الإخفاء وإنزال العقوبة المقررة للجريمة الأصلية بالمخفي على الرغم من أنه كان بمنأى عنها ومنقطع الصلة بها حتى تمام وقوعها، تحت وصف الشريك في الجريمة بعد وقوعها مؤداه حتماً إلصاق جرم بشخص لم يقترفه وعقابه عن وزر لم يفعله، مما ينطوي بعينه على إهدار لأحكام الدستور بشأن شخصية العقوبة والحرية الشخصية، والتي تقتضي أن تكون سلطة المشرع التقديرية في إنشاء الجرائم وفرض العقوبات التي تناسبها بما يكفل صون هذه الحرية وحمايتها، ودون خروج على أحكام الدستور.
ومن الجدير بالذكر أن المشرع الكويتي قد جرم فعل إخفاء أدلة الجريمة حيث نص في المادة (133/1) من قانون الجزاء على أن "كل من علم بوقوع جناية أو جنحة، إذا كان لديه مما يحمله على الاعتقاد بوقوعها، وأعان الجاني على الفرار من وجه القضاء إما بإيواء الجاني المذكور، وإما بإخفاء أدلة الجريمة، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة ... أو بإحدى هاتين العقوبتين".
ولا مراء في أن تجريم فعل إخفاء الأشياء المتحصلة من ارتكاب الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها في قواعد الاشتراك في الجريمة بعد وقوعها، والتي تعتبر من القواعد العامة، بالإضافة على تجريم فعل إخفاء أدلة الجريمة بموجب هذا النص الخاص من شأنه أن يفضي إلى ازدواج تشريع يستعصى على التوفيق في مجال تجريم هذا الفعل، كما أنه يؤدي على التباس لدي المخاطبين بأحكام هذه النصوص بشأن حدودها ونواهيها، بالإضافة إلى ذلك فإن العدالة تأبي المساواة في العقاب بين شخص اشترك مع الجاني في ارتكاب الجريمة بكل تفاصيلها قبل وقوعها وبين شخص لم يقم بأي دور فيها، وكل ما فعله هو إخفاء الأشياء المتحصلة من ارتكاب الجريمة أو التي استعلمت في ارتكابها بعد تمام وقوعها. ولهذه الاعتبارات السابقة آثرت معظم التشريعات المقارنة الاكتفاء بتجريم فعل إخفاء الأشياء المتحصلة من ارتكاب الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها بعد تمام وقوعها بنصوص خاصة وعدم تجريم هذا الفعل في القواعد العامة تحت وصف الاشتراك في الجريمة بعد وقوعها.
وترتيباً على ما تقدم يتعين القضاء بعدم دستورية النصين المطعون فيهما لمخالفتهما حكم المادتين (30) و (33) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة :
(أولاً): بعدم دستورية نص البند "ثانياً" من المادة (49) من قانون الجزاء فيما تضمنه من اعتبار الشخص شريكا في الجريمة بعد وقوعها إذا قام "بإخفاء الأشياء المحصلة من ارتكاب الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها بعد تمام وقوعها، ويستوي أن يتعلق الإخفاء بذات الأشياء المتحصلة أو المستعملة في ارتكاب الجريمة أو يتعلق بذات الأشياء المتحصلة أو المستعملة في ارتكاب الجريمة أو يتعلق بأشياء استبدلت بها أو نتجت من التصرف فيها".
(ثانياً) : بعدم دستورية الفقرة الأولي من المادة (55) من ذات القانون فيما تضمنته من معاقبة من صدر منه فعل إخفاء الأشياء المتحصلة من ارتكاب الجريمة أو التي استعملت في ارتكابها باعتباره شريكاً فيها بعد وقوعها.
أمين سر الجلسة رئيس المحكمة