إشكالات حول بيع الحقوق المعنوية
إعداد
سعد السبر
فقه مقارن مستوى الأول
30/3/1429

الحمد لله رب العالمين و أصلي و أسلم على رسول الله محمد بن عبد الله و على آله وصحبه و من اقتدى به إلى يوم الدين ... أما بعد

فإن الحقوق المالية المعنوية من القضايا المستجدة التي برزت بشكل واضح نتيجة تطور الحياة المدنية و الاقتصادية و الثقافية و العلمية .. فكثرت الأمور المعنوية ذات القيمة المالية التي بات موضوع اختصاص أصحابها و مدى سلطاتهم عليها محل بحث ومناقشة.. وقد انتهت كثير من القوانين الوضعية على اختلاف بينها إلى تقرير هذا الاختصاص و تحديد سلطات أصحابها عليها .. و قد أوجب ذلك ضرورات تشجيع النشاط الإنساني المبدع بكل صوره و حماية مكتسباته ، ومنع صور التلاعب و التحايل و الاستغلال لجهود الآخرين و أي إثراء غير مشروع على حسابهم و قد
درس فقهاء الشريعة الإسلامية المحدثون هذا الموضوع ، وبينوا استيعاب قواعد الفقه الإسلامي له ، و أوضحوا حرص الشريعة على حماية هذه الحقوق و تنظيم أوضاعها بما يكفل تحقيق المصالح المشروعة و صيانة قواعد العدالة و حماية مسيرة التقدم الإنساني من كل مظاهر الاستغلال و التلاعب.
و أعرض فيما يلي المقصود بالحقوق المعنوية و بعد ذلك اعرض تكييفها الشرعي وأعرض قرار المجمع الفقهي ثم أعرض الإشكالات عند أهل القانون ثم الإشكالات عند الفقهاء استفدت هذا البحث من بحث للدكتور عبد السلام داود العبادي والدكتور خالد المصلح والشيخ محمد التسخيري و نقلت قرار المجمع حول بيع الحقوق المعنوية.

أولاً : المقصود بالحقوق المعنوية :-
يستعمل القانونيون اصطلاحات متعددة في وصف الاختصاصات التي تقوم الأشخاص على الأشياء المعنوية ذات القيمة المالية بحيث يخوّلهم ذلك سلطات معينة عليها.. و بعض الاصطلاحات شامل لأنواعها أو لكثير منها، وبعضها يطلق على نوع منها دون غيره ، و من هذه الاصطلاحات : الحقوق المعنوية ، الحقوق الذهنية ، الحقوق الأدبية ، الحقوق الفكرية ، حقوق الابتكار ، الملكية الأدبية و الفنية الصناعية ، الاسم التجاري ، حق الاختراع ، حقوق التأليف.
و قد عرف القانونيون الحق المعنوي بأنه سلطة لشخص على شيء غير مادي هو ثمرة فكره أو خياله أو نشاطه كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية و حق الفنان في مبتكراته الفنية و حق المخترع في مخترعاته و حق التاجر في الاسم التجاري و العلامة التجارية و ثقة العملاء. و الحق المعنوي نوع من أنواع الحق المالي، وهو الذي يمكن تقويمه بالمال فهو يخول صاحبه قيمة مادية تقدر بالمال أو النقود و الحق في نظر فقهاء الشريعة : اختصاص ثابت في الشرع يقتضي سلطة أو تكليفاً لله على عباده أو لشخص على غيره.
و يطلق فقهاء الشريعة لفظ الحقوق المالية على كل حق هو مال، أو المقصود منه المال، مثل حق الملك ، وحق التملك و حق الانتفاع. لذا فإن قواعد الفقه الإسلامي تغطي هذا النوع من الحقوق.
و يتجه الأستاذ مصطفى الزرقا في كتابه المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي إلى ترجيح تسمية هذا النوع من الحقوق بحقوق الابتكار ، لأن اسم الحقوق الأدبية – أحد التسميات المشهورة لهذا النوع من الحقوق كما بين – ضيق لا يتلاءم مع كثير من أفراد هذا النوع من كالاختصاص بالعلامات الفارقة التجارية و الأدوات الصناعية المبتكرة ، و عناوين المحال التجارية مما لا صلة له بالأدب و النتاج الفكري ( أما اسم حق الابتكار فيشمل الحقوق الأدبية كحق المؤلف في استغلال كتابه ، والصحفي في امتياز صحيفته ، و الفنان في أثره الفني من الفنون الجميلة كما يشمل الحقوق الصناعية و التجارية مما يسمونه اليوم بالملكية الصناعية كحق مخترع الآلة و مبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثقة ، و مبتكر العنوان التجاري )


تعريف الحقوق المعنوية :
الحقوق المعنوية :هي كل حقٍ لا يتعلق بمالٍ عيني ولا بشيءٍ من منافعه . ومن أمثلتها في الزمن السابق مثل : حق القصاص ، حق الولاية ، حق الطلاق هذه حقوق معنوية
ومن أمثلته في عصرنا الحاضر : حق التأليف ، حق الاختراع ، حق الاسم التجاري ، حق العلامة التجارية ، فهذه حقوق معنوية .
و قد عرف القانونيون الحق المعنوي بأنه سلطة لشخص على شيء غير مادي هو ثمرة فكره أو خياله أو نشاطه كحق المؤلف في مؤلفاته العلمية و حق الفنان في مبتكراته الفنية و حق المخترع في مخترعاته و حق التاجر في الاسم التجاري و العلامة التجارية و ثقة العملاء.
تبين مما سبق أن الأمر عند أهل القانون ضيق جدا وأما الأمر في الفقه الإسلامي فيختلف، ذلك أن دائرة الملك في الشريعة أوسع منها في القانون، فلا تشترط الشريعة أن يكون محل الملك شيئا ماديا معينا بذاته في الوجود الخارجي، إنما هو كل ما يدخل في معنى المال من أعيان ومنافع على الراجح من أقوال الفقهاء، والذي معياره أن يكون له قيمة بين الناس، ويباح الانتفاع به شرعا وهو ما تقرر وفق اصطلاح جمهور الفقهاء

التكييف الشرعي لهذه الحقوق المعنوية .
اختلف المتأخرون في التكييف الشرعي لهذه الحقوق المعنوية والصواب في ذلك أن الحقوق المعنوية هي حقوق غير مادية ذات قيمةٍ مالية معتبرة شرعاً وعرفاً ، ولها شبه كبير بالمنافع . بيع منافع منفصلة

قرار رقم : 43( 5/5)
بشأن الحقوق المعنوية

مجلة المجمع (ع 5،ج 3ص 2267) .
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأول 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر)1988م،
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع الحقوق المعنوية ،واستماعه للمناقشات التي دارت حوله ،
قرر ما يلي :
أولاً : الاسم التجاري ،والعنوان التجاري ،والعلامة التجارية ،والتأليف والاختراع أو الابتكار ،هي حقوق خاصة لأصحابها،أصبح لها في العُرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموّل الناس لها . وهذه الحقوق يعتد بها شرعاً ،فلا يجوز الاعتداء عليها .
ثانياً : يجوز التصرف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ونقل أي منها بِعِوَض مالي ،إذا انتقى الغرر والتدليس والغش ،باعتبار أن ذلك أصبح حقاً مالياً .
ثالثاً : حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً ،ولأصحابها حق التصرف فيها ،ولا يجوز الاعتداء عليها .
والله أعلم

إشكالات عند أهل القانون في بيع حقوق الملكية الفكرية
ذهب بعض القانونيون إلى أن الحقوق المالية تقسم إلى : حقوق عينية ، وحقوق شخصية ، وحقوق معنوية ، فالحق المعنوي قسم للحق العيني و الحق الشخصي. و كان ذلك نتيجة أن معنى الحق العيني عندهم عبارة عن سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شكل معين . و هذا الشيء المعين لا بد أن يكون شيئاً مادياً متعيناً بذاته في الوجود الخارجي، فتنصب سلطة صاحب الحق عليه مباشرة.
و لما ظهرت الحقوق المعنوية ، نتيجة لتطور الحياة ، وأقرتها القوانين العصرية اعتبرها هؤلاء القانونيون نوعــــاً مستقلاً من أنواع الحقوق المالية لم تتصف به من خصائص تميزها عن الحقوق العينية و الشخصية نتجت من كون محلها غير مادي. وذهب قانونيون آخرون إلى أن الحق المعنوي لا يعتبر نوعاً من أنواع الحق المالي بالإضافة إلى الحق العيني و الحق الشخصي إنما
هو حق من الحقوق العينية ، و إن الشيء الذي تنصب عليه السلطة في الحق العيني أعم من أن يكون مادياً أو معنوياً.
ثم إن هؤلاء اختلفوا فيما بينهم حول طبيعة هذا الحق المعنوي ، بعد أن قرروا أنه عبارة عن حق عيني: فمنهم من اعتبر الحق المعنوي حق ملكية أو نوعاً خاصاً من الملكية لذلك فهم يطلقون على هذا الحق تسمية : الملكية الأدبية و الفنية الصناعية. و منهم من اعتبره حقاً عينيا أصلياً مستقلاً عن حق الملكية بمقوماته الخاصة.
و قد احتج المانعون أن يكونا الحق المعنوي حق ملكية ، بان حق الملكية ينصب على شيء ويخول صاحبه سلطة استعمال الشيء و استغلاله و التصرف فيه ، و الاستعمال لا يتصور بالنسبة للحق المعنوي ، لأن الاستفادة منه لا تكون إلا باستغلاله و التصرف فيه ، فلا يمكن أن يستفاد منه إذا قصر صاحبه استعماله على نفسه ، فعنصر الاستعمال الذي هو أقوى عناصر الملكية غير موجود في هذا الحق ، لذلك يسميه بعض القانونيون بأنه حق احتكار الاستغلال ، وليس حق ملكية. كما أن حق الملكية حق مؤبد ، في حين أن هذا الحق بطبيعته حق مؤقت .
و قد أجاب الآخرون عن هذه الحجج بأنها لا تمنع من أن يكون الحق المعنوي نوعاً خاصاً من الملكية، وذلك أن الحق المعنوي يتفق مع الملكية العادية في نواحٍ ، ويختلف عنها في أخرى فهو عبارة عن سلطة تنصب على الشيء المعنوي مباشرة دون وساطة و تخوّل صاحبه حق الاستغلال و التصرف في حين أنه بحكم طبيعته و هو كونه يقع على شيء غير مادي لا يقبل الاستئثار ، ولا يصح أن يكون مؤبداً.

إشكالات عند الفقهاء
1-ما هي طبيعة هذا الحق ؟ أهو حق مادي مالي ، أم هو حق معنوي خال عن شوائب النفع المادي أو المالي ؟
هل هي حقوق شرعية أو عرفيه أم لا ؟
2- هل هناك فرق بين هذه الحقوق أم لا ؟
3- هل يمكن تصحيح بيعها بالعناوين الأولية للأحكام أم نحن بحاجة للجوء للعناوين الاستثنائية أي العناوين الثانوية أو العناوين الولائية ؟
4-هل الحقوق المعنوية المعروفة اليوم هي حقوق مشمولة للعمومات أم لا ؟
5-من الذي يستحق هذه القيمة المالية التي برزت لمضمون هذا الكتاب ، بفضل ظهور وسائل الطباعة الحديثة ؟
6-كيف يمكن للمؤلف صاحب هذا الحق ، أن يستوفي من الناس قيمته وعلى أي أساس ؟
7-كيف يتسنى للراغب في الاستفادة من هذا الإبداع العلمي أن يستوفي لنفسه الفائدة منه ؟
ألم يصبح المشتري ، أيًا كان ، للكتاب ، مالكًا له ؟ ومن ثم ألم يعد من حقه أن يتصرف بكاتبه هذا كما يشاء ؟ كأن يصور منه آلاف النسخ ثم يبيعها للناس كما يشاء ؟
كتبه
سعد بن عبدالله بن عبدالعزيز السبر
المشرف العام على شبكة السبر
إمام وخطيب جامع الشيخ عبدالله الجارالله بالرياض