المقدمة
نظراً للتطورات العلمية الهائلة والتقدم التكنولوجي في كافة مجالات الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، اضحى أمر متابعة هذه التطورات من الأهمية بمكان، بحيث يجب ان تحاط بضمانات تشريعية وقانونية، تضمن عدم التمرد والخروج على السلمات الشرعية والتي منها حماية الانسان ورعايته باكبر قدر ممكن. ومما لا شك فيه أن العلوم الطبية الحديثة وبفضل التطورات العلمية والتكنولوجية، أصحبت تقدم للانسانية خدمات متميزة وجليله، اذ امكن اليوم وبجهاز صغير في حجمه، ان يعرف الطبيب حقيقة المرض الذي يعاني منه المريض، لا بل اصبحت بعض الاجهزة ضرورية لانقاذ حياه المرضى، مثل حمامات القلب والشبكات المعدنية.. وغيرها.
ومهنة الطب لها شرفها وقدسيتها، وهي مهنة أخلاقية وعلمية قديمة قدم الانسان، اكسبتها الحقب المتعاقبة تقاليد ومواصفات تحتم على من يمارسها أن يحترم الشخصية الانسانية، وان يكون قدوه حسنة في سلوكه ومعاملته، مستقيما في عمله، يحافظ على ارواح الناس واعراضهم.
وان الحق في سلامة الجسم هي مصلحة للفرد يحميها القانون في ان تظل اعضاء الجسم واجهزته تؤدي وظائفها على نحو عادي وطبيعي، وفي الاحتفاظ بكل اعضاء الجسم كاملة غير منقوصة ، وفي ان يتحرر الانسان من الآلآم البدنية و النفسية، وحقه في سلامة جسدة من المبادئ المسلم بها في قواعد الاخلاق والدين، فالحياة الانسانية مقدسة والجسم الانساني هو جوهر هذه الحياة.
أن العلاقة ما بين الطبيب والمريض هي علاقة انسانية، وقانونية تهتم على الطبيب الاهتمام بالمريض وبذل العناية التي تقتضيها اصول مهنة الطب، والتزام الطبيب في هذا المجال هو التزام ببذل عناية والاهتمام بتقديم العلاج المناسب للمريض، وقد اصبح من الممكن مساءلة الاطباء عن الاخطاء التي تصدر عنهم اثناء مزاولتهم لمهنة الطب، ومن المتصور مساءلتهم عن مثل هذه الاخطاء، وخاصة عندما اصبح الاطباء ملزمين بضمان السلامة للمريض وعدم تعرضه للخطر. هذا وقد أدى زيادة الوعي لدى الافراد إلى رفع دعاوى على الاطباء لمطالبتهم بالتعويض عن الاضرار التي لحقت بهم نتيجة الاخطاء التي صدرت منهم اثناء قيامهم ومزاولتهم المهنة.
ومن الجدير بالذكر ان المشرع الاردني لم يتعرض للمسؤولية الطبية بنصوص قاطعة، بل ترك امر معالجتها للقواعد العامة في المسؤولية المدنية.
وقد كان للقضاء دور كبير في المسؤولية الطبية، بحيث قد تجاوز مهمته في تطبيق وتفسير النصوص إلى الانشاء الحقيقي ذلك لان النصوص القانونية غير كافية لسد الحاجة التشريعية فكان لابد من التوسع في فهمها. إن الذي دفعني إلى اختيار المسؤولية المدنية للطبيب بالاضافة إلى ما سبق هو كثرة الاخطاء المرتكبة من قبل الاطباء والتي تؤدي بالتالي إلى الحاق الضرر بالمرضى وذويهم.
ومن الجدير بالذكر، ان هناك ندره في إثارة قضايا المسؤولية الطبية في الأردن ولعل اهم اسباب ذلك يعود إلى القضاء والقدر، ومع تسليمنا بالقضاء والقدره الإ ان الضرر الذي يلحق بالمريض قد يعود إلى اهمال الطبيب او خطئه.
لهذه الاسباب، رأيت من المفيد، القيام بدراسة تحليلية وتطبيقية للخطأ الطبي في ضوء النصوص الحالية، والتعرف على ماهية الخطأ الطي واهم صوره وتطبيقاته وكيفية اثباته. راجيا من الله العلي القدير ان يوفقني في معالجة هذا الموضوع معالجة قانونية، بغية حماية المرضى من تلك الاخطاء، وبذات الوقت، تأمين مزيد من الطمأنينة للاطباء لتكون مهنة الطب فعلاً من أقدس المهن وأشرفها.
لذا ساقوم بمعالجة هذا الموضوع من خلال ثلاثة فصول في هذه الرسالة، أتناول في الفصل التمهيدي طبيعة المسؤولية الطبية. من حيث التعريف بالعمل الطبي وتحديد نوع المسؤولية وطبيعة الالتزام الطبي.
واتناول في الفصل الاول اركان المسؤولية الطبية المدنية من حيث الخطأ والضرر والعلاقة السببية. وسأتناول في الفصل الثاني والاخير اثبات المسؤولية الطبية وتقدير التعويض.