طبيعة الالتزام الطبي لتحديد مسؤولية الطبيب المعالج، لا بد من معرفة طبيعة الالتزام الذي يقع على عاتق الطبيب، فيما اذا كان التزام ببذل عناية ام التزام بتحقيق نتيجة، وساعرض اولا لبيان اهمية التفرقة بين الالتزام ببذل عناية والالتزام لتحقيق نتيجة ومن ثم اقوم بتحديد طبيعة التزام الطبيب، واخيرا أبين الحالات التي يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة.
المطلب الاول اهمية التفرقة بين الالتزام ببذل عناية والالتزام بتحقيق نتيجة
يكون التزام المدين التزام بتحقيق نتيجة اذا كان المطلوب منه القيام بعمل معين بذاتة، كما هو الحال بالنسبة للمحامي الذي يطلب منه القيام بتقديم احد الطعون خلال المدة القانونية التي يمكن ان يقدم فيها الطعن، فاذا لم يقدم الطعن خلال المدة المحدده، يكون مسؤول عن هذا التقصير على اعتبار ان التزامة هو التزام بتحقيق نتيجة، اما اذا كان المطلوب من المدين بذل العناية فانه في هذه الحالة يلزم يبذل العناية التي تؤدي الىالنتيجة ولا يضمن تحقيق النتيجة.
تعددت المعايير بشأن التفرقة بين الالتزام يبذل عناية والالتزام بتحقيق نتيجة، ومن هذه المعايير معيار الارادة والذي جاء به الفقية الفرنسي (ديموج)، ومعيار الاحتمال، ومعيار مساهمة الدائن، وساعرض لهذه المعايير بشكل مقتضب.



أولاً: معيار الإدارة يكون التزام المدين التزام بتحقيق نتيجة اذا انصرفت ارادة المدين لتحقيق نتيجة معينة، والا فإن التزام المدين يقتصر على بذل العناية المطلوبة منة، فوفقا لهذا المعيار فان الارادة هي الفيصل في تحديد طبيعة الالتزام.
ثانياً: معيار الاحتمال يكون التزام المدين وفقا لهذا المعيار التزاما ببذل عناية اذا كانت الغاية المرجوة من التعاقد، قد ظهرت غير محققة الوقوع، او بمعنى ادق احتمالية الوقوع، فاذا كانت احتمالية فان التزام المدين ببذل عناية، اما اذا كانت الغاية من التعاقد مؤكدة الوقوع (محققة) فان التزام المدين بهذه الحالة هو التزام بتحقيق نتيجة.
ثالثا: معيار مساهمة الدائن من خلال هذا المعيار نستطيع معرفة طبيعة التزام المدين عن طريق معرفة موقف الدائن في تحقيق النتيجة. فاذا كان موقف الدائن سلبي بتحقيق النتيجة المرجوة فان التزام المدين هو التزام بتحقيق نتيجة، كما في حالة التزام الناقل الذي يلتزم بنقل المسافر، حيث يكون موقف المسافر موقف سلبي، ويقوم الناقل بنقلة من مكان إلى آخر. ويكون التزام المدين ببذل عناية اذا كان موقف الدائن وسلوكه ايجابيا في تحقيق النتيجة، كما في حالة المدرس الذي يقوم بتعليم الطلاب ويتوقف نجاح الطلاب على بذل العناية اللازمة لتحقيق النتيجة المرجوة، وهنا يساهم الدائن بالاضافة إلى المدين ببذل العناية لتحقيق النتيجة ويكون موقفة ايجابيا. وتكمن اهمية التفرقة بين التزام ببذل عناية والتزام بتحقيق نتيجة في عبء الاثبات، فاذا كان الالتزام المدين هو التزام بتحقيق نتيجة، يكفي ان يثبت الدائن عدم تحقيق النتيجة وبالتالي يفترض خطأ المدين الذي لا يستطيع نفي المسؤولية عنه الا اذا اقام الدليل على وجود السبب الاجنبي الذي منعة من تحقيق النتيجة، في حين انه في التزام ببذل عناية يقع على عاتق الدائن اثبات تقصير المدين وعدم تنفيذه للالتزام حتى تتحقق مسؤوليتة ، ويمكن تطبيق ذلك على علاقة المريض بالطبيب حيث يتوجب على المريض اثبات خطأ الطبيب المتمثل بالانحراف عن الاصول الطبية المستقرة في علم الطب، والضرر والعلاقة السببية.

المطلب الثاني تحديد طبيعة التزام الطبيب
يجمع الفقة والقضاء على ان التزام الطبيب تجاه المريض ينحصر في التزام يبذل عناية، فهو كقاعدة عامة التزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة، وعلى هذا قررت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الشهير الصادر 20/5/1936 والمشار اليه سابقا (ان العقد الذي يتم بين الطبيب والمريض يوجب على الاول ان لم يكن بطبيعة الحال الالتزام بشفاء المريض فعلى الاقل ان يبذل عناية لامن اي نوع، بل جهودا صادقة يقضة متفقة مع الظروف التي يوجد بها المريض ومع الاصول العلمية الثابتة). وقضت محكمة النقض المصرية بان التزام الطبيب ليس التزام بتحقيق نتيجة شفاء المريض، بل هو التزام ببذل عناية، والعناية المطلوبة منة تقتضي ان يبذل لمريضة جهودا صادقة يقضة تتفق في غير الظروف الاستثنائية مع الاصول المستقرة في علم الطب، فيسأل الطبيب عن كل تقصير في مسلكة الطبي لا يقع من طبيب يقظ في مستواه المهني وجد في نفس الظروف الخارجية التي احاطت بالطبيب المسؤول كما يسأل عن خطئه العادي ايا كان جسامته .
والعقد الطبي او ما يسمى بعقد العلاج الذي يبرم بين الطبيب والمريض يوجب على الطبيب اثناء قيامة بعملة بذل عناية صادقة لتخفيف الآلام عن المريض للوصول لشفاء وفقا للقواعد المستقرة في مهنة الطب، وهذا يعني انه لا يلتزم بضمان شفاء المريض او عدم وفاته، فالشفاء هو بيد الله سبحانه وتعالى، ويتوقف على عدة اعتبارات وعوامل لا يستطيع الطبيب دائما السيطرة عليها، كمناعة الجسم والعوامل الوراثية، وبالتالي فان الطبيب لا يلتزم بتحقيق نتيجة معينة وانما ببذل العناية الصادقة من اجل شفاء المريض.
وكل ما على الطبيب هو ان يعتني بالمريض العناية الكافية وان يصف له من وسائل العلاج ما يرجي به شفائه من مرضة، ولا يكفي لكي يعد الطبيب مخلاً بالتزامة تسوء حالة المريض، بل يجب ان يقوم الدليل على تقصير الطبيب على حالتة ولا يكون ذلك الا اذا وقع خطأ يمكن ان تترتب علية المسؤولية. وهناك عدة عوامل يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار لتحديد مدى التزام الطبيب والعناية المطلوبة منه .
أولاً: القواعد المهنية وهي تلك القواعد التي تفرضها علية مهنة الطب والمستقاه من الاصول العلمية المستقرة وما جرت علية عادة الاطباء في نفس الظروف، فلا يفرض على الطبيب التزام بضمان شفاء المريض، لان ذلك كما سبق وان اشرت يتوقف على عوامل واعتبارات قد تخرج عن ارادة الطبيب كمناعة الجسم والعوامل الوراثية وحالتة الصحية وحدود التقدم الطبي.
ثانياً: المستوى المهني للطبيب ويدخل ايضا في تحديد التزام الطبيب مستواه المهني، فالطبيب العام لا يتحمل نفس الالتزامات التي يتحملها الطبيب الاخصائي اذ يطلب من الاخير قدرا من العناية يتفق مع مستواه العلمي والمهني، هذا وقد قضت محكمة استئناف مصر انه بالنسبة للاطباء الاخصائيين يجب استعمال منتهى الشدة في تقدير اخطائهم لان واجبهم الدقة في التشخيص والاعتناء وعدم الاهمال في المعالجة . هذا وقد قضت محكمة مصر الابتدائية في 2/5/1927 بان الطبيب المولد يكون مسؤولا عن استعمالة العنف في جذب الجنين رغم كبر حجم رأسة وضيق الحوض استنادا إلى انه يستبعد على الطبيب متمرن مختص بالولادة جذب الرأس حتى يفصل عن العنق رغم انه جائز ان يحصل ذلك من طبيب غير اخصائي يعالج كل الامراض .
ويقاس مسلك الطبيب العام عادة بمسلك طبيب عام من اواسط زملائة، والطبيب الإخصائي يقاس بمسلك طبيب اخصائي ينظر في تقدير خطأ الطبيب في التشخيص إلى مستواه من جهة، وتخصصة من جهة اخرى، فخطأ الطبيب المختص يعتبر ادق في التقدير من الطبيب العام.
ثالثاً: الظروف الخارجية ويأخذ في الحسبان ايضا عند تحديد مدى التزام الطبيب الظروف الخارجية التي يوجد فيها الطبيب ويعالج فيها المريض، كمكان العلاج والامكانيات المتاحة وفيما اذا كان هناك الآلات حديثة ام لا وامكانية نقل المريض للمستشفى وغير ذلك.
رابعاً: الاصول العلمية الثابتة واخيرا يدخل في مدى التزام الطبيب الجهود المبذولة المتفقة مع الاصول العلمية الثابتة حيث لا يقبل ولا يتصور من الطبيب استعمال وسائل طبية بدائية تخالف التطور العلمي الحديث، وهو وان كان لا يلتزم باتباع تلك الوسائل الا انه يجب عليه اللجوء إلى استعمال الوسائل التي استقر عليها الطب الحديث وان يختار انسبها إلى حالة المريض ضمن الامكانات المتاحة.
وقد ادان القضاء الفرنسي الاطباء الذين يلجأون لطرق طبية مهجورة في المعالجة والتوليد واعتبروا ذلك خطأ من الطبيب ويشكل خطورة على الجنين، ونفس الشيء بالنسبة للطبيب الذي يتجاهل المبادئ الاولية في التشخيص.
ولتقدير مسلك الطبيب فيما اذا كان الفعل الذي قام بة يشكل خطأ ام لا فإن قاضي الموضوع يستعين باهل الخبرة من الاطباء الذين يتعين عليهم تجريد انفسهم من الاراء الشخصية لهم، وان يكون التقدير وفقا لاصول المهنة وقواعدها دون التقيد بتلك القواعد اذا ماثبت مخالفتها لتبصر والحيطة ودون الخوض في النظريات العلمية والاساليب الطبية المختلف عليها، وذلك على اساس ان العناية المطلوبة من الطبيب تتطلب منه بذل الجهود اليقظة والصادقة التي تتفق مع الاصول العلمية الثابتة فيما عدا الظروف الاستثنائية.
وبناء على ما تقدم فان كل خروج على المسلمات المستقرة في اصول الفن الطبي وقواعده الاساسية والتي لا يفتقر الجهل بها لطبيب من اواسط زملائة علما وفنا، ما يمثل خطأ مهنيا يستوجب مسألة الطبيب وذلك على اعتبار ان كل من يتخذ من الطب مهنة له لا بد ان يكون مؤهل لها، ولهذا تؤكد المادة الاولى من الدستور الطبي الاردني "ان مهنة الطب هي مهنة انسانية واخلاقية وتقوم المسؤولية الطبية بين الطبيب والمريض على بذل العناية وعدم الاهمال وليس الشفاء".
نستخلص مما سبق بأن التزام الطبيب ليس التزام بتحقيق نتيجة معينة وهي شفاء المريض انما هو التزام ببذل عناية، والعناية المطلوبة منه تقتضي ان يبذل لمريضة الجهود الصادقة المتفقة مع اصول مهنة الطب، وملزم ايضا بمراعاة الحيطة والحذر، ولكي ينفذ الطبيب التزامة بالعناية المطلوبة منه فيجب عليه القيام بما يلي: اولاً: تشخيص المرض التشخيص في حقيقته ما هو الا البحث والتحقق عن المرض الذي يعاني منه المريض، ويكون ذلك عن طريق معرفة الظروف المحيطة بالمريض كالاسرة، وطبيعة العمل والظروف النفسية والاجتماعية والعوامل الوراثية، للتمكن من الوصول إلى حقيقة المرض، فالتشخيص عبارة عن عمل يراد منه التعرف على طبيعة المرض وتحديدة بشكل دقيق بعد معرفة اعراضة .
فالطبيب يقوم عادة عند الكشف عن المرض بإجراء الكثير من التحريات حول الاعراض التي يشكو منها المريض والحالة العامة له والتاريخ المرضي والتأثيرات المرضية وشكوى المريض، وهو في سبيل الوصول إلى معرفة طبيعة المرض يستعمل جميع الؤسائل التي يضعها العلم تحت تصرفه كما يجب علية ان يستعمل الوسائل المتاحة والتي تساعدة على الكشف عن حالة المريض مثل السماعة الطبية، والصور الاشعاعية، والتحاليل المخبرية، والفحوصات الميكروسكوبية وغيرها من الاجهزة والالات الحديثة، ولا يعفى الطبيب من المسؤولية في حالة عدم اسعماله لمثل هذه الوسائل الا اذا كانت حالة المريض لا تسمح لاستعمال هذه الوسائل او كانت الظروف االموجود بها المريض لا تؤهل لذلك كوجودة في مكان مهجور او منعزل.
ثانيا: اختيار طريقة العلاج وتأتي هذه المرحلة بعد قيام الطبيب بتشخيص المرض، وهي وصف العلاج وتحديد الطريقة الملائمة له، ويجب ان ان يكون هذا الوصف للعلاج ضمن الاصول العلمية الثابتة وعلى الطبيب ان يبذل الجهود الصادقة اليقظة في طريقة اختيار العلاج، فالطبيب حين يصف العلاج ويحدد طريقة تناوله للمريض فانه لا يلتزم بنتيجة شفاء المريض وانما يلتزم ببذل العناية اللازمة في اختيار الدواء والعلاج الملائمين لحالة المريض بهدف التوصل إلى شفاءه وتخفيف الآمة.
ثالثا: التدخل الجراحي يلتزم الطبيب قبل القيام بإجراء العملية الجراحية القيام بالفحص الشامل الذي تستدعية حالة المريض وتقتضية طبيعة الجراحة، فالطبيب ملزم قبل ان يقوم باي تدخل علاجي ان يشرح ويبين للمريض باسلوب سهل ومفهوم طبيعة المرض وطرق المعالجة ونسبة النجاح والمضاعفات المحتملة والمخاطر التي يمكن ان تنتج في حالة عدم المعالجة وباسلوب يتناسب مع قدراته الجسمية والعقلية والنفسية.
ويلتزم الطبيب اثناء القيام بإجراء العملية الجراحية ببذل اقصى الجهود الطبية المتفقة مع الاصول العلمية المستقرة كما يلزم الطبيب ايضا عند انتهائه من اجراء العملية بمتابعة حالة المريض متابعة حثيثة ودقيقة.
رابعا: تحرير الوصفة الطبية تعد الوصفة الطبية الوثيقة التي تثبت وجود العلاقة بين المريض والطبيب والتي يدون فيها الطبيب نوع العلاج المقرر وطريقة استعمالة ويجب ان يحررها الطبيب على نحو دقيق ومقروء وكامل ويجب عليه ان يراعي الاحتياطات اللازمة لذلك .


المطلب الثالث الحالات التي يلتزم بها الطبيب بتحقيق نتيجة
اذا كانت القاعدة العامة هي التزام الطبيب ببذل العناية، الا انه في حالات استثنائية يقع على عاتق الطبيب التزاما محددا هو التزم بتحقيق نتيجة تتمثل في سلامة المريض، وهذا لا يعني ان يلتزم الطبيب بشفاء المريض بل يلتزم بان لا يعرضة للاذى من جراء ما يستعملة من ادوات او اجهزة او ما يعطية من ادوية، وبان لا ينقل اليه مرض اخر نتيجة العدوى من جراء المكان او ما ينقلة اليه من دم او غير ذلك وساقوم في هذا المطلب بتبيان الحالات التي يلتزم فيها الطبيب بتحقيق نتيجة والمتمثلة فيما يلي:
أولاً: نقل الدم قد تقتضي حالة المريض الصحية نقل الدم اليه، وفي هذه الحالة يقع على الطبيب وبالتحديد طبيب التحليل وبنك الدم التزاما محددا بتحقيق نتيجة، تتمثل في سلامة المريض عن طريق نقل الدم النقي للمريض والذي يتوافق مع فصيلة دمه، فيجب ان يكون سليما خاليا من المرض، وبعبارة أخرى فإن الطبيب في هذه الحالة يلتزم بالتزام محدد، هو اعطاء وتقديم دم مناسب وسليم. ولا يستطيع الطبيب التخلص من المسؤولية، اذا ما قام باعطاء المريض دم فاسد او ملوث، الا اذا اثبت قيام السبب الاجنبي الذي لا يد له فيه، ولا يكفي منه ان يثبت انه قام ببذل العناية الواجبة . وما يطلبة المريض من الطبيب في هذا النطاق، ليس مجرد بذل جهود لتعيين فصيلة دمه او حصوله على دم سليم، بل يتطلب منه تحديد فصيله دمه على نحو دقيق، وان يقدم له دما خاليا من الميكروبات والجراثيم.
ويرجع الضرر الذي يصيب المريض، إلى تقصير بنك الدم في فحص الدم الذي قدمة، الإ أن المريض لا يستطيع الرجوع مباشرة على مدير بنك الدم، وذلك لانتقاء العلاقة التعاقدية بينهما، الا وفقا لقواعد المسؤولية التقصيرية، ويستطيع المريض ان يرجع على طبيبه، الذي اتفق معه بموجب العقد على ان يقدم له دما سليما يتفق مع فصيلة دمه، والتزامه في هذه الحالة هو التزام بتحقيق نتيجة .
وقد قضت محكمة إستئناف تولوز الفرنسية في حكم صادر لها، "بان الطبيب الذي يحلل دم المريض لتحديد فصيلته ملزم بتحقيق نتيجة، وتقوم مسؤولية اذا أخطأ في تحديده دون الحاجة إلى اثبات الخطأ في تحليله، اذ أن مثل هذا التحديد يجرى فنياً وفقا لقواعد دقيقة وثابتة، يجب أن تؤدي حتما إلى نتيجة سليمة".
وما ينطبق على نقل الدم ينطبق ايضا على السوائل الاخرى التي تعطى للمريض، مثل الامصال والجلوكوز وغيرها، حيث يقع على عاتق الطبيب التزام بتحقيق نتيجة، وهي عدم الحاق الضرر بالمريض نتيجة تقديمة لهذه السوائل.
ثانيا: التحاليل الطبية تعتبر هذه التحاليل من العمليات التي تقع على محل محدد تحديدا دقيقا، لذا فإن التزام الطبيب بالنسبة للتحاليل العادية التزاما بتحقيق نتيجة وهي سلامة التحليل ودقته، وتقوم مسؤولية الطبيب بمجرد حصول ضرر للمريض، ولا يستطيع الطبيب دفع المسؤولية عنه الإ باثبات السبب الاجنبي الذي لا يد له فيه.
ويستثنى من ذلك التحاليل الدقيقة، كالتحاليل الخاصة بمرض السرطان، حيث يعتبر التزام الطبيب هو التزام ببذل عناية، والسبب في ذلك ان النتيجة احتمالية، ولا توجد فيها اصول علمية مستقرة ثابتة، كون هذه التحاليل دقيقة ولا يمكن الكشف عنها بسهولة. أما بخصوص التحصين ، فيقع على عاتق الطبيب الذي يقوم بعملية التحصين، التزام محدد وهو سلامة المادة التي تقدم، بحيث يجب ان لا تؤدي إلى الحاق الضرر بالشخص الذي تقدم له وهذا يعني انه يجب ان يتأكد الطبيب من سلامة المصل وخلوه من الجراثيم وان يعطى بصورة صحيحة، اما عن مدى فاعلية هذا المصل، فهو التزام ببذل عناية، ويبقى على الطبيب ان يبذل الجهود الصادقة واليقظة في اختياره للمطعوم بما يتفق مع الاصول العلمية الثابتة. وبالنسبة للتحصين الاجباري الذي تقوم به الدولة، فهي مكلفة بضمان سلامة المواطنين وتسأل الدولة عن ذلك باعتبارها متبوع.
ثالثا: الادوات والاجهزة الطبية إن التقدم العلمي واستخدام الآلات والاجهزة الحديثة تنطوي على مخاطر للانسان، فقد يصاب المريض باضرار نتيجة أستخدام الطبيب المعالج للاجهزة والآلآت والادوات الطبية.
إن الطبيب أثناء قيامة بمعالجة المريض قد يستخدم الاجهزة والادوات الطبية، فعليه ان يستخدم الآلآت والاجهزة السليمة التي لا تحدث ضررا للمريض، وهو ملزم بسلامة المريض عن الاضرار التي تلحق به، من جراء استخدام الآلآت والادوات الطبية اثناء عمليات العلاج او الجراحة، ومن الاضرار المقصودة التي تنشأ نتيجة وجود عيب او عطل بالاجهزة والادوات المذكورة، وبالتالي يقع على عاتق الطبيب التزام بضرورة استخدام الآلآت السليمة التي لا تحدث ضررا للمريض، وهذا الالتزام لا يعفي الطبيب من المسؤولية حتى ولو كان السبب في هذه الآلآت يرجع إلى صنعها، ولا يستطيع الطبيب التخلص من المسؤولية إلا أذا اثبت السبب الاجنبي الذي لا يد له فيه . وقد حكم القضاء الفرنسي بمسؤولية الطبيب عن وفاة المريض اثناء الجراحة، نتيجة انفجار حدث لتسرب الغاز من جهاز التخدير واشتعاله بشرارة خرجت منه . وكما حكم ايضا بمسؤولية الطبيب عن الاضرار التي اصابت المريض نتيجة سقوطه من فوق منضدة الفحص بسبب هبوطها المفاجئ او عند صعوده او نزوله عنها .
رابعا: تركيبات الاعضاء الصناعية نتيجة للتقدم العلمي بدأ الانسان باستخدام الاعضاء الصناعية كوسيلة لتعويضه عما يفقده من اعضاءه الطبيعية وما يصاب منها بعجز او ضعف. وتشير عملية تركيب الاعضاء الصناعية المسؤولية الطبية من جانبين، جانب طبي يتمثل في مدى فاعلية العضو الصناعي وتناسبة مع حالة المريض وتعويضه عن النقص الموجود لديه وهنا يلتزم الطبيب ببذل عناية ولا تقوم مسؤوليته الا اذا ثبت تقصير من جانبه، والجانب الآخر هو مدى سلامة العضو الصناعي وجودته وهذه مسألة تقنية يكون التزام الطبيب فيها بتحقيق نتيجة وهي ضمان سلامة الجهاز او العضو الصناعي ودقته ومناسبته لجسم المريض، وعليه تقوم مسؤولية الطبيب إذا كان العضو ردئ الصنع او لا يتفق مع مقياس الجسم او سبب اضرار للمريض. وقد عرض أمر التركيبات الصناعية على القضاء وخاصة أمر اطباء الاسنان الذين يقومون بتركيب الاسنان الصناعية، وقد ذهب القضاء في هذا الصدد، إلى القول ان التزام طبيب الاسنان هو في حكم البائع للاسنان الصناعية وبالتالي يلزم بضمان العيوب الخفية، وان البيع هو بيع تحت شرط التجربة اي انه معلق على شرط واقف، يتمثل في قبول الاسنان بعد تجربتها، ويؤدي تخلف هذا الشرط إلى اعتبار العقد كأنه لم يكن . ولقد أنتقد الفقه تحليل القضاء، لانه يتنافى مع طبيعة عمل طبيب الاسنان، وذهب إلى ان الطبيب في الجانب التقني من عمله يلتزم بتحقيق نتيجة، الا وهي سلامة الاسنان الصناعية وملائمتها لفم المريض، ويسأل الطبيب في حالة اذا ما اصاب الاسنان اي خلل، وهناك حكم حديث قضت به محكمة ديجون الفرنسية في حكم صادر لها عام 1952 "يقوم بين الطبيب والعميل لتقديم جهاز الاسنان، عقد ليس فقط ببذل عناية ولكن تحقيق نتيجة يفرض على الاول من ناحية المداواه الامينه واليقظة والمطابقة للأصول العلمية الحاضرة، لوضع وحفظ (الطاقم) ومن ناحية اخرى، تقديم الاسنان في شكل وفي حالة وباوصاف يمكن ان تحل محل الاسنان الطبيعية والاخلال بهذا الالتزام الاخير، ولو عن غير قصد يقيم المسئوولية العقدية على الطبيب فيجب عليه، على الخصوص بتعويض العميل اذا كان له فم طبيعي، ونبة الطبيب بملاحظات متكررة في حالة الاسنان الصناعية".
خامسا: الادوية والعلاجات الطبية بعد قيام الطبيب بفحص المريض وتشخيص المرض، فانه يقوم بوصف العلاج المناسب له، ويجب على الطبيب ان يبذل العناية اللازمة في وصف العلاج المناسب، ومع ذلك فقد يحصل للمريض بعض الاضرار بسبب الادوية التي يتعاطاها، مما قد يثير مسؤولية الطبيب او الصيدلي او حتى الشركة الصانعة لها، او مسؤوليتهم مجتمعين.
فالطبيب عند كتابته العلاج، فانه يلتزم ببذل العناية اليقظة الصادقة في ان يكون الدواء مناسبا لعلاج المريض، ولا يلتزم بشفاء المريض، ولا تقوم مسؤولية في هذه الحالة إلا إذا ثبت التقصير من جانبة وذلك اما بالاهمال في اختيار العلاج او خطئه في وصفه، او طريقة تناوله، كالطبيب الذي يصف مادة ذات خصائص سامة دون أن يبين كمية العلاج الواجب تعاطيها وشروط تعاطيها، ومثال ذلك كالطبيب الذي يكتب وصفة العلاج بصيغة غير مقروءه وتثير اللبس لدى الصيدلي فيصرف دواءا مختلفا يترتب عليه وفاة المريض. كما وقد يقوم الطبيب بتقديم الدواء للمريض في عيادته او مستشفاه الخاص، وهنا يقع على الطبيب بالاضافة إلى التزامه السابق ببذل العناية، التزاما آخر بالسلامة، وهو التزم بتحقيق نتيجة، الا وهي عدم اعطاء المريض ادوية فاسدة او ضارة، ولا يستطيع الطبيب دفع المسؤولية الا اذا اثبت السبب الاجنبي . وقد أقام القضاء مسؤولية الطبيب الذي قام بإعطاء المريض حقنه لمعالجته من مرض جلدي، ترتب عليها صعوبة في حركة عضلاته" .
أما بالنسبة إلى الصيدلي، فان التزامه هو التزام بتحقيق نتيجة إذ انه مدين بالتزام محدد، يتجلى بتقديم او بيع ادوية صالحة وسليمة، ولا تشكل بطبيعتها خطرا على حياة المرضى الذين يتعاطونها.
ويبرز هذا الالتزام جليا في حالة قيام الصيدلي بتركيب الدواء بنسب معينة، اذ يسأل الصيدلي عن اي خلل في التركيب او فساد عناصره وما يترتب على ذلك من اضرار وتسممات من اي نوع للمريض .
وقد قضت محكمة النقض المصرية، بأنه لا باحة عمل الطبيب أو الصيدلي يشترط ان يكون العمل الذي يقوم به مطابقا للاصول العملية الثابتة والمقررة في علم الطب، فاذا فرط احدهما في اتباع هذه الاصول وجبت عليه المسؤولية.
وقد يقتصر دور الصيدلي على بيع الادوية التي تورد اليه من الصانع، وهو قادر من الناحية العملية وبحكم مؤهلاته العلمية التحقق من صحة وسلامة الادوية التي تورد اليه، وهذا كله لا يمنع من اقامة مسؤولية الصيدلي الذي يقوم ببيع الادوية دون التأكد من سلامتها، وكما انه يستطيع الرجوع بدعوى المسؤولية على الصانع اذا كان العيب القائم بالادوية يرجع لصناعتها وانتاجها، وكما يشترك ايضا الصيدلي مع الصانع اذا كان على علم بفساد الادوية او عدم صلاحيتها واستمر مع ذلك في بيعها. واذا كان الاصل ان يضمن الصيدلي سلامة الادوية التي يبيعها او يركبها ونفس الشي بالنسبة للصانع، الا انهما لا يضمنان فعالية تلك الادوية ومدى نجاحها في العلاج، اذ ان الالتزام الذي يقع على عاتقها في هذه الحالة هو التزام ببذل عناية وهو تقديم الدواء والعلاج المتفق مع الاصول العلمية الثابتة بهدف شفاء المريض، وهو يشترك في هذا المجال مع الطبيب في التزامة ببذل العناية اللازمة.
وقد تثور مسألة اخرى حول قيام الصيدلي ببيع الدواء مباشرة للمريض وعلى عاتقة الشخصي دون ان يكون هناك امر من الطبيب، بغض النظر عن قيام الصيدلي باختيار الدواء، او كون المريض طلب هذا الدواء بالذات، وفي هذه الحالة يمكن قيام مسؤولية الصيدلي عما قام به من فعل الحق ضرر بالمريض .
سادسا: عمليات التجميل نظرا للتطورات العلمية والتقدم التكنولوجي في علم الطب اصبح الطب الجراحي لا يقتصر على الجراحة العلاجية لعلاج الامراض فحسب، بل يوجد إلى جانبها جراحة اخرى وهي جراحة التجميل او الجراحة لتحسين صورة الجسم وهي التي، لا يكون الغرض منها علاج المريض بل ازالة تشوهات في الجسم، وجاءت جراحة التجميل تلبية ضرورية وعملية لتطور الحياة وما صاحبها من حوادث كالحروق واصابات العمل والاصابات الناتجة عن استخدام وسائل المواصلات من طائرات، وسيارات، وكذلك الاصابات الناتجة عن مختلف الالعاب الرياضية.
اتجة القضاء في البداية إلى اعتبار ان مجرد الاقدام على العلاج بقصد التجميل يعتبر خطأ في حد ذاته ويتحمل الطبيب كافة الاضرار الناشئة عن العلاج حتى وان تم اجراءه بطريقة وفقا لقواعد الفن الطبي، وسلك القضاء هذا المسلك وذلك لعدم وجود ما يبين جراحة التجميل التي تنطوي على المخاطر لمجرد اصلاح شكل الانسان ودون وجود ضرورة تستدعي شفاءه من مرض او فائدة تعود عليه . وقد قضت محكمة استئناف باريس بان "مجرد الاقدام على علاج لا يقصد به الا تجميل من اجري له، خطأ في ذاته يتحمل الطبيب بسببة كل الاضرار التي تنشئ عن العلاج، وليس بذى شأن ان يكون العلاج قد اجري طبقا لقواعد العلم والفن الصحيحين".
وقد عدل القضاء عن هذا الموقف بحيث تم اخضاع جراحة التجميل لنفس المبادئ العامة في المسؤولية التي تخضع لها العمليات الجراحية بوجه عام. وثار خلاف حول طبيعة التزام طبيب التجميل، حيث ذهب فريق من الفقهاء إلى وجوب اعتبار هذا النوع من الجراحة التزاما بتحقيق نتيجة، بحيث تقوم مسؤوليتة عند فشل العملية، مالم يقم الدليل على انتفاء العلاقة السببية بين فعله وبين الضرر الناشئ . وذهب فريق اخر من الفقهاء إلى اعتبار ان التزام جراح التجميل هو التزام ببذل عناية وليس التزام بتحقيق نتيجة، وهذا ما اجمع عليه القضاء المصري والفرنسي ، اذ يتكون عقد بين الطبيب والشخص، يلتزم الاول بمقتضاة ببذل العناية والاهتمام الذين تقتتضيها الظروف القائمة ويتفقان مع الاصول العلمية الثابتة. وأرى في هذا المقام ان التزام الطبيب في هذا النوع من العمليات هو التزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة، لان هذا النوع لا يختلف عن الاعمال الطبية التي يقصد منها شفاء المريض والطبيب غير ملزم بشفاء المريض وانما ملزم ببذل العناية الازمة لشفائة.