يشكل ركن الرابطة السببية اساس في المسؤولية المدنية، لانه لا يمكن نسبة الضرر إلى الخطأ اذا لم تكن هناك علاقة سببية تجعل الخطأ علة الضرر وسبب وقوعة. ان جوهر المسؤولية ومناطها هو تلك الرابطة السببية فالطبيب الذي يقع منه الخطأ ويحدث الضرر للمريض، يجب ان يكون بين الخطأ والضرر علاقة سببية، وهذه العلاقة شرط ضروري وركن مستقل عن ركن الخطأ، فقد يقع خطأ من الطبيب ولا يكون هذا الخطأ هو السبب فيما اصاب المريض من اضرار، كما لو اهمل الطبيب بتعقيم الآته الجراحية فمات المريض بسكتة قلبية لا علاقة لها بالخطأ المرتكب من المريض، اذا لا يكفي اقتران الخطأ بالضرر، ولا ان يلحق الضرر الخطأ لقيام السببية بينهما لان المنطق لا يقر هذا، وقد تتوافر السببية دون وجود خطأ ومثال ذلك ان يتضرر الشخص بفعل الطبيب دون ان يكون الطبيب قد اخطأ، ورغم ذلك تتحقق مسؤولية الطبيب ولكن ليس استنادا للخطأ وانما استنادا لمبدأ نظرية تحمل التبعة .
فيشترط ان تكون السببية بين الخطأ والضرر محققة ومباشرة وتحديد الرابطة السببية في المجال الطبي من الامور الشاقة والعسيرة نظرا لتعقيدات العمل الطبي والجسم الانساني فقد ترجع اسباب الضرر إلى عوامل بعيده، او عوامل خفية تعود إلى طبيعة جسم المريض فجميع هذه الاشياء توضح لنا تماما دقة الموضوع وتشعبة في الرابطة السببية في مسؤولية الاطباء، فاشتراك عوامل عدة في احداث ضرر واحد، يجعل من الصعب تعين ما يعتبر سبب حقيقي لهذا الضرر وما لا يعتبر كذلك، هذا وتنص المادة (266) من القانون المدني الاردني على "يقدر الضمان في جميع الاحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاتة من كسب بشرط ان يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار".
ويجب على مدعي الضرر اثبات اركان المسؤولية بما فيها العلاقة السببية التي يمكن اثباتها بجميع طرق الاثبات بما فيها القرائن القضائية، وفي الواقع يمكن اثباتها عن طريق واقع الحال، بل كثيرا ما تكون هذه القرائن واضحة، بحيث ان الامر لا يحتاج لدليل لتوافر السببية، ويجوز نفي الرابطة السببية بطريقة غير مباشرة اي ان الضرر الذي لحق بالمريض نتج عن سبب اجنبي آخر سواء كان هذا السبب الاجنبي هو العامل الوحيد في حدوث الضرر، ام كان هو العامل الذي سبب فعل الفاعل الذي احدث الضرر.
هذا وتنص المادة (261) من القانون المدني الاردني على "اذا اثبت الشخص ان الضرر قد نشأ عن سبب اجنبي لا يد له فية كأفة سماوية او حادث فجائي او قوة قاهرة او فعل الغير او فعل المتضرر كان غير ملزم بالضمان مالم يقض القانون او الاتفاق بغير ذلك" .
وعلية فان صور انعدام السببية وقطعها بتوافر السبب الاجنبي هي ثلاثة صور، الحادث الفجائي او القوة القاهرة، وخطأ المضرور وخطأ الغير ولاثبات كون السبب الاجنبي هو الذي ادى إلى الضرر يجب التميز بين فرضين، اولهما – ان يكون السبب الاجنبي هو السبب الوحيد في وقوع الضرر والثاني – ان يكون السبب الاجنبي احد اسباب وقوع الضرر، كأن يشترك السبب الاجنبي مع خطأ المدعى عليه او فعل الغير، مع الاشارة انه ليس من الضروري ان يكون فعل الغير خطأ.




المطلب الاول: الحادث الفجائي او القوة القاهرة ويشترط في الحادث المنتج للضرر لاعتباره قوة قاهرة او حادث فجائي توافر الشروط التالية : 1. عدم امكانية التوقع، فاذا كان الطبيب يتوقع حدوث الضرر ولم يتخذ الاحتياطات الضرورية اللازمة لتلافي وقوع الضرر فانه يكون مقصرا. فمثلا اذا توفي المريض بسبب ازمة قلبية اثناء المعالجة بسبب حدوث رعد مفاجئ، فاذا تمكن الطبيب من اثبات ان هذا غير متوقع فيمكن ان يعفي من المسؤولية. 2. استحالة الدفع، بمعنى انة يستحيل على الطبيب دفع الحادث الذي أدى إلى الضرر بالمريض، والاستحالة هنا هي الاستحالة المطلقة، سواء كانت مادية او معنوية ولكن اذا كانت هذه الاستحالة نسبية قاصرة على الطبيب المعالج فلا يعتبر الحادث قوة قاهرة ولا يعفي الطبيب من المسؤولية.
المطلب الثاني خطأ المدين فاذا أثبت ان الضرر ناتج عن تقصير واهمال الطبيب فانه يسأل حتى ولو كان هناك سبب اجنبي ساهم في احداث الضرر، واما بالنسبة لخطأ المريض المتضرر، فاذا ما ثبت الخطأ من المريض المتضرر فان ذلك يؤدي إلى نفي المسؤولية عن الطبيب وذلك من خلال نفي الرابطة السببية، شريطة ان يكون خطأ المريض هو السبب الوحيد في احداث الضرر، اما اذا اشترك فعل المريض مع فعل الطبيب في وقوع الضرر، فان ذلك لا يؤدي إلى انتفاء مسؤولية الطبيب وانما يؤدي فقط إلى انتقاص التعويض المحكوم به على الطبيب، بنسبة خطأ المريض، ويأخذ القضاء في هذا الصدد بنظرية السبب المنتج وليس بنظرية تعدد الاسباب التي تقوم بالاعتداد بكافة الاسباب التي احدثت الضرر وذلك بخلاف نظرية السبب المنتج والذي تقوم بالاعتداد بالسبب المألوف الذي احدث الضرر فعلا وليس بالسبب العارض، فاذا ذهب الحكم إلى القول بوجود عدة عوامل ادت إلى حدوث الضرر للمريض، دون ان يتحقق الحكم من ان احد هذه العوامل يشكل السبب المنتج في احداث الضرر، فان هذا الحكم يكون قاصرا فيما اوردة من اسباب، كما في حالة القول بوجود حساسية لدى المريض الذي لم يصدر منة خطأ، وذلك مع عدم التقليل من مسؤولية الجراح عن الضرر الحاصل والتي كان يجب اخذها بعين الاعتبار. ولبيان خطأ المريض على مسؤولية الطبيب يجب ان نفرق بين امرين : الاول: استغرق احد الفعلين للفعل الاخر، في هذه الحالة اذا استغرق احد الفعلين الآخر، كما لو كان خطأ الطبيب في حجمة أكبر بكثير من خطأ المريض، وفي هذه الحالة فلا يعتد بالفعل المستغرق، سواء كان فعل المريض ام فعل الطبيب، ويستغرق احد الفعلين الفعل الآخر في حالتين: 1. اذا كان احد الفعلين يفوق الخطأ الآخر جسامة، ويتحقق ذلك في صورتين: أ- اذا كان احد الفعلين متعمدا، فانه يستغرق الفعل الآخر وقد يكون الفعل المتعمد هو فعل المريض، وقد يكون هو فعل الطبيب، فاذا كان هو فعل الطبيب كما لو ترك الطبيب المريض المصاب بمرض عقلي يسقط من الطابق العلوي فيموت، هنا تقوم مسؤولية الطبيب. اما اذا كان الفعل المتعمد هو فعل المريض، كما لو قام المريض بتناول ادوية كان الطبيب قد حرمها عليه بصفة صريحة وقاطعة، مبينا له نتائجها وآثارها السلبية، فهنا تنتفي مسؤولية الطبيب من انعدام الرابطة السببية، باعتبار ان الفعل الذي قام بة المريض يفوق فعل الطبيب ان كان مخطئاً.
ب- رضاء المضرور بالضرر، فاذا رضي المريض بالنتائج المترتبة على التدخل الجراحي والتي قام الطبيب بتبيانها له، ففي هذه الحالة لا يسأل الطبيب، شريطة ان يكون العمل الطبي او التدخل الجراحي الذي قام بة الطبيب يحتمل النجاح ويحتمل الفشل. 2. اذا كان احد الفعلين نتيجة للفعل الآخر، فاذا كان احد الفعلين نتيجة للفعل الآخر، فلا يعتد الا بالفعل الواقع اولا، فاذا كان خطأ الطبيب سببة خطأ المريض، انتفت المسؤولية الطبية، كما في حالة كذب المريض على الطبيب بشأن حالتة الصحية وقيام الطبيب باعطائة العلاج على ضوء ذلك.
وقد اشار القانون المدني الاردني في المادة (264) منه لاثر استغراق احد الفعلين للفعل الاجر حيث نصت المادة على انه "يجوز للمحكمة ان تنقص مقدار الضمان أو أن لا تحكم بضمان ما اذا كان المتضرر قد اشترك بفعلة في إحداث الضرر او زاد فيه".
هذا النص يعالج عدة حالات، منها انه ليس للقاضي انقاص الضمان ويكون ذلك في حالة استغراق فعل الطبيب لفعل المريض، او ان لا يحكم بضمان، وهذا يفترض ان فعل الطبيب قد استغرقة فعل المريض، وللقاضي ايضا انقاص مقدار الضمان في حالة اشتراك خطأ المريض مع خطأ الطبيب في حالة حصول الضرر. ثانيا: استقلال كل من الفعلين عن الفعل الآخر، اذا لم يستغرق احد الفعلين الفعل الاخر، فان الامر يعد مشترك بين الطبيب والمريض، فيعتبر كل خطأ سببا متكافئا او منتجا في احداث الضرر، وعلية لا يتحمل الطبيب كامل المسؤولية عن فعلة الذي قام بة بل توزع المسؤولية بينة وبين المريض.
وهذا ما استقر علية القضاء في مصر، فاذا كان المضرور قد اخطأ وساهم بخطئه في احداث الضرر الذي اصابة فان ذلك يجب ان يراعى في تقدير التعويض المستحق له فلا يحكم له على الغير الا بالقدر المناسب لخطأ هذا الغير ويترتب على ذلك توزيع مبلغ التعوض بينة وبين المريض . هذا وتنص المادة (265) من القانون المدني الاردني على انه "اذا تعدد المسؤولون عن فعل ضار، كان كل منهم مسئولا بنسبة نصيبة فية وللمحكمة ان تقضي بالتساوي او بالتضامن والتكافل فيما بينهم".
المطلب الثالث خطأ الغير
فقد تنتفي الرابطة السببية ايضا نتيجة لخطأ الغير اي ان الضرر قد وقع بفعل الغير، وهو السبب الوحيد في احداث الضرر، ويجب ان لا يكون الغير من الاشخاص الذين يسأل عنهم الطبيب، سواء كان مكلف بالرقابة عليهم، او كان الطبيب بالنسبة لهم في مركز المتبوع، فاذا كان كذلك امتنع علية الاحتجاج بفعل من هو تحت رقابتة او بفعل تابعية، وقد استقر القضاء على ان خطأ الغير يقطع الرابطة السببية متى استغرق خطأ الطبيب المدعى علية، اما اذا كان خطأ الطبيب مستغرق لفعل الغير فلا يعتد بفعل الغير، وتقوم مسؤولية الطبيب كاملة، فاذا ثبت ان الخطأ صادر من طبيب آخر او من أحد العاملين بالمستشفى او في عدم تنفيذ تعليمات الطبيب، فلا تقوم مسؤولية هذا الأخير.