لا يجوز رد أعضاء النيابة العامة .
لم ينص القانون فيما يتعلق بالمحققين ـ سواء أكانوا من رجال النيابة العامة أم من رجال البوليس ـ على نظام للرد كالمتبع في شأن القضاة، كما أن القانون الأهلي لم يأخذ بنظام رد الشهود. فقيام الخصومة بين المتهم والمحقق أو بينه وبين الشاهد لا يستدعي بطلان إجراءات التحقيق أو شهادة الشاهد، بل الأمر في ذلك مرجعه إلى تقدير محكمة الموضوع.
(4/12/1939 مجموعة القواعد القانونية ج5 ق23 ص29، 16/4/1931 ج2 ق235 ص287)
من المقرر أن أعضاء النيابة العامة في حضورهم جلسات المحاكمات الجنائية ليسوا خاضعين كالقضاة لأحكام الرد والتنحي لأنهم في موقفهم وهم يمثلون سلطة الاتهام في الدعوى لا شأن لهم بالحكم فيها بل هم بمثابة الخصم فقط، فالتنحي غير واجب عليهم والرد غير جائز في حقهم، ومن ثم فليس يبطل المحاكمة أن يكون ممثل النيابة في الجلسة قد أدلى بشهادته في التحقيقات التي أجريت في شأن الواقعة. ولما كان الطاعن لا يدعي شغر كرسي الاتهام في أي وقت أثناء نظر الدعوى لتأدية الشهادة فيها، فإن ما ينعاه من بطلان تشكيل المحكمة التي أصدرت الحكم الابتدائي الذي أيده الحكم المطعون فيه يكون غير سديد.
(نقض جلسة 8/2/1966 س17 ق20 ص112)
تعد النيابة العامة حارس للمصالح العامة، والقاضي للتطبيق السليم للقوانين، فهي تقوم بوظيفة موضوعية. فالنيابة العامة لا تعرف كسب الدعوى الجزائية أو خسارتها، وإنما تعرف واجبها، فهي ليست آلة للاتهام. ولذا لا تنصرف مهمتها إلى البحث عن تحقيق الإدانة، وإنما تتحدد في الوصول إلى الحقيقة وحسن إدارة العدالة.
فالنيابة العامة ليست خصماً حقيقياً، وإنما هي خصم إجرائي لكونها نائبة عن المجتمع، فلا تقف موقف الندية مع المتهم، وإنما تقدم له العون والمساعدة من خلال مراعاتها وتقديرها لكل الظروف حتى وإن كانت في مصلحة المتهم، ومن واجبها إحاطة المتهم بكافة حقوقه والطعون التي يمكن ممارستها، كما أن للنيابة العامة أن تطلب الحكم ببراءة المتهم متى انهارت أدلة الاتهام في الجلسة، فهي خصم عادل تختص بمركز قانوني خاص يجيز لها مباشرة الدعوى العمومية.
لا شك أن الوظيفة الموضوعية والمحايدة للنيابة العامة تتنافر مع وجود مصلحة خاصة لعضو النيابة في التحقيقات أو الدعوى الجزائية التي يمثل فيها النيابة العامة أمام القضاء.
فذاتية عضو النيابة العامة إذا انعكست على عمل من أعمال وظيفته لزم حجبه عن هذا العمل. وهذه الذاتية ليست بالأمر المستبعد. فعضو النيابة إنسان معرض للحقد والتعدي وسوء النية والقرابة والصداقة والمصاهرة ويقبل من ثم أن تتوافر فيه أسباباً للميل أو التعدي للحب والكره، للمودة والعداوة. فإن انعكس ذلك على عمل من أعمال الوظيفة المسندة لعضو النيابة فإننا نكون إزاء انتهاكا للالتزام بالإخلاص للرابطة الوظيفية، فضلاً عن انتهاك التزامه بالإخلاص للرابطة الإجرائية التي تنشأ بمناسبة اتخاذ عضو النيابة الإجراء محل الطعن.
بالرغم من ما ذكر من الحالة الواقعية المنطقية، إلا أنه لا اجتهاد مع موضع النص، ولذلك جاء تطبيقاً لذلك أحكام محكمة النقض المصرية أنه "أعضاء النيابة العامة في حضورهم جلسات المحاكمات الجنائية ليسو خاضعين كالقضاة لأحكام الرد والتنحي لأنهم في موقفهم وهم يمثلون سلطة الاتهام في الدعوى لا شأن لهم بالحكم فيها بل هم بمثابة الخصم فقط. فالتنحي غير واجب عليهم والرد غير جائز في حقهم" نقض 8/2/1966، مجموعة أحكام النقض، س17، رقم20، ص112.
الحجة الأساسية لعدم جواز رد أعضاء النيابة العامة وذلك لكون جميع إجراءاتهم التي يباشرونها تخضع لتقدير سلطة التحقيق أولاً ومحكمة الموضوع بعد ذلك ومن ثم فلا مبرر للرد.
وقد تعرض عدم رد أعضاء النيابة العامة انتقاداً عنيفاً من جانب أغلب الفقه، فعلى سبيل المثال، الدكتور/ محمود نجيب حسني ، الدكتور/ مأمون سلامة، وحجتهم أن اطمئنان الخصوم إلى نزاهة عضو النيابة ضمانة من ضمانات الدفاع، فضلاً على أن المتهم لا يرد النيابة العامة كلها وإنما يرد أحد ممثليها فقط، أما القول بأن رأى عضو النيابة غير ملزم للقاضي، فهو إن كان صحيحاً إلا أنه قد يكون له تأثير فيه. بدليل اعتراف المشرع بتأثر القاضي برأي ممثل النيابة العامة، من أنه جعل قرابة القاضي لممثل النيابة سبباً من أسباب عدم الصلاحية للقاضي المادة 30/2 من قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002 والمادة 141/7 من قانون أصول المحاكمات المدنية والتجارية رقم 2 لسنة 2001.
اما في التشريعات المقارنة يجوز رد اعضاء النيابة العامة ، ففي قانون الإجراءات الجنائية الألماني يجيز رد أعضاء النيابة العامة، مما يثبت صحة هذا الرأي وقوة حجته لتحقيق العدالة المنشودة.

جواز رد اعضاء النيابة الإدارية وفقاً للأسباب القانونية لرد القاضي .
قضت المحكمة الإدارية العليا في ذلك بأن :
"
وحيث انه عما أثاره الطاعن ببطلان التحقيقات التى أجرتها النيابة الإدارية والتفتيش الفنى على الادارات القانونية لاتسامها بعدم الحيدة والموضوعية والتزامها جانب المجاملة والتحيز للمدير العام ضد الطاعن، فإنه وإن كان يجب أن يتوافر فى التحقيقات الضمانات الأساسية ومنها توافر الحيدة التامة فيمن يقوم بالتحقيق وتمكين العامل من اتخاذ كل ما يلزم لتحقيق دفاعه، إلا ن القانون لم يترك هذا الموضوع بغير تنظيم فقد نصت القوانين الإجرائية كقانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون الإجراءات الجنائية على الاحوال التى يجب فيها على القاضى - وقياسا عليها المحقق التنحى عن نظر الدعوى، كما اعطى المشرع لصاحب الشأن حق رد القضاء - واذا قبل بالاخذ بذلك بالنسبة للمحقق فلابد من ان تتوافر احدى الحالات الواردة فى القانون - بشأن الرد- حتى يستقيم دفع الطاعن، وإذ لم يقدم الطاعن ما يثبت توافر حالة من حالات رد المحقق - واكتفى بالقول بعدم حيدة المحقق سواء فى النيابة الإدارية أو فى التفتيش الفنى على الإدارات القانونية بوزارة العدل - فإن دفعه جاء على غير سند من القانون - واذ قال الطاعن بأن المحقق أخل بحقه فى الدفاع فلا يتصور ان يستمر هذا الإخلال من محقق النيابة الإدارية وأيضاً فى تحقيق التفتيش الفنى على الإدارات القانونية بوزارة العدل - ومع ذلك - فإنه مع هذا الفرض، فإنه فى امكان الطاعن تدارك ذلك، بما يتاح له من فرصة للدفاع عن نفسه أمام المحكمة التأديبية عندما يحال الأمر إليها، ليبدى أمامها ما فاته من دفاع، أو ما يرى انه كان إخلالا من جهات التحقيق بحقه فى الدفاع، وعلى ذلك فإن هذا الوجه من أوجه الطعن يكون فى غير محله متعيناً رفضه " .
( الطعن رقم 1911 لسنة 38 ق )
المصدر: المحكمة الإدارية العليا