مفهوم الصياغة

الصياغة لغة : اسم مصدر من الـ ( صَوْغْ ) بمعنى التهيئة والتقدير، ومنه ( الصَائِغ ) الذي يَصُوْغُ الحلي، كما يُقال : هذا ( صَوْغُ ) هذا، أي على هيئته.
وكما يُستعمل الـ( صوغ ) في المحسوسات يُستعمل في المعاني فيقال : صيغة القول أي هيئته وصورته.

وقد عُرفَت الصيغة في الاصطلاح بما يلي:
1 ــ ( ترتيب الكلام على نحو معين صالح لترتب الآثار المقصودة منه).
2 ــ (الألفاظ والعبارات التي تُعرب عن إرادة المتكلم ونوع تصرفه).

ويقصد بمصطلح الصياغة بشكل عام ( التنظيم الجيد لإبراز المضمون ).

وعليه تتضمن الصياغة عنصرين أساسيين هما: ( الشكل والمضمون ) وكل منهما يكمل الآخر:

( بدون التنظيم الجيد لن يكون من السهل فهم المضمون، وبدون المضمون الجيد لن تكون هناك ثمة فائدة من التنظيم).

مضمون صياغة العقود

يختلف مضمون الصياغة في العقود المدنية – عنه في العقود الإدارية.

أ – في العقود المدنية:


العقد، كما سبق البيان، يصدق علي كل اتفاق يراد به أحداث أثر قانوني، ومن ثم فإن إسباغ وصف التعاقد إنما ينصرف إلي ما يفصح عن إرادة متطابقة مع إرادة أخرى علي إنشاء التزام أو نقله أو تعديله أو زواله في خصوص موضوع معين يحدد العقد نطاقه.

وينبني علي ذلك أن صياغة العقود المدنية إنما تقتضى التحقق من مطابقة القبول للإيجاب، وسلامة الرضاء، ومشروعية محل العقد وكونه مما يرد التعامل فيه، ولا يخالف النظام والآداب.

ب – في العقود الإدارية:

- إما صياغة العقود الإدارية فتقتضى التحقق من المسائل الآتية : أن تكون الدولة ممثلة في احدي الجهات الإدارية أو أشخاص القانون العام طرفاً في العقد وأبرمت العقد بوصفها سلطة عامة لها سيادة، أما إذا لم تدخل العلاقة العقدية بوصفها صاحبة سيادة أي نزلت منزلة الأفراد العاديين من أشخاص القانون الخاص، ففي هذه الحالة ينتفي وصف العقد الإداري. أما الطرف الآخر في العقد، فإن الأمر يتطلب التحقق من أهليته للتعاقد بمعني أن يكون أهلاً لإبرام العقد.

والعقد الإداري مثله مثل العقد بوجه عام إلا بما يقتضيه العقد الإداري من ضمان سير وإدارة المرافق العامة، وهو ما يطلق عليه بامتيازات الإدارة، وهذه الامتيازات في حقيقتها تعد آثاراً للعقد ولا دخل لها في ماهية العقد، فالأساس الذي تقوم عليه الامتيازات المقررة للإدارة في العقود الإدارية هي المصلحة العامة والنفع العام، ولولا ذلك لما كان للإدارة هذه الامتيازات.


أساسيات صياغة العقود


المبادئ التي تحقق جودة الصياغة

تتطلب الصياغة الجيدة الالتزام ببعض المبادئ تتلخص في أن تكون الصياغة كاملة وواضحة وصحيحة وأن تقيم تواصل بين أطرافها:

أولاً: شكل الصياغة الجيدة

1- أسلوب الصياغة:
ينبغي الالتزام بالقواعد التالية عند اختيار أسلوب الصياغة:

- أصول تصميم الجمل:
يجب الإحاطة بالقواعد الأساسية للكتابة، وبالتالي معرفة أصول تصميم الجمل كتصريف الأفعال والتوافق بينها، وفواصل الكلام وقواطعه مثل الفواصل ونقط نهاية الجملة، وتظهر أهمية الفواصل مثلا عند استخدام الجمل الاعتراضية، وتظهر أهميتها في اللغات مثل اللغة الفرنسية، التي تستخدم الفواصل للتعبير عن الكلام غير المباشر، أي للتعبير عن كلام شخص آخر غير المتكلم.

- الأسلوب المفهوم:
يجب أن يكون الأسلوب مفهوما في كلماته ومصطلحاته وفقراته، بحيث تكون مفهومة دون أدنى شك في معانيها. لذلك، يتعين استخدام كلمات محددة المعنى بأن تكون لها معنى واحد، أو يجب أن يفهم المقصود منها من سياق الكلام إذا كان لها أكثر من معنى.

ينبغي تجنب استخدام المصطلحات العامة بدون تحديد معناها المقصود ( إذا استخدم مثلا في تحديد صنف المبيع في عقد البيع، كلمات مثل كونه ممتازا أو جيدا أو درجة أولى، فينبغي وضع طريقة للتحقق من توافر هذه الصفات كتحديد عينة يجري القياس عليها أو تحديد جهة يحتكم إليها عند الخلاف).

ينبغي كذلك تجنب صيغة المبني للمجهول بصفة خاصة فيما يتعلق بتحديد العاقد المكلف بتنفيذ الالتزام محل الصياغة.



- المصطلحات الفنية:
ينبغي التحرز في استخدام المصطلحات الفنية ليكون معناها واضحا، وإذا استلزمت الصياغة استخدام مثل هذه المصطلحات فمن الأفضل الالتزام بما يجري عليه العمل على اعتباره مصطلحا قياسيا أي له معنى محدد، مثل مصطلحات التجارة الدولية. حيث قد يحدث أن يختلف تفسير هذه المصطلحات من محكمة لأخرى وقد يحدث أن يحدث النزاع بين طرفي المعاملة إذا جاءت صياغة المصطلح غير كاملة.

- الأسلوب الموجز أو المفصل:
يجعل الأسلوب المختصر الوثيقة أكثر وضوحا – بشرط أن يكون الأسلوب محكما – كما أن الأسلوب المباشر في التعبير يضمن صحة الصياغة. لذلك، فإن استخدام جمل قصيرة تتجنب الحشو والمترادفات والجمل الاعتراضية يجعل المحرر قصيرا مما يقلل الجهد المبذول في تفسيره.

- الأسلوب المبسط:
الصياغة هي استخدام لغة معينة في بناء هيكل العقد ومحتواه. ويجب استخدام لغة قانونية سليمة بأسلوب منضبط مع مراعاة التبسيط في الأسلوب، لذلك يجوز استخدام اللغة الجارية في المعاملات إذا كانت تؤدي المعنى المراد بطريقة أكثر سهولة من اللغة القانونية الجافة. المهم هو تحقيق الصياغة لغرضها من اقصر الطرق مع تجنب التعقيد في بناء الجمل.

- الأسلوب المحدد:
تتطلب الصياغة الجيدة استخدام ألفاظ تعطي المعنى الذي يقيم التواصل بين طرفيه، فإذا كان لكلمة ما دلالة معينة ولكن معناها المراد في الصياغة يحتاج إلى تضييق هذه الدلالة أو توسيعها، ففي هذه الحالة ينبغي إضافة الوصف المناسب إلى هذه الكلمة مما يحقق المطلوب.

2- طريقة العرض:
يتعين الالتزام ببعض القواعد لضمان حسن عرض الأفكار في الصياغة الجيدة:

- التنظيم الدقيق:
يجب أن يكون تصميم الوثيقة منطقيا بحيث يكون مرتبا ومنظما، ويجب ترتيب نصوص العقد بطريقة منطقية تسهيلا للقراءة والفهم ويسهل الاستخدام، وهذا يقتضي إتباع نظام أو خطة لتسلسل الأفكار.


- الانسجام الداخلي:
يجب مراعاة عدم وجود تناقض في أجزاء العقد، لذلك ينبغي مراعاة الدقة في الإحالة بين أجزاء العقد بحيث تقع الإحالة على مكانها الصحيح. ويقتضي تحقيق الانسجام أنه إذا كان موضوع البند يحتمل قاعدة واستثناء فيجب النص عليهما سويا في مكان واحد، أو التدقيق في الإحالة بينهما حين يقعان في مكانين مختلفين. ويقتضي الانسجام الداخلي أيضا توحيد معاني الكلمات والمصطلحات المستخدمة في أجزاء متفرقة من العقد.

- العناوين الفرعية:
تستعمل العناوين الفرعية في تجميع عدة أحكام ترتبط برباط يبرر جمعها تحت هذا العنوان، ويراعى أن إعطاء عنوان لكل بند أو فقرة في العقد من شأنه إضفاء السهولة على تحديد الموضوع والرجوع والإحالة عند الحاجة.

- ترقيم البنود:
يعتبر ترقيم بنود العقد من الإجراءات التي تقتضيها ضرورة التسلسل المنطقي لأحكامه. وأبسط طريقة للترقيم هي استخدام الأرقام المتسلسلة أو الحروف الأبجدية، بحيث يكفل الترقيم سهولة معرفة مكان البند، ويسمح الترقيم أيضا من وضع تقسيمات فرعية كثيرة دون تغيير في الأرقام وبالتالي في الأقسام الرئيسية للعقد.

ثانيا: الصياغة الواضحة والصحيحة والكاملة

يجب أن يحرص صائغ العقد على ضمان وضوحها وصحتها وكمالها. ويقصد بصحة الصياغة أن تكون الكلمات المستخدمة فيها معبرة عن المعنى المراد. ويقصد بوضوح الصياغة أنها تنصرف إلى هذا المعنى دون لبس أو غموض. ويقصد بالصياغة الكاملة أنها تحيط بهذا المعنى في كل أجزائه.

1- وضوح الصياغة:
- أهمية الوضوح:
صياغة العقد تستهدف التعبير بوضوح عن الاتفاق بين طرفيه حول موضوعه وشروطه، وبطريقة تنقل المعنى المراد كاملا، على نحو لا تظهر معه الحاجة إلى البحث خارج وثيقة العقد عن حلول للخلاف المحتمل بين طرفيه.

- تحديد الأهداف:
تقتضي طبيعة المعاملة محل التعاقد، معرفة ماذا يريد أطراف التعاقد. لذلك يتعين أن يقف القائم بالصياغة على الأهداف الحقيقية للعميل، فيدرس جيدا معطيات التعاقد ليختار من بين أساليب الصياغة ما يوفر درجة الوضوح المطلوبة.

- عمومية الصياغة واختصارها وطرق فهم معناها:
يكفل الأسلوب المختصر وضوح محتوى الوثيقة. لكن في بعض الأحيان يحسن توضيح معنى المصطلحات المتخصصة حتى يسهل فهم محتواها. ويراعى أن عمومية اللفظ قد تكون واضحة أو غامضة بحسب السياق الذي يستخدم فيه.

- الالتباس والغموض:
قد يكون التعبير مبهما أو غامضا إذا كان يتيح الاختيار بين معاني متعددة، أي إذا كان اللفظ يفيد أكثر من معنى. لذلك يجب أن يحرص القائم بالصياغة على اختيار الألفاظ المناسبة والمؤدية للمعنى المراد بدون لبس أو غموض. ( خلال مدة معقولة ) - (شهرين – ثلاثة شهور )

2- صحة الصياغة:
تكون الصياغة صحيحة إذا كانت معبرة عن رغبة العميل وبالتالي عن المعنى المراد التعبير عنه في التعاقد. لذلك ينبغي مراعاة انسجام الأفكار التي يقوم عليها موضوع التعاقد، بحيث لا يترتب على التعبير عن فكرة إلغاء فكرة أخرى، أو التشكيك في معنى التعبير عنها. ويعد الأسلوب الصريح هو أقرب طريق لضمان صحة الصياغة.

المصدر
الدكتور / رضا محمود العبد ، أستاذ مساعد بكلية الحقوق والعلوم السياسية - جامعة الملك سعود