نبدأ المحاضرة الأولى بتناول أصول المنهج العلمي للصياغة القانونية للعقود

قواعد الصياغة القانونية للعقود
تعد صياغة العقود عملا إبداعيا يبحث القائم به عن أنسب الطرق المحققة لأهدافها في التواصل بين طرفيها في ضوء خصوصيات موضوع التعاقد محل الصياغة. فالغاية من الصياغة هي وضع موضوع التعاقد في قوالب تقيم التواصل بين طرفيه بطريقة واضحة وتكفل تنفيذه دون منازعات أو خلافات. فالصياغة هي الأداة التي يجري بها التعبير عن موضوع التعاقد.

وإذا كانت الصياغة ترتبط أساسا بشكل العقد، إلا إنها لا تقف عند النواحي الشكليـة من ضبط المصطلحات، وتدقيق العبارات، وملاحظــــة الجوانب اللغوية، وتصنيف أحكامها وترتيبها، بما يكفل للعقد الدقة وحسن الصياغة وكمال التنسيق، بل إن الصياغة تعني مراجعة بنود مشروع العقد، وتشمل الإجراءات التي تسبقه وجميع ما يعتبر جزءاً منه، للوقوف علي مدى مطابقتها لأحكام القانون، ومن ثم تطهير العقد من المخالفات التي يمكن أن تشوب إبرامه أو بنوده، تحسباً للوقوع في خطأ قانوني قد يؤثر علي تنفيذ العقد، أو على مدى صحته من الوجهة القانونية.

أي أن هناك تأثيرا متبادلا بين الموضوع والشكل سواء عند تحرير الوثيقة أو عند اتخاذها شكلها النهائي بالتوقيع عليها. فالموضوع يؤثر في اختيار شكل التعبير عنه. ومثل هذا التأثير المتبادل بين شكل المحرر وموضوعه عند صياغته يلزم القائم بالصياغة أن يضع نصب عينيه المعنى المراد التعبير عنه ليأتي في شكل مؤد للغرض منه دون انحراف أو تجاوز.

لذلك، يجب أن يصاغ العقد بطريقة تتضمن التعبير الدقيق عن إرادة الأطراف، وتحول دون قيام مشكلات في التنفيذ، ناجمة عن عيوب الصياغة، أو عدم دقتها، أو غموضها، وإلا كان للقضاء مهمة التدخل في تفسير نصوص العقود و المحررات – بما للقضاء ممن سلطة واسعة في تفسير المحررات الغامضة والمعيبة – وقد يؤدي هذا التدخل من القضاء في التفسير والتوضيح، إلى نتائج غير مرضية لأحد المتعاقدين، وغير معبرة عن إرادته.

وعليه، فإن صياغة العقود هي الهندسة القانونية التي يتم بها التعبير عن حقيقة رغبات المتعاقدين، وخاصة في العقود الكبيرة والمعقدة، والتي قد يسعى المتعاقدان إلى إبرامها مدة طويلة قد تتجاوز سنة أو سنتين، مثل عقود شراء الأسلحة, أو الطيران، أو بناء السفن الحربية أو التجارية.

ولا تعد الصياغة ترجمة لرغبات المتعاقدين، ما لم تكن عبارات العقد وألفاظه، ومستنداته وملاحقه، دقيقة ومحددة، وواضحة وكاملة، إذ يترتب على خلاف ذلك نشوء منازعات أمام القضاء معقدة وطويلة الأمد، وخاصة في العقود الفنية الكبيرة، بسبب عيوب في صياغة نصوص العقد ووثائقه.

ومن أخلاقيات الصياغة ضرورة مراعاة الثقة التي أودعها العميل فيمن كلفه بالصياغة. فيتعين على من يقوم بالصياغة الالتزام بعدم تجاوز تعليمات العميل، وألا يعبر عن آرائه الشخصية في الصياغة قبل موافقة العميل، وإن كان له بطبيعة الحال أن يعدل في تفصيلات العقد بما يراه مفيدا لمصالح العميل بعد أن يقنعه بهذه التعديلات.
ويجب على صائغ العقد إعطاء العميل الفرصة الكاملة ليفهم ما جرت به الصياغة ويقوم بمساعدته على فهم الصياغة ويقنعه بأسباب الصياغة التي يقترحها.
مفهوم العقد
ليس من أغراضنا في هذه الدورة البحث المتعمق في عناصر التعريفات المتعددة للعقد. لكن يكفي أن نعرض في عجالة لمفهوم العقد:

العقد في أصل اللغة: الربط، وهو جمع طرفي حبلين ونحوهما، وشد أحدهما بالآخر، حتى يتصلا فيصبحا كقطعة واحدة. والعقدة هي الموصل الذي يمسكهما ويوثقهما. ومن هنا تم إطلاق مصطلح (العقد) على اليمين، والعهد، وعلى الاتفاق في المبادلات، كالبيع ونحوه.

وعلى ذلك يكون عقداً في اللغة، كل ما يفيد الالتزام بشيء عملاً كان أو تركاً، من جانبٍ واحد أو من جانبين، لما في كل أولئك من معنى الربط والتوثيق.

والعقد كما عرفته مجلة الأحكام العدلية (م/ 103 ـ 104( هو: ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله.


والعقد في الاصطلاح القانوني هو:
اتفاق إرادتين على إحداث أثر قانوني يتمثل إما في إنشاء حق، أو نقله، أو إنهائه.

ينشأ العقد بتبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين، ويسمى هذا التعبير المتقابل: إيجاباً وقبولا. فالإيجاب هو أول بيان يصدر من أحد المتعاقدين، معبراً عن إرادته في إنشاء العقد، أيا كان هو البادئ منهما، وأما القبول فهو ما يصدر من الطرف الآخر بعد الإيجاب، معبراً عن موافقته عليه.

فالبادئ بعبارته في بناء العقد دائماً هو الموجب، والآخر هو القابل سواء أكان البادئ مثلاً في عقد البيع هو البائع بقوله: بعت، أو هو المشتري بقوله: اشتريت، أو كان البادئ في عقد الإجارة هو المؤجر بقوله: آجرت، أو المستأجر بقوله: استأجرت. وهكذا في سائر العقود ... أول تعبير فيها عن الإرادة العقدية من أحد الطرفين هو الإيجاب، وثانيهما من الطرف الآخر هو القبول.




أنواع العقود
1- العقود المسماة والعقود غير المسماة
2- عقود المعاوضة وعقود التبرع
3- العقود الرضائية والعقود الشكلية والعقود العينية
4- عقود مساومة وعقود إذعان
5- العقود الملزمة لجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد
6- العقود الفورية والعقود الزمنية


مراحل إبرام العقد
1ـ التفاوض :
تعتبر المفاوضات هي المرحلة السابقة على التعاقد، وتستهدف الإعداد لإبرام العقد النهائي. ولا يصدر عن أحد المتعاقدين إيجابا أو قبولاً نهائيا إلا بعد مفاوضات مع الطرف الآخر، فالإيجاب والقبول إذن هما نتيجة المفاوضات.

ولا يترتب على المفاوضات ـ بحسب الأصل ـ أي أثر قانوني، إذ من حق المتفاوض أن يقطع المفاوضة في أي وقت، ولا مسئولية عليه في هذا المسلك إلا إذا اقترن العدول عن التفاوض بخطأ ممن قطع المفاوضات، وتعد المسئولية هنا تقصيرية أساسها الخطأ، وليست تعاقدية ترتكز على العدول عن التفاوض. وعلى من يدعى الضرر من العدول أن يثبت خطأ المتفاوض في قطع المفاوضات.

وقد يجري التفاوض على أساس تبادل مشروعين للعقد يعدهما كل طرف، ويبعث به للطرف الآخر تمهيدا لتحديد أوجه الاتفاق والخلاف بينهما بحيث تتركز المفاوضات حول نقاط الاختلاف.

وتعد المفاوضات من الوسائل التي يفسر بها العقد لأنها تعرب عن مقاصد المتعاقدين. وقد يتم التوصل خلال المفاوضات إلى بعض الاتفاقات التي يمكن أن يعترف لها القانون بوصف العقد، متى بان من صياغتها إرادة أطرافها في الارتباط التعاقدي، ويطلق البعض على هذه الاتفاقات مصطلح العقود التمهيدية أو التحضيرية أو الأولية.

2 ـ الوعد بالتعاقد:
يتدخل الوعد بالتعاقد في المرحلة التحضيرية للتعاقد النهائي مثبتا نوايا طرفيه بشأن هذا التعاقد الأخير. فقد يثمر عن المفاوضات وعد بالتعاقد كالوعد بالبيع مثلاً، وهو عقد يلتزم بمقتضاه الواعد ببيع شيء إذا أظهر الموعود له رغبته في الشراء في مدة معينة، وكثيراً ما يلجأ إلى هذا العقد في الحياة العملية، خصوصاً بعد أن تعقدت المعاملات وتشعبت، ومن أمثلة ذلك: ما تلجأ إليه شركات البناء العقارية لتيسير تأجير مبانيها فتضمن عقود الإيجار الصادرة منها وعداً ببيع العين إلى المستأجر. وكما يصدر الوعد من البائع فقد يصدر أيضاً من المشتري ويسمى بالوعد بالشراء.

والوعد بالتعاقد باعتباره عقدا، يجب أن تتوافر فيه أركان العقود بصفة عامة. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتضمن الوعد بالتعاقد تحديدا لطبيعة العقد الموعود بإبرامه ومحله، وبصفة عامة كل عناصره الأساسية بحيث ينعقد بمجرد إظهار الرغبة في التعاقد أو حلول الرغبة أو حلول الميعاد المتفق عليه.

3. العقد الابتدائي:
قد يكون الوعد بالتعاقد ملزماً للجانبين ومثل هذا الوعد يسمى في العمل بالعقد الابتدائي، وفيه يتفق الطرفان على جميع شروط العقد المراد إبرامه، مع تحديد أجل العقد النهائي. فإذا حل الأجل المحدد لتحرير العقد النهائي وامتنع أحد الطرفين دون سبب مقبول عن إمضائه جاز للطرف الآخر رفع دعوى صحة التعاقد للحصول على حكم بثبوت البيع.
وإذا ظهر هناك اختلاف بين الشروط الواردة في العقد الابتدائي والشروط التي تضمنها العقد النهائي تعين الرجوع إلى ما تضمنه العقد النهائي.

4. التعاقد بالعربون :
العربون هو مبلغ من المال (أو أي شيء منقول آخر)، يدفعه أحد المتعاقدين إلى المتعاقد الآخر، وقت انعقاد العقد. ودفع العربون، وقت إبرام العقد، يفيد أن لكل من المتعاقدين الحق في العدول عنه. إلا إذا قضى الاتفاق بغير ذلك. فإذا عدل من دفع العربون فقده هذا ولو لم يترتب على العدول أي ضرر.

والبعض يعتبرون العربون "كتنفيذ جزئي للعقد"، والبعض الآخر يعتبرون العربون كخيار للعدول عن العقد.


المصدر:
الدكتور رضا محمود العبد ، أستاذ مساعد بقسم القانون المدني بكلية الحقوق والعلوم السياسية - جامعة الملك سعود