ويقال بأن الفراعنة هم أول من عرف المخدرات في منطقتنا العربية. وكان أهمها المخدرات المشتقة من نبات الخشخاش والقنب، لكن استعمال هذه النباتات وما يشتق منها من المخدرات كان مقصوراً على مجالات بعيدة عن الإدمان، حيث كانت تستعمل في مجال الطب، فالأفيون كان يستخدم لعلاج أمراض العيون وعمل مراهم لآلام الجسم، وكذلك كان يصنع منه مساحيق لنفس الأغراض، كما كان الخشخاش في ذلك الوقت يستعمل كدواء لتهدئة الأطفال من الصراخ.
ومع بداية القرن الحالي أخذت إساءة استعمال المخدرات تشغل بالولاة ، حيث بدأت تتدفق على البلاد كميات ضخمة من الحشيش والأفيون من بلاد اليونان، وأقبل على تعاطيها كثير من فئات الشعب في الريف والمدن، بعد أن كان التعاطي محصوراً في نطاق ضيق على بعض الأحياء الوضيعة في المدن، وذلك حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما تمكن كيميائي يوناني من إدخال الكوكايين إلى مصر وتقديمه إلى الطبقة العليا. ثم انتشرت بعد ذلك عادة تعاطي الكوكايين بسرعة امتدت إلى الطبقات الأخرى.
3 - تعريف المخــدرات :
المخدرات لغة: مشتقة من الخِدْر .. وهو ستر يُمد للجارية في ناحية البيت، والمخَدر والخَدَر: الظلمة، والخدرة: الظلمة الشديدة، والخادر: الكسلان، والخَدرُ من الشراب والدواء: فتور وضعف يعتري الشارب.
أما المخدرات اصطلاحاً:
لا يوجد تعريف عام جامع يتفق عليه العلماء المتخصصون، بحيث يوضح مفهوم المواد المخدرة بوضوح وجلاء، وإن كان هناك مجموعة من التعريفات الاصطلاحية للمخدرات، حيث عرفت المخدرات بأنها:
1- المادة التي يؤدي تعاطيها إلى حالة تخدير كلي أو جزئي مع فقد الوعي أو دونه، وتعطي هذه المادة شعوراً كاذباً بالنشوة والسعادة، مع الهروب من عالم الواقع إلى عالم الخيال.
2- هي كل مادة خام أو مستحضرة تحتوي على جواهر منبهة أو مسكنة من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية والصناعية الموجهة أن تؤدي إلى حالة من التعود والإدمان عليها مما يضر بالفرد والمجتمع جسمياً ونفسياً واجتماعياً.
3- ويعرفها بعض الباحثين من خلال زاويتين مختلفتين: أحداهما علمية، والأخرى قانونية،
* علميــًا: بأن المخدر هو مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم ،أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم.
* وقانونياً: بأن المخدرات هي مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان، وتسمم الجهاز العصبي، ويحظر تداولها أو زراعتها أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص لهم بذلك .
أما الُمفتّر: وهو ما يكون منه حرارة في الجسد واللسان وفي الأطراف، مع الضعف والاسترخاء في الأطراف قوة وضعفاً حسب حالة وقدرة الشخص الصحية.
مما سبق يمكن تعريف المخدرات على أنها:
"كل مادة مسكرة أو مفترة طبيعية أو مستحضرة كيميائياً من شأنها أن تزيل العقل جزئياً أو كلياً، وتناولها يؤدي إلى الإدمان، بما ينتج عنه تسمم في الجهاز العصبي، فتضر الفرد والمجتمع، ويحظر تداولها أو زراعتها، أو صنعها إلا لأغراض يحددها القانون، وبما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية".
4 - حكم المخدرات في الشريعة الإسلامية :
أجمع علماء المسلمين من جميع المذاهب على تحريم المخدرات حيث تؤدي إلى الأضرار في دين المرء وعقله وطبعه ، حتى جعلت خلقا كثيرا بلا عقل ، وأورثت آكلها دناءة النفس والمهانة . قال الله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )) المائدة 90 .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل مسكر خمر حرام " ، والخمر هو كل ما خامر العقل أو غطاه أو ستره بغض النظر عن مظهر المسكر أو صورته وكل المخدرات مسكرة ومفترة وهي حرام ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أسكر كثيرة فقليله حرام " كما قال " حرام على أمتي كل مفتر ومخدر " .
إن في تعاطي المخدرات اعتداء على الضروريات الخمس التي حرصت الشريعة الإسلامية على حمايتها والمحافظة عليها بمختلف السبل والوسائل، واعتبرت الاعتداء على أمنها جريمة من أشد الجرائم يستحق مرتكبها أبلغ العقوبات، وهذه
الضروريات أو مقاصد الشريعة الخمس وهي"(العقل – النفس – الدين – المال – العرض).



تقسيم المواد المخدرة : تتعدد المعايير المتخذة أساساً لتصنيف المواد المخدرة وسوف نقوم بالتصنيف : .
تبعاً لمصدرها أو طبقاً لأصل المادة التي حضرت منها ، وتنقسم طبقاً لهذا المعيار إلى :
-1مخدرات طبيعية - 2 -مخدرات صنعية - 3 – مخدرات تخليقية
1- المخدرات الطبيعية
والمخدرات الطبيعية : هي مجموعة من النباتات الموجودة بالطبيعة والتي تحتوي أوراقها أو ثمارها أو مستخلصاتها على عناصر مخدرة فعالة ، ينتج عن تعاطيها فقدان جزئي أو كلي للإدراك ، كما أنها قد تترك لدى المتعاطي اعتمادا وإدمانا نفسيا أو عضويا أو كلاهما وأهمها :
أولا : الحشيش ، القنب الهندي ، الماريهوانا :
القنب الهندي نبات عشبي ينمو فطريا أو تتم زراعته ، يسميه الأمريكيون ( الماريهوانا ) ومعناها السجن أو العبودية ، ويعرفه العرب باسم الحشيش . وأوراقه مسننة وعدد فصوصها فردى وهو نبات منه نبتة مؤنثة وأخرى ذكرية .
إن التعاطي عن طريق التدخين ( الاستنشاق ) سواء من خلال السجائر مخلوطا بالتبغ أو التمباك أو ( المعسل ) وهو أسلوب خطر للغاية حيث يصل الدخان إلى الرئتين مباشرة ومنها إلى الدم ثم المخ والجهاز العصبي ليبدأ تأثيره خلال دقائق ويمتد لحوالي 3 – 4 ساعات .
آثار ومخاطر تعاطي الحشيش
* ضعف الشخصية ، الاكتئاب ، الانطواء ، القلق ، اضطراب النوم .
* خداع الحواس ، الهلوسة ، ضعف الذاكرة واضطراب التفكير وعدم تناسق الأفكار وتضخم الشعور بالذات .
* الضعف الجنسي وظهور أعراض أنوثة نتيجة انخفاض معدل هرمون الذكورة .
* ضعف القدرة على الإنجاب لانخفاض عدد الحيوانات المنوية بنسبة تزيد عن 60% .
ثانيا : الأفيون ، الخشخاش :
الأفيون هو العصارة اللزجة المستخرجة من ثمار الخشخاش بعد تشريط جدرانها الخضراء قبل نضجها ، وهذا العصير الأبيض يجفف ليصبح مادة كريهة الرائحة ، شديدة المرارة ، تحتوي على ما يزيد عن 25 مادة مختلفة أهمها المورفين ، الكودايين . بيد أن المورفين هو العامل الأساسي في الإدمان والذي ترجع إليه تأثيرات الأفيون المختلفة . إن تأثير الأفيون يكوم عاما على الجسم ويؤثر بصورة أساسية على المخ والجهاز العصبي والعضلات وتظهر الأعراض على متعاطيه خلال فترة وجيزة لا تزيد عن نصف ساعة من تعاطيه ، ينشأ الإدمان على الأفيون عند تناول جرعة منه ( مهما كانت صغيرة ) لعدة أيام قليلة ، بعدها يبدأ المتعاطي في زيادة الجرعة سعيا وراء الشعور بالنشوة ، وكلما استمر في التعاطي استمرت حاجته إلى زيادة الجرعة وبعدها لا يمكنه التوقف عن التعاطي لفترة تزيد عن 12 ساعة تقريبا ، بعدها يعاني من أعراض التوقف المفاجئ وعادة ما تنتهي حياة المدمن في مصحات الأمراض العقلية أو بالموت في سن مبكرة .
آثار ومخاطر تعاطي الأفيون :
* الإحساس باللامسئولية والتضحية بكل نفيس مقابل الحصول على الجرعة في موعدها ، مما يدفع بالمدمن إلى الجريمة أو التنازل عن المبادئ والأخلاقيات . والتردد في اتخاذ القرار .
ثالثا : القات
يتم تعاطي القات بمضغ الأوراق الصغيرة مضغا بطيئا ثم تخزين هذه الكتلة الممضوغة بالشدق مدة طويلة مع استحلابها من وقت لآخر ويعتمد المتعاطي إلى شرب كميات من المياه المثلجة مرارا وبعد فترة يلفظ المتعاطي كتلة الأوراق ويعاود مضغ أوراق جديدة ، التعاطي أو التخزين يتم في جلسات أو مجالس بطقوس غريبة ، حيث يتلاصق المتعاطون في أماكن مغلقة بحثا عن الدفء نظرا لأن التعاطي يسبب إحساسا بالبرودة .
أثناء التعاطي يمنح القات شعورا بالسعادة والراحة والتحلل من المسئولية وإحساسا زائفا بالقدرة والرضا ، غير أن الإدمان على تعاطي القات يسبب اعتمادا نفسيا إضافة إلى أعراض صحية أهمها ضعف في حركة المعدة ، سوء الهضم ، الهزال ، شلل الأمعاء ، تليف الكبد والخمول الجنسي .
أيضا فإن المدمنين يعانون من اضطرا بات في الجهاز العصبي وهم بصورة عامة كسالى ويعانون من تدني مستوى إنتاجيتهم وقدراتهم على العمل .
رابعا : الكوكا
ولأوراق الكوكا أثر منبه حيث توفر للمتعاطي نشاط في وظائف المخ ، عدم الرغبة في النوم وعدم الشعور بالتعب ، غير أنها آثار مؤقتة تزول لتترك المتعاطي منهك الجسد ، مشتت التفكير .
2-المخدرات الصنعية :
هي مجموعة من المواد المستخلصة أو الممزوجة أو المضافة أو المحضرة من نباتات موجودة في الطبيعة تحتوى على عناصر مخدرة فعالة ( مخدرات طبيعية ) ، ينتج عن تعاطيها فقدان جزئي أو كلي للإدراك ، كما أنها قد تترك لدى المتعاطي اعتمادا وإدمانا نفسيا أو عضويا أو كلاهما وأهمها :
أولا : المورفين :
تتم صناعة المورفين عن طريق تحليل مادة الأفيون الخام كيميائيا وباستخدام التسخين لإنتاج مسحوق أبيض عديم الرائحة ، مر المذاق يمكن تسويقه صلبا أو مذابا في سوائل خاصة ، كما يمكن إنتاجه في صورة أقراص .
عند الإقلاع عن تعاطي المورفين يواجهه المدمن مجموعة من أعراض الإقلاع ، خلال فترة تتراوح بين 24 – 48 ساعة واهم تلك الأعراض التوتر ، الهياج، الأرق، حكة شديدة بالجسم ، إفراز العرق بغزارة والرغبة الجامحة في البحث عن جرعة جديدة ويصف المدمنون شعورهم خلال تلك المرحلة بآلام جسدية متفرقة .
آثار ومخاطر تعاطي المورفين : للمورفين آثار منبهة على مدمنيه ، تتميز بالغثيان ، القيء تقلص العضلات و الهياج العصبي الشديد ، الأرق والتوتر. والضعف الجنسي .
ثانيا : الهيروين
هو أحد أخطر مشتقات المورفين وأكثر العقاقير المسببة للإدمان شراسة وتأثير ، يتم تحضيره صناعيا من المورفين بعمليات كيميائية ، وفعاليته تتراوح ما بين أربعة إلى عشرة أضعاف تأثيرات المورفين ، وهو عبارة عن مسحوق أبيض عديم الرائحة ، ناعم الملمس ، مر المذاق قابل للذوبان بالماء وجاءت تسميته من الألمانية ومعناها الدواء القوي التأثير . وتقدر السلطات الأمريكية عدد مدمني الهيروين في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 3 مليون تتراوح أعمارهم بين 20 – 30 عاما وهو رقم معلن عنه رسميا .
إن الصورة المأساوية لإدمان الهيروين تكمن في التبعية الجسدية والنفسية السريعة والقوية ، والتي ترغم المدمن على تناول جرعات متزايدة والبحث بصورة جنونية على تأمين المخدر بأي طريقة ويكون المدمن غير قادر على السيطرة على رغبته مما يدفعه إلى سلوك إجرامي أو عدواني لإشباع حاجته وما لم يتم تدارك تلك الحالات بالعلاج النفسي والاجتماعي والطبي بصورة عاجلة فإن الانتحار عادة ما يكون نهايتها المحتمة ، غير أن علاج إدمان الهيروين باهظ الكلفة ولا يتوفر سوى في مراكز قليلة متخصصة ، وربما كان ذلك واحدا من أسباب الخطورة البالغة للهيروين .
آثار ومخاطر تعاطي الهيروين :
1- خلل في أنشطة المخ والإدراك الحسي و تدمير خلايا الكبد وتليفه .
2- الشعور بالنقص والاكتئاب الذي قد يدفع المدمن إلى الانتحار . .
3- الولادة المبكرة للحوامل المدمنات وإصابة 90% من أطفالهن بضعف المناعة ونقص النمو وتصل نسبة الوفاة بينهم إلى 60 – 70% تقريبا .
ثالثا : الكودايين :
يمثل الكودايين حوالي 2% من مكونات الأفيون ولقد تم تصنيعه واستخراجه من المورفين لاستخدامه كمسكن للألم وكانت البداية في عام 1822م ، وقد ساهم في انتشار إدمانه نظرا لتوفره في عديد من أدوية السعال ومضادات الإسهال خاصة إنه كان غير مدرج ضمن عقاقير لوائح المخدرات وكان المدمنون يسعون إلى تأثيره المسبب للاسترخاء والهدوء ، والذي سرعان ما يتحول مع إدمانه إلى الشعور بالهياج العصبي والرغبة المستمرة في زيادة الجرعة .
رابعا : السيدول
وهو مزيج من المورفين ومكونات أخرى أهمها السبارتين وقد تم تصنيعه كعقار ضد الآلام وقبل العمليات الجراحية وسرعان ما استخدمه المدمنون بطريق الحقن ومع استمرارية تناوله يترك إدمانا وتبعية نفسية وجسدية لدى المدمن وقد سارعت عديد من دول العالم من بينها الكويت إلى تقنين وتنظيم صرف وتناول هذا العقار .

خامسا : الديوكامفين
وهو مزيج من الكودايين والكافور ، وقد تم تصنيعه كعقار مسكن للآلام ومهدي للتوتر وسرعان ما عمد المدمنون إلى تعاطيه سواء في صورة أقراص أو بحقنه تحت الجلد وهو كجميع مشتقات المورفين يترك تبعية جسدية ونفسية لدى المدمن وإن كان ذلك أقل تأثيرا من المورفين .