الاستجواب

تعريفه ماهيته

الاستجواب أجراء هام من إجراءات الاثبات , يتوجه بواسطته المحقق الى المدعى عليه ذاته للوقوف على الحقيقة والوصول الى اعتراف منه يثبت التهمة المنسوبة أليه او إلى دليل يدحضها .

وللاستجواب طبيعة مزدوجة ,
فهو وسلة تحقيق مع المدعى عليه يتخذه المحقق بغية الحصول على دليل أثبات ينير له مجريات التهمة

وهو من ناحية ثانية وسيلة دفاع

تتيج للمدعى عليه فرصة أثبات براءته ونفي التهمة المنسوبة أليه ان كان بريئاً او تخفيف مسؤوليته عن طريق توضيح ظروف اقترافه للجريمة ان كان مذنباً

ويختلف الاستجواب عن سؤال المدعى عليه من جهة ويقترب من جهة أخرى من المواجهة : فالاستجواب يكون باطلاع المدعى عليه بالتهم الموجهة إليه ومجابهته بالأدلة القائمة ضده ومناقشته بشكل تفصيلي بكل ذلك

أما سؤال المدعى عليه : فانه أجراء يقتصر على مجرد اطلاعه على الأفعال المنسوبة أليه وطلب جوابه عنها دون ان يدخل المحقق معها بنقاش تفصيلي . بل يترك له الحرية في ان يبدي ما يشاء من أوجه الدفاع , وهو على هذه الصورة أجراء يشبه إلى حد ما الاستماع إلى أقوال الشاهد.

وتتضح فائدة هذه التفرقة بين الاجرائين في : ان سؤال المدعى عليه هو إجراء جائز اتخاذه في أي مرحلة من المراحل بما في ذلك مرحلة التحقيق الأولي حيث يجوز للضابطة العدلية سؤال المشتبه به والاستماع الى أقواله , بينما ليس لها استجوابه لأن ذلك من أعمال التحقيق القضائي

أما المواجهة : فهي في حكم الاستجواب , لأنها تعني مجابهة المدعى عليه بغيره من المتهمين او المدعي الشخصي أو الشهود , ومناقشته مفصلاً في مدى صدق او كذب أقواله





ضمانات الاستجواب

نظراً لما للاستجواب من أهمية وخطورة , وخشية من استخدامه وسيلة للضغط على المتهم واعتصار اعتراف منه باقتراف الجريمة بشكل يتنافى مع قرينة البراءة التي وضعها القانون في صفه , فأن المشرع قد أحاطه بضمانات جدية , بعضها يتصل بالسلطة التي تقوم به , والبعض الأخر موضوع لتمكين المتهم من الدفاع عن نفسه وإتاحة الحرية الكافية له في إبداء ما يشاء من أقوال وأراء لدحض التهمة الموجهة اليه



اولاً : السلطة المختصة بالاستجواب : وضع المشرع ثقته بالسلطة القضائية لأجراء الاستجواب فلم يجز لغيرها القيام به .

1- في مرحلة التحقيق الأولي : ليس للضابطة العدلية في الأحوال العادية استجواب المشتبه به على انه فاعل الجريمة , وكل مالها مجرد سؤاله والاستماع الى اقواله دون الدخول معه في مناقشة تفصيلية عن الواقعة الإجرامية وأدلتها .

2- في مرحلة التحقيق الابتدائي : من أهم ضمانا الاستجواب ان تقوم به جهة فضائية , فيستطيع قاضي التحقيق استجواب المدعى عليه متى كانت الدعوى قد دخلت في حوزته على الوجه القانوني . واذا كان القانون قد سمح لقاضي التحقيق إنابة أعضاء الضابطة العدليى للقيام بأية معاملة تحقيقية ,كما أجاز للنيابة العامة حين قيامها بالتحقيق في الجرائم المشهودة أو ما هو بحكمها أن تعهد الى هؤلاء بقسم من الأعمال الداخلة في وظائفها متى رأت ضرورة لذلك , فأن المشرع قد خرج من الإنابة صراحة استجواب المتهم بحيث لا يجوز ان تقوم به الضابطة العدلية . بيد ان استجواب المدعى عليه يصبح أجراء جائز لاي عضو من أعضاء النيابة العامة أو الضابطة العدلية عندما يضبط بنفسه جريمة مشهودة : إذ يعتبر الاستجواب في هذه الحالة من أعمال التحقيق الابتدائي التي يقوم بها هذا العضو باعتباره قد استمد سلطة التحقيق الابتدائي من القانون مباشرة وليس من قاضي التحقيق عن طريق الإنابة

3- في مرحلة المحاكمة : تختلف التشريعات في مسألة تخويل المحاكم سلطة استجواب المتهم

فالبعض منها ( الانجليزي والمصري والليبي ) جعل من الاستجواب في مرحلة التحقيق النهائي وسيلة دفاع فقط فلا يجوز استجواب المتهم الا اذا قبل ذلك . واذا ظهر أثناء المرافعة والمناقشة بعض الوقائع يرى لزوم تقديم إيضاحات عنها من المتهم لظهور الحقيقة يلفت القاضي نظره ويرخص له بتقديم تلك الإيضاحات , واذا امتنع المتهم عن الإجابة أو اذا كانت أقواله في الجلسة مخالفة لأقواله في محضر جمع الاستدلالات او محضر التحقيق جاز للمحكمة ان تأمر بتلاوة أقواله الأولى

اما البعض الأخر من التشريعات
(التشريع الفرنسي ) فأنه يجيز استجواب المتهم في جميع المراحل التي تمر بها التهمة بما في ذلك مرحلة المحاكمة . وقد انحاز قانوننا الى هذا الاتجاه , فأجاز للمحاكم على اختلاف أنواعها استجواب المدعى عليه للوقوف على الحقيقة

ضمانات الاستجواب الخاصة بالمتهم : بما أن الاستجواب وسيلة تحقيق ودفاع في آن واحد كان لابد من مراعاة بعض الضمانات التي تحفظ للمتهم حق إبداء أقواله بحرية وتمكنه في الوقت ذاته من الدفاع عن نفسه , وهذا يقتضي

1- اطلاعه على التهمة : حتى يتمكن المدعى عليه من الدفاع عن نفسه لابد من اطلاعه على التهمة المنسوبة اليه وذلك قبل استجوابه , وهو ما يجب اتمامه من قبل المحقق او من قبل المحكمة .

فعلى قاضي التحقيق عند ما يمثل المدعى عليه امامه لأول مرة أن يتثبت من هويته ويطلعه على الافعال المنسوبة اليه ويطلب جوابه عنها (المادة 691)

وفي الدعاوى الصلحية والبدائية لابد ان تتضمن مذكرة الدعوة لحضور المحاكمة الوقائع الاجرامية المنسوبة الى المدعى عليه , وعند البدأ في المحاكمة يتلو كاتب المحكمة قرار الاحالة واوراق الضبط أن وجدت ويوضح النائب العام والمدعي الشخصي او وكيله وقائع الدعوى ثم يستجوب المدعى عليه (المادة 191) كما ان قرار الاتهام الذي يصدره قاضي الإحالة بإحالة المتهم الى محكمة الجنايات والذي يبين التهمة لابد من أبلاغه أليه (المادة 160 )

2- دعوة محاميه : بعد ان يطلع قاضي التحقيق المدعى عليه على الافعال المنسوبة اليه ويطلب جوابه عنها , وينبهه الى ان من حقه الا يجيب الا بحضور محام
, ويدون هذا التنبيه في محضر التحقيق ,فأذا رفض المدعى عليه اقامة محام او لم يحضر محامياً في مدة اربع وعشرين ساعة جرى الاستجواب بمعزل عنه (المادة 691) .

اما في دعاوى الجناية فأنه اذا تعذر على المدعى عليه اقامة محام وطلب الى قاضي التحقيق ان يعين له محامياً فيعهد في امر تعيينه الى نقيب المحاميين اذا وجد مجلس نقابة في مركزه , والا تولى القاضي امر تعيينه أن وجد في مركزه محام (المادة692)

على ان القانون اجاز لقاضي التحقيق استجواب المدعى عليه قبل دعوة محاميه للحضور وذلك في حالة السرعة بسبب الخوف من ضياع الادلة او متى رأى ضرورة لذلك في اظهار الحقيقة . (المادتان 693, 70) وهذه السلطة التقديرية تضعف كثيراً الضمانات المقررة للاستجواب .

والجدير بالذكر ان المرسوم التشريعي رقم 5 الصادر 1952 لم يسوغ للمدعى عليه في جرائم الخيانة والتجسس الاستعانة بمحام لدى قاضي التحقيق .

3- عدم جواز الضغط عليه : من المقرر ان الاستجواب يجب ان يجري في معزل عن كلة اشكال الضغط او التأثير المادي او المعنوي على ارادة وحرية المدعى عليه ,والا كان الاستجواب باطلا من شأنه ان يجعل الاعتراف الناجم عنه معيباً وقد حرم دستورنا في المادة 383 منه تعذيب أي انسان جسدياً اومعنوياً أو معاملته معاملة مهينة , كما عاقب قانون العقوبات في المادة 391 منه كل من ينتزع من شخص اخر اعترافاً بالقوة . وعلى ذلك يمتنع استجواب المدعى عليه بأستخدام وسائل العنف معه أو طرائق التخدير او التنويم المغنطيسي او بتهديده ووعيده او تحليفه اليمين القانونية

ثانيا الاعتراف

تعريفه وماهيته

الاعتراف اقرار من المدعى عليه على نفسه بالتهمة المنسوبة اليه كلاً او بعضاً

وتأسيساً على ذلك فأن الاعتراف في ماهيته يفترق عن مجرد الاقوال الصادرة عن المدعى عليه والتي يستشف منها القاضي ارتكابه للفعل الجرمي , فالاعتراف هو ذلك الاقرار الصريح الصادر عن المتهم بأقترافه الجريمة . وعلى ذلك لا يعد اعترافاً مايمكن ان يكون استنتاجاً من بعض تصرفات المدعى عليه : فسكوته لايعد اقرارً منه بما نسب اليه لانه لاينسب الى ساكت قول , وكذلك فراره او تصالحه مع المجني عليه .

والاعتراف هو الاقرار على النفس اما الاقرار على الغير فليس اعترافاً فأن جاء على النفس وعلى الغير كان في شقه الاول اعترافاً وفي شقه الثاني شهادة في المعنى الواسع , كأن يعترف المتهم بأقترافه الجريمة بالاشتراك مع شخص اخر . ويسمى الاعتراف على الغير بالعطف الجرمي , أي ان ينفي المتهم ما نسب اليه متهماً به شخص اخر , وعطف الجرم اذا لم يكن مؤيداً بدليل آخر يسانده لايصلح اعتماده في الادانة .

والاعتراف بهذا المعنى يقصد به الاقرار بالواقعة الجرمية ونسبتها الى المدعى عليه , اما اقراره بواقعة اخرة غير الواقعة الجرمية المنسوبة اليه فأنه لايعد اعترافاً مهما كانت تلك الواقعة المقر بها ذات صلة بالدعوى : كأقرار المتهم بقيام ضغينة او بغضاء بينه وبين المجني عليه , او بالتواجد في مكان الجريمة وقت اقترافها او انه مالك لسلاح الجريمة او اقراره بانه الشخص الذي رأه الشاهد وقت ارتكاب الجريمة . بيد ان الاعتراف قد يكون كاملاً او جزئياً

فالاعتراف الكامل هو اقرار المدعى عليه بكل مانسب اليه

اما الا عتراف الجزئي فيكون بان يقر المدعى عليه ببعض مانسب اليه من افعال كأن يعترف ياقترافه جريمة الضرب دون جريمة السرقة , او ان يقر بالركن المادي للجريمة دون الركن المعنوي , بأعترافه بارتكاب الفعل دون قصد او عمد او دفاع عن النفس او في حالة ضرورة او في حالة اكراه اون انه متدخل وليس فاعلاً للجريمة ..الخ

والاعتراف قد يكون خطياً او شفهيا ً

قضائياً او غير قضائي , فالاعتراف القضائي هو الذي يتم في مجلس القضاء امام قضاة التحقيق او الحكم هو الذي بعتبر دليلاً

اما الاعتراف غير القضائي وهو الذي يتم خارج مجلس القضاء كأن يعترف شخص باقترافه الجريمة امام شخص اخر او امام الضابطة العدلية , فأنه لايعد اعترافاً بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة , ذلك لان الدليل انما يكون شهادة الشخص الاخر اوالضبط الذي تنظمه الضابطة العدلية ,.



شروط صحة الاعتراف

حتى يكون الاعتراف دليل اثبات يشترط فيه مايلي :

1- ان يكون صادراً عم شخص مميز متمتع بأرادة حرى واعية ,

فلايعد اعترافاً صحيحاً ذلك الذي يصدر عن شخص مخدر او منوم مغطنيسياً او مكره اكراهاً مادياً او معنوياً , لانه يكون في هذه الحالة معيب الارادة مضطرب التفكير لايدرك نتائج ما ادلى به من اقوال , فالقضاء على رأي محكمة النقض مؤسسة عدل وانصاف تقوم على الحق وتحكم بالقسط وهي تعتمد على اظهار الحقيقة واضحة وجلية بأدلة قويمة وتطرح كل دليل يشوبه او يتطرق اليه الشك ولا يسوغ في شرعها ان تستند الى دليل اخذ بالضغط والاكراه او الخديعة والاحتيال .

بيد ان الاحتجاج بعدم صحة الاعتراف لايؤخذ به الا اذا كان التهديد او الخوف وليد امر غير مشروع , فلا يكفي التذرع بالخوف من القبض او التوقيف حتى يتحلل المقر من اقراره اذا كان القبض والتوقيف قد وقعا صحيحين وفقاً للقانون

2- الايكون صادراً بناءً على اجراء غير قانوني

فما بني على باطل هو باطل فأن جاء نتيجة للاستجواب وجب ان يكون الاستجواب قانونياً فأذا حصل الاعتراف على اثر استجواب امام احد اعضاء الضابطة العدلية المنا ب من قبل قاضي التحقيق كان باطلاً لعدم جواز الانابة في الاستجواب .

وان جاء الاعتراف على اثر تفتيش باطل كان باطلاً وهكذا ...

بيد ان الاعتراف لايكون باطلاً الا اذاكان متصلاً بالاجراء الباطل ومتأثراً به , فأن كان مستقلاً عنه جاز التعويل عليه , ويعود تقدير اتصاله او استقلاله لمطلق تقدير محكمة الموضوع حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى وملابساته .

3- ان يكون محدداً وواضحاَ وصريحاًًَ لالبس فيه ولا غموض : بحيث لايحتمل تأويلاً اخر فلا يصح التعويل على اعتراف غامض او يحتمل اكثر من تأويل . ثم ان الاعتراف لا يفسر الا بالمقدار المفهوم منه اذ لم يرد في التحقيق مايعزز التفسير بصورة اوسع لغير مصلحة المتهم .





سلطة المحكمة في تقدير الاعتراف

اذا صدر الاعتراف عن المدعى عليه مستكملاً شروط صحته كان كغيره من الادلة القائمة في الدعوى خاضع لتقدير القاضي يأخذ به او يطرحه حسبما تمليه عليه قناعته الوجدانية طبقاً لما نصت عليه المادة 175 من انه (( تقام البينة في الجنايات والجنح والمخالفات بجميع طرق الاثبات ويحكم القاضي حسب قناعته الشخصية ))

ولكن هل يعد الاعتراف سيد البينات كما كان عليه الحال في وقت من الاوقات وهل يجوز للمحكمة ادانة المتهم استناداً اليه وحده؟؟؟

الاعتراف دليل من ادلة الاثبات شأنه شأنها يخضع لتمحيص المحكمة وفيجوز لها متى ان اطمئنت اليه ان تأخذ به او ان تطرحه فيما اذ لم تقتنع به , بيد ان الاعتراف يجب ان ينظر اليه بحذر شديد لانه كما تقول محكمة النقض لايبعد ان يكون دليلاً ضعيفاً لأحتمال اقرار المدعى عليه بأقتراف الجرم المسند اليه وتحمل مسؤوليته تخليصاً لغيره في مقابل نفع يأمله اودفع ضرر يخشاه .

وللمحكمة ان تأخذ بأعتراف المدعى عليه الذي ادلى به امام قاضي التحقيق وان رجع عنه امامها , فليس في القانون مايحول بينها بين الاخذ بما ادلى به المدعى عليه اثناء التحقيق الاولي او الابتدائي دون الاقول التي ادلى بها امامها مادامت قد اطمئنت الى الاولة دون الاخرى لأن ذلك يدخل ضمن مفهوم المبدأ القائل بحرية القاضي الجزائي في تقدير الادلة .

واخيراً فأنه خلافاً لما ينص عليه قانون البينات في المواد المدنية والتجارية من عدم جواز تجزئة الاقرار , يجوز لقاضي الجزائي تجزئة الاعتراف وان يأخذ منه متى يطمئن الى صدقه ويطرح سواه مما لا يثق به .


.