إلى من هم دون قومها عزّا ومنزلة وشرفا. ويلوح القول إنّ تمتّع "الكافر"
بجسد المسلمة يحدث خلخلة في نسق القيم ولعلّ أهمّها "قانون العرض" الذي قنن جنسانية
النساء بشكل صارم يخدم مصلحة الجماعة ويحفظ النظام داخلها. ولا شك أنّ هاجس العلماء
الأكبر كان الخوف على هذا المجتمع من "الفرقة والاختلاف" وضياع رأسماله الرمزيّ،
ومن ثمة لم يكن بوسع هؤلاء أن يعالجوا مسألة زواج المسلمة بغير المسلم بمنأى عن
خصوصيات المجتمع الإسلامي ومصالحه.
لقد صرفنا اهتمامنا في هذا القسم من العمل إلى تتبع الخلفيات الضمنية التي تستند
إليها مواقف القدامى، وإلى ترصّد أبعاد تلك الآراء المقدّمة باسم "الإسلام". وكان
ممّا لفت نظرنا أثناء استقراء كتب التراث التي تسنّى لنا الاطلاع عليها الجهد
المبذول في خطاب "العلماء" لحجب حالات اتصال المسلمات بغير المسلمين سواء كان ذلك
عن طريق العقد، أو الوطء. فالمرأة حاضرة في النصوص التشريعيّة بصفتها طرفا معقودا
عليها ومتكلّما عنها لكنّها تبدو ، في الغالب، غائبة في النصوص التي اهتمت بتصوير
الواقع المعيش. فلم تقع بين أيدينا ووايات، أو شهادات تبيّن إلى أي مدى كان التزام
المرأة بما قرره العلماء.؟ وهنا حقّ لنا التساؤل عن وضع الأسيرات اللاّتي انتقلن
إلى مجتمعات غير إسلاميّة واجبرن على التواصل مع غير المسلم. كما أنّنا نتساءل عن
وضع المسلمات اللائي كنّ في أمصار تتعايش فيها ملل متعددة ويكون فيها المسلمون
أقليّة، ثمّ ما هو وضع المورسكيات اللاتي اكرهن على التزوّج بالنصارى؟ . إنّ غاية
ما يجده الباحث في هذا الصدد بعض الإشارات العابرة في عدد قليل من الرحلة التي
تخبرنا بأنّ اقتران المسلمة بغير المسلم لم يكن أمرا مستحيل الحدوث، بل كان إجراء
معمولا به في فترات تاريخية وفي أمصار خاصة . وإذا كانت هذه مواقف القدامى من مسألة
زواج المسلمة بغير المسلم وهي مواقف متنزلة ضمن خصوصيات المجتمعات الإسلامية آنذاك،
وهي مجتمعات آلت إلى وضع تمّ فيه إغلاق كلّ الأسئلة التي كانت قد طرحت في المرحلة
التأسيسية للإسلام برتاج صلب، خاصة بعد انتصار "الأرثوتكسيّة الرسميّة" نتيجة تفاقم
سلطة الفقهاء ورجال الدين فما هي مواقف المحدثين من هذه القضية؟
ملاحظة أنجزنا هذا البحث سنة 1995 ، وعندما أردنا نشر قسم منه ’منع’ مقالنا و لم
نفكّر، منذ ذلك التاريخ، في تقديمه للقرّاء إلى أن ألحّ علينا عدد من أصدقائنا
بضرورة تمكين متابعي الصحافة الإلكترونية من الاطلاع عليه فاستجبنا لمطلبهم، وها
نحن نعرضه على القرّاء.)
هوامش:
1- البقرة 2/221.
2 - انظر على سبيل المثال الطبري، "جامع البيان"، ج 9، ص 588. والزمخشري، "الكشاف"
ج 1، ص 360.
3 - ابن العربي، "أحكام القرآن"، ج 2، ص 157.
4- الآلوسي، "روح المعاني" ج 2،ص 103. وانظر أيضا البيضاوي، "أنوار التنزيل" ج 1، ص
236، وأبو حيّان "التفسير الكبير" ج 2، ص 163.
5 - المائدة 5/4
6 - الطبري، جامع البيان" ج 4، ص 362. و ج 3، ص ص 585-589. وانظر أيضا ابن كثير
"تفسير القرآن" م 1، ج 1، ص 367.
7 - الطبري، المصدر السابق، ص 370.
8 - الرازي، "التفسير الكبير"، ج 6، ص 61. وانظر الطبرسي، "مجمع البيان"، ج 2، ص
210 والبيضاوي، "أنوار التنزيل"، ج 1، ص 236.
9 - القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ج 3، ص 72. و ج 18، ص 63. وأبو حيان،
"التفسير الكبير"، ج 2، ص 165.
10 - الممتحنة 60/10.
11 - القرطبي، الصدر نفسه، ج 18، ص 65. وانظر ابن كثير "تفسير القرآن"، م 8، ج 11،
ص ص، 118-119.
12 - الممتحنة 60/10.
13 - هاشم جميل عبد الله، "فقه الإمام سعيد بن المسيّب" ج 3، ص 224.
14 - مالك، "المدوّنة الكبرى"، (رواية سحنون) م 2، ج 4،، (كتاب النكاح)، ص ص
297-298.
15 - ابن رشد، "بداية المجتهد"، ج 2، ص 12.
16 - انظر في هذا الصدد السرخسي، "المبسوط"، ج 5، ص 49. وابن قدامة، "المغني"، ج 7،
ص 564.
وقد اختلف الفقهاء حول عقوبة الكافر الذي تزوج المسلمة هل يوجع ضربا أم يقتل كما
ذهب إلى ذلك الإمام مالك.
17 - ابن حزم، "المحلّى"، ج 7، ص 313.
18 - انظر مثلا "البقرة 2/40-44"، والمائدة 5/12و18و41، والنساء 4/46و53و153 وآل
عمران 3/186.
19 - انظر على سبيل المثال، الشافعي، "الأم" ج 5، ص 6. والطبري، "جامع البيان" ج 3،
ص ص 587-588. والبيهقي "السنن"، ج 7 ص 173، وابن تيمية، "فتاوى الزواج"، ص 263.
وابن كثير، "تفسير القرآن" م 3، ج 7، ص 39.
20 - ابن كثير، "تفسير القرآن"، م 3، ج 7، ص 39.
21 - الطوسي، "الاستبصار" ج 3، ص ص 178-179. والألوسي "روح المعاني"، ج 2، ص 102.
22 - انظر مثلا سفر التكوين، "الإصحاح"، 24، (1-8) وسفر التثنية، الإصحاح السابع،
(2-5).
23 - الطبري، "جامع البيان"، ج 4، ص 367. وانظر ابن كثير، "تفسير القرآن"، م 1، ج
1، ص 376.
24 - ابن حزم، "المحلّى"، ج 7، ص ص 313-314.
25 - الطبري، "جامع البيان"، ج 4، ص 369.
26 - الزمخشري، "حقائق التنزيل"، م 1، ج 1، ص 361.
27 - الطبرسي، "مجمع البيان"، م 1، ج 2، ص 210.
28 - القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ج 3، ص 20.
29 - ابن كثير، "تفسير القرآن"، م 1، ج 2، ص 377. والألوسي، "روح المعاني"، ج 2، ص
103.
30 - الشافعي، "الأم"، ج 5، (كتاب النكاح) ص 5.
31 - الممتحنة 60/10.
32- القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ج 18، ص 61. والخرساني الإباضي، "المدونة
الكبرى"، ج 2، ص 14. وقارن بالشيباني، "كتاب السير الكبير"، ج 1، ’باب صلة المشرك)
ص 96.
33 - ابن تيمية، "الفتاوي"، م 32، (كتاب النكاح)، ص 114.
34 - القرطبي، المصدر نفسه، ج 17، ص 73.
35 - أبو حيّان، "التفسير الكبير"، ج 2، ص 165.
36 - الصاوي المالكي، "الحاشية"، ج 2، ص ص 420-421 (باب النكاح).
37 - لجنة موسوعة الفقه الإسلامي، "معجم فقه ابن حزم"، ص 865.
38 - النووي، "شرح صحيح مسلم"، م 2، ج 4، هامش ص 55.
39- الشوكاني، "السيل الجرار"، ج 1، ص ص 31-32. وقارن بالمرتضى، "البحر الزخّار" ج
1، ص 14، والمرتضى "عيون الأزهار في فقه الأئمة الأطهار"، ص 20. والونشريسي،
"المعيار المعرب" ج 8، ص 437.
40 - البغدادي، "الفرق بين الفرق"، ص 11.
41 - ابن تيمية، "فتاوي الزواج"، ص 22.
42 - القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ج 18، ص 62.
43 - الطبري، "جامع البيان"، ج 4، ص 370. والقرطبي، "الجتمع لأحكام القرآن"، ج 3، ص
ص 72-73. وابن تيمية، "فتاوي الزواج"، ص 60.
44 - الأبي الأزهري، "جواهر الإكليل" ج 1، ص 288. وأبو حيّان، "التفسير الكبير"، ج
2، ص 165.
45 - الشافعي، "الأم" ج 5، (باب النكاح)، ص 11.
46 - الخرساني الإباخي، "المدوّنة الكبرى"، ج 2، ص 12. وقارن بالدردير، "الشرح
الصغير"، ج 2، ص 420.
47 - القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ج 3، ص 72.
48 - ابن حزم، "المحلّى"، ج 7، ص 314.
49 - القرطبي، المصدر نفسه، ج 3، ص 72.
50 - الغزالي، "الأحياء"، م 2، ج 4، ص ص 144-146. و"الزواج الإسلامي السعيد وآداب
اللقاء بين الزوجين"، ص 125.
51 - الدردير، "الشرح الصغير"، 4، ص 968.
52 - الجصّاص، "أحكام القرآن"، ج 2، ص 290.
53 - يوسف، 12/25.
54 - القرطبي، "الجامع لأحكام القرآن"، ج 5، ص 169.
55 - ابن ماجة، "السنن"، ج1، ص 594.
ةيقول الغزالي في هذا السياق:"المرأة رفيقة بالنكاح لا مخلّص لها"، "الإحياء"، م 2،
ج 4، ً 133. ويورد ابن تيمية في فتاويه م 32، ص 185 قول عمر بن الخطاب:"النكاح نوع
رقّ فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته"
56 - ابن ماجة، المصدر نفسه، ج 1، ص 3.
57 - ابن حنبل، "المسند"، ج 5، ص 668.
58 - ابن ماجة، المصدر السابق، ص 595.
59 - انظر على سبيل المثال ما ذكره أدم ميتز حول اعتناق الأساقفة للإسلام إذ يعود
ذلك إلى الزنى بالمسلمات. ميتز، "الحضارة الإسلامية في القرن الرابع للهجرة، ج 1،
ذيل ص 76.
60 - انظر مقالا نشره التميمي في أثره، "مهن المورسكيين الأندلسيين"، ص 161.
Raymond Ania Conzalez : « Morisques et renégats, une identité de destin une
question d’identité ».
61 - انظر على سبيل المثال: ابن فضلان، "الرسالة"، ص 145.
د. آمال قرامي- CV- (زواج المسلمة بغير المسلم بين الفقه الإسلامي والقانون)
- كلنا شركاء- عن إيلاف (4-5/10/2007