من يحمل صدقتي لأطفال الصومال؟!!

عبدالله عبدالعزيز المبرد / الرياض

لكن هؤلاء الأجواد اليوم يبحثون عمن يحمل صدقاتهم إلى إخوانهم فلا يجدون؛ فهذه الحرب الأمريكية العمياء التي أسموها -إمعانا في التضليل- (الحرب على الإرهاب)، جففت منابع الخير والإحسان، وبثّت مشاعر التوجس والخوف والتشكيك؛ حتى لم تترك محسنا إلا أرهبته، ولا مبادرا للخير إلا روّعته، يحاربون الإرهاب زعموا!! فلا يعقل أن أمة بمكانتنا وإمكاناتنا وتاريخنا وعطائنا تظل مرتهنة للخوف والشكوك والتوجس!!

تقربهم لنا وسائل الإعلام، وتبعدنا عنهم الحدود الدولية والاعتبارات السياسية!

تنقل إلينا أدوات الاتصال وتقنياته تفاصيل المأساة، وصور البؤس، حتى كأنك تمشي بين خيامهم المهترئة المنكوبة، وكأنك تسمع تضاغي الأطفال وتعاين أضلاعهم الناحلة، وتكاد تشم رائحة الموت الذي يهرس الرضيع في حجر أمه، فيتلوى على صدرها ونحرها، وهي تنتحب وتقبض على ثديها اليابس بكلتا يديها، تعصره، عل قطرة تنساب بين شفتيه الذاويتين فتؤخر لحظة موته، ولو لحظة!! فيقرقر حلق الصغير، وتزيغ عيناه، وترتخي أوصاله، وأمه تضّمه إلى صدرها الذابل، وكأنها تود لو تسللت روحها من جسدها إلى جسده، أو نبض قلبها الدم في عروقه!!

تلك هي (المسغبة) وذلك هو يومها، الذي قال عنه تبارك وتعالى: "فلقتحم العقبة، وما أدراك ما العقبة، فك رقبة، أو إطعام في يوم ذي مسغبة"، وهذا هو رمضان الذي يتلفّت فيه المؤمن يبحث عمن يأخذ صدقته، يسأل عن فقير، أو مسكين، أو عابر سبيل ..الخ.

وقد ضجت الآفاق باستغاثات جوعى الصومال، ورموا بأبصارهم وعيونهم الذابلة نحو بلاد الحرمين لأنهم يعرفون سوابقها البيضاء في غوث الملهوفين، ونجدة المحاويج والمنكوبين، يعلمون أن فيها أجوادا أسخياء لا تطيب لهم نفوس ولا يهنأ لهم عيش وهم يرون ما فعل الجوع بإخوانهم، إنهم يرونها فرصة يسترضون بها ربهم، ويسنزلون بها رحمته وبركته ومغفرته!!

لكن هؤلاء الأجواد اليوم يبحثون عمن يحمل صدقاتهم إلى إخوانهم فلا يجدون؛ فهذه الحرب الأمريكية العمياء التي أسموها -إمعانا في التضليل- (الحرب على الإرهاب)، جففت منابع الخير والإحسان،

وبثّت مشاعر التوجس والخوف والتشكيك؛ حتى لم تترك محسنا إلا أرهبته، ولا مبادرا للخير إلا روّعته، يحاربون الإرهاب زعموا!!

وهل ثمة إرهاب أفظع وأبشع من الحيلولة دون غوث ملايين الجوعى الذين يتساقطون كأوراق الخريف، يموتون وأهل الإحسان يحملون صدقاتهم بأيديهم وعلى ظهورهم ولكنهم يمنعون بحجة الحفاظ على الأمن!! وما قيمة الأمن إذا ذابت تلك الشعوب تحت وهج الجوع؟!!

أتساءل بحزن ومرارة: أين عشرات المؤسسات الخيرية التي تتسابق إلى الشعوب المنكوبة؟! أين مئات الشباب وأفواجهم الغادية الرائحة على القرى والبلدان الملهوفة؟!!

أين الحملات الإغاثية التي كانت تضج بها التلفزيونات والإذاعات والقنوات!؟ أين الخطب التي تصيح في الناس: أن أغيثوا إخوانكم يغثكم ربكم ويرحمكم!! أين جسور الإغاثة الجوية التي هي من أعظم مفاخر هذه البلاد الكريمة !!

ما أبشع هذه الحرب الهوجاء إذا بلغت قسوتها وفجورها أن تتقزم أمامها هامات الأوطان المعطاء، وتتكبل بسرابيلها الشعوب السريعة إلى النجدة!!

ما أقساها علينا وعلى إخواننا حين يسحقنا سؤال الأنثى الصومالية الجائعة: هل يجوز الصوم دون سحور ولا فطور؟!

يا رحمة الله بإخواننا ونسائنا وأطفالنا هناك!!

إنني أوجه ندائي ورجائي لخادم الحرمين الشريفين وحكومته، أحيل تضاغي الأطفال، وبكاء النساء وهموم الشيوخ إلى خادم الحرمين ودينه ونخوته ومروءته! أحيلها إلى هذا الشعب الذي عرفته الدنيا برحمته وعطائه!! أوجه ندائي للمؤسسات الخيرية ورجالها الأبرار، وأقول: ماذا نقول لربي حين يسألنا عن تلك الأكباد التي يفتّتها الجوع في رمضان الخير ونحن ننظر؟!

ماذا نقول لربي وهو يستطعمنا، ويستسقينا؛ فلا نطعمه ولا نسقيه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله علي وسلم: إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يابن آدم مرضت فلم تعدني! قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده! يابن آدم استطعمتك فلم تطعمني! قال كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟! قال يابن آدم استسقيتك فلم تسقني!! قال: كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟! قال: استسقاك عبدي فلا فلم تسقه، أما إنك لو أسقيته لوجدت ذلك عندي".

ذلك السؤال الكبير حينما يوجه إلينا من رب العالمين لن تصمد له الحجج الضعيفة، والأعذار المخرّقة، فلا يعقل أن أمة بمكانتنا وإمكاناتنا وتاريخنا وعطائنا تظل مرتهنة للخوف والشكوك والتوجس!! لا يعقل أن يجثو عملاق بحجمنا لأن خيوطا من الوهم تلتفّ حول يديه ورجليه!!