قدرته على بلوغ الحق في المسائل، ونحو ذلك. بمعنى أنه لا منافرة بينهما بإطلاق وتضاد من جميع الوجوه. ويجب الفهم بأن أحدهما جوهر له استعداد تام على إدراك العلوم والحقائق، وله قدرة على بثها في الواقع. والثاني استعداده في الإدراك وبالتالي قدرته على البث يقصران عن بلوغ منزلة العقل الكامل بمنازل، ولذلك لا يصدر عنه صلاح كامل في الواقع فلا ينصلح الواقع به الانصلاح الواجب .

وإذا غاب الشرع السماوي أو غُيب ، مع أنه لا بد من نظام يحكم العلاقات الإنسانية والواقع، برز السؤال:
من هو الحاكم؟ ومن هو المحكوم عليه؟ ومن هو المحكوم فيه" وما هي المصالح المرجو تحقيقها حينئذ. وبمعنى آخر ما المنهجية التي ستحكم الواقع؟ ما حقيقتها ووسائلها وغايتها؟ ولمحاولة الإجابة عن ذلك ظهرت الفلسفات الوضعية التي سنتعرض لها بإيجاز في المبحث الثاني من هذا المبحث .

الحق وصلته بما تقدم من الكلام :
ورد في بيان معنى الحق تعاريف كثيرة (1)، ورُجح فيه أنه : مكنة أو مركز شرعي أو استئثار بقيمة معينة يحميه الشرع أو القانون بغية تحقيق مصلحة مشروعة (2).
وللحق الأثر البالغ في بناء التشريعات القانونية، والاجتهادات الفقهية، سواء أكان الحق أساس القانون، وهو ما يراه أنصار الفلسفة الفردية، أم كان القانون أساس الحق أو مصدره. كما يراه غيرهم. فتبين فلسفة الحق تبين لفلسفة القانون، وتحديد مسار الحق تحديد لمقاصد القانون. وقد اشتهر عند القانونيين الوضعيين تقسيمان للحقوق بحسب الرسمين (الأول والثاني):

([1]) سيأتي ذكر الاتجاهات الفلسفية والوضعية في تعريف الحق في الصفحات الآتية من هذا البحث. وورد في تعريفه عند علماء المسلمين أنه : الاختصاص الحاجز الحموي على أشباه ابن نجيم، 2/202، الحق الموجود. والمراد به هو حكم يثبت اللكنوي، حاشيته على شرح المنار، 2-216. الحق مصلحة ثابتة للفرد أو المجتمع أو لهما معاً يقررها الشارع الحكيم، الأستاذ محمد يوسف موسى، الفقه الإسلامي، ص 211": وبنفس المعنى " الشيخ علي الخفيف، الحق والذمة، ص 37، وأنه المحكوم فيه عند الأصوليين.

([2]) الزرقا، مصطفى، المدخل إلى نظرية الالتزام العام في الفقه الإسلامي، ص 19، وغانم، إسماعيل، نظرية الحق، ص 17-19. وكيرة، حسن، أصول القوانين، ص 650. والوكيل، شمس الدين، محاضرات في النظرية العامة للحق ص 17. وسلامة، أحمد، المدخل لدراسة القانون، أحمد سلامة، ص 25.