انصبت مباحث الأصوليين، في الحق، على أفعال العباد بالنظر إلى تعلقها بمقاصد التشريع، وأطلقوا عليها مصطلح المحكوم فيه أو به. وبرزت في تقسيم الحق أو المحكوم فيه ثلاثة مذاهب أو مسالك. أحدها عرف بمسلك الحنفية، والثاني هو مسلك الإمام القرافي، والثالث مسلك الإمام الشاطبي.
أما مسلك الحنفية1 فيقسم أنصاره الحق إلى قسمين رئيسيين، وإلى قسمين ثانويين. أما القسمان الرئيسيان فهما حق الله تعالى ، وحق العبد.

وحق الله تعالى هو ما يتعلق به النفع العام للعالم، وحفظ النظام العام فيه. فهو شامل للمصلحة العامة الدنيوية والمصلحة الأخروية، فلا يختص به أحد. وأضيف إلى الله تعالى لعموم نفعه وعظيم خطره.

ومثلوا لذلك بحرمة الزنا وما يتعلق به من عموم النفع في سلامة الأنساب، وصيانة الفراش، ومن الضغائن، والمنازعات بين الناس2
وحق العبد هو ما تتعلق به مصلحة خاصة دنيوية كحرمة مال الغير، فإنه حق العبد لتعلق صيانة ماله به، ولهذا فإنه يستباح بإباحة المالك بخلاف حق الله تعالى.
وأما القسمان الثانويان فوجودهما تبع لحالة اجتماع الحقين، العام والخاص، دون الانفراد، وقد يُضم هذان القسمان تحت عنوان (الحق المشترك) فيكون التقسيم ثلاثياً. وقد يكون حق الله (العام) هو الغالب، وقد يكون حق العبد هو الغالب. والضابط في ذلك : أنه كلما كان أثر الفعل في المجتمع أبلغ من أثره في الفرد، التحق التصرف بحق الله بالغلبة، وبعكسه يغلب حق العبد. ومثال الأول القذف في الجنايات، والوظائف والمهن والحرف التي تحتاجها الأمة أو المجتمع، فيجوز لولي الأمر إلزام المؤهلين لأدائها، بالقيام بها على وجهها الشرعي كلما ظهرت الحاجة إليها ولم تسد من قبلهم بالاختيار. ومثال الثاني حق القصاص .

وبهذا المسلك يتحدد بوضوح دور الدولة وما لها من صلاحيات، وحقوق الفرد، والحقوق المشتركة، وطريقة التغليب بين الحقين (العام والخاص) فيها. فتبنى التشريعات الاجتهادية وفق ذلك، ليحكم بمشروعيتها لدلالتها الظنية على الحكم الشرعي القديم.

([1]) البزدوي، كشف الأسرار، 134، 4.

([2]) مدكور، محمد سلام، مباحث الحكم، بتصرف يسير، ص 205.