وبناء على ما تقدم أوزع البحث بعد هذه المقدمة، على أربعة مباحث وخاتمة .
أخصص المبحث الأول في : دور العقل في التشريع .
والمبحث الثاني في : فلسفة الحق في المناهج الوضعية ودور حقوق الإنسان فيها .
والمبحث الثالث في : فلسفة الحق في الشريعة الإسلامية ودور حق العبد فيها .
والمبحث الرابع في: موازنة بين أحكام الحقوق في المنهجين؛ الإسلامي والوضعي.
والخاتمة؛ وفيها نتائج البحث والتوصيات .

المبحث الأول
دور العقل في التشريع

غير خافٍ على أحد أن لهذا الوجود نظامين من حيث التفصيل .
أولهما : قائم في الموجودات جميعها، غير متوقف على تدخل الإنسان. والثاني : متوقف على تدخل الإنسان، ولما كان كذلك فهو نظام تكليفي من حيث أن يلقي بأعباء على الإنسان المكلف تتمثل بتحصيل علم بأنه مكلف وبما كلف به ثم بأداء إيجابي (القيام بعمل) أو سلبي (الامتناع عن عمل).
وهذا النظام، على هذا النحو، يستلزم وجود مكلّف (حاكم)، ومكلّف (محكوم عليه)، وتكاليف (محكوم فيه)، ومصلحة يتوقف تحققها الفعلي على أداء التكاليف (حكمة التشريع) (1)

والعلاقة بين النظامين قائمة مقام الدليل المرشد للإنسان إلى الحق في الاعتقاد والخلق والعمل وهذا ما تضاف عليه عمل العقل السليم مع ما نزل به الوحي.

فمن حيث الاعتقاد، فالموجودات لها موجد متصف بالوجود والقدرة. وكون كل موجود منها خصص بصفات وزمان لوجوده ومكان، فهذا يتوقف على مخصص(2)، والتخصيص إرادة، والإرادة مسبوقة بعلم (3)، والعلم متوقف على حياة.

([1]) الحكمة عند جمهور علماء أصول الفقه هي : ما يترتب على الشرائع من جلب مصلحة أو تكميلها، أو دفع مفسدة أو تقليلها. حاشية البناني على شرح جمع الجوامع 153، 2-154، غاية الوصول لشرح لب الأصول للإمام زكريا الأنصاري، ص 114.

([2]) قال تعالى : مؤيداً لعمل العقل السليم: "وخلق كل شيء فقدره تقديرا"، الفرقان: 2. "وكل شيء عنده بمقدار" الرعد : 8.

([3]) قال تعالى مؤيداً لعمل العقل السليم : "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"، الملك : 14.