مسلك الإمام القرافي 1
ينطلق الإمام القرافي في مسلكه من القول بأنه لا يوجد حق للعبد إلا وفيه حق الله تعالى، وهو أمره بإيصال ذلك الحق إلى مستحقه. وبالتالي فليس هناك ما يسمى بحق العبد المحض، فكان تقسيم الحق، عنده، لا يعدو كونه حق الله تعالى، وهو ما لا يملك العبد إسقاطه، كالإيمان وتحريم الكفر.

وقد يكون حق العبد هو الغالب، كالديون والأثمان. وهو ما يملك العبد إسقاطه. وقد يكون حق الله تعالى هو الغالب، وهو ما لا يملك العبد إسقاطه، كتحريم الربا والغرر صوناً لمال العبد عليه وحفظاً له من الضياع، وكتحريم المسكرات صوناً لمصلحة حفظ عقل العبد عليه. وحق العبد فيها يتمثل بما تتمضنه من جلب مصلحة له أو درء مفسدة عنه .

وظاهر من هذا المذهب محاولته إبراز حق الله تعالى على أنه قيد ثابت على حق العبد، لتوجيهه نحو صالح نفسه ومجتمعه وأمنه، تأكيداً لمعلولية الأحكام بمصالح العباد.

مسلك الإمام الشاطبي 2
يقارب الإمام الشاطبي بمسلكه مسلك الإمام القرافي كثيرا، وهو يبني تقسيمه على مذهبه، وهو مذهب الجمهور، فالأصل في العبادات، بالنسبة إلى المكلف، التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات الالتفات إلى المعاني3، ودل الاستقراء على أن الشارع قصد مصالح العباد في تشريعه أحكام العادات. فإذا كان الشارع قد شرع الحكم لمصلحة ما، فهو الواضع لها مصلحة، فإذن كون المصلحة مصلحة هو من قبل الشارع، فالمصالح من حيث هي مصالح قد آل النظر فيها إلى أنها تعبديات، وما انبنى على التعبدي لا يكون إلا تعبدياً. فقد صار كل تكليف حقاً لله، فإن ما هو لله فهو لله، وما كان للعبد فراجع إلى الله من جهة حق الله فيه، ومن جهة كون حق العبد من حقوق الله، وهذا لا يجعل للعبد حقاً أصلاً4فثبت امتناع وجود تكليف شرعي خال عن جهة التعبد فيه.

ويخلص الإمام الشاطبي إلى أن الحق ينقسم إلى :
حق الله تعالى : وحقه على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وعبادته امتثال أوامره واجتناب نواهيه بإطلاق. ويفسر أيضاً بأنه ما لا خيرة فيه للمكلف سواء أكان معقول المعنى أم لا. وهذا

([1]) القرافي، الفروق، 1/140-141 .

([2]) الشاطبي، الموافقات، 2/222 – 235.

([3]) المرجع السابق ، 2/222 .

([4]) المرجع السابق ، 2/231 .