المطالبة الشرعية بحفظه ومراعاته ومطالبته هو أو نائبه "بأدائه لصالحك. وإن لم تتعين جهة المطالبة بشخص معين كان على الكافة، وفي كل حال احترامه بعدم الاعتداء عليه (التزام سلبي)، وبالنصرة عند المطالبة بها (إلتزام إيجابي) وذلك كله تكليف. وإن كان الحق عليك، وهو لغيرك، توجهت عليك المطالبة بأدائه على وجهه الشرعي، وهكذا.

فكلّ "حكم معقول المعنى، فللشارع فيه مقصودان، أحدهما، ذلك المعنى. والثاني، الفعل الذي هو طريق إليه، وأمر المكلف أن يفعل ذلك الفعل قاصداً به ذلك المعنى1 ومن خلال هذه المعرفة تتضح لنا علاقة الحق بالمصلحة. ففكرة الحق هي المبدأ والمنطلق في فهم التنزيل وبناء الأحكام الاجتهادية عليه2، ومقاصد الشارع الحكيم هي الغاية، ووسيلة تحصيل تلك المقاصد وتحقيقها هي أفعال العباد بقيامهم بالحقوق وأداء الواجبات، ويطلق الحق على أفعالهم عند علماء أصول الفقه الإسلامي، على اساس أنها المعبرة عن صورة الحق في الواقع ووظيفته، وهذا ما سنتبينه قريباً. قال تعالى : "وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان3وقال تعالى : "وزنوا بالقسطاس المستقيم4

وهذا يفيد أيضاً أنّ ما من فعل إرادي إلا وفيه جانب تعبدي5، وعلى ذلك فالفقه الإسلامي في ضوء هذه المنهجية فقه تقويمي. وهو يعمل في ضوء الشريعة الإسلامية، على جمع العالم بأسره على أرضية العقل المكتمل بالوحي الإلهي، وعلى ضبط الغرائز وتنظيمها وتسخيرها نحو أمن الفرد والمجتمع وسعادتهما في الدارين.
وهذا يتأتى من إحكام ضابطي حسن الأداء، ونقصد بهما: الضابط الداخلي الذاتي للمكلف المتمثل بصحة المعتقد وسلامة وحسن الخلق، والضابط الخارجي المتمثل بربط الحقوق بمصالح متعينة منضبطة بضابط موضوعي. ومن ثم كانت الرقابة الذاتية والخارجية سنداً للمكلّف وعوناً له على الأداء الأنسب، ودافعاً له للتسابق في الخيرات .

ويبرز الضابط الخارجي عند الكلام في أقسام الحق عند الأصوليين، ونأتي على بيانه أولاً ثم نعقبه ببيان الضابط الداخلي .

([1]) السبكي ، الإبهاج في شرح المنهاج، 41 ، 3-42.

([2]) ولابن القيم في هذا المعنى قوله : "أصل الخير والشر من قبل التفكير، فإن التفكير مبدأ الإرادة والطلب" الفوائد، ص 215.

([3]) الرحمن : 9.

([4]) الإسراء : 35.

([5]) القرافي، الفروق، 1/141. والشاطبي، الموافقات، 2/232.