دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 10 من 26

الموضوع: فلسفة الحق في المنظورين الإسلامي والوضعي ودور الحقوق المدنية فيها

العرض المتطور

  1. #1

    افتراضي

    الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر نهاية سنة 1948، محاولة لتخطي الآثار السلبية التي شهدتها الإنسانية جراء النهج العنصري لبعض الدول كألمانيا وإيطاليا، والدمار الذي خلفته الحربان العالميتان الأولى والثانية وثبت واضعوا الإعلان في ديباجته معياراً مرناً لهذه الحقوق بقولهم : "إنه لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة، هو أساس الحرية والعدل والسلام العالمي" .

    الرسم الثاني
    ا لحقوق

    حقوق مدنية

    حقوق سياسية

    حقوق مدنية عامة

    حقوق مدنية خاصة

    حقوق غير مالية "أسرية"

    حقوق مالية

    حقوق شخصية

    حقوق عينية

    حقوق معنوية "فكرية"


















    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  2. #2

    افتراضي

    فلم يُحدد المعنى الدقيق للكرامة المتأصلة والحقوق المتساوية الثابتة، ولم توضع لها ضوابط موضوعية رغم أنهم جعلوها علة تحقيق السلام العالمي وديمومته، بل إن وصفها بالمتأصلة والمتساوية الثابتة في الإنسان الدليل، على اعتدادها بالفلسفة الفردية ونظرتها إلى الحقوق. ثم إنهم جعلوا الحقوق أساس الحرية والعدل والسلام العالمي، ولحماية ذلك كله وجب على الدول رعايتها وحمايتها، وقد ورد ذلك في الديباجة أيضاً. فكان ذلك تمهيداً لإضفاء المشروعية على تدخل الدول العظمى في شؤون العالم حفظاً للسلام العالمي، الذي قد يهدده بزعمهم انتهاك حقوق الإنسان هنا وهناك، رغم أن اللائحة صدرت على شكل توصيات غير ملزمة. وعلى الدول، لتحفظ هذه الحقوق، أن تبني تشريعاتها القانونية وفاقاً لما تراه الدول العظمى في تحديد مفرداتها ومضامينها .

    وهذه الحقوق وردت مستقلة عن الحقوق السياسية بحسب التقسيمين السابقين؛ فالثانية تثبت للشخص بوصفه مواطناً في دولة، فهي تبين مدى العلاقة بين الدولة ومواطنيها في تنظيم الشؤون العامة .

    إلا أن إمكانية تداخلهما، على أساس أنّ حرية التعبير عن الرأي والمعتقد تُعدّ حقوقاً عامة أو طبيعية، أعطى المبرر لمحاولة التقريب بينهما استعداداً لضم الحقوق السياسية إلى الحقوق الطبيعية في وقت لاحق، سعياً منهم إلى تثبيت سيطرتهم ونشر مبادئهم .

    ومحاولات التقريب تلك ظهرت في الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966. إذ جمعت بينهما في العنوان وكذلك في مضمون الاتفاقية. ولما كانت هذه التشريعات وضعية. والعقل فيها لم يكتمل بناؤه بالوحي بحسب ما تقدم، فلا مناص من ظهور القوي بقانونه. وخضوع الضعيف له بالإرادة أو القوة أو قيام التصادم بينهما بشكل دائم .

    المبحث الثاني : فلسفة الحق في المناهج الوضعية ودور حقوق الإنسان فيها :
    الكلام في هذا المبحث ينقسم إلى مطلبين، أخصص أولهما للبحث الموجز في طبيعة الحق، ومصدره، ونطاقه، ووظيفته، وغايته في المنهجين الفلسفيين الوضعيين ، الفردي والاجتماعي.
    وأخصص المطلب الثاني لبيان انتساب ما يعرف بـ "حقوق الإنسان" إلى أحد المنهجين المذكورين، والآثار المترتبة عليه، وأبعاد ذلك .
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  3. #3

    افتراضي

    المطلب الأول : ماهية الحق، ونطاقه، ووظيفته، وغايته، في الفلسفة الوضعية
    البحث في معلوم – وهو ما يمكن تصوره وإدراكه – إنما يراد لجمع صورته في الذهن، وذلك يستلزم الكشف عن حقيقيته (ماهيته)، وقد تتنوع حقيقته بتنوع الاعتبارات. ويستلزم أيضاً بيان مصدره وتحديد غايته. وببيان مصدريته يتبين مدى نطاقه، وبتحديد غايته تتعين وظيفته.

    وقد تصدرت المناهج الوضعية فلسفتان لبيان : ماهية الحق، مصدره، نطاقه، وظيفته، غايته، وهما: الفلسفة الفردية والفلسفة الاجتماعية. وتفرع عنهما مذهبان آخران على وجه التفصيل، منهجيتهما محاولة الجمع بين هذين المنهجين الرئيسيين .

    أحدهما اعتد بالفلسفة الفردية مع محاولته التخفيف من غلوائها أو إفراطها في الاعتداد بحقوق الفرد وإطلاق حرياته، فأمكن تسمية هذا الاتجاه بـ الفردية المعدّلة. والثاني اعتد بالفلسفة الاجتماعية مع محاولته التخفيف من تفريطها بحقوق الفرد وحرياته، فأمكن تسمية هذا الاتجاه بـ: المذهب الاجتماعي المخفف أو المعدل .

    ويمكن الجمع بين هذين الاتجاهين تحت اسم المذهب المختلط. ويمكن ضمهما إلى المذهبين الرئيسيين فيصبح لكل مذهب اتجاهان اللاحق منهما أخف وطأة وأكثر اعتدالاً من سابقه. وعلى الطريقة الأولى سار شراح القانون(1)

    وماهية الحق تتنوع بتنوع الاعتبارات، فمن حيث تعلق الحق بشخص دون غيره هو استئثار. ومن حيث النظر إلى مصدره هو منحة ممن صدر عنه إلى غيره من غير إيجاب موجب، أو بإيجاب لاستحقاق، أو تكليف منه لمصلحة له.

    ومن حيث النظر إلى الخطاب المعبر عنه بالحكم فهو حكم وضعي أو تكليفي(2)أو هو الاثنان معاً مع اختلاف النسبة.

    ([1]) وطريقة هؤلاء ظهرت في تعريفهم الحق، فالذي ناصر الفلسفة الفردية عرفه بأنه : قدرة إرادية لشخص يبذلها في سبيل تحقيق مصلحة. فقدم الإرادة على المصلحة. وعرفه أنصار الاتجاه الثاني بأنه: مصلحة محمية تسهر على تحقيقها والذود عنها قدرة إرادية. فقدم هؤلاء المصلحة على الإرادة، وجعلوا الإرادة مكلفة بالذود عن المصالح وحمايتها، كيرة، حسن، النظرية العامة للحق، ص 436، والدريني، الحق ومدى سلطان الدولة، ص 57.

    ([2]) الحكم التكليفي والوضعي مصطلحان مستعملان في أصول الفقه الإسلامي، وتمت استعارتهما في هذا الموضع مراعاة لمعناهما.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  4. #4

    افتراضي

    ومن حيث النظر إلى غايته فهو وسيلة تحصيلها. والاستئثار قد يكون بقيمة معينة يعود نفعها لصاحب الحق، وقد يكون الاستئثار بتكليف معين يقع على عاتق صاحب الحق. والأول هو اتجاه الفلسفة الفردية، والثاني هو اتجاه الفلسفة الاجتماعية.

    الفلسفة الفردية :
    يرى أصحاب هذه الفلسفة أن الإنسان يملك حقوقاً طبيعية مستمدة من ذاته بوصفه إنساناً، ولذلك كان وجودها لازماً لوجود الإنسان، فأمكن وصفها بأنها حقوق أو امتيازات مطلقة سابقة في وجودها وجود المجتمع والقانون، فقيام المجتمع يستلزم تعدد الأفراد، ووجود القانون الوضعي لا يقوم بغير مجتمع لأنه يحكم العلاقات، والعلاقات تستلزم تعدد الأطراف (أشخاص العلاقة)، وتعدد الأطراف يعني قيام المجتمع. وهي من هذا المنطلق سميت حقوقاً طبيعية، فليس القانون أو المجتمع مصدرها، بل هي أساس القانون، وما القانون إلا الوسيلة المعبرة عن هذه الحقوق والحامية لها من الاعتداء .

    أما السلطة القائمة على المجتمع فليس لها أن تخلق حقوقاً لأن الحقوق موجودة قديمة بقدم الإنسان، وليس لها أن تلغي حقوقاً لأنها لا تملك صلاحية ذلك من جهة، ولأن هذه الحقوق طبيعية فهي غير قابلة للإسقاط أو التعديل أو التنازل عنها من جهة أخرى، وبالتالي انحسر دور السلطة في نطاق حراسة هذه الحقوق(1)، ولذلك عرفت بالدولة الحارسة. وإذا فرضت أحياناً قيوداً فذلك استثناء من الأصل وجب للضرورة، والاستثناء لا يتوسع فيه، والضرورة تقدر بقدرها(2).
    ومن آثار هذا الاتجاه تعريف أنصاره الحق بأنه: القدرة الإرادية التي تخول الفرد أو الأفراد القيام أو الامتناع عن عمل معين أو أعمال معينة(3). فجوهر الحق في السلطة الإرادية، فهي وحدها التي تصنع وتغير وتنهي الحقوق (4)
    ويصح القول بأن هذه الفلسفة تنامت وتعاظمت، على أرضية مذهب القانون الطبيعي باتجاهه اللاديني (العقل المحض) الذي نادى به المفكر الهولندي كروسيوس وليس باتجاهه الديني الذي نادى به القديس توما الاكويني(5).

    ([1]) يقول سينز في : المشرع الشهير في عهد الثورة الفرنسية: "إن الغرض الأساس من إقامة أية هيئة عامة هو ضمان الحريات الفردية" نقلاً عن سيد صبري، نظرية المذهب الفردي، مجلة القانون والاقتصاد، عدد 3 و 4 السنة العشرون، ص 161.

    ([2]) الجرف، طعيمة، نظرية الدولة والأسس العامة للتنظيم السياسي، الكتاب الأول، ص 34.

    ([3]) والنص باللغة الإنجليزية Legal right : That power wich he has to make : a person do or refrain from doing a certain act or certain acts نقلاً عن عبد المجيد العتبكي، أثر المصلحة في تشريع الأحكام بين النظامين الإسلامي والإنجليزي، ص 6.

    ([4]) غانم، إسماعيل، محاضرات في النظرية العامة للحق، ص 12. الشرقاوي، جميل، المدخل نظرية الحق، ص 232. الدريني، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة، ص 54.

    ([5]) يميز توما الاكويني بين ثلاثة أنواع من القوانين، يرتبط وجود الأدنى منها بالأعلى، فأسماها مكانة هو القانون الأزلي، وهو العقل الإلهي أو المطلق الذي يحكم العالم وليس في مقدور الإنسان أن يدركه، وسبب ذلك – عنده – يعود إلى انحطاط الإنسان نتيجة الخطيئة الأصلية : أكل أبينا آدم عليه الصلاة والسلام من الشجرة. ويأتي القانون الطبيعي في المرتبة الثانية، وهو ما يدركه الإنسان بعقله التأملي من القانون الأزلي بأن يتحسس أو يتوقع اتجاهاته. ويأتي القانون الوضعي في المرتبة الأخيرة بوصفه المترجم أو المظهر للقانون الطبيعي، ولذلك يتصور حدوث التعارض والتناقض بين القانون الطبيعي والقانون الوضعي. ويرى أن الواجب هو إطاعة القانون الوضعي حال التعارض، لتجنب ما يسميه بالفضيحة والاضطراب. بينما يجب إلغاء القانون البشري (الوضعي) حال التناقض؛ لأن فيه تهجماً مباشراً على الإيمان. الشاوي، منذر، مذاهب القانون، ص 20، وهو بدوره أحاله إلى "روبيه" الذي ذكر في كتابه النظرية العامة للقانون، ص 133 .
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  5. #5

    افتراضي

    فقد ذهب كروسيوس، نتيجة لنمو البرجوازية ومطالبة الفرد بحماية حقوقه وحرياته، إلا أن أساس القانون الطبيعي يكمن في الطبيعة البشرية – أم القانون الطبيعي على حد تعبيره – وهي التي تقتضي منه العيش وفقاً لغريزته الاجتماعية في مجتمع هادئ منظم، وكل ما يفرزه العقل في هذا الاتجاه فهو من القانون الطبيعي. ومن هذا الأساس يُستنتج أن مبادئ هذا القانون واحدة وعالمية.

    وللتعرف على قواعد القانون الطبيعي بالعقل المحض، يتبع كروسيوس طريقتين إحداهما : الطريقة الاستنباطية؛ أي أنّ العقل يستنبط شرية قواعد القانون الطبيعي من الطبيعة البشرية. والثانية : الطريقة الاستقرائية أو طريقة الحكم اللاحق بمعنى تتبع تطبيقات الشعوب التي يمكن عدها طبيعية، لكونها تعبر عن مبدأ الغريزة الاجتماعية بشكل واضح (1)، ومن ثمّ التعرف من خلالها على قواعد القانون الطبيعي .

    وبنا ءعلى ذلك قيل أن كروسيوس قد قطع الصلة بين القانون الطبيعي واللاهوت، وبين القانون الطبيعي والأخلاق أو الفلسفة الأخلاقية الكاثوليكية(2). وهذا يعني أن العقل الذي زعم كروسيوس استنباطه من الطبيعة البشرية، قد فُرغ من مضمونه واصطبغ بالصبغة المادية البحتة؛ بسبب فصله عن العقيدة السماوية والأخلاق. وبذلك يلتقي هذا المذهب مع مذهب الوضعية القانونية في دعواه بفصل القانون عن الدين والأخلاق .

    الفلسفة الاجتماعية (مذهب التضامن الاجتماعي) :
    ينطلق هذا المذهب في رؤيته لطبيعة الحق ومصدره، من معتقده بأن القانون بوصفة ظاهرة اجتماعية، يجب أن يبنى على أساس واقعي معلوم بالمشاهدة أو التجربة. فخرجت بذلك الأسس المبنية على مثل عليا ميتافيزيكية، وهو ما يذهب إليه أنصار مذهب القانون الطبيعي، وكذلك ما كان محض افتراض وتخيل لا يشهد به الواقع، وهو ما عليه أنصار الفلسفة الفردية. فما يشهد به الواقع، وهو مشاهد معلوم، أن الإنسان كائن اجتماعي لا يسعه العيش إلا في جماعة يتضامن أفرادها لإشباع حاجاتهم وأن هذا التضامن يفضي

    ([1]) أرى أن هذا المذهب يمتد بجذوره إلى الرواقيين أنصار مذهب أرسطو (أبو القانون الطبيعي) ، وهم الذين طوروا مذهبه ودعوا إلى الوحدة الإنسانية بل الوحدة الكونية بأن يعيش الإنسان على وفاق مع الطبيعة، وأن يكون الفرد مواطناً في جمهورية عالمية تشمل الأرض كلها : الموسوعة الفلسفية، ص 163. ومصطفى عمر ممدوح، تاريخ أصول القانون، ص 108.

    ([2]) الشاوي، مذاهب القانون، ص 23-24. وقد ذكر أندريه كرسون في كتابه: المشكلة الأخلاقية والفلاسفة، ص 35، أن السعادة أو الخير المطلق عند سقراط ما هي إلا حالة الانسجام بين ما يرغب به الإنسان وبين الظروف التي يوجد فيها. وأرى أن كروسيوس قد تأثر بهذا الاتجاه .
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  6. #6

    افتراضي

    إلى نظام ينتظم سلوك الأفراد وفقه، وهذا يفضي عندهم إلى نتيجة مفادها ، أن التضامن الاجتماعي هو الأساس الوحيد والمعقول للقانون بوصفه القاعدة الضرورية لحياة الجماعة، ويمكن صياغة قاعدة التضامن الاجتماعي على النحو الآتي : إن الفرد – حاكماً كان أو محكوماً – ملزماً بالامتناع عما يخل بهذا التضامن، وعليه إنجاز كل فعل يؤدي إلى صيانته وتنميته .
    هذه القاعدة الأساسية بناحيتيها، الإيجابية والسلبية، يجب أن يصاغ القانون وفقها ليكون تطبيقاً لها(1)وبالتالي فإن التشريعات القانونية وكذلك العرف، لا ينشئان الحقوق لأنها مراكز قانونية أو وظائف اجتماعية تخلقها حالة التضامن الاجتماعي، ودورها ينحصر في الكشف عنها .

    وتأسيساً على ما تقدم يرى أصحاب هذه الفلسفة أن الحقوق من الجماعة وإلى الجماعة وليس للفرد حظ فيها أصالة على وجه الاستقلا ل، وأن ما يتمتع به الأفراد من حقوق إنما هي : اختصاصات أو وظائف اجتماعية، وأصحابها موظفون عامون موكلون باستعمالها على وجه يحقق الصالح العام(2)وبمعنى آخر: إنّما هي سلطة أو مكنة تمنحها الجماعة لأفرادها ليقوموا بالواجبات التي تقتضيها حالة التضامن الاجتماعي.

    على أن الإفراط والغلو في الأخذ بهذا المذهب أفضى إلى قهر جميع الأفراد المكونين للمجتمع؛ لأنه افترض أن السلطة هي المعبرة عن المجتمع ومصالحه، فانتهى المطاف إلى أن حكمت السلطة بموجب فلسفتها ونفذت بذلك بالقوة المفرطة، فأصبح هذا المذهب صورة من صور الوضعية القانونية التي تتميز، بصورة عامة، بأمرين؛ أحدهما : أن القانون هو القانون الوضعي المكتوب، وبالتالي فإنه من وضع إرادة بشرية حاكمة. والثاني : أن القانون يكون نظاماً منطقياً مستغلقاً؛ بمعنى أن الحلول – عندهم – لا تستقى إلا من القواعد القانونية الوضعية.

    أما القيم الخلقية – سواء أكانت سياسية أم اجتماعية – فهي خارجة عن نطاق النظام القانوني، فسلموا لذلك بالفصل التام بين القانون والأخلاق، وبين القانون والسياسة، وبالتالي : فالقانون ما هو كائن وليس ما يجب أن يكون؛ فلا مجال لتقويم القانون بقيمة العدل. بما يفترضه العقل من وجود قانون خارج الدولة فهو ليس بقانون، عندهم، بل رأي أو فكرة مثالية أو أخلاقية تبحث في وجود القانون. فالحقوق والواجبات التي تتكون للأفراد أو عليهم يرتبها القانون الذي تضعه السلطة في المجتمع لا غير(3)

    ([1]) الدريني، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص 45.

    ([2]) السنهوري وحشمت أبو ستيت، أصول القوانين، ص 68-70.

    ([3]) الدريني ، فتحي، الحق ومدى سلطان الدولة في تقييده، ص 45.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

  7. #7

    افتراضي

    ومن أبرز ما نخلص إليه مما تقدم :
    1. أن مصدر الحق إرادة بشرية لا غير؛ فالفرد مصدرها في الفلسفة الفردية، والمجتمع مصدرها في فلسفة القانون الاجتماعي، والحاكم مصدرها في فلسفة القانون الوضعي. وحتى في فلسفة القانون الطبيعي باتجاهه الديني نجد أن الفرد هو مصدر الحق فهو الذي يعبر عن ذاته، وهي صورة نفسه، المحملة بثقافة معينة، مبنية على أخلاق وعقيدة معينتين نتيجة تأثره بمحيط معين، وهو الذي يعبّر عن القانون الطبيعي المستشف من القانون الإلهي بزعمه. وبالتالي سيبني الفرد قانونه وفقاً لصورة ذاته. وقد يكون هذا هو : ما دعى كروسيوس إلى التصريح بأن القانون الطبيعي هو توافقك مع غرائزك الاجتماعية على أساس أنّ القانون الوضعي لا يعرف إلا في وسط اجتماعي.
    وإذا كانت الإرادة البشرية مصدر الحق فهي من باب أولى مصدر القانون، الذي لا يعدو كونه مجموعة خطابات سلوك اجتماعي عامة مجردة ملزمة.
    2. نطاق الحق في المناهج الوضعية هو حق خاص فقط، لا يعرف معه حق عام(1)ولا حق مشترك، وهو ما عليه المذهب الفردي، لأنهم لو قالوا بالحق العام (حق المجتمع) لكان ذلك هدماً لفلسفتهم من أن هذا الحق ليس، عندهم، قديماً كقدم الحق الخاص، بل وجوده مقرون بوجود مجتمع، والقانون لازم لوجود المجتمعات المنظمة، فيكون الحق لاحقاً بوجوده على وجود المجتمع والقانون، وبالتالي فمصدره المجتمع أو القانون، وهذا نقض لفلسفتهم. وبما أن الحق العام لا يعرف عندهم، فإن الحق المشترك، لا يعرف كذلك؛ لأنه وليد الاعتراف بوجود حقين عام وخاص.
    وأما القانون الاجتماعي، فليس فيه حق خاص، بل هنالك حق عام، والحقوق الخاصة تكاليف وواجبات ملقاة على عاتق الفرد لصالح الجماعة(2)
    3. وتبّرز وظيفة الحق على أساس أنّه وسيلة تحقيق مقاصد التشريع، فوظيفته في المذهب الفردي، ظاهراً، هو حماية الفرد وحرياته، ووظيفته في المذهب الاجتماعي تحقيق رغائب الجماعة التي أفرزتها حالة تضامنهم الاجتماعي. أما حقيقة وظيفته في المناهج الوضعية فهي تسخير طاقات الأفراد والشعوب لتحقيق مقاصد الأقوى في العلاقة، والأقوى هم أصحاب رؤوس الأموال الضخمة في الفلسفة الفردية، وهم الذي سُخّرت حكومات بلدانهم وقوانينها إلى حمايتهم، وإيجاد الأرضية الصالحة لتنامي أموالهم ومدها إلى خارج النطاق الإقليمي لدولهم بصور شتى، لتكون ذراع السياسة الخارجية ووسيلة تصدير هذه الفلسفة.
    وحقيقة وظيفة الحق في مذهب القانون الاجتماعي لا تبعد عما ذكر في الفلسفة الفردية،إلا أن الأقوى ههنا هم السلطة الحاكمة فلا يعدو الشعب كونه مجموعة أفراد تربطهم روابط معينة بدولتهم، والمظهر الدال على هذا الارتباط هي الجنسية، فهي رابطة قانونية سياسية تربط الفرد

    ([1]) الشاوي، مذاهب القانون، ص 43-46.

    ([2]) ويرى أصحاب هذه الفلسفة أن المصلحة العامة تنشأ على أثر مراعاة المصالح الخاصة. وقد كذب الواقع ظنهم.
    مكتب
    هيثم محمود الفقى
    المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة
    المستشار القانونى لنقابة التمريض ا مساعد أمين الشباب لدى منظمة الشعوب العربية لحقوق الانسان ودعم الديمقراطية ا مراقب عام دائم بمنظمة الشعوب والبرلمانات العربية ا مراسل ومحرر صحفى ا

المواضيع المتشابهه

  1. بحث قيم عن الحق في التقاضي
    بواسطة المحمدي في المنتدى قانون المرافعات والتحكيم
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 08-05-2010, 07:08 PM
  2. نظرية الحق
    بواسطة شمس الدين في المنتدى القانون المدنى
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 05-14-2010, 01:18 PM
  3. السلطة التقديرية في الفقه الإسلامي
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى الفقه الجنائي الإسلامي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-11-2009, 06:10 AM
  4. مذكرة دفاع فى جنحة نصب قضى فيها لاحقا بالبراءة ورفضت النيابة العامة استئناف الحكم
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى بحوث ومقالات في القانون الجنائي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-26-2009, 03:52 AM
  5. مصادر التشريع الإسلامي
    بواسطة سالي جمعة في المنتدى الفقه الجنائي الإسلامي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-12-2008, 01:47 AM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •