فلم يُحدد المعنى الدقيق للكرامة المتأصلة والحقوق المتساوية الثابتة، ولم توضع لها ضوابط موضوعية رغم أنهم جعلوها علة تحقيق السلام العالمي وديمومته، بل إن وصفها بالمتأصلة والمتساوية الثابتة في الإنسان الدليل، على اعتدادها بالفلسفة الفردية ونظرتها إلى الحقوق. ثم إنهم جعلوا الحقوق أساس الحرية والعدل والسلام العالمي، ولحماية ذلك كله وجب على الدول رعايتها وحمايتها، وقد ورد ذلك في الديباجة أيضاً. فكان ذلك تمهيداً لإضفاء المشروعية على تدخل الدول العظمى في شؤون العالم حفظاً للسلام العالمي، الذي قد يهدده بزعمهم انتهاك حقوق الإنسان هنا وهناك، رغم أن اللائحة صدرت على شكل توصيات غير ملزمة. وعلى الدول، لتحفظ هذه الحقوق، أن تبني تشريعاتها القانونية وفاقاً لما تراه الدول العظمى في تحديد مفرداتها ومضامينها .

وهذه الحقوق وردت مستقلة عن الحقوق السياسية بحسب التقسيمين السابقين؛ فالثانية تثبت للشخص بوصفه مواطناً في دولة، فهي تبين مدى العلاقة بين الدولة ومواطنيها في تنظيم الشؤون العامة .

إلا أن إمكانية تداخلهما، على أساس أنّ حرية التعبير عن الرأي والمعتقد تُعدّ حقوقاً عامة أو طبيعية، أعطى المبرر لمحاولة التقريب بينهما استعداداً لضم الحقوق السياسية إلى الحقوق الطبيعية في وقت لاحق، سعياً منهم إلى تثبيت سيطرتهم ونشر مبادئهم .

ومحاولات التقريب تلك ظهرت في الاتفاقية الدولية في شأن الحقوق المدنية والسياسية التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1966. إذ جمعت بينهما في العنوان وكذلك في مضمون الاتفاقية. ولما كانت هذه التشريعات وضعية. والعقل فيها لم يكتمل بناؤه بالوحي بحسب ما تقدم، فلا مناص من ظهور القوي بقانونه. وخضوع الضعيف له بالإرادة أو القوة أو قيام التصادم بينهما بشكل دائم .

المبحث الثاني : فلسفة الحق في المناهج الوضعية ودور حقوق الإنسان فيها :
الكلام في هذا المبحث ينقسم إلى مطلبين، أخصص أولهما للبحث الموجز في طبيعة الحق، ومصدره، ونطاقه، ووظيفته، وغايته في المنهجين الفلسفيين الوضعيين ، الفردي والاجتماعي.
وأخصص المطلب الثاني لبيان انتساب ما يعرف بـ "حقوق الإنسان" إلى أحد المنهجين المذكورين، والآثار المترتبة عليه، وأبعاد ذلك .