--- 1 ---
الأصل في الأحكام الجنائية أن تبنى على المرافعة التي تحصل أمام نفس القاضي الذي أصدر الحكم وعلى التحقيق الشفوي الذي أجراه بنفسه, إذ أساس المحاكمة الجنائية هي حرية القاضي في تكوين عقيدته من التحقيق الشفوي الذي يجريه بنفسه ويسمع فيه الشهود ما دام سماعهم ممكنا, محصلا هذه العقيدة من الثقة التي توحي بها أقوال الشاهد أو لا توحي, ومن التأثير الذي تحدثه هذه الأقوال في نفسه , وهو ينصت إليها مما ينبني عليه أن المحكمة التي فصلت في الدعوى أن تسمع الشهادة من الشاهد نفسه ما دام سماعه ممكنا ولم يتنازل المتهم أو المدافع عنه عن ذلك صراحة أو ضمنا, لأن التفرس في حالة الشاهد النفسية وقت أداء الشهادة ومراوغاته أو اضطرابه وغير ذلك, مما يعين القاضي على تقدير أقواله حق قدرها, ولا يجوز للمحكمة الافتئات على هذا الأصل المقرر بالمادة 289 من قانون الإجراءات الجنائية , والذي افترضه الشارع في قواعد المحاكمة لأية علة مهما كانت , إلا إذا تعذر سماع الشاهد لأي سبب من الأسباب, أو قبل المتهم أو المدافع عنه ذلك صراحة أو ضمنا.

--- 2 ---
من المقرر أن مصادرة الدفاع فيما تمسك به من طلب مناقشة المجني عليها يهدر المعنى الذي قصده الشارع إلى تحققه من المادة سالفة الذكر, لأن حق الدفاع في سماع الشاهد لا يتعلق بما أبداه في التحقيقات بما يطابق أو يخالف غيره من الشهود بل بما يبديه في جلسة المحاكمة ويسع الدفاع مناقشته إظهارا لوجه الحقيقة, ولا يؤثر في ذلك أن تكون المحكمة قد أسقطت في حكمها من عناصر الإثبات شهادة المجني عليها التي تمسك الدفاع بسماعها ولم تعول عليها في إدانة الطاعن لاحتمال أن تجئ الشاهد التي تسمعها ويباح للدفاع مناقشتها, بما يقنعها بغير ما اقتنعت به من الأدلة الأخرى التي عولت عليها. فضلا عن أن الدفاع لا يستطيع أن يتنبأ سلفا بما قد يدور في وجدان قاضيه عندما يخلو إلى مداولته, لأن حق الدفاع سابق في وجوده وترتيبه وأثره على مداولة القاضي وحكمه, ولأن وجدان القاضي قد يتأثر بما يبدو له أنه أطرحه عند الموازنة بين الأدلة إثباتا ونفيا. لما كان ذلك, وكان المدافع عن الطاعن قد طلب سماع ومناقشة المجني عليها, ورفضت المحكمة هذا الطلب قولا إن المحكمة لم تعول عليها, فإنها تكون قد أخلت بمبدأ شفوية المرافعة وجاء حكمها مشوبا بالإخلال بحق الدفاع. بما يوجب نقضه.


[الطعن رقم 23107 - لسنــة 67 ق - تاريخ الجلسة 14 / 12 / 1999 - مكتب فني 50 - رقم الجزء 1 - رقم الصفحة 680 - تم قبول هذا الطعن]