ومن حيث لا نزاع في أن قانون الشفعة والمادة (462) يلتقيان في موضع واحد وهو حق الشريك في العقار الشائع لأخذ الحصة التي يكون باعها أحد الشركاء لأجنبي عن الشيوع مقابل دفع الثمن ومصاريف البيع ويختلفان في القيود التي يشترطها قانون الشفعة لذلك.
وحيث إن الزعم بأن المسترد العقار حق اختيار أحد الطريقين إما قانون الشفعة الصادر في مارس سنة 1901 أو المادة (462) لا يمكن الأخذ به مع وجود القيود في أحدها دون الآخر إذ لو صح ذلك لكان الشارع المصري متناقضًا في أحكامه فإنه يكون وضع في باب حكمًا قيده بقيود وشروط مخصوصة ووضع في باب آخر حكمًا بغير قيد ولا شرط لحق واحد فمن لم يتيسر له الانتفاع بذلك الحق من الطريق الأول لصعوبة قيوده ولجه من الطريق الثاني لخلوه منها وهذا يكون غاية في التناقض يجب تنزيه الشارع عنه.
وحيث إن القول بأن قانون الشفعة الصادر في مارس سنة 1901 جاء ملغيًا للمادة (462) لا يمكن الأخذ به أيضًا ما دام أنه لم يرد نص في القانون المذكور عليه.
ومن حيث متى ما تقرر هذا وجب البحث فيما هي الأحوال التي أرادها الشارع بالمادة (462) وهل هي تختلف عن تلك التي قضاها قانون الشفعة ولأجل الوصول إلى هذا يجب الرجوع إلى مأخذ المادة المذكورة.
وحيث إن الرأي الراجح والذي تأخذ به هذه المحكمة أن المادة (462) مأخوذة من المادة (841) من القانون الفرنسي التي أباحت للورثة أن يأخذوا بطريق الاسترداد الحصة الشائعة أو بعضها التي يتنازل عنها أحدهم في التركة بلا تعيين لأجنبي حرصًا على عدم نفوذ ذلك الأجنبي إلى أسرار العائلات، ومعلوم أن الشفعة غير موجودة في القانون الفرنسي، لهذا اضطر الشارع هناك أن يضع المادة (841) للحكمة سالفة الذكر فأخذها الشارع المصري بعد أن أطلقها من قيدها وأباحها في الشركات كما التركات.
وحيث إن عدا هذا التعديل لا يظهر من نص المادة (462) أهلي والمادة (561) مختلطة المقابلة لها أن الشارع أراد قاعدة جديدة لها حكمة تختلف عن تلك التي وضعت القاعدة المقابلة لها في المادة (841) من القانون الفرنساوي.
وحيث متى ما تقرر هذا أصبح من اللازم عدم التوسع في استعمال المادة (462) ووجوب حصرها في الحالة التي اقتضت حكمة الشارع الفرنساوي وضع المادة (841) من أجلها يجعلها قاصرة على حق الشريك في التركات والشركات قبل قسمتها متى ما كان البيع حاصلاً في غير عين معينة، أما إذا كان في عين معينة فقط بطلت حكمة الشارع من خوف نفوذ الأجنبي إلى سر العائلة وإذن ينقل المسترد إلى شفيع ويجب عليه أن يلجأ لقانون الشفعة بقيوده المعلومة.
تأثير قانون الشفعة على حق الاسترداد
تعارض الاسترداد في الملك المشترك والشفعة في المبيع الشائع واختلاف الإجراءات والقيود في استعمال كل واحد من الحقين جعل المحاكم تبحث فيما إذا كان قانون الشفعة الصادر في سنة 1901 قد ألغى مفعول المادة (462) فانقسمت الأحكام لرأيين:
الأول: أن قانون الشفعة قد ألغى حكم المادة (462) مدني بحيث أصبح لا وجود لها بعد صدور قانون سنة 1901.
(راجع حكم الاستئناف الصادر في 7 يوليو سنة 1904 – نمرة (5) سنة 1904 – حقوق سنة تاسعة عشرة صحيفة (174)).
الثاني: يقول بأن المادة (462) ملغاة فيما يناقض قانون الشفعة الصادر في 22 مارس سنة 1901 فإذا باع وارث حصته لشخص غير وارث ولم يسترد باقي الورثة هذه الحصة في الميعاد المعين في المادة (19) من قانون الشفعة ضاع حقهم في الاسترداد.
(راجع حكم الاستئناف الصادر في 31 مارس سنة 1906 مجموعة رسمية سنة ثامنة صحيفة (26)).
الثالث: يقول بعكس ذلك وأن المادة (462) لم تلغَ لأن حق الشفعة غير حق الاسترداد.
(راجع حكم الاستئناف الأهلي الصادر في 10 يونيو سنة 1906 حقوق صحيفة (210) وحكم الاستئناف المختلط الصادر في 7 فبراير سنة 1907 سنة تاسعة عشرة مجموعة رسمية صحيفة (114) وحكم الاستئناف المختلط الصادر في 23 ديسمبر سنة 1907 السنة العشرين من المجموعة الرسمية صحيفة (143) وحكم الاستئناف المختلط الصادر في 24 إبريل سنة 1901 مجموعة رسمية سنة ثالثة عشرة صحيفة (259) وحكم الاستئناف المختلط الصادر في 14 مارس سنة 1907 صحيفة (152) مجموعة سنة تاسعة عشرة وحكم 4 مايو سنة 1911 مجموعة مختلطة سنة ثالثة وعشرين صحيفة (302)... إلخ).
البيوع التي يقع فيها الاسترداد
القسم الذين يقولون بأن حق الاسترداد لا يزال باقيًا ومعمولاً به إلى رأيين:
الأول: يقول بأن الاسترداد لا يطبق إلا على البيوع التي تقع على حصة شائعة في مجموع حقوق والتزامات في شركة أو تركة Universalité de droits et d'obligations.
وأصحاب هذا الرأي هم الذين يقولون بأن أصل المادة (462) مأخوذ من التشريع الفرنسي (841) وإن الشارع توسع فيه فأصبح يشمل الشركات والتركات - وعلى ذلك فلا يجيزون الاسترداد في البيع الواقع في حصة شائعة من عقار معين في تركة أو شركة بل يقولون بأنه في هذه الحالة لا يجوز إلا تطبيق أحكام الشفعة دون الاسترداد.
وأهم الأحكام الصادرة بهذا المعنى هي ما يأتي:
راجع حكم استئناف أهلي 2 مايو سنة 1901 حقوق سنة سادسة عشرة صـ 265،
وحكم استئناف أهلي 10 يونيه سنة 1906 حقوق سنة حادية وعشرين صـ 310،
وحكم استئناف أهلي 31 ديسمبر سنة 1916 مجموعة رسمية سنة ثامنة عشرة صـ 170،
وحكم محكمة طنطا الابتدائية الصادر في 22 أكتوبر سنة 1919 (لم يُنشر)،
وحكم محكمة طنطا الابتدائية الصادر في 15 ديسمبر سنة 1919 (لم يُنشر).
الثاني: يقول أصحاب الرأي الثاني إن الاسترداد جائز في البيع الذي يقع في أي حصة شائعة سواء كانت في عقار معين من شركة أو تركة أو من مجرد شيوع قائم بين اثنين أو أكثر.
وأصحاب هذا الرأي هم الذين يقولون بأن المادة (462 مدني) هي من مبتكرات المشرع المصري وإنها لم تؤخذ من تشريع آخر وإن التشريع الفرنسي لم يكن مأخذًا لها بل كان سببًا في تفكير شارعنا المصري في النص عليها.
راجع شرح المستشار دوهلس جزء رابع باب الاسترداد والأحكام الآتية:
حكم استئناف أهلي 12 مايو سنة 1917 مجموعة رسمية السنة التاسعة عشرة العدد الأول صـ 8،
وحكم استئناف أهلي 21 أكتوبر سنة 1917 مجموعة رسمية السنة التاسعة عشرة العدد 2 صـ 27.
فيمن له حق الاسترداد
الخلاف في هذه المسألة واقع بين الذين يقولون بأن المادة (462) هي من ابتكار المشرع المصري فإن أكثرهم يقولون بأن حق الاسترداد لا يكون إلا للشركاء الأصليين دون من يتلقون الحق عنهم سواء كان انتقال حقوقهم للغير بطريق الإرث أو البيع أو الوصية أو غير ذلك - فليس لوارث الشريك الأصلي ولا لمن يتلقى الحق عنه حق استرداد ما يباع من باقي الشركاء للغير.
ويعرفون الشركاء الأصليين بأنهم الذين نشأ بينهم الشيوع فإن كان الشيوع نشأ عن إرث فيكون الاسترداد للورثة دون سواهم ولا يكون لورثتهم، وإن كان الشيوع ناشئًا عن شركة مدنية أو تجارية فحق الاسترداد يكون لمن انعقدت بينهم الشركة، وإن كان الشيوع نتيجة اشتراك في عقار فالاسترداد لمن امتلكوا العقار بالعقد ولا ينتقل هذا الحق لا لورثتهم ولا لغيرهم ممن يتلقون الحق عنهم.
ويؤيد أصحاب هذا الرأي قولهم بالنص فإن المادة (462) أضيف في أصلها الفرنسي لكلمة (الشركاء) لفظ (الأصليين) فأصبحت تجيز حق الاسترداد للشركاء الأصليين - وكذلك وردت هذه اللفظة في نص المادة (561 مدني مختلط) التي نصت على الاسترداد، أما الأحكام التي قررت هذه القاعدة فهي:
راجع استئناف أهلي 12 مايو سنة 1917 مجموعة رسمية السنة التاسعة عشرة العدد الأول صـ 8،
وحكم استئناف أهلي 21 أكتوبر سنة 1917 مجموعة رسمية السنة التاسعة عشرة العدد الثاني في صـ 27،
وحكم محكمة الاستئناف المختلطة 2 مارس سنة 1902 مجموعة التشريع والقضاء المختلط السنة الرابعة عشرة صـ 204،
وحكم محكمة الاستئناف المختلطة 6 يونيه سنة 05 مجموعة التشريع والقضاء السنة السابعة عشرة صـ 327،
وحكم محكمة الاستئناف المختلطة 31 ديسمبر سنة 1914 مجموعة التشريع والقضاء السنة السابعة والعشرين صـ 100.
وهناك رأي آخر يقول بغير ذلك ويطلق هذا الحق لأي شريك سواء كان أصليًا أو متلقيًا الحق عن شريك أصلي.
(راجع حكم الاستئناف المختلط 27 مارس سنة 1902 مجموعة مختلطة السنة الرابعة عشرة صـ 204 وعلى هذا الرأي المسيو ده هلس الفقرة التاسعة من باب الاسترداد جزء رابع صـ 137).
المستشار/إبراهيم خليل
2006-02-01, 11:41 AM

فيمن يطلب منه الاسترداد
إذا أردنا أن نتقيد بنص المادة (462) مدني فإننا نقول بأنها اشترطت أن يكون الاسترداد في البيوع التي تصدر من شريك أصلي وفي الواقع فإن نصها يفيد ذلك حيث تقول (يجوز للشركاء - الأصليين - في الملك قبل قسمته بينهم أن يستردوا الحصة الشائعة التي باعها أحدهم للغير) - فإن الضمير في أحدهم عائد على الشركاء الأصليين - وعلى ذلك فلا يجوز الاسترداد إلا في البيع الصادر من شريك أصلي بحيث إذا صدر ممن تلقى الحق عن الشريك الأصلي فلا يجوز الاسترداد، وعلى هذا الرأي قضاء محكمة الاستئناف المختلطة فإنها قررت بحكمها الصادر في 31 ديسمبر سنة 1914 مجموعة رسمية سنة سبعة وعشرين صـ 100 ما يأتي:
(حق الاسترداد المنصوص عليه في المادة (561) مدني مختلط لم ينص عليه إلا لمصلحة الشركاء الأصليين ويشرط أن يكون البيع صادرًا من أحدهم، أما كون طالب الاسترداد من بين ورثة أحد الشركاء الأصليين فذلك لا يخوله شخصيًا صفة الشريك الأصلي كما هي الحال في الشريعة الإسلامية حيث الوارث ليس معتبرًا مكملاً لشخصية المورث).
متى يسقط الحق في الاسترداد
نصت المادة (462 مدني) على أن حق الاسترداد يبقى للشركاء لغاية القسمة - ولكن المادة لم تبين المقصود بالقسمة هل يجب أن تقع القسمة في جميع العين المشتركة أو يجوز أن يسقط الاسترداد بحصول قسمة في جزء من الأعيان المشتركة دون الآخر وهل يلزم أن تكون القسمة نهائية أي قسمة فرز أو مجرد تخصيص للشيوع بين الشركاء كأن يتعين حق كل شريك بعين من الأعيان المشتركة مع بقائه شائعًا فيها.
كذلك لم يرد في النص ما يشير إلى سقوط حق الاسترداد بالتنازل عنه صراحةً أو ضمنًا أو بالسكوت عنه بعد التكليف من المشتري بإبداء الرغبة فيه.
تعرضت أحكام المحاكم للفصل في بعض هذه المسائل فمن ذلك أن قضى بأن المراد بالقسمة هو مجرد صدور مثل هذا الحكم يأمر بإجرائها وأن الحق في الاسترداد يسقط بمجرد صدور مثل هذا الحكم ولا لزوم لحصول القسمة وتعيين الحصص فعلاً.
وقررت بعض الأحكام سقوط الحق في الاسترداد بالتنازل عنه صراحةً أو ضمنًا.
فقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بحكمها الصادر بتاريخ 5 مارس سنة 1898 المنشور في المجموعة سنة ثامنة صحيفة (148) أن هذا الحق يسقط كلما صدر من الشريك عمل يدل على اعترافه بالمشتري شريكًا معه على الشيوع، وقضت محكمة الاستئناف الأهلية بحكمها الصادر في 26 يناير سنة 1904 (الاستقلال سنة ثانية صحيفة (29)) بسقوط حق الشريك متى صدر منه أمر يدل على رضائه بالبيع الحاصل لأجنبي وقضت بهذه القاعدة أيضًا محكمة الاستئناف المختلطة بأحكامها الصادرة في 22 مارس سنة 1900 مجموعة رسمية سنة ثانية عشرة صحيفة (175) وفي 19 يونيو سنة 1895 مجموعة سنة سابعة صحيفة (345).
ومن هذا يفهم أن المحاكم لا تأخذ بنص المادة (462) على إطلاقه فيما يتعلق بسقوط الحق في الاسترداد بل تميل إلى تقييد هذا الحكم بكل ما يمكن أن تتقيد به من القواعد العامة المسقطة للحقوق.
وهو في الواقع أقرب لروح العدل والقانون.
فيما يترتب على الاسترداد
1 - إذا كان حق الاسترداد مقررًا وكان للشريك في العقار أن يعتمد عليه في أخذ ما يباع شائعًا من أحد الشركاء الآخرين فإن بقاء هذا الحق بجانب حق الشفعة يؤدي للنتائج الآتية:
أولاً: ليس المسترد مقيدًا باتباع إجراءات معينة في المطالبة بحقه لا بالنسبة للبائع والمشتري ولا بالنسبة لحقوق الغير بل يكفي أن يرفع دعواه على المشتري ويأخذ العين المبيعة في نظير دفع ثمنها ومصاريف البيع والمصاريف الضرورية أو النافعة التي يكون صرفها المشتري على العين المبيعة.
كذلك لا يلزم المسترد بتسجيل الطلب ولا الحكم الصادر له بالاسترداد ليمكن الاحتجاج به على الغير كما هو الحال في الشفعة.
ثانيًا: يعتبر المسترد أنه حل محل المشتري وأنه تملك من البائع من وقت البيع ويعتبر المشتري في كل ما أجراه من التصرفات أو استثمار العين المبيعة أنه طفيلي Girant d'af faire) لا يلزم المسترد منها إلا بما كان داخلاً في سلطة الطفيلي فجميع التصرفات العينية التي يكون أجراها المشتري تصبح ساقطة وجميع المصاريف التي صرفت لا يلزم المشتري منها سوى الضرورية أي التي كانت لازمة لصيانة العين أو النافعة التي زادت في قيمتها.