الفريق الأولمبي الإسرائيلي في ميونيخ ، فهذه العملية لم توجه مباشرة إلى العدو الإسرائيلي متمثلا في قوته العسكرية أو رموزه ولكنها استطاعت تحقيق أغراضها في إخافة الإسرائيليين والتعريف بالقضية الفلسطينية ونفس الشيء تكرر في أحداث 11 شتنبر و16 ماي … وهكذا يمكن ان الإرهاب تحول إلى إرهاب غير شخصي وانتشاره بهذا الشكل منذ الحرب العالمية الأولى، أما اعتبار الإرهاب كظاهرة فقد ظل محدودا نسبيا إلى وقت قريب سواء بالنسبة إلى عدد الحوادث الإرهابية أو بالنسبة لمناطق تمركزه. ومنذ أواخر الستينات أخذت ظاهرة الإرهاب بعد احصائيا ملفتا للنظر ففي فرنسا وحدها أحصي منذ عام 1975 ستة آلاف حادث إرهابي وبلغ عدد ضحايا هذه الحوادث تسعمائة ضحية تقريبا وفي مصر خلال الفترة من 1992 إلى 1993 بلغ عدد حوادث الإرهاب 98 حادث راح ضحيتها 58 شخصا وإصابة 120 آخرين وبعد أن كان الإرهاب محصورا في أوروبا امتد ليشمل مناطق كثيرة من العالم من بينها دول أسيا وأخرى من إفريقيا بالإضافة إلى كل الدول الصناعية الكبرى في العالم بل إن كل دولة من هذه الدول نجد بها منظمة إرهابية واحدة أو أكثر ولا شك أن انتشار منظمات الإرهاب على هذا النحو يؤكد على أن الإرهاب المعاصر يقوم على فكرة التنظيم فهذه الفكرة هي المسؤولة عن إقرار الجمعيات السرية في إيطاليا ( الألوية الحمراء) وإسبانيا (إيتا) وإرلاندا وأنجلتر (منظمة الجيش الجمهوري) واليابان (الجيش الأحمر) … إلخ وهي المسؤولة كذلك عن امتلاك الوسائل التكنولوجيا التي تنشر الدمار والفزع وسط الأبرياء.
هذا بالإضافة إلى أن فكرة التنظيم تعد مسؤولة عن تمتع الإرهاب بدوام واستقرار نسبي على عكس الحال عندما كان النشاط إرهابي يمارس من خلال أفراد أو جماعات غير منظمة.
كما أن هناك أيضا اختلافا جوهريا بين إرهاب الأمس وإرهاب اليوم فهذا الأخير أسعد حظا في ترويج أخباره في ظل تعدد وسائل الإعلام والاتصال مما يؤدي إلى انتعاش الإرهاب مقابل أدنى قدر من الجهد المادي، فمن المسلم به إذن أن الإرهاب ليس ظاهرة جديدة دخيلة على المجتمع المعاصر بل هي قديمة قدم تاريخ الإنسانية نفسها بل هي مرتبطة بظهور الإنسان على هذا الوجود باستحضار قصة هابيل وقابيل باعتبارها أول جريمة ارتكبت ضد الكائن البشري وحقه في الوجود، وإذا سلمنا بهذه الفرضية فإننا لا بد أن نتساءل عن الدوافع الاجتماعية لهذه الظاهرة .

الفقرة الثانية : الجذور الاجتماعية للإرهاب
لا نروم في هذه الفقرة الغوص في كنه وأسباب الإرهاب أو العنف في رصد جذوره ودوافعه والذي يبقى حكرا على ذوي الاختصاص من علماء الاجتماع والإجرام وفعاليات الشأن السياسي ولكن نصبو فقط واحتراما للنسق النهجي للتحليل أن نبحث في بعض دوافع الظاهرة لنفقتهم الوسائل القانونية والواقعية الناجعة لمجابهتها.

إن البيان بأن الجريمة الإرهابية لا تكتسي قط صبغة طبيعية وحتمية على غرار الجريمة التقليدية ، بل إن ثمة مجموعة من العوامل المتنوعة المصدر والمتباينة الروافد التي تتداخل فيما بينها لتشكل التركيب الملائم لميلاد ونشأة هذه الظاهرة وتمهد لها الأرضية المناسبة لشيوعه، فالإرهابي ليس إرهابيا بالطبيعة أو بالفطرة بل هو نتاج حتمي لعوامل شتى واستراتيجية محكمة التنظير والتطبيق ، فهو نتاج لسلوكات عنيفة ولتربية غير سليمة ولنظام سياسي غير عادل مما جعله يسقط كحلقة ضائعة بين أيدي متزعمي الشبكات الإرهابية التي تؤطره وتوجهه مشيئتها لتحقيق أهدافها الإرهابية.
فالإرهابي الذي كان وراء أحداث 16 ماي هو نفس المواطن الذي كان يتابع يوميا مسلسل الإبادة والتشريد في حق الشعب الفلسطيني والعراقي وذلك بمباركة الأنظمة العربية المتواطئة هو ذلك المواطن الذي يعيش يوميا شتى أنواع المعاناة والصراع من أجل ضمان قوت يومه ويلاحظ وهو يجوب شوارع مدينة الدارالبيضاء مدى عمق الهوة الطبقية.

إن ما يزيد في تنامي ظاهرة الإرهاب هو غياب العدالة الاجتماعية وعدم الاهتمام بالشباب وكذلك عدم احترام مبدأ ” كلكم مسؤول عن رعيته”، فمنذ أواخر التسعينات ساد خطاب سياسي في المغرب يولي أهمية كبيرة للمسألة الاجتماعية تفاديا لوقوع انزلاقات أو بروز تيارات متطرفة أو ظلامية ولكل يتذكر أن حكومة التناوب التوافقي اتخذت لها ضمن شعاراتها الانشغال بالمسألة الاجتماعية غير أنها أخفقت في إخضاع هذا الشعار للواقع وتفعيله من خلال تحسين الوضعية المادية لجماهير الفقراء المحرومين والمهمشين الذين تفاقم بؤسهم كما أخفقت جل المشاريع الإصلاحية ودخلت الأوراش المفتوحة الطريق المسدود من هنا، إذن كان لا بد أن تحدث انزلاقات وأن تظهر ردود أفعال قوية و عنيفة من طرف هؤلاء البائسين الكادحين. إن الجماهير الشعبية سأمت الخطب السياسية المعسولة وأصابت آمالها الخيبة من خلال عدم قدرة حكومة التناوب على تحقيق وعودها وهناك مشاكل اجتماعية خطيرة ناجمة عن عدم الاهتمام الجدي والفعلي بالتربية والتكوين، فالعديد من المغاربة وأبنائهم يعانون من الأمية والجهل أمام عدم جدية إصلاح التعليم ومما يضاعف من بؤس الشباب غياب لستراتيجية فعالة لامتصاص البطالة وخاصة بطالة ذوي الشواهد وتطوير سوق الشغل، لذا ينبغي التعامل مع هاتين المسألتين أي التربية والشغل –بجدية وفعالية وبإرادة قوية، فبدون ذلك سيكون المجتمع المغربي معرضا أكثر في المستقبل لحالات من العنف والإجرام والإرهاب فالمقاربة الأمنية ليست كافية وحدها للتصدي للجريمة الإرهابية بل يجب التركيز أكثر على الجانب الاجتماعي وهذا هو السبب المباشر لتنامي الظاهرة الإرهابية وانتشارها في العالم.

مكافحة الإرهاب و حماية حقوق الإنسان
فصل تمهيدي :
شكل الإرهاب مظهرا من مظاهر العنف الذي يمارسه الإنسان داخل المجتمع؛ وهذه الممارسة لم تكن وليدة اليوم؛ فهي منحدرة في تاريخه، فقد شهدها قدماء المصرين؛ وامتدت إلى عصر الإغريق ثم عصر الرومان. وفي فرنسا ظهرت في القرن الثامن عشر مع إعلان الجمهورية اليعقوبية.
وإذا ما نظرنا إلى الإرهاب كأحد صور العنف التي عرفها المجتمع الدولي منذ أمد بعيد وتطور مع تطور المجتمع ومع العلاقات الاجتماعية المختلفة، فإنه لم يكن للإرهاب نفس الخطورة التي اكتساها اليوم، من حيث زيادة العمليات الإرهابية وزيادة أعداد الضحايا واتساع نطاق تلك العمليات وظهور أشكال جديدة مستخدمة مبتكرات التطور العلمي والتكنولوجي، في وقت تطرح فيه العديد من الأسئلة حول انتهاك حقوق الإنسان في شتى بقاع العالم.
وسنتناول بالدراسة والتحليل الإرهاب، وذلك من خلال تعريفه، لغة واصطلاحا (المبحث
I )، على أن نسلط الضوء على طبيعة التأثير المتبادل بين الإرهاب وحقوق الإنسان (المبحث II).
المبحث الأول : تعريف الإرهاب
تعد ظاهرة الإرهاب من مظاهر العنف الذي تفشى في المجتمعات الدولية، فمنذ أوائل السبعينات من القرن الماضي وكلمة “الإرهاب” ومشتقاتها من أمثال “إرهابي” و “الإرهاب المضاد” وغيرها قد غزت بالفعل أدبيات جميع فروع العلوم الاجتماعية.
حيث أضحى مصطلح “الإرهاب” من أكثر الاصطلاحات شيوعا في العالم، في وقت تزداد فيه نسبة الجريمة ارتفاعا وأشكالها تنوعا؛ وأصبح الإرهاب واقعا مقلقا ومزعجا. فالمؤلفون في ميادين علم النفس، وعلم الإجرام وعلم الاجتماع، والفكر الديني…إلخ، انكبوا على دراسة هذا الموضوع أكثر من أي ظاهرة اجتماعية – سياسية أخرى في عصرنا .
والذي يقرأ أو يستمع إلى وسائل الإعلام المختلفة يعتقد أننا نعيش في حقبة من هوس الإرهاب، وأن الإرهاب وحده هو الخطر الوحيد البادي للعيان. ورغم عدم وجود اتفاق حول مفهوم محدد للإرهاب، فسنحاول تحديده من خلال فقرتين : الفقرة الأولى نبين فيها مفهوم الإرهاب لغة، والفقرة الثانية سنخصصها لتعريفه اصطلاحا بالتطرق إلى التعريف الفقهي، سواء العربي أو الغربي.
الفقرة الأولى : الإرهاب لغة :
أتت كلمة الإرهاب من رهب ، رهبا ورهبة، ولقد أقر المجمع اللغوي كلمة الإرهاب ككلمة حديثة في اللغة العربية أساسها “رهب” بمعنى خاف، وأرهب فلانا بمعنى خوفه وفزعه، والإرهابيون وصف يطلق على الذين يسلكون سبل العنف لتحقيق أهدافهم السياسية .
ويتفق ما تقدم مع اصطلاح الإرهاب
Terreur في اللغات الأجنبية القديمة كاليونانية واللاتينية إذ يعبر عن حركة من الجسد تفزع الغير : Manifestation du corps، وانتقل هذا المعنى إلى اللغات الأجنبية الحديثة، وعلى سبيل المثال نجد أنه في اللغة الإنجليزية كلمة إرهاب معناها : Terrorism المشتقة من كلمة Terror أي الرعب. وعرف قاموس ” إكسفورد” كلمة الإرهاب بأنها “استخدام العنف والتخويف بصفة خاصة لتحقيق أغراض سياسية”. وفي اللغة الفرنسية نجد أن قاموس “روبير” عرف الإرهاب بأنه “الاستعمال المنظم لوسائل استثنائية للعنف من أجل تحقيق هدف سياسي مثل الاستيلاء أو المحافظة أو ممارسة السلطة، وبصفة خاصة هو مجموعة من أعمال العنف (اعتداءات فردية أو جماعية أو تدمير) تنفذها منظمة سياسية للتأثير على السكان وخلق مناخ بانعدام الأمن “.
كما يعني الإرهاب أيضا محاولة الجماعات والأفراد فرض أفكار أو مواقف أو مذاهب بالقوة لأنها تعتبر نفسها على صواب والأغلبية مهما كانت نسبتها على ضلال، وتعطي نفسها وضع الوصاية عليها تحت أي مبرر… ومن هنا يأتي أسلوب الفرض والإرغام .
الفقرة الثانية :الإرهاب اصطلاحا:
سنتطرق للتعريف الاصطلاحي للإرهاب، بالبحث في مفهوم الظاهرة من خلال المجهودات التي بذلها الفقه، إذ دخلت فكرة الإرهاب عالم الفكر القانوني لأول مرة في المؤتمر الأول لتوحيد القانون العقابي الذي انعقد في مدينة وارسو في بولندا عام1930، ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف المحاولات الفقهية لوضع تعريف جامع مانع للإرهاب.
أولا : الفقه العربي:
عرف الدكتور حسنين عبيد “الإرهاب” بأنه “الأفعال الإجرامية الموجهة ضد الدولة والتي يتمثل غرضها أو طبيعتها في إشاعة الرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من الأشخاص، أو من عامة الشعب وتتسم الأعمال الإرهابية بالتخويف المقترن بالعنف، مثل أعمال التفجير وتدمير المنشآت العامة وتحطيم السكك الحديدية والقناطر وتسميم مياه الشرب ونشر الأمراض المعدية والقتل الجماعي”.
ووضع الفقيه شريف بسيوني تعريفا حديثا أخذت به فيما بعد لجنة الخبراء الإقليميين التي نظمت اجتماعاتها الأمم المتحدة في مركز فيينا (14←18 مارس1988):” الإرهاب هو استراتيجية عنف محرم دوليا، تحفزها بواعث عقائدية، وتتوخى إحداث عنف مرعب داخل شريحة خاصة من مجتمع معين، لتحقيق الوصول إلى السلطة، أو القيام بداعية لمطلب أو لمظلمة، بغض النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم ونيابة عنها، أو نيابة عن دولة من الدول .
ويرى الدكتور محمد فتحي عيد أن هذا التعريف الذي قدمه الدكتور بسيوني هو أقرب التعريفات على الواقع العملي.
ثانيا: الفقه العربي:
اختلف هذا الفقه وتضاربت آراؤه في هذا الصدد باختلاف المعايير التي يعتمدها أصحابها لتحديد مفهوم العمل الإرهابي، وهو ما يمكن أن نعزوه إلى كون كل باحث يحمل أولويات معينة وأفكار مسبقة، تسيطر على ذهنه في تحديد مدلول فكرة الإرهاب. ويمكن من خلال استعراض مجمل الآراء التي ظهرت في هذا الخصوص أن نحدد أهم الاتجاهات التي اتبعت لتحديد مدلول العمل الإرهابي في الفقه الغربي: