قوانين الإرهاب قد استجابت إلى مقتضيات هذه الاتفاقية ، وهناك أيضا اتفاقية إقليمية عقدتها هذه الدول من أجل التعاون فيما بينها للتصدي لهذه الجريمة.
ثانيا: الجهود القانونية الدولية في الاتفاقيات الإقليمية.
أما الفشل المنتظم الدولي في إيجاد مفهوم موحد للجريمة الإرهابية نظرا لتباين وجهات النظر وتضارب الإيديولوجيات وأمام تنام الظاهرة بشكل خطير لجأت بعض الدول إلى إبرام اتفاقيات إقليمية للتعاون في مكافحة الإرهاب ومن بين هذه الاتفاقيات:
1-الاتفاقية الأمريكية ضد الإرهاب.
نتيجة عدم الاستقرار السياسي الذي عرفته الدول الأمريكية في الستينات بفعل الصراعات الإيديولوجية التي كانت تشكل تهديدا مباشرا وخطرا محدقا ليس فقط بالأنظمة السياسية وإنما بشعوب المنطقة، عقدت الدول الأمريكية سنة 1971 بواشنطن اتفاقية لمكافحة الإرهاب وغداة الأحداث التي عرفتها الولايات المتحدة الامريكية في 11 سبتمبر 2001 وما تمخض عنها من إحساس باستهداف أمن واستقرار الأنظمة الساسية والاقتصادية وسلامة شعوبها، أقدمت جميع الدول الأمريكية باستثناء كوبا وذلك في إطار منظمة الدول الأمريكية على تجديد تعهدها لمكافحة الإرهاب مبرمة اتفاقية في يوليو 2002 استجابة لتطلعات هذه الدول إلى إيجاد آليات قانونية لمحاربته.
غير أن هذه الاتفاقيات لم تضع تعريفا محددا للإرهاب وإنما عملت في المادة الثانية منها على سرد الجرائم التي تعد إرهابية محددة إياها في الأفعال المخالفة لأحكام مجموعة من الاتفاقيات المتعلقة بقمع الأفعال الإرهابية وذلك على سبيل المثال لا الحصر، خاصة الجرائم الموجهة ضد الطيران والملاحة البحرية واحتجاز الرهائن واستعمال المتفجرات والمواد النووية وقمع تمويل الإرهاب.
والتزمت الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بوضع تدابير الوقاية ومكافحة والحد من تمويل الإرهاب عن طريق وضع نظام قانوني وإداري يسهل التعاون فيما بينها وتعهدت باتخاذ التدابير المسطرية للازمة لحجز ومصادرة الأموال والأشياء المتحصلة من الجرائم الإرهابية وعدم النظر إلى هذه الجرائم باعتبارها جرائم سياسية أو مرتبطة بجرائم سياسية ذات بواعث سياسية وان ترفض منح اللجوء السياسي لمرتكبي هذه الجرائم ، فضلا عن التعاون في ميدان مراقبة الحدود وتبادل المعلومات ورصد تحركات الإرهابيين والتعاون القضائي في هذا المجال، وخلصت الأطراف في النهاية إلى جملة من الضمانات تقضي بعدم متابعة شخص أو إدانته من أجل انتمائه العرقي أو دينه أو جنسيته أو انتمائه الاثني أو لآرائه السياسية أو الإضرار به لأحد هذه الأسباب أثناء متابعة وضرورة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية تماشيا مع المواثيق الدولية ، وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة للأشخاص المتابعين في ظلها .

2-الاتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب.
نتيجة تزايد خطورة الإجرام خاصة في إطار المافيات والعصابات الإجرامية المنظمة وتماشيا مع المواجهة الدولية للإرهاب وتحقيق الدولي، أقرت الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي في ستراسبوغ بتاريخ 27/01/1977 اتفاقا يرمي إلى قمع الإرهاب هدفه التأكيد على التعاون بين دول المجلس إلى أقصى حد إزاء تصاعد الجرائم من الملاحقة القضائية مركزة على إجراءات التسليم إيمانا منها بالدور الفعال الذي يلعبه هذا الإجراء للحد من هذه الظاهرة. ولم تتضمن هذه الاتفاقية بدورها تعريفا للإرهاب وإنما عمدت في مادتها الأولى إلى تحديد الجرائم التي تعتبر من قبيل الجرائم الإرهابية والتي يتم التسليم من أجلها مع التأكيد على عدم اعتبارها ذات طابع سياسي وهي نفس الأفعال التي عددنها الاتفاقية الأمريكية السابقة مع إضافة أنه بإمكان الدول الأعضاء التسليم من أجل جرائم العنف ضد الأشخاص أو الأموال غير تلك الأفعال المنصوص عليها في الاتفاقية المذكورة.
وتحيل هذه الاتفاقية فيما يتعلق بالأختصاص والعقوبات على القوانين الجنائية الداخلية مع التوصية بضرورة تشديد العقاب والتعهد بالتعاون لتسهيل إجراءات البحث والتحقيق. وتكريسا من هذه الاتفاقية لضمان المحاكمة العادلة أعطت الدول الأطراف إمكانية رفض طلب التسليم متى تأكد لها أن الأصل فيه اعتبارات عرقية أو دينية أو سياسية.
3-الاتفاقيات العربية لمكافحة الإرهاب.
نتيجة للظروف التي عرفتها المنطقة العربية بدورها والمتمثلة في الرواسب التاريخية والاجتماعية والسياسية التي ظلت حبلى بها وخلقت لديها توترات وصلت في كثير من الأحيان إلى مواجهات وصراعات دامية. وبفعل الخطر الذي أصبح يهدد أمن المنطقة واستقرارها نتيجة زرع الدولة الصهيونية التي تمارس عدوانا مستمرا في حق الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة، وتماشيا مع المبادئ الأخلاقية والدينية التي تنبذ العنف بكل أشكاله ومنها الإرهاب، جاءت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادر عن مجلسي الداخلية والعدل العرب بالقاهرة في 22/04/1998 .
وعلى خلاف الاتفاقيتين السالفتي الذكر عملت هذه الاتفاقية على تعريف الإرهاب في المادة الأولى (فقرة 2) كما يلي :” كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر. أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر”.
كما حددت في الفقرة الثانية من نفس المادة مفهوم الجريمة الإرهابية على الشكل التالي:” هي جريمة أو شروع فيها ترتكب تنفيذا لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها يعاقب عليها قانونها الداخلي “.
وعلى غرار باقي الاتفاقيات الإقليمية اعتبرت جرائم إرهابية الجرائم المنصوص عليها في مجموعة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالموضوع مع استثناء كفاح الشعوب والجرائم السياسية من زمرة الأفعال الإرهابية.
وقد شكلت المقتضيات المتعلقة بتسليم المجرمين ركنا أساسيا في هذه الاتفاقية حيث نصت المادة الخامسة على تعهد الدول بالاستجابة لطلبات تسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية كما التزمت بالتعاون في مجال تنفيذ الإنابة القضائية المتعلقة بالتحقيق أو سماع الشهود وتبليغ الوثائق وإجراءات التفتيش والحجز والمعاينة ما لم تتعارض هذه الانابات مع سيادة الدول ونظامها العام وحثت على التعاون القضائي المتبادل .
4-معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي:
إن المرجعية الإسلامية التي تنبذ العنف وتدعو إلى التمسك بالمبادئ الدينية والأخلاق السامية وتعتبر الإسلام بريء من كل أشكال الإرهاب التي تؤدي إلى اغتيال الأبرياء وتستهدف ممتلكاتهم وسيادة الدول وسلامة أراضيها واستقرارها. واعتبارا لفعالية التعاون الدولي والإقليمي بين الدول لمكافحة الجريمة الإرهابية انعقد المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية ببوركينا فاسو في الفترة ما بين 28 يونيو وفاتح يوليوز 1999 الذي انبثقت عنه معاهدة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي.
وقد تبنت نفس التوجه الدولي الذي سارت عليه الاتفاقية العربية إذ أعطت نفس التعريف الذي جاءت به هذه الأخيرة مع اختلاف بسيط في الصياغة وإضافة مقطع أخير يتعلق ” بتعريض المرافق الدولية للخطر أو تهديد الاستقرار أو السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية أو سيادة الدول المستقلة “.
وحددت هذه المعاهدة بدورها نفس مفهوم الجريمة الإرهابية وعددت نفس الأفعال المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية والتي تعتبرها أفعال إرهابية مستثنية منها كذلك الكفاح المسلح للشعوب ضد الاحتلال العدوان الأجنبيين .
وتجدر الإشارة إلى أن هذه المعاهدة أقرت مبدءا عاما مفاده ” أنه يعد جريمة إرهابية جميع أشكال الجريمة المنظمة بما فيها الاتجار الغير المشروع في المخدرات والبشر وغسل الأموال”. كما تطرقت لمجموعة من الآليات لمكافحة الجريمة الإرهابية والمتعلقة خاصة بموضوع التسليم مرسية نفس المبادئ التي أكدتها باقي الاتفاقيات والاتفاقية العربية على وجه الخصوص، مكرسة سبل التعاون بين الأجهزة المعنية بمكافحة الإرهاب سواء فيما يتعلق بتبادل المعلومات والخبرات والأدلة والإنابة القضائية ودعم الأنشطة الإعلامية والتعليمية.
أما فيما يخص الإجراءات المسطرية والعقوبات فقد أحالت هذه المعاهدة على القوانين الداخلية.
وقد أوصت معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي شأنها في ذلك شأن الإتفاقية العربية بضرورة الالتزام بقواعد المحاكمة العادلة وتوفير كافة الضمانات الحقوقية للمتابعين وتأمين الحماية اللازمة للضحايا والشهود والمحققين .
لكن بالرغم من هذا الكم الهائل من المعاهدات الدولية والاتفاقيات سواء على الصعيد الدولي أو الإقليمي فإن شبح الإرهاب لازال يخيم بظلاله على مجموع أرجاء المعمور، بما يثبت أن المجتمع الدولي قد فشل في مكافحته ومرد ذلك بالأساس أن أثر هذه الاتفاقيات بقي ضعيفا أمام التشريعات الداخلية للدولة فهذه الاتفاقيات لا تخرج عن كونها اتفاق وتسري عليه أحكام وشروط ومبادئ القانون المدني، الأمر الذي يؤكد بأن آثرها لا تلزم سوى الدول الموقعة عليها دون غيرها من الدول، كما أن الإخلال بها قد يؤدي إلى إمكانية المسؤولية العقدية عليها، ومع ذلك فإن الصعوبة تكمن فيما إذا أمكن اعتبارها بمثابة قانون داخلي بالنسبة لرعايا الدولة الموقعة عليها، أم أنها تحتفظ بطبيعتها العقدية، وما هو الحكم في حالة تعارضها مع القانون الخاص الداخلي.