وتبعا لذلك، فإن قانون 03 ـ 03 المتعلق بمكافحة الإرهاب في مجمل مقتضياته يتلاءم مع الاتفاقيات الدولية (اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة، بالإضافة إلى الاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب) والعربية (الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب) بشأن مكافحة الإرهاب، ذلك أنه حدد مفهوم الأفعال الإرهابية وحدد العقوبات المخصصة لكل جريمة إرهابية وهي تختلف حسب درجة خطورة الفعل، كما منح قانون المسطرة ضمانات مهمة لحماية حقوق المشتبه فيه خصوصا في حالة تفتيش المنازل أو معاينتها وكذا فترة الحراسة النظرية…
ورغم أهمية الحل الجنائي للظاهرة الإرهابية، بيد أن ذلك لا يمنعنا من القول بأنه ليس هو “المضاد الحيوي” الوحيد القادر على استئصال جذور جرثومة اسمها “الإرهاب” بل لابد من انخراط الجميع في محاربة هذه الظاهرة، مع ضرورة احترام حقوق الإنسان وتحصين المواطنين والدولة بأسس الديمقراطية، ومحاربة الفقر، ومحاولة نقد الذات!
ولا يفوتنا في الختام، سوى أن ننوه بالمبادرة المولوية المتمثلة في “مشروع التنمية البشرية”، هذا الأخير الذي نأمل أن يمهد للنهوض بمجتمعنا، وتصحيح الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، ومحو الفوارق الطبقية وإخراج الشباب من دوامة الإحباط والتهميش.
_________________________
–مع العلم أن الحكومة قد تقدمت بالمشروع خلال الدورة الخريفية للبرلمان لسنة2002 وتم استدعاء البرلمان في دورة استثنائية لمناقشة مشروع القانون 03.03 الذي عرف نقاشا حادا صاخبا، دون المصادقة على هذا القانون، ذلك راجع لعدم استيعاب هول الخطورة التي تمثلها الأعمال الإرهابية والتهديد المحدق ببلادنا.
ولكن أحداث 16ماي2003، دفعت بالبرلمان المصادقة في وقت قياسي على القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب الذي صدر بالجريدة الرسمية وأصبح نافذا يوم 29ماي2003.

مكافحة الإرهاب و حماية حقوق الإنسان
الفصل الثاني : ضمانات حقوق الإنسان في الجريمة الإرهابية
لما كانت الجريمة الإرهابية تشكل خطرا كبيرا على المجتمع والنظام العام بالنظر لعدد الضحايا المستهدفين بشكل عشوائي أو في حيوية المصالح والمنشآت وكذا المؤسسات المستهدفة وللنتائج الوخيمة التي تخلفها في نفوس السكان وذلك بإشاعة الخوف والترويع والرعب وعدم الاستقرار والشعور بالأمان على حياتهم أو حياة ذويهم، ولعدم قدرة الأجهزة الاستخباراتية والسلطات العمومية في التوقع والتصدي لمثل هذه الأفعال الإجرامية المشينة، وبالنظر أيضا لما تشكله الجريمة الإرهابية من خطورة وخصوصية لكونها مريعة وغير عادية ولا تحتويها المقتضيات العامة للقانون الجنائي. فقد تدخل المشرع كما سبق القول للضرب بقوة على أيدي مرتكبي هذه الجريمة من خلال قانون 03 ـ03، المتعلق بمكافحة الإرهاب شأنها في ذلك شأن التشريعات المقارنة، هذا القانون الذي يتميز بإجراءات مشددة في حق المشبوه فيه بارتكاب جريمة إرهابية أو المساهمة فيها قد تعصف بضمانات المحاكمة العادلة لما يمكن أن تشكله من مساس بالحرية أو السلامة الجسمية أو أحيانا حق الحياة، وذلك منذ بداية البحث إلى ما بعد الحكم.
فقد يصعب التوفيق بين مصلحة المجتمع في تعقب المجرمين وفرض الأمن والنظام العام، ومصلحة المشبوه فيه في عدم المساس بحرياته وحقوقه الشخصية من كل تجاوز، ومن خلال توفير ظروف ملائمة ومثلى للمحاكمة العادلة وتدعيم حقوق الإنسان تماشيا مع مقتضيات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذا المواثيق الدولية الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان كالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يقر في مادته التاسعة على أنه : لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية، ولا يجوز القبض على أحد أو إيقافه بشكل تعسفي، كما لا يجوز حرمان أحد من حرية إلا على أساس من القانون وطبقا للإجراءات المقررة فيه”.
وإذا كان من الثابت والمسلم به أن يمنح ويعطى لنظام العدالة الجنائية الوسائل الضرورية والإمكانيات المادية والبشرية وما يستتبع ذلك من إجراءاتها ومساطر وصلاحيات لسلطات البحث الجنائي التي قد تتسع أو تضيف إجراء كما بحسب الجريمة المقترفة. فإنه يجب أن تراعى في ذلك حماية حقوق الأفراد وصون حرياتهم متهمين كانوا أم ضحايا أم شهود، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات القانونية وخصوصا قرينة البراءة التي يجب أن تكون الإطار العام لكل الإجراءات المسطرية خلال سائر مراحل البحث التمهيدي (مبحث أول) مرورا بمرحلة التحقيق الإعدادي (مبحث ثان)، وصولا إلى مرحلة المحاكمة بدرجاتها إلى أن يحوز الحكم قوة الشيء المقضي به (مبحث ثالث).

المبحث الأول: إجراءات البحث التمهيدي في الجريمة الإرهابية

لا يتجادل اثنان على أن حق الدولة في توقيع العقاب على الجناة مرتكبي الجريمة الإرهابية منظم في المسطرة الجنائية وذلك وفق شكليات وإجراءات كفيلة بتحقيق العدالة الجنائية حيث يفترض بها أن تضمن احترام حرية المشبوه فيه الفردية وحقوقه في الدفاع.
انطلاقا من مقتضيات المادة21 من ق.م.ج وما يليها، يمكن ملاحظة اختلاف وتعدد طبيعة الإجراءات الشكلية الموكول القيام بها لضباط الشرطة القضائية، وذلك في إطار مسطرة البحث التمهيدي.
حيث أنه بمجرد تلقي الشكاية أو الوشاية، أو يصل إلى علمهم خبر وقوع الجريمة، يتعين على الشرطة القضائية أن تتأكد من وقوعها، وإجراء التحريات الضرورية إضافة إلى جمع الأدلة حولها، والاستماع إلى الشهود أو كل شخص يعتقد انه كان معاصرا لارتكاب الجريمة.
ويلاحظ أن المشرع قد شدد من وضع المشبوه فيه بارتكاب جريمة إرهابية خلال وضعه تحت الحراسة النظرية (مطلب أول)، كما منح لضباط الشرطة القضائية سلطات واسعة خلال قيامهم بتفتيش المنازل (مطلب ثاني).

المطلب الأول: الوضع تحت الحراسة النظرية
سواء تعلق الأمر بالبحث التمهيدي العادي أو التلبسي تبقى الغاية من تسميتها الوضع تحت الحراسة النظرية باعتبارها إجراء تقوم به الضابطة القضائية في إطار قيامها بمهامها، حيث المكلف بالبحث يحرص الشخص الذي اتخذ في حقه تدبير الحراسة النظرية يبقى رهن إشارته وبالقرب منه يراقب حالته النفسية، وتصرفاته، وتصريحاته، وحركاته، ويقوم بتسجيلها ودراستها .
وسنتناول دراسة الحراسة النظرية من حيث مفهومها وإجراءاتها (فقرة أولى) ثم سنتطرق إلى مدة هذا الإجراء في (فقرة ثانية)، وكذا مدى إمكانية اتصال الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بمحام (فقرة ثالثة) لنصل إلى جزاء الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية (فقرة رابعة).
الفقرة الأولى: مفهوم الحراسة النظرية وإجراءاتها
أولا: مفهوم الحراسة النظرية
لم يقم المشرع المغربي بوضع تعريف دقيق للحراسة النظرية، غير أن الفقه لم يحذو حذوه حيث قام بوضع تعاريف للحراسة النظرية وذلك باعتبارها إجراء تمهيدي تقوم به ضابطة الشرطة القضائية، وذلك بمنعها أي شخص مفيد في التحريات من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنتهي تحرياته. (المادة65/1 من ق.م.ج)
حيث عرفها الدكتور أحمد الخمليشي بأنه :” احتفاظ ضابط الشرطة القضائية في مركز عمله بالمشبوه فيه لحاجيات إجراء البحث التمهيدي أو تنفيذ الإنابة القضائية .
وعرفها ذ.أحمد أجويد بأنها :” إبقاء ضابط الشرطة القضائية للمشبوه فيه رهن إشارته في مركزه لحاجيات البحث التمهيدي .
وعرفها ذ.الحسن هوداية بأنها:” المدة التي تستبقي خلالها الضابطة القضائية تحت تصرفها الشخص المظنون أنه ارتكب الجريمة لأجل حاجيات البحث والتحري ومنعا من اندثار أدلة الإثبات والكل تحت مراقبة النيابة العامة” .
أما الأستاذ عبد الله السليمان فقد عرفها بأنها ” إجراء تتخذه الضابطة القضائية ضد أشخاص مريبين دون أن يكونوا بعد محل اتهام أو أمر بالتوقيف .
في حين عرفها البعض الآخر بأنها :” توقيف الشخص وإبقاؤه رهن إشارة ضابط الشرطة وتحت نظره في مركز عمله خلال مدة يحددها القانون” .
وتجدر الإشارة إلى أن الشخص الموضوع تحت الحراسة غالبا ما يوضع بمكاتب الإدارة التي ينتمي إليها ضابط الشرطة وفي بعض الأحيان يكون هذا الأخير مضطرا لوضع الشخص بمكاتب القيادة أو البشوية أو مراكز القوات المساعدة أو ثكنات الجيش، أو في عربات مصلحته في انتظار الانتقال به إلى إدارته، إضافة إلى ضرورة قيام ضابط الشرطة القضائية بتفتيش وقائي للشخص ويسحب كل ما من شأنه الإضرار بسلامته أو بسلامة الغير، حيث كثيرا ما تقع انتحارات أو اعتداءات سواء على الشخص نفسه أو على الغير.
يتم اللجوء إلى هذا الإجراء القانوني في الأحكام المسطرية المتعلقة بالبحث التمهيدي (المادة80 من ق.م.ج) حيث تمت إضافة فقرات تتعلق بالإجراءات المتعلقة بجرائم الإرهاب بمقتضى القانون الجديد للمسطرة الجنائية رقم01.22 كما تم تتميمه وتغييره بالقانون رقم03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب.
ومن أجل الإحاطة أكثر بمفهوم الحراسة النظرية، نرى أن من الضروري تمييزها عن بعض النظم المشابهة لها، وذلك كإيقاف الشخص وإبقائه من طرف الضابط قصد التأكد من هويته عملا بمقتضيات الفصل62 من قانون الدرك الملكي التي تنص على أن :” للدرك الملكي الحق على الدوام في مراقبة هوية الأشخاص الممكن لقاؤهم وتحقيقها، كما له الحق في إمساكه المدة اللازمة لإجراء هذا التحقيق على أن لا يتجاوز 24ساعة:.
كما يجب تمييزها كذلك عن إجراء الاعتقال الاحتياطي حيث يتم وضع المتهم في السجن أثناء كل أو بعض المدة التي تبدأ بإجراءات التحقيق الابتدائي وحتى صدور الحكم النهائي في التهمة المنسوبة إليه وذلك قبل صدور أي حكم في مواجهته .
يلجأ ضابط الشرطة القضائية إلى الوضع تحت الحراسة قصد تسهيل عمله وتحرياته وغايته إنه إجراء يحول دون فرار الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، أو للحد من خطورته أو خوفا من تأثيره على سير البحث أو حماية الأدلة والبراهين المستدل منها على الجريمة التي يخشى أن يقوم بإخفاء معالمها أو تغييرها.
وقد اعتبر البعض الوضع تحت الحراسة النظرية حالة شادة بحيث يصعب تصور وضعية وسطى بين حالة الاعتقال وحالة الحرية.
وعلى الرغم من أن اللجوء إلى الوضع تحت الحراسة النظرية لا ينبغي أن يمارس إلا في الحالات المحددة حصرا في القانون، فإن سلطة الضابطة القضائية التقديرية تبقى مع ذلك واسعة جدا انطلاقا من العبارة التي أوردها المشرع “لحاجيات يقتضيها البحث”