لديه العلم بحقيقة الواقعة الإجرامية ، كما هو الشأن بالنسبة للشخص الذي يعمد إلى إخفاء أموال أو منافع مادية أخرى متحصلة من جريمة إرهابية دون ان يعلم بماهيتها أو بمصدر تحصيلها رغم إن إخفاء الأشياء المتحصل عليها من جراء جريمة إرهابية يندرج ضمن التعداد القانوني للأفعال الإرهابية التي عددها المشرع في الفصل الأول – 218 من قانون الإرهاب فإن فعله هذا وإن كان يرتب في حقه مسؤولية مدنية أو جنائية ، فإنه رغم تلك يتعذر وصف ما أقدم عليه بالجريمة الإرهابية وأخيرا نمثل لهذه الحالة بمن يعمد إلى نقل أسلحة أو أدوات متفجرة معبأة بشكل محكم في علب مخصصة لأغراض أخرى … اعتقادا منه أنه يحمل موالد غدائية أو استهلاكية مروجا إياها لفائدة طالبيها.
وتبقى الإشارة إلى أن غياب الإحاطة والعلم اليقين بالواقعة الجرمية جراء جهل الواقع أو غلط فيه لا يمتد البتة بآثاره أو يسري بمفعوله في حالة الجهل بالواقعة نتيجة جهل أو غلط في القانون المنظم لها، وذلك استنادا للمادة 2 من القانون الجنائي الذي أقر قاعدة عامة تحظر وجوبا التمسك بجهل التشريع الجنائي أو الغلط في تأويله فنص قائلا ” …. لا يسوغ لأحد أن يتعذر بجهل التشريع الجنائي .
وحيثما استعرضنا الأركان الرئيسية لقيام الجريمة الإرهابية فإننا سننتقل حاليا إلى الحديث عن أنواع الجرائم الإرهابية من خلال قانون (03-03) والذي بموجبه عدد الجرائم المعتبرة قانونا جرائم إرهابية.


قانون مكافحة الإرهاب دراسة نقدية
الفصل الأول : دراسة تحليلية لقانون مكافحة الإرهاب.

المبحث الثاني : أنواع الجرائم الإرهابية .
سننطلق من قناعة حتمية وموجزة، قبل تناول صور التعداد الجرائم الإرهابية ، ومفادها أن جميع الصور الإجرامية المقننة تشريعيا من خلال قانون 03-03 لا يمكن نعتها أو وصفها بالأعمال الإرهابية إلا إذا اقترنت وجوبا وشموليا في العناصر التالية:
-ارتباط الصورة الإجرامية بمشروع فردي أو جماعي يستهدف المس بالنظام العام والأمن العمومي
-اعتماد عنصر العنف والتخويف والترهيب لتحقيق هذه الغاية
-توافر النية الإجرامية لدى الفاعل الإرهابي
ومن هنا يتبين أن المشرع المغربي من خلال قانون (03-03) لم يعرف مفهوم الجريمة الإرهابية بل اقتصر على تعداد الأفعال المعتبرة في حكم ذات القانون الإرهابي وحدد الأركان التي يتعين وجوبا أن تقوم عليها، وعدد العقوبات المتنوعة الموازنة لا اقترافها في الفصل الأول من المادة 218 من القانون (03.03) ، ويكن تحديد هذه الجرائم في :

المطلب الأول : جرائم الاعتداء على الأشخاص .
جرائم الاعتداء تشمل كل الأنشطة التي من شأنها أن تصيب الأشخاص في حياتهم أو في جسمهم أو صحتهم سواء بالتقليل أو التعذيب أو الاختطاف أو الاحتجاز، والمشرع الجنائي ، سواء في المجموعة الجنائية أو في قانون مكافحة الإرهاب في الفقرة 1 من الفصل 1-218 ق ج، أضفي حماية مطلقة على حياة الأشخاص من هذه الاعتداءات لذا وجب توافر الركن المادي زيادة على الركن المعنوي ليتسنى المعاقبة عليها.
الفقرة الأولى : الاعتداء على حياة الأشخاص
جرم وعاقب المشرع على الاعتداء على حياة الأشخاص في الفصول التالية من القانون الجنائي :
*الفصل 392 ق ج ، كل من تسبب عمدا في قتل غيره بعد قائلا، ويعاقب بالسجن المؤبد لكن يعاقب على القتل بالإعدام في الحالتين الآتيتين:
-إذا سبقته أو صحبته أو أعقبته جناية أخرى.
-إذا كان الغرض منه إعداد جناية أو جنحة أو تسهيل أو ارتكابها أو إتمام تنفيذها أو تسهيل فرار الفاعلين أو شركائهم أو تخليصهم من العقوبة.
*الفصل 393 ق ج، القتل العمد مع سبق الإصرار والترصيد يعاقب عليه بالإعدام.
*الفصل 394 ق ج، سبق الإصرار هو العزم المصمم عليه قبل وقوع الجريمة على الاعتداء على شخص معين أو على أي شخص قد يوجد أو يصادف وحتى ولو كان هذا العزم معلقا على ظرف أو شرط.
*الفصل 398 ق ج، من اعتدي على حياة شخص بواسطة مواد من شانها أن تسبب الموت عاجلا أو أجلا أيا كانت الطريقة التي استعملت أو أعطيت بها تلك المواد وأيا كانت النتيجة يعد مرتكبا لجريمة التسميم ويعاقب بالإعدام.
*الفصل 399 ق ج، يعاقب بالإعدام كل من يستعمل وسائل التعذيب أو يرتكب أعمالا وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية.
الفقرة الثانية : الاعتداء على سلامة الأشخاص.
يتكون الركن المادي في جرائم الاعتداء على الأشخاص من عناصر ثلاثة:
-نشاط إجرامي:
إذا كان كل نشاط يؤدي إلى إيذاء الضحية في جسمها أو في صحتها يصلح عنصرا في الركن المادي لجرائم الاعتداء العمدي فإننا باستقراء الفصول 400، 401، 402، 403، 408، 413، 414 من ق ج نلاحظ أن المشرع قد أورد بعض الصور لهذا النشاط المؤذي والأكثر ورودا في العمل، وهي الضرب وهو كل تأثير راض أو كادم.
يقع على جسم الإنسان بالضغط أو الصدم أو كما غرفه بعض الفقهاء كل ضغط وأرض أو دفع أو احتكاك بجسم المجني عليه سواء ترك به أثرا أم لم يترك الجرح وهو النشاط الذي يأتيه الفاعل ويترك أثرا في جسم الضحية: ما أن تراه العين كسلخ الجلد، أو حرقة والجرح يعاقب عليه بغض النظر عن كونه ظاهرة أو غير ظاهرة الإيذاء وهي لفظة من العموم تشمل كل ما يؤذي الإنسان في جسمه أو صحته بحث ينطوي تحت لوائها الضرب والجرح والعنف وغيرها من الوسائل الأخرى كإعطاء مواد ضارة بالصحة أيا كانت لشخص من الأشخاص.
-نتيجة إجرامية: جرائم الاعتداء منها التي تقوم بغض النظر عن تحقق نتيجة مادية ذات أهمية وهذه الجرائم هي المنصوص عليها في الفصل 400 من ق.ح وهي الضرب أو الجرح أو العنف أو الإيداء الذي لا يتيح عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية أو ينتج عنه مرض أو عجز لا تتجاوز مدته 20 يوما ومنها التي تتصاعد عقوبتها وكذلك وصفها الجنائي بسبب التحقق نتيجة إجرامية ذات أهمية وهذه الجرائم هي المنصوص عليها في القانون الجنائي وتتحدد في :
-الفصل 400 ويتعلق بالضرب أو الجرح أو العنف أو الإيداء الذي يخلق عجزا لا تتجاوز مدتهم 2 يوما.
-الفصل 401 وتجرم الضرب أو الجرح أو العنف أو الإيداء الذي يخلف عجزا تتجاوز مدته 20 يوما
-العلاقة السببية بين النشاط الإجرامي والنتيجة:
لكن يكتمل الركن المادي في جرائم الاعتداء يلزم توافر علاقة سببية بين النشاط المؤدي الذي أتاه الفاعل والنتيجة الإجرامية والتي هي إما عجز لمدة تفوق 20 يوما أو العاهة الدائمة أو وفاة الضحية وألما ما أمكن العقاب عنها طبقا للمواد السابقة .
ولا نضيف جديدا إذا قلنا بأن القواعد المعروفة في النظرية السببية عموما والمتطلبة في كل الجرائم الناتجة تطبق أيضا بالنسبة لجرائم الاعتداء العمدي التي ترتكب في إطار جريمة إرهابية.
الركن المعنوي
أما الركن المعنوي فيتحقق إذا انصرفت إرادة الفاعل إلى ارتكاب الجريمة على نحو ما عرفها القانون به ومعنى هذا ان يكون الجاني قد وجه نشاطه المؤذي بقصد المساس بجسم الضحية أو صحتها فإن قام لديه هذا القصد، قام الركن المعنوي وطبيعي أن ينتفي القصد الجنائي كلما حصل النشاط المؤدي بدون عمد.
الفقرة الثالثة : الاعتداء على حرية الأشخاص(الفصل219-223من ق.ج)
أن حرية الأفراد هي بلا جدال أساس الحريات جميعا وهي الهدف الأسمى الذي تستهدفه كل حكومة عادلة لأننا بقدر ما نملك من حرية تتحدد قدراتنا على اشباع حاجياتنا وبمعنى آخر بقدر ما نمتلك حرية تتحدد قدراتنا في استخدام قوانا و أوقاتنا ووسائلنا في الوصول إلى ما يعود علينا من نفع وإن كانت المصلحة الحقيقية للمجتمع تتمثل في توفير أكبر نصيب من الحرية لكل فرد على حدا فإن ذلك لا يمنع المجتمع من تقييد حريات الأفراد في حدود معينة وخارج هذه الحدود يكون أي مساس بحريات الإفراد اعتداء يستحق المسائلة سواء في ذلك أن يكون المساس من سلطات الدولة أو من فرد أخر أو من مجموعة من الأفراد.
فالحرية هي أتمن ما في الحياة فحاجة الإنسان للحرية لا تقل عن حاجة الجسد للروح فإذا كان الجسد يفقد كيانه بإزهاق الروح فالإنسان يفقد وجوده وكيانه بفقدانه للحرية.
فالحرية هي ذلك الحق لا بفقده الإنسان بمرور الزمن أي بالتقادم ، وهي تخول لكل إنسان أن يعمل أو يمتنع عن العمل وفقا لإرادته هو لا لإرادة الغير، وأن يمارس كغايته في منح ما يراه ناقصا أو ممتعا له، في الحدود التي ترسمها الهيئة الاجتماعية لمصلحة سائر أفرادها وأن يفكر ويعلن تفكيره وإن يستمتع بكامل مال لا يحرمه القانون.