ذلك أن المشرع لم يستلزم تعليل الأمر بالوضع تحت الحراسة النظرية، وبالتالي يبقى اللجوء إليه رهين بمزاج الضابط المكلف بالبحث التمهيدي، والذي يفترض فيه الشرف والنزاهة إضافة إلى تمتعه بحس مهني يمكنه من الموازنة بين ضرورات البحث لفائدة العدالة وبين المحافظة على حريات الأفراد وحقوقهم. خاصة وأن الوضع تحت الحراسة أحيانا قد يلحق الأذى بالأبرياء ويسيء إلى سمعتهم وكرامتهم فيصبحوا مدانين من طرف المجتمع، قبل أن تقول العدالة كلمتها في حقهم.
ويختلف الوضع تحت الحراسة النظرية في مسطرة البحث التمهيدي عنه في مسطرة البحث التلبسي في نقطتين:
النقطة الأولى: لا يمكن تمديد الحراسة النظرية في إطار مسطرة البحث التمهيدي إلا إذا دعت ضرورة البحث ذلك، أما في مسطرة البحث التلبسي فلا يمكن تمديد الحراسة النظرية إلا إذا وجدت أدلة خطيرة ومتناسقة ضد الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية.
النقطة الثانية: في إطار البحث التمهيدي لا يمكن تمديد الحراسة النظرية إلا بعد تقديم الشخص لزوما إلى وكيل الملك قبل انتهاء المدة المحددة، وبعد إنصات وكيل الملك إلى قول الشخص المساق إليه يجوز له منح إذن كتابي بتمديد أجل إبقائه تحت الحراسة.
ثانيا: إجراءات الحراسة النظرية
يقصد بإجراءات الحراسة النظرية تلك الشكليات المفروضة على ضباط الشرطة القضائية عند قيامهم بهذا التدبير الماس بحرية الأشخاص، درءا لما يمكن أن يترتب عليه من تجاوزات قد ترتب المسؤولية على المخل بها. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإجراءات المتعلقة بالوضع تحت الحراسة تعتبر واحدة، سواء تعلق الأمر بالبحث التمهيدي أو البحث في حالة تلبس، رغم استهلال المادة80 من ق.م.ج المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية في البحث التمهيدي، بضرورة أن يتعلق هذا البحث بجناية أو أجنحة يعاقب عليها بالحبس، وهو تعبير لم تستعمله المادة66 من ق.م.ج المتعلقة بالوضع تحت الحراسة بمناسبة البحث في حالة تلبس. إلا أن هذا الأمر لا يعطي أية خصوصية للوضع تحت الحراسة، في حالة البحث التمهيدي، لأنه رغم أن المادة66 من ق.م.ج المتعلق بالتلبس لم تشترط أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقبة بالحبس لكي يتم الوضع تحت الحراسة النظرية، فإن هذا الشرط يعتبر واجبا بالنسبة للوضع تحت الحراسة في حالة تلبس أيضا عملا بمقتضيات المادة56 من ق.م.ج التي حصرت تعريف حالة التلبس في الجناية أو الجنحة .
إذا كانت الإجراءات المشار إليها في المواد المنظمة لهذا التدبير، بمثابة ضمانات أوردها المشرع من أجل تفادي بعض التجاوزات التي قد تمس بحرية الفرد، فقد أغفل عند إلحاقه الفقرات الخاصة بالقانون رقم 03-03 المتعلقة بمكافحة الإرهاب إلى القانون رقم01.22 تحديد ضمانات خاصة للمشبوه فيه خلال هاته الجرائم حيث اكتفى بالنص على مدة الحراسة النظرية الخاصة بهاته الجرائم (الإرهابية)، وبالتالي يمكن أن نستشف أن المشرع أراد الإبقاء على الإجراءات والشكليات والضمانات المقررة للجرائم الأخرى حيث تم تحديدها على سبيل الوجوب.
إن الضابط يضمن في محضر سماعه أي شخص موضوع تحت الحراسة يوم وساعة ضبطه ويوم وساعة إطلاق سراحه أو تقديمه إلى القاضي المختص، والمقصود من هذا الإجراء هو تمكين النيابة العامة من مراقبة ضباط الشرطة فيما يقومون به من خلال الوضع تحت الحراسة، وضمانا لقانونية الوضع تحت الحراسة أوجبت المادة66 ق.م.ج على ضابط الشرطة القضائية مسك سجل ترقم صفحاته وتذيل بتوقيع من وكيل الملك في كل المجالات التي يمكن أن يوضع الأشخاص فيها تحت الحراسة النظرية، غير أن المشرع أغفل تعيين ما يريد أن يقصد به المجالات حيث استعمل كلمة عامة، فوجود هذا السجل ضروري في كل مركز عائد للشرطة القضائية يحتمل أن يأوي أي شخص تحت الحراسة النظرية، وسبب ذلك وساعة بداية ونهاية الحراسة النظرية ومدة الاستنطاق وأوقات الراحة والحالة البدنية والصحية للشخص والتغذية المقدمة له. ويجب أن يوقع في هذا السجل كل من الشخص الموضوع تحت الحراسة وضابط الشرطة القضائية بمجرد انتهاء فترة الوضع، وإذا كان الشخص غير قادر على التوقيع أو ووضع بصمة يده أو رفض القيام به فإن ضابط الشرطة يشير إلى ذلك.
ومن أجل ضمان فعالية هذا الإجراء أوجبت المادة66 من ق.م.ج عرض هذا السجل على وكيل الملك للاطلاع عليه ومراقبته والتأشير عليه مرة كل شهر على الأقل.
إن ضابط الشرطة القضائية لا يكون حرا في اللجوء إلى هذا الإجراء وإنما هو مراقب من قبل النيابة العامة حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 16من ق.م.ج على :” يسير وكيل الملك أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه”، حيث يمكن للنيابة العامة أن تقوم بوضع حد للحراسة النظرية أو أن تأمر بإحضار الشخص المحتجز أمامها.
كما أوجبت المادة67 انه بمجرد وضع المشبوه فيه تحت الحراسة النظرية، يتوجب على ضابط الشرطة القضائية أن يقوم أولا، بإشعار عائلته بهذا الإجراء فور اتخاذ قرار وضعه تحت الحراسة بأية وسيلة من الوسائل المكنة ويشير إلى ذلك في المحضر، حيث يمكننا أن نعلل هذا الإجراء بأنه يهدف إلى طمأنة عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة بوجوده، لأن غيبته دون سابق إشعار أو إنذار يثير قلق عائلته عليه. وثانيا، أوجبت هذه المادة على ضابط الشرطة القضائية أن يوجه لائحة بأسماء الأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع والعشرين ساعة يوميا إلى النيابة العامة.
وكما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل يمكن لضابط الشرطة القضائية إجراء تفتيش جسدي على كل شخص ثم وضعه تحت الحراسة النظرية وذلك من أجل تجريده من أي وسيلة قد تكون سببا في أديته أو أدية غيره.
ومن مستجدات قانون المسطرة الجنائية هو الأخذ بضمان حرمة المرأة عند التفتيش وذلك بمنعه ضابط الشرطة القضائية من تفتيش المرأة إذا كان الضابط رجلا.
وإذا دعت الضرورة إلى تفتيش المرأة فإن ضابط الشرطة ينتدب امرأة لتقوم بمهمة التفتيش ما لم يكن بطبيعة الحال ضابط الشرطة امرأة.
عند ملاحظة هذه الإجراءات الجديدة نجدها على قدر كبير من الأهمية لأنها تضمن حقوقا للشخص المعتقل وتحميه من تعسف ضابط الشرطة، لكن الأمر رهين بفعالية وتفعيل هذه النصوص، فليست العبرة بالنصوص وتعددها وإنما العبرة بإعمالها إعمالا حسنا وقانونيا .
وبدوره نص المشرع الفرنسي على مثل هاته الضمانات أو الإجراءات الأساسية للمشبوه فيه الموضوع تحت الحراسة، وذلك من خلال المواد 157-158-159-160-161-162 شأنه في ذلك شأن المشرع المغربي . إلا أن السؤال الذي يلقى بظلاله علينا هو أساسا ما يتعلق بالمدة القانونية لهذا التدبير.
الفقرة الثانية: مدة الوضع تحت الحراسة النظرية
خضعت فترة الحراسة النظرية لتعديلات أساسية كان القصد من هذا التعديل التقليص من فترتها احتراما لحقوق وكرامة الإنسان، حيث ليس من المنطق احتفاظ ضابط الشرطة القضائية بمشبوه فيه مدة زمنية تم يحال على المحكمة وتحكم هذه الأخيرة ببراءته.
كانت هذه المدة محددة بمقتضى ظهير1959 حسب المادة68 و82 من المسطرة الجنائية ب48 ساعة مع السماح للنيابة العامة بتمديدها مرة واحدة لمدة 24ساعة وذلك بإذن كتابي من طرفها، وتضاعف هذه الآجال في حالة التلبس بجناية أو جنحة تتعلق بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، حيث تصل مدة الوضع تحت الحراسة في هذه الجرائم إلى 96ساعة، تمدد 48ساعة، وهذا ما حدا بجميع أنصار الحقوق والحريات إلى التصفيق لما أورده هذا القانون.
غير أن هذا التصفيق لم يدم إلا ثلاث سنوات ونصف، حيث صدر بعد ذلك ظهير 18شتنبر1962 الذي ضاعف مباشرة تلك المدة إذ رفعها من 48 ساعة إلى 96ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة لمدة 48ساعة (أي 6أيام في المجموع)، وإلى الضعف عندما يتعلق الأمر بالجنح والجنايات الماسة بأمن الدولة مع إمكانية تمديدها (أي 12يوما)، وقد ألحق هذا التعديل ضربة قاسية بمجال الحريات الفردية في المغرب بحيث دام هذا الوضع إلى غاية1991 بحيث ثم التراجع عن ذلك الوضع والعودة إلى الوضعية الأولى، أي ما بين1959 و1962. وقد كان لهذا التراجع أسباب داخلية وخارجية معروفة انبثقت عن مقترحات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي ثم تأسيسه في 8ماي1990 تحت عدة ضغوط من منظمات وطنية والتي كانت متعطشة إلى إقامة جو عالمي تتوطد فيه دعائم وحقوق الإنسان .
واستجابة لحقوق الإنسان، ورعيا لكرامته نزل المشرع المغربي بفترة الوضع تحت الحراسة النظرية إلى حد معقول ومقبول، جعلها بمقتضى تعديل :3-12-1991 وذلك في المادتين 68 و82 من المسطرة الجنائية حيث جعلها في 48ساعة تمدد في حالة الضرورة لمدة واحدة 24ساعة بإذن كتابي من النيابة العامة. وفي جرائم أمن الدولة تقدر هاته الفترة ب96 ساعة تمدد مرة واحدة لمدة مساوية لها أي لأربعة أيام فيصير مجموع فترة الوضع تحت الحراسة النظرية في جرائم أمن الدولة الداخلي 8أيام. وفي جرائم أمن الدولة الخارجي الخاضعة لاختصاص محكمة العدل العسكري 10أيام تمدد كلما تطلب الأمر ذلك.
وبموجب قانون 01.22 المتعلق بالمسطرة الجنائية استقرت فترة الوضع تحت الحراسة النظرية على 48ساعة قابلة للتمديد مرة واحدة ب 24ساعة.
وإذا كان القانون قد خول لضباط الشرطة القضائية أثناء قيامهم بالمعاينات الاحتفاظ بشخص أو عدة أشخاص ليكونوا رهن إشارتهم فلهم أن يضعوهم تحت الحراسة النظرية، لكن لا بد من الحصول على إذن كتابي من النيابة العامة، ويتعين تقديمه لزوما إلى وكيل الملك أو الوكيل العام للملك قبل انتهاء فترة الوضع تحت الحراسة (48ساعة).
غير أنه إذا ارتأى ضابط الشرطة إبقاء المشبوه فيه أكثر من 48ساعة لضرورات البحث،فعليه أن يحصل على إذن بذلك من النيابة العامة بتمديد فترة الوضع تحت الحراسة لمرة واحدة ولمدة 24ساعة كما أشارت المادة80 من ق.م.ج.
وإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار إليها في المادة108 من قانون22.01 (المعدل والمتم بمقتضى القانون رقم 03 ـ 03) المتعلق بمكافحة الإرهاب) فإن مدة الوضع تحت الحراسة النظرية تحدد في 96ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة 96ساعة في كل مرة، بناءا على إذن كتابي من النيابة العامة. ويلاحظ أن قانون مكافحة الإرهاب أطال فترة الوضع تحت الحراسة النظرية، لعلة أن الإرهاب خطير يستوجب القيام بتحريات طويلة لما تصدره هذه الجريمة من رعب وخوف وانعدام الاستقرار والأمن بين الناس وهو ما يستوجب القيام بتحريات طويلة ومفيدة وربما قد تكون طويلة ومعقدة.
وإذا ما لاحظنا المشرع الفرنسي وحسب القواعد العامة التي قررتها المواد 63-77-145 من قانون الإجراءات الفرنسي ، يتبن لنا أنها لا تجيز حجز المشبوه فيه على ذمة هذه الإجراءات أكثر من 24ساعة يجوز أن تمدد إلى 24ساعة أخرى وذلك في الجرائم العادية.
وفيما يخص الإجراءات التي يتم اتخاذها في الجرائم المتعلقة بالإرهاب، مدد قانون الإجراءات الفرنسي من مدة الحراسة النظرية إلى 48ساعة أخرى، على عكس المشرع المغربي الذي تصل بموجبه مدة الحراسة النظرية إلى 12يوما في حالة تمديدها، حيث تصل هذه المدة في القانون الفرنسي إلى 4أيام فقط.
وفيما يخص الإجراءات التي ينص عليها المشرع المصري وذلك انطلاقا من الفقرة4 و5 و6 من المادة 7مكرر ، حيث يمكن للنيابة العامة أن تمنح الإذن لمأمور الضبط بالقبض على المتهم لمدة لا تتجاوز سبعة أيام وكذا إجبارها على استجواب المتهم المقبوض عليه بعد انتهاء المدة المشار إليها في الفقرة الثالثة من المادة المذكورة وذلك في ظرف 72ساعة من عرضه عليها ثم تأمر بحبسه احتياطيا أو إطلاق سراحه وبالتالي تكون المدة الكاملة هي 10أيام وتكون مع ذلك أقل قساوة من المشرع المغربي الذي مددها إلى 12يوما.
والظاهر أن الحكومة المغربية انتهزت فرصة الأحداث الدولية والوطنية (أحداث