بالنظام العام هي الإرهاب، أي علينا أن نبحث مرة أخرى عن تعريف للإرهاب، لذا فإن الصياغة تبقى غير كافية وغير محددة وتؤدي إلى الخروج عن مبدأ الشرعية الذي يجب احترامه.
وبالإضافة إلى ما تقدم فإن اللجوء إلى التخويف أو الترهيب أو العنف ليس حكرا على الإرهابيين، فقطاع الطرق والمجرمين الآخرين يرتكبون أعمالا شنيعة، ويستخدمون ذات الأساليب وهذا يعني أنه لا يوجد ما يحول دون تطبيق القانون بمكافحة الإرهاب على هؤلاء حتما حتى لو لم ينصرف قصد المشرع إلى تلك النتيجة.
كذلك ثار التساؤل حول طبيعة الهدف المبتغى ( المس الخطير بالنظام العام) فالفصل 1-218 من مكافحة الإرهاب المغربي يعرف جريمة الإرهاب من خلال ارتكاب بعض الجرائم المنصوص عليها بالقانون العام في إطار مشروع ( مشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف) فهل قصد المشرع المغربي إضافة عنصر جديد طابع نفسي إلى العناصر المكونة للجريمة الأساسية، بحيث يصح القول بأن المشرع استحدث تجريما جديدا (جريمة الإرهاب) بإضافة هذا العنصر إلى جريمة القانون العام ( أي القانون الجنائي).
قد يؤدي هذا النظر ان قانون مكافحة الإرهاب المغربي وضع في ظل اتجاه عام يرمي إلى نزع الصفة السياسية على العنف السياسي من خلال إزاحة دوافع فاعلية لحساب أخرى من شأنها إضفاء الطابع إرهابي على هذا العنف، ولكن يؤخذ على هذا النظر أن صياغة النص لا تحتمل هذا المعنى فضلا عن كون هذا المعنى يتنافى ومفهوم الغاية الذي أخذ به المشرع المغربي، ويترتب عن ذلك أن الفصل1-218 يحدد الجرائم التي إذا أثبت أنها على علاقة بمشروع فردي أو جماعي وهدفها المس الخطير بالنظام العام بالتخويف أو الترهيب أو العنف، تحقق ويفصل فيها وفقا للأحكام الخاصة الواردة في قانون مكافحة الإرهاب.

وهذا يعني أن تظل العناصر القانونية للجرائم الواردة في الفصل 1-218 دون تغيير وأن تنحصر بالإضافة التشريعية في عنصر خارجي عن بنية الجريمة الأساسية تترتب عليه الآثار القانونية (موضوعية وإجرائية) التي أرادها المشرع بقانون مكافحة الإرهاب.
الفقرة الثانية: الجهود القانونية الدولية في الاتفاقيات الدولية والإقليمية.
بعد الانتشار السريع الذي عرفه الإرهاب على الصعيد العالمي، مستفيدا من التقدم التكنولوجي الذي حول العالم إلى قرية صغيرة، أصبح لزاما على كل دول العالم التعاون في ما بينها من أجل التصدي ومكافحة الإرهاب، وهذا ما يستفاد من العدد الهائل من الاتفاقيات، والمعاهدات الدولية في هذا الشأن ، سواء الإقليمية منها أو الدولية وهذا ما سنتطرق إليه في :
أولا: الجهود القانونية الدولية في الاتفاقيات الدولية.
إن الحديث عن مكافحة الإرهاب وتجريم الأفعال الإرهابية قد بد على المستوى الدولي منذ قيام عصبة الأمم البائدة التي انشأت في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ففي سنة 1937 ، صدرت عن عصبة الأمم اتفاقية تعرضت لقمع الإرهاب وألحقت بها بروتوكول يقضي بإقامة محكمة جنائية دولية مختصة للنظر في الإرهاب وتوالت الاتفاقيات الدولية في هذا الخصوص دون أن يكون للإرهاب مفهوم واضح بعيدا عن الضبابية والغموض .
واستقر في الفكر القانوني أن الإرهاب هو مجموعة من الجرائم لم تحصر قائمتها، وتقترن بالقتل الجماعي وبالتخريب وتدمير المنشآت المدنية وتفجير الذات لقتل الغير وجرحه والإضرار به .
وبالتالي ظل إرهاب يكتنفه الغموض، مما استعصى معه توافق دولي لتعريفه، وبهذا يستمر الرهان في العلم ويبقى الغموض سيد الموقف.
ولما اعترضت المجتمع الدولي صعوبة تعريف الإرهاب ، ركز على وضع الإجراءات والتدابير الفعالة لمكافحته ومحاربته، وهو ما فعلته الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبتاريخ29-12-1985 ، حيث أدانت جميع أشكال الإرهاب وأغفلت مسألة التعريف، الشيء الذي فعله البروتوكولان المضافان لمعاهدة جنيف 1949و1977 والذي يطلق عليهما ” ميثاق الارهابيين” كما فعل المؤتمر الثامن لمنع الجريمة ومعاملة السجناء المنعقد في هافانا سنة 1990، وكذلك مؤتمر الأمم المتحدة التاسع المنعقد في القاهرة سنة 1995، كما اعترضت الصعوبة مؤتمر روما الذي انعقد سنة 1998 وأثار جدلا قويا بين الوفود المشاركة حول ضرورة إعطاء مفهوم دولي للإرهاب ، إلى أن قال المندوب التركي:” إن عدم الوصل إلى الاتفاق على تعريف الإرهاب يشكل كارثة وفشلا ذريعا للمؤتمر”.
وبالرجوع إلى اختصاصات المحكمة الدولية، فإنها لا تتضمن جريمة للإرهاب خوفا من تفسير هذه الكلمة، لأن ما قد يعبر عنه بالإرهاب، قد تكون له خلفيات سياسية وهو ما يعيد إلى الذاكرة الهجوم على اللاعبين الإسرائيليين في أولمبياد ميونيخ سنة 1972، وتمكن صعوبة التعريف أيضا في عدم التمييز بين المقاومة التي تمارسها بعض حركات التحرير ضد الاحتلال، أو إرهاب بعض الدول لشعوبها كما هو الشأن بالنسبة للأنظمة الدكتاتورية أو ما يطلق عليه بصفة عامة ” إرهاب الدولة “.
والملامح الأساسية للجرائم الإرهابية هي بواعثها وأهدافها السياسية، إن البواعث الإيديولوجية والسياسية، هي تقف وراء الجريمة الإرهابية، وبالتالي فإن مثل هذه الجرائم توصف عند البعض بالجرائم السياسية المختلطة ، وترتكب هذه الجرائم من طرف المؤسسات أو من الأفراد أو من الجماعات المتطرفة على حد سواء ، فالجرائم الإرهابية من صنع جماعات من الناس أو من عصابات غالبا ما ينتمي أفرادها إلى أكثر من دولة، والوسائل التي تستعمل في اقترافها فتيل الرعب و الخوف ، وأخطارها تكون شاملة وعامة تهدف إلى اتخاذ موقف معين أو الامتناع عنه كما أن الجريمة الإرهابية وسيلة وليست غاية.

ومن جهة أخرى فإن منظمة الأمم المتحدة اهتمت هي الأخرى بجرائم الإرهاب وعقدت ندوات ومنتديات ومؤتمرات، تمخضت عنها مقررات وعدة اتفاقيات منها على الخصوص :
• الإعلان الصادر عن الجمعية العمومية، والمتعلق بإزالة الإرهاب الدولي
• اتفاقية منع إبادة الجنس البشري لعام 1948
• اتفاقية طوكيو لعام 1963 المتعلق بإدانة الأعمال غير القانونية على متن الطائرات
• اتفاق مونتريال لعام 1971 المتعلق بإدانة خطف الطائرات
• الاتفاق المتعلق بإدانة اختطاف الدبلوماسيين لعام 1973.
• اتفاق إدانة احتجاز الرهائن لعام 1979
• اتفاق منع التعذيب لعام 1971
• اتفاق إدانة القرصنة البحرية عام 1988
• إعلان هلسنكي لعام 1975 التزمت بموجبه الدول الأروبية الامتناع عن مساعدة أي نشاط إرهابي.
• اتفاقية جنيف لمنع ومعاقبة الإرهاب سنة 1973.
• الإعلان الشهير للجمعية العمومية لسنة 1970 حول مبادئ القانون الدولي للصداقة والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة ، وتجدر الملاحظة إلى جانب هذه المواثيق فإن منظمة الأمم المتحدة لم تدخر جهدا في محاولة منها لمكافحة هذه الظاهرة الإجرامية حيث صدرت عنها اتفاقيات ذات أهمية قصوى نذكر منها تلك التي صادق عليها المغرب:
• معاهدة الجرائم والأفعال الأخرى التي ترتكب على متن الطائرات الموقعة في طوكيو بتاريخ 14/09/1963 .
• اتفاقية قمع جرائم الاعتداء على سلامة المدني الموقعة بمونتريال بتاريخ 23/09/1971
• معاهدة قمع الاستيلاء غير المشروع على الطائرات الموقع عليها بلاهاي بتاريخ 12/12/1970 .
• اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملات أو العقوبات القاسية واللاإنسانية أو المهنية وهي المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 30/12/1984 .
• الاتفاقية الشهيرة، اتفاقية قمع تمويل الإرهاب الموقعة بنيويورك بتاريخ 10/01/2000 وهي الاتفاقية التي أكدت على القرار رقم 49/60 الصادر بتاريخ 09/12/1994 والمرفق بالإعلان المتعلق بالتدابير الرامية إلى القضاء على الإرهاب الدولي وقد استمدت بعض أحكامها من اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
• ويلاحظ من الاتفاقية ان تمويل الإرهاب يشكل مصدر قلق شديد للمجتمع الدولي، وأن خطورة أعمال الإرهاب الدولي تتوقف على التمويل الذي يحصل عليه الإرهابيون وهو ما أغفلته الاتفاقية والمواثيق الدولية السابقة، وألحت هذه الاتفاقية على الدول التي ستنظم إليها أن تعمل على تعزيز التعاون الدولي بين الدولي في اتخاذ تدابير فعالة لمنع تمويل الإرهاب فضلا عن قمعه من خلال محاكمة ومعاقبة مرتكبيه وبالفعل فإن التشريعات الوطنية على الصعيد الدولي وعند وضع