16ماي2006) من أجل إحكام قبضتها من جديد على مجريات الأمور تحت غطاء مكافحة الإرهاب والتراجع عن المكتسبات التي حققها المجال الحقوقي في إطار المسطرة الجنائية الجديدة .
فهل الجريمة الإرهابية بمفهومها غير الواضح أخطر من جرائم أمن الدولة حتى يتم سلب جميع الضمانات المرتبطة بالحراسة النظرية لمرتكبيها. وما هي إمكانية اتصال المشبوه فيه الموضوع تحت الحراسة النظرية بمحام لمؤازرته؟

الفقرة الثالثة : الاتصال بمحام
من بين المستجدات التي جاء بها قانون رقم 22.01المتعلق بالمسطرة الجنائية، إمكانية اتصال الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية عند تمديدها بمحام، فقد نصت في الفقرات 4-5-6-7 من الفصل66 من نفس القانون على هذه الإمكانية حيث وضعت مجموعة من الإجراءات التي يجب احترامها ووضعت كذلك شروط وآجال لا يجب تجاوزها.
وقد اختلفت الآراء بخصوص إمكانية اتصال المشبوه فيه بمحام خلال البحث التمهيدي حيث تعددت هذه الآراء واختلفت وثم تقسيمها إلى ثلاث اتجاهات متباينة:
الاتجاه الأول : من بين المتبنين لهذا الاتجاه نجد إيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تؤكد على أحقية المشتبه فيه في الاستعانة بمحام أمام الشرطة حيث تم إلزامها باحترام هذا الحق، وقد تم إدراجه ضمن الدستور الذي يعد أسمى وثيقة للبلاد واعتبرت عدم احترامه خرقا لقاعدة دستورية، وهو ما يبين أهمية هذه المرحلة وما قد تكون لها من تأثير على مصير ومستقبل المحاكمة العادلة حيث يتم تنبيه المشتبه فيه إلى إمكانية استعماله لهذا الحق.
الاتجاه الثاني: نجد من بين الدول التي تعمل بهذا النظام كل من ألمانيا وفرنسا، وذلك أن هذا الحق ليس مطلقا وإنما تقتصر على جوانب محددة حيث نجد المشرع الألماني يقصر حق المحامي في المراقبة فقط أي أن دوره يعتبر سلبيا، أما المشرع الفرنسي فحدد دور المحامي في الحديث مع المشبوه فيه واعتبر حضور المحامي مشروطا بمرور أجل 20ساعة من الوضع تحت الحراسة النظرية.
الاتجاه الثالث: يمنع هذا الاتجاه المشتبه فيه من الاستعانة بالمحامي من خلال البحث التمهيدي، ومن بين أنصار هذا الاتجاه الذي ينص على هذا المنع بشكل صريح مثل المشرع المصري، كما يمكن ملاحظة أن المشرع المغربي قد قيد الاتصال بمحام بتمديد الحراسة النظرية، ومن بين المبررات التي يقدمها أصحاب هذا الاتجاه هو كون مرحلة البحث تتميز بطابع السرية.
وبالعودة إلى قانون المسطرة الجنائية المغربي نجد من بين الشروط والشكليات التي حددها المشرع من أجل تمتيع المشتبه فيه بهذا الإجراء، وذلك إن تم تمديد فترة الحراسة النظرية وأن ينصب المشتبه فيه محاميا عنه خلال هذه المرحلة، حيث أن المشبوه فيه هو الذي يقوم بطلب تنصيب محام من ضابط الشرطة القضائية، كما يحق للمحامي في حالة نيابته عن الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية أن يطلب من النيابة العامة الترخيص له بالاتصال بالشخص المذكور، وذلك ابتداء من الساعة الأولى من فترة تمديدها ويتم الاتصال لمدة زمنية محددة لا تجاوز 30دقيقة، تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية وذلك في ظروف تكفل سرية المقابلة أي دون سماع عناصر الشرطة لما يدور من أحاديث، غير أنه إذا تعذر على المحامي الحصول على الترخيص المطلوب لبعد المسافة، فإن ضابط الشرطة يأذن بصفة استثنائية للمحامي بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، ويدفع على الفور تقريرا بهذا الشأن إلى النيابة العامة، حيث يمكن استعمال وسائل الاتصال المتوفرة في مثل هذه الحالات بين الشرطة القضائية والنيابة العامة كالفاكس أو الهاتف.
كما يحق للنيابة العامة أن تؤخر الترخيص للمحامي بهذا الاتصال، وذلك بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية إذا ارتأى من هذا التأخير ضرورة البحث خصوصا في الجرائم المنصوص عليها حصرا غفي المادة108 من ق.م.ج والتي تتعلق بجرائم أمن الدولة، أو العصابات الإجرامية… وإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية، ولا يمكن أن يتجاوز التأخير 48ساعة وهذا حيث يمكن التمديد في الحالة الأخيرة (أي الجريمة الإرهابية) مرتين (96ساعة كل مرة) بالإضافة للمدة الأصلية 96ساعة أيضا، ولكن الاتصال يتم في بداية التمديد الأول أي بداية من الساعة97 منذ بداية الوضع تحت الحراسة أو على الأكثر في حالة تأخيره من طرف النيابة العامة بعد الساعة144 من بداية الوضع تحت الحراسة أي 96+48 ساعة على الأكثر .
وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن للمحامي المرخص له بالاتصال مع الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، أن يقدم أثناء مدة تمديدها وثائق أو ملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو للنيابة العامة قصد إضافتها للمحضر مقابل إشهاد بذلك، كما يمنع على المحامي إخبار أي شخص بما راج خلال الاتصال بموكله قبل انتهاء مدة الحراسة النظرية.
كما تجدر الإشارة كذلك إلى أنه يحق للشخص أن يعين محام من اختياره للاتصال به في حالة تمديد الحراسة، كما يمكن أيضا للمحامي الذي ينتصب للدفاع عن الشخص الموضوع تحت الحراسة أن يطلب الاتصال بالشخص المعني بالأمر غير أنه من الطبيعي إذا لم يرغب الشخص الموضوع تحت الحراسة في الاتصال بمحام فإنه إرادته هي التي تطبق مادام الأمر يتعلق بحق من حقوقه، كما أن مدة الاتصال لا يجب أن تتجاوز 30دقيقة في جميع الأحوال حتى لو تعدد عدد المحامين.والسماح للشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية بالاتصال بمحام يدخل في باب الحقوق المتفرعة عن المحاكمة العادلة، لأنه يمكن هذا الشخص من حقه في طلب المساعدة من محام يختاره بنفسه لحماية حقوقه وإثابتها والدفاع عن مصالحه في جميع مراحل البحث الذي تجريه الشرطة القضائية وهو ما من شأنه أن يتيح للشخص الموضوع تحت الحراسة تمكين محاميه في وقت مبكر من معلومات ومعطيات عن القضية تساعده في تهيئ دفاعه عنه مبكرا .
وها هو القضاء الفرنسي قرر بطلان مسطرة البحث نتيجة عدم احترام حق الاتصال بالمحامي باعتباره خرقا لحق الدفاع تطبيقا لأحكام المادة802 من ق.م.ج الفرنسي التي تدعو المحاكم إلى التصريح بالبطلان إذا نتج عنه مساس الشخص الموضوع تحت الحراسة الذي تمسك بهذا الحق في الحالات التي يرتب فيها القانون هذا الجزاء على خرق الشكليات المسطرية أو عدم احترامها .
إن خرق هذا المقتضى بالإضافة إلى أنه يخرق المقتضيات المقررة لتنظيم المحاماة الذي يعطي لوكالة المحامي مجالا واسعا في سبيل تحقيق شروط المحاكمة العادلة، فإنه يحد من حقوق دفاع المتهم وذلك بالحيلولة دون وصول المحامي إلى وسائل الدفاع قبل اندثارها أو إهمالها وتحريفها، كما يحرم المتهم من الضمانات الدنيا المقررة، وخاصة منها منحه تسهيلات لإعداد دفاعه وعدم إكراهه على الشهادة أو الاعتراف على نفسه. فهل قرر المشرع المغربي جزاء للإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية كما فعل المشرع الفرنسي؟
الفقرة الرابعة: جزاء الإخلال بأحكام الوضع تحت الحراسة النظرية
فترة الوضع تحت الحراسة مدة قانونية لا يجوز للضابط أن يتجاوزها، ولا أدل على ذلك من أن القانون أوجب عليه -كما سبق- التقيد ببعض الشروط… وكلها ضمانة أكيدة حتى يتم الوضع تحت الحراسة في إطاره القانوني الصحيح، وكل تجاوز عن مدته يعتبر خرقا للقانون، وبالتالي يكون الضابط قد تعسف في استعمال السلطة، والشطط في استعمال السلطة يعاقب عليه القانون الجنائي بالتجريد من الحقوق الوطنية .
غير أن المشرع لم ينص صراحة على جزاء الإجراء للإخلال بأحكام الحراسة النظرية، وإن كان قد أفرد نصوصا قانونية جديدة تجرم فعل الإعتقال التعسفي و تعاقب عليه.
وذلك خلافا للمادة63 من ق.م.ج المتعلقة بالتفتيش، والتي يقرر ضرورة احترام الإجراءات المنصوص عليها في الفصول59 و60 و62 من ق.م.ج تحت طائلة بطلان الإجراءات المعيبة وما قد يترتب عنه من إجراءات لاحقة .
ونظرا لأن قانون المسطرة الجنائية الجديد تبنى بخصوص هذه النقطة موقف قانون المسطرة الجنائية الملغى، فإن الخلاف سيظل قائما بين الفقه والقضاء. ففي الوقت الذي يرى فيه الدكتور أحمد الخمليشي “بأن كل تجاوز لفترة الوضع تحت الحراسة يؤدي إلى بطلان محضر البحث التمهيدي سواء كان التجاوز من الضابط أو بناء على تمديد غير قانوني” فإن أحكام القضاء المغربي تذهب خلاف ذلك.
وقد جاء في قرار للمجلس الأعلى: ومن جهة أخرى فإن القواعد المتعلقة بالوضع تحت الحراسة النظرية لم يجعلها القانون تحت طائلة البطلان، وعليه فلا يمكن أن يترتب عنها البطلان إلا إذا تبث أن عدم مراعاتها جعل البحث عن الحقيقة وإثباتها مشوبين في بعيوب في الجوهر .
كما جاء قرار للمجلس الأعلى: “لئن كان قانون المسطرة الجنائية (الملغى) قد حدد في الفصلين68 و69 منه مدة الوضع تحت الحراسة النظرية وعبر عن ذلك بصيغة الوجوب فإنه لم يرتب جزاء البطلان عن عدم احترام ذلك كما فعل بالنسبة للمقتضيات المنصوص عليها في الفصول61 و62 و64 و65 منه إذ قد يتعذر تقديم الشخص في الوقت المحدد لأسباب تتعلق بالبحث كما هو الحال في النازلة التي تطلبت القيام بعديد من المعاينات وليس في هذا ما يمكن اعتباره خرقا لحقوق الدفاع أو مس بحرية الأشخاص” .