- أن اختصاص تطبيق وتنفيذ إجراءات التحقيق الإعدادي موكول أمر القيام بها لقضاة التحقيق، وهذا يعني أن مؤسسة قضاء التحقيق هي المكلفة قانونا بالتحقيق الإعدادي.
- أن قضاة التحقيق لا يمكنهم الشروع بالقيام بتنفيذ الإجراءات المسطرية إلا بناء على ملتمس صادر من النيابة العامة أو بناء على شكاية من الضحية مرفوقة بالمطالب المدنية .
ثانيا : خصائص التحقيق الإعدادي
رتب المشرع المغربي على عدم احترام بعض الإجراءات والشكليات المنصوص عليها قانونا بطلان هذه الإجراءات، بل ورتب على عدم احترام بعضها الآخر بطلان الإجراء نفسه وكذا الإجراءات التي تليه. وبالرغم من ذلك فالتحقيق يبقى كتابيا وسريا وغير حضوري، كما أن حقوق الدفاع تكون فيه غير تامة، باعتبار أن دور الدفاع لا يتعدى طرح الأسئلة على الأطراف بواسطة قاضي التحقيق .
ومن ضمن أبرز خصائص التحقيق الإعدادي، والتي تشكل إحدى أهم الضمانات الهامة للمتهم وللحريات الفردية، هو أنه ذو طبيعة قضائية وذلك خلافا لمسطرة البحث التمهيدي وبناء عليه وبالنظر للطبيعة القضائية لمؤسسة التحقيق الإعدادي يمكن استنتاج أن قاضي التحقيق حكم وليس خصما على غرار النيابة العامة.
وقد تم التأكيد على الطابع القضائي الصرف لمؤسسة التحقيق الإعدادي على مستوى آخر فإذا كانت مسطرة التحقيق الإعدادي يوكل أمر إنجازها لقضاة التحقيق فإن المشرع إمعانا منه في عدم إهدار مجمل هذه الضمانات المعترف بها للمواطن/المتهم، فإنه أوكل أمر إنجاز التحقيق تحت مراقبة سلطة أعلى من قضاة التحقيق وتعتبر درجة استئناف لقراراتهم وهي الغرفة الجنحية .
الفقرة الثانية: الجرائم الإرهابية الخاضعة للتحقيق الإعدادي:
لم ينص قانون رقم 03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب على إلزامية أو اختيارية التحقيق الإعدادي في الجرائم الإرهابية، ولكن بالرجوع إلى القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية ولا سيما المادة83 منه يتبين أن التحقيق في القضايا الإرهابية يكون إلزاميا:
- في الجنايات الإرهابية المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو التي يصل الحد الأقصى للعقوبة المقرة لها ثلاثين سنة.
- في الجنايات الإرهابية المرتكبة من طرف الأحداث.
وفي المقابل يكون التحقيق الإعدادي اختياريا فيما عدا ذلك من الجنايات، ويتعلق الأمر بالجنايات الإرهابية التي يرتكبها الرشداء إذا كانت عقوبتها السجن المؤقت، وفي الجنح المرتكبة من طرف الأحداث، وفي الجنح التي يكون الحد الأقصى للعقوبة المقررة لها خمس سنوات أو أكثر .

المطلب الثاني: تعداد إجراءات التحقيق الإعدادي:
تنص المادة85 من ق.م.ج على أن قاضي التحقيق يقوم –وفقا للقانون- بجميع إجراءات التحقيق التي يراها صالحة للكشف عن الحقيقة، فقاضي التحقيق إذن يملك سلطة اتخاذ جميع الإجراءات التي تستهدف الوصول إلى الحقيقة، ولا يتقيد فيما ينجزه إلا بنصوص القانون سواء تعلق الأمر بقانون المسطرة الجنائية أو بالقانون الجنائي أو باقي التشريعات المتعلقة بحقوق الأفراد وحرياتهم.
والجريمة الإرهابية عندما تحال على التحقيق الإعدادي (اختياريا أو إجباريا) تخضع في أحكامها للمقتضيات المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية المتعلقة بالتحقيق الإعدادي مع مراعاة الأحكام الخاصة المنصوص عليها في قانون رقم03.03 المتعلق بمكافحة الإرهاب في موضوع التنقل والتفتيش والحجز وكذا في موضوع التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة عن بعد والتي سنعمد على التفصيل فيها.
وبناء عليه تشكل هذه القواعد الإجرائية التي سنعمل على تحليلها الجانب العملي في كل القوانين ومنها قانون الإرهاب، حيث أنها تنظم إجراءات البحث والتحري عن الجرائم، وتقرن ممارستها بشكليات لابد من وجودها لصحة هذه الإجراءات، وضمان نزاهتها وفعاليتها.
وهكذا سنتناول كل إجراء منها على النحو التالي : إجراءات البحث حول شخصية المتهم (فقرة أولى)، التنقل والتفتيش والحجز (فقرة ثانية) إجراء الفحص الطبي والخضوع للعلاج (فقرة ثالثة) التقاط المكالمات والاتصالات (فقرة رابعة) وأخيرا، مراقبة التحويلات المالية وحركية الأموال (فقرة خامسة).

الفقرة الأولى: إجراء بحث حول شخصية المتهم:
يقوم قاضي التحقيق إلزاميا في مادة الجنايات، واختياريا في مادة الجنح بإجراء بحث حول شخصية المتهم وحالته العائلية والاجتماعية، وبالإضافة إلى ذلك، يقوم قاضي التحقيق بإجراء بحث حول التدابير الكفيلة بتسهيل إعادة إدماج المتهم في المجتمع، إذا كانت سنه تقل عن عشرين سنة، وكانت العقوبة المقررة لا تتجاوز خمس سنوات، وارتأى قاضي التحقيق وضع المتهم تحت الاعتقال الاحتياطي .
فهذا الإجراء يعتبر من الأهمية بما كان، فمن شانه أن يعطي قاضي التحقيق صورة واضحة عن الشخص الذي يحال عليه للتحقيق معه وكذا وضعيته العائلية والشخصية وسوابقه القضائية إن كان له سوابق.
وتطبيقا لمقتضيات المادة134 م.ج والتي تنص على أنه :” يطلب قاضي التحقيق من المتهم بمجرد مثوله الأول أمامه بيان اسمه العائلي والشخصي ونسبه، وتاريخ ومكان ولادته وحالته العائلية ومهنته ومكان إقامته وسوابقه القضائية، وله عند الاقتضاء، أن يأمر بكل التحريات للتحقق من هوية المتهم بما في ذلك عرضه على مصلحة التشخيص القضائي أو إخضاعه للفحص الطبي.
وتتميز عملية التأكد من هوية المتهم بكونها ذات مستويين: فعلى المستوى الأول، وهو الذي يتميز بانعدام الشك حول هويته، بحيث يكون سهلا بالنسبة لقاضي التحقيق التحقق منها وذلك من خلال، بيان اسمه العائلي والشخصي، وكذا نسبه إلى أبيه وأمه وطبيعة مهنته وعنوان إقامته، ثم محاولة معرفة ما إذا كان للمتهم الماثل أمامه سوابق قضائية. فإذا انتهى المستوى الأول، وتمت بالنسبة لقاضي التحقيق عملية ضبط هوية المتهم من كونها واضحة ولا تثير أي إشكال، يمر قاضي التحقيق إلى الإجراء الثاني، حسب الترتيب الوارد في المادة134 م.ج، أما إذا كان هناك شكوك بالفعل حول المتهم أو أنه أنكر هويته فلقاضي التحقيق المرور إلى المستوى الثاني من الإجراءات التي يتضمنها إجراء ضبط هوية المتهم.
والملاحظ أن قاضي التحقيق لا يتخذ هذه الإجراءات إلا في الأحوال التي تطرح فيها شكوك أو صعوبة في ضبط هوية المتهم، حيث يمكن لقاضي التحقيق إصدار أمر لإجراء كافة التحريات الممكنة والتي من شأنها أن تساعد على معرفة هويته الحقيقة .
ويمكن في إطار هذه الوسائل المستعملة دون تحديد أو تقييد من طرف المشرع أن يلجأ قاضي التحقيق إلى عرض المتهم على مصلحة التشخيص القضائي لدى الضابطة القضائية أو إمكانية إخضاعه لفحص طبي .
وبذلك يعتبر هذا الإجراء على قدر كبير من الأهمية، بل ويعتبر إحدى الضمانات الهامة للمتهم وللمواطن، حيث يساعد على تفادي متابعة – بسبب خطأ في الهوية- شخص على أساس أن شخص آخر.
الفقرة الثانية: التنقل والتفتيش والحجز:
في إطار التحقيق الإعدادي الذي يباشره قاضي التحقيق في شأن جريمة معينة، ومنها الجريمة الإرهابية، يمكن لهذا الأخير، وبعد إخبار النيابة العامة بمحكمته أن ينتقل قصد القيام بإجراءات التحقيق خارج نفوذ المحكمة التي يمارس فيها مهامه، إذا استلزمت ذلك متطلبات التحقيق، وهذا ما تنص عليه المادة100 ق.م.ج : حيث جاء فيها:” يقوم قاضي التحقيق بهذا الإجراء صحبة كاتبه، ويتعين عليه أن يشعر مقدما النيابة العامة لدى المحكمة التي سينتقل إلى دائرة نفوذها.
وتعتبر إجراءات انتقال قاضي التحقيق بنفسه إلى مكان ارتكاب الجريمة لإجراء المعاينات الضرورية على قدر كبير من الأهمية ويحتل مكانة مركزية داخل منظومة التحقيق الإعدادي، ووسيلة هامة للوصول أو على الأقل الاقتراب من الحقيقة قصد جمع أكبر قدر من المعلومات والمعطيات بنفسه وجمع الأدلة التي يمكن بحسن إدارتها واستعمالها أثناء الاستنطاق والاستماع والمواجهة أن تعينه على معرفة الحقيقة.
كما يجوز لقاضي التحقيق إجراء التفتيش في جميع الأماكن التي يعثر فيها على أشياء يكون اكتشافها مفيدا بإظهار الحقيقة، على أن يتقيد – تحت طائلة البطلان، بمقتضيات المواد59 و60 و62 من قانون المسطرة الجنائية والمتعلقة بشروط وشكليات التفتيش وتوقيته.
فإذا تعين إجراء التفتيش في أماكن معدة لاستعمال مهني يشغلها شخص يلزمه القانون بكتمان السر المهني، فعلى ضابط الشرطة القضائية أن يشعر النيابة العامة المختصة، وأن يتخذ مسبقا جميع التدابير لضمان احترام السر المهني.
وإضافة لذلك إذا تعين إجراء التفتيش أو الحجز بمكتب محام، يتولى القيام به قاض من قضاة النيابة العامة بمحضر نقيب المحامين أو من ينوب عنه أو بعد إشعاره بأية وسيلة من الوسائل الممكنة.
أما في ما يخص التوقيت فلا يمكن الشروع في تفتيش المنازل أو معاينتها قبل الساعة السادسة صباحا وبعد الساعة التاسعة ليلا، غير أن العمليات التي ابتدأت في ساعة قانونية، يمكن مواصلتها دون توقف.
وإذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية وامتنع الشخص الذي سيجرى التفتيش بمنزله عن إعطاء موافقته، أو تعذر الحصول عليها، فإنه يمكن إجراء العمليات المذكورة في الفقرة الأولى بإذن كتابي من النيابة العامة وبحضور الشخص المعني بالأمر وفي حالة امتناعه أو تعذر حضوره فبحضور شخصين من غير مرؤوسي ضابط الشرطة القضائية.
الفقرة الثالثة : إجراء الفحص الطبي والخضوع للعلاج
بالنظر لكثرة الانتقادات الحادة التي توجد باستمرار للضابطة القضائية، وطريقة ترجمتها لمقتضيات النصوص المنظمة لمسطرة البحث التمهيدي التلبسي، وكذا الطرق الغير اللائقة على الإطلاق المستعملة لاستنطاق المتهمين ومن ضمنها اللجوء إلى التعذيب لانتزاع اعترافات تعتبر من الوجهة القانونية باطلة. كإجبار المتهم بواسطة أنماط التعذيب، على أن يعترف بجميع التهم الموجهة إليه ويقدم بنفسه الحجج اللازمة لإدانة نفسه.
وبناء على الانتقادات، سواء على الصعيد الدولي أو على الصعيد الوطني فقد عمل المشرع المغربي على تعديل بعض نصوص المسطرة الجنائية، والنص على ضرورة إخضاع المتهم حالة طلبه ذلك الفحص الطبي كإجراءات وقائية تهدف محاربة الممارسات المشينة والغير القانونية للضابطة القضائية، فإنه لهذا السبب يمكن فهم لماذا يتمتع بحق الخضوع للفحص الطبي فقط المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية، خلافا للمتهم الذي أخضع لمسطرة الاستنطاق الأولي.
ولم يكن قط موضوع حراسة نظرية.
وهكذا نصت المادة134/5 م.ج على أنه “يجب على قاضي التحقيق أن يستجيب لطلب المتهم الذي كان موضوعا تحت الحراسة النظرية أو لطلب دفاعه الرامي إلى إخضاعه لفحص طبي، ويتعين أن يأمر به تلقائيا إذا لاحظ على المتهم علامات تبرر إجراؤه، ويعين لهذه الغاية خبيرا في الطب”.
إذن، فقط أعطى المشرع لقاضي التحقيق إمكانية بأن يأمر في أي وقت باتخاذ جميع التدابير المفيدة، وأن يقرر إجراء فحص طبي، كما يجوز له بعد تلقي أية رأي النيابة العامة أن يأمر بإخضاع المتهم لعلاج ضد التسمم، إذا ظهر أن هذا الأخير مصاب بتسمم مزمن ناتج عن تعاطي الكحول أو المخدرات أو المواد ذات المؤثرات العقلية.
ويباشر هذا العلاج، إما في المؤسسة التي يوجد فيها المعتقل، وإما في مؤسسة متخصصة حسب الشروط المنصوص عليها قانونا، على أن تتوقف مسطرة التحقيق أثناء مدة العلاج، إلا أن سند الاعتقال يحتفظ بمفعوله.
الفقرة الرابعة: التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد:
التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد، تشكل وسيلة من وسائل التحريات المستحدثة، والتي أملتها ضرورة مواجهة الجريمة المنظمة. ولتعقد أساليبها وامتداد أنشطة شبكاتها، فبهذا الإجراء يمكن التعرف على أفراد العصابة الإجرامية وتطويق نشاطهم، فهي إذن، وسيلة قانونية تمكن من جمع القرائن والأدلة التي تفيد في استجلاء الحقيقة وتحديد مدى مشاركة ومساهمة كل شخص من الأشخاص الموضوعين تحت المراقبة القضائية بالاستعانة بالوسائل التقنية .