السيد الرئيس

لإن موقف المملكة العربية السعودية من الارهاب كان و لا يزال واضحا وموضوعيا و مسؤولا، فالمملكة ترفض الارهاب بجميع أشكاله، و تدين مظاهره و تتعاون مع المجتمع الدولي للقضاء على هذا الشر العالمي. و لقد أكدت المملكة العربية السعودية دعمها التام لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، و اتخذت الخطوات اللازمة لسد أي ثغرة قد تُستغل لغير الأعمال المشروعة. و نجحت في القبض على الكثير من الإرهابيين و أفشلت مخططاتهم و انضمت إلى تسع معاهدات و اتفاقيات دولية ضد الأعمال الإرهابية، بالإضافة إلى الاتفاقية العربية و اتفاقية منظمة المؤتمر الاسلامي لمكافحة الإرهاب. و في هذا الإطار، فقد اقترح خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله خلال المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي استضافته المملكة العربية السعودية في عاصمتها الرياض خلال شهر فبراير عام 2005 إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة، يتناول هذه الظاهرة الشريرة من مختلف جوانبها و يسعى إلى التعاون الدولي للتصدي لها و مكافحتها.

السيد الرئيس

لقد اختار العرب السلام كخيار استراتيجي و بذلوا كل ما بوسعهم من اجل تحقيق تسوية شاملة و عادلة للصراع العربي الاسرائيلي. و وقفت المملكة العربية السعودية مع مسيرة السلام في الشرق الأوسط منذ انطلاقها في مدريد عام 1991، و ساهمت في دفع المباحثات الثنائية بين الجانبين العربي و الاسرائيلي إلى الأمام، و شاركت في مختلف اللجان الخاصة بالمباحثات متعددة الأطراف، و شاركت في مباحثات اللجنة الرباعية. كما تقدم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمبادرة للسلام تضع الحل الشامل و العادل و التسوية الدائمة للنزاع العربي الاسرائيلي و تضمن الأمن و الاستقرار لكل دول المنطقة. و تبنت القمة العربية الرابعة عشر في بيروت هذه المبادرة حيث أصبحت مبادرة عربية تعبيرا عن إرادة جماعية لتحقيق سلام عادل و شامل في المنطقة.

و لكن اسرائيل أصرت و لا تزال تصر على تجاهل هذه المبادرة، و أمعنت في خيار العدوان و إرهاب الشعب الفلسطيني، فعطلت عملية السلام و أجهضت المفاوضات و انتهجت التسويف و المماطلة و الالتفاف حول كل ما التزمت به، ليستمر احتلالها للأراضي الفلسطينية و العربية المحتلة بذرائع باطلة و حجج واهية، و لا زالت صور العدوان الاسرائيلي الوحشي على غزة و الضفة الغربية ماثلة للعيان.

و بسبب تعثر عملية السلام نتيجة تعنت اسرائيل و عدم رغبتها في إحلال السلام في الشرق الأوسط وفق الشرعية الدولية، قررت الدول العربية إعادة طرح مسألة الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية و العربية في الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية على مجلس الأمن و تحميله مسؤوليته لتنفيذ قراراته و إثبات مصداقيته. لقد أٌنشئت إسرائيل بقرارين من الأمم المتحدة، و قضت الجمعية العامة بقرارها رقم181 لعام 1947م بتقسيم فلسطين إلى دولتين أحدهما عربية و الثانية اسرائيلية، و على المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة تنفيذ ذلك باعتباره ساهم في صياغة و إصدار الكثير من القرارات مسؤولية وضع حد لمحنة و معاناة الشعب الفلسطيني بسبب عدم تنفيذ قرارات الشرعية الدولية و التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره و إنشاء دولته المستقلة و عاصمتها القدس العربية و على عدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة و المطالبة بانسحاب اسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في يونيو 1967.

السيد الرئيس

و في لبنان الذي تعرض لعدوان اسرائيلي غاشم و ما احدثه من قتل للأبرياء وخراب و دمار و تشريد للسكان و تدمير للبنية التحتية بشكل غير مسبوق، لا تزال آثار هذا العدوان الوحشي ماثلة في ذاكرة و وجدان الانسانية و في ضمير الشعوب المحبة للسلام و دليلا صارخا على الطبيعة العدوانية الاسرائيلية، و لهذا فإنه حري بالمجتمع الدولي، أن يقف إلى صف لبنان و يمد له يد العون والمساعدة لإزالة آثار العدوان و إعادة إعمار ما دمرته الحرب التي لم يكن طرفا فيها والحفاظ على أمنه و استقلاله و عدم التدخل في شؤونه الداخلية و ضمان عدم تكرار مثل هذه الأعمال العدوانية التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء.


السيد الرئيس
و فيما يتعلق بالشأن العراقي و ما يشهده من عدم استقرار في أوضاعه الداخلية، فإن المجتمع الدولي مدعو إلى دعم جهود الجكومة العراقية للتغلب على هذه المصاعب و تأييد المصالحة الوطنية و نبذ العنف و تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية الضيقة و السعي الجاد إلى تحقيق توافق وطني عريض يمكنه من تكريس الأمن و الحفاظ على الوحدة الوطنية و الاستقلال لكي يستأنف دوره الايجابي و البناء على الساحة الدولية.

السيد الرئيس

إن المملكة العربية السعودية التي حرصت على الانضمام لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية و الالتزام بأحكامها أكدت على الدوام حرصها على انشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل و على رأسها الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. و تعرب المملكة العربية السعودية عن قلقها العميق إزاء تعنت اسرائيل و رفضها الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية و إخضاع منشآتها النووية للمراقبة الدولية، حيث أن استمرار البرنامج النووي الاسرائيلي خارج نظام عدم الانتشار يشكل تهديدا للأمن و الاستقرار اقليميا و دوليا و ينال من مصداقية المعاهدة ذاتها.

السيد الرئيس

إن استقرار و أمن المنطقة لا يمكن تحقيقه عبر السعي أو الرغبة في حيازة أو تطوير الأسلحة ذات التدمير الشامل، بل من خلال التعاون و التفاهم و تحمل كل طرف مسؤوليته في الحفاظ على أمن و استقرار المنطقة و عدم التدخل في شؤون الطرف الآخر. حيث أن استقرار المنطقة و مصالحها مسؤولية جماعية لا تتحقق إلا من خلال مراعاة و حرص كل طرف على مصالح و مشاغل الطرف الآخر وإبعاد المنطقة عن بؤرة الصراعات و ما يصحبها من توتر و أزمات.

السيد الرئيس

في ظل المتغيرات الدولية المعاصرة و الأحداث المتلاحقة، فإن المجتمع الدولي في أَمَسّْ الحاجة إلى تعزيز أواصر التفاهم و التعاون و التقارب. و لهذا فإن الحوار الحضاري بين الشعوب و الأمم يعتبر الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك. و حري بنا أن نستلهم هذه المبادئ و القيم من تراثنا الحضاري و الديني، و أن يكون ذلك عون لنا في تقريب وجهات النظر المختلفة بدلا من إلقاء اللوم و الانتقادات على حضارة أو دين. فالأديان السماوية تدعو تحث على التعاون و التواصل و تهدف إلى حث البشر و تشجيعهم على العطاء الفكري و الحضاري و احترام الانسان وحقوقه و ذلك لما فيه مصلحة البشرية و إسعادها.

في زمن العولمة، السيد الرئيس، و التطور السريع في تقنية المعلومات والاتصالات، باتت مصالح الدول متداخلة و مرتبطة بعضها البعض، و لم يعد بالإمكان التغاضي عن مشاكل و معاناة الشعوب الأخرى لبعدها الجغرافي أواختلافها الثقافي أو تباينها الحضاري و العقائدي. و لتحقيق التنمية المستدامة لا بد من تعزيز التعاون الدولي و فتح اسواق الدول المتقدمة لصادرات الدول النامية و عدم فرض القيود و العوائق للحد من قدرات الدول النامية على المنافسة. ويتوجب إتاحة تقنية المعلومات و الاتصالات الحديثة لجميع الدول لترشيد استخدام الموارد و لتسهيل متابعة تنفيذ سياسات التنمية المستدامة مع احترام ثقافات وحضارات المجتمعات الأخرى.

إن الفجوة بين المستفيدين من العولمة-و هي الدول المتقدمة- و باقي الدول النامية و الأقل نمواً آخذه في الاتساع مما أوجد خللا في التوازن الدولي. و لقد اثبتت الأحداث السياسية أن التدهور الاقتصادي و ما نتج عنه من فقر و بطالة و غيرها من العوامل التي تهدد مصادر العيش و الأمن للانسان، و تؤدي إلى اضطرابات وصدامات قد يصعب حصرها في مواطنها و منعها من تجاوز الحدود. و من هنا فإن الحاجة ماسة إلى شراكة دولية لوضع استراتيجيات مدروسة للتنمية. والمشكلة ليست فقط في ضآلة المساعدات فحسب، و إنما أيضا في عدم التوصل إلى حلول جذرية حاسمة و فاعلة لتمكين الشعوب من الإمساك بزمام تنميتها و العمل على تطوير إمكاناتها و قدراتها.

السيد الرئيس

إن أبرز معوقات التنمية في البلدان النامية و الأقل نمواً مشكلة الديون المجحفة. والمملكة العربية السعودية- و هي دولة نامية- قد أسهمت في دفع عملية التنمية في البلدان النامية و الأقل نمواً فاعتمدت و قدمت مساعدات كثيرة و قروضاً إنمائية ميسرة عبر القنوات الثنائية و متعددة الأطراف، حيث بلغت تلك المساعدات و القروض خلال العقود الثلاثة الماضية ما جملته 83 بليون دولار تمثل 4% من المتوسط السنوي لإجمالي الناتج المحلي للمملكة استفاد منه 73 بلداً نامياً في مختلف القارات. كما ساهمت المملكة في تخفيف الديون فتنازلت عما يزيد عن 6 بليون دولار من ديونها المستحقة على الدول الأكثر احتياجاً، و هذا لا يشمل مساعداتها الإنسانية لمواجهة الكوارث فالمملكة العربية السعودية لم تتقاعس يوماً في تلبية نداء الاستغاثة، بل كانت و لا زالت في الصدارة بعيداً عن أي اعتبارات