للتنمية. والمشكلة ليست فقط في ضآلة المساعدات فحسب، و إنما أيضا في عدم التوصل إلى حلول جذرية حاسمة و فاعلة لتمكين الشعوب من الإمساك بزمام تنميتها و العمل على تطوير إمكاناتها و قدراتها.

السيد الرئيس

إن أبرز معوقات التنمية في البلدان النامية و الأقل نمواً مشكلة الديون المجحفة. والمملكة العربية السعودية- و هي دولة نامية- قد أسهمت في دفع عملية التنمية في البلدان النامية و الأقل نمواً فاعتمدت و قدمت مساعدات كثيرة و قروضاً إنمائية ميسرة عبر القنوات الثنائية و متعددة الأطراف، حيث بلغت تلك المساعدات و القروض خلال العقود الثلاثة الماضية ما جملته 83 بليون دولار تمثل 4% من المتوسط السنوي لإجمالي الناتج المحلي للمملكة استفاد منه 73 بلداً نامياً في مختلف القارات. كما ساهمت المملكة في تخفيف الديون فتنازلت عما يزيد عن 6 بليون دولار من ديونها المستحقة على الدول الأكثر احتياجاً، و هذا لا يشمل مساعداتها الإنسانية لمواجهة الكوارث فالمملكة العربية السعودية لم تتقاعس يوماً في تلبية نداء الاستغاثة، بل كانت و لا زالت في الصدارة بعيداً عن أي اعتبارات سياسية أو دينية و هي تمد يد العون و المساعدة انطلاقا من شعورها الإنساني
الصرف و إيمانها بضرورة المشاركة الدولية في الإنقاذ و الإغاثة لمن يحتاجها.

و في الختام، السيد الرئيس، استطاعت حركة عدم الانحياز في الماضي أن تخفف من حدة المواجهة بين القوى الدولية الكبرى و أن تسهم في دعم تحقيق العدالة والحرية و ذلك من خلال مساندتها لحركات الاستقلال و تضامنها مع كفاح الشعوب و وقوفها مع مبدأ حق تقرير المصير و نبذها لسياسة القوة كوسيلة لحل المشاكل الدولية و تفعيلها لقيم العدل و مبادئ المساواة التي قامت عليها الحركة والتي تمثل دعائم مستمرة للشرعية الدولية. و من هذا المنطلق فإن حركتنا مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تسخير تلك المفاهيم و القيم في عالم سادته مفاهيم بسط النفوذ و السيطرة و تغليب المصالح الضيقة على مصالح المجتمع الدولي.

الإرهاب

قد يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى من صيغة العنوان بأنه قد إشتق أو أستنبط من تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول عام 2001 م حيث ألصقت تهمة الإرهاب بكل من يخالف أو يختلف مع سياسات الإدارة الأمريكية المنحازة بالتمام والكمال للكيان الإرهابي الصهيوني ، وحتى على مستوى الأفراد ، فعندما يختلف شخص مع أخر على أمر ما ، وترتفع بينهما حدة الخلاف ، فإن أحدهما يتهم الأخر ويلصق به تهمة الإرهاب .

والأنكى من ذلك إن المجرم والسفاح شارون يتهم المناضلين الفلسطينيين وينعتهم بصفة الإرهاب ، مع العلم بأنه أكبر إرهابي على وجه الأرض ، وفوق كل ذلك يصفه الرئيس الأمريكي المنحاز بوش - بهتانا وزورا - " برجل السلام" (سلام الكاوبوي ورعاة البقر الأمريكان ) - وكم هو ذلك مضحكا ومبكيا في آن واحد ، فكيف يكون من يقتل ويذبح الأبرياء ، ويهلك الحرث والنسل ، ويدمر الأخضر واليابس ، ويعيث في الأرض فسادا وتنكيلا بإنسان يملك ذرة من المشاعر والأحاسيس ، فكيف برجل سلام ، إنه منطق القوة والجبروت ، والإنحياز الأعمى ، لكسب ود ورضـى اللوبي الصهيوني والفوز بفترة رئاسية ثانية ، وتحقيق ما فشل أبيــه من تحقيقـه .

وتعزف الدول – هي الأخرى – على هذا المنوال ، فكل دولة تتهم الدولة الأخرى بالإرهاب ، عندما تختلف أو تسوء العلاقات بينهما ، وكأن الإرهاب أصبح سمة من سمات هذا العصر الذي إنقلبت فيه المقاييس والموازين والقيم ، وصار كيل الإتهامات للأخرين أمرا في منتهى السهولة ، ولا يستدعي أدنى عناء أو مشقة ، وها هو بوش مـرة أخرى يصف الدول المخالفة له "بدول محور الشر " وكأنه هو ومن يسير في فلكه يمثلون " محور الخير والمحبة " والعكس هـو الصحيح .

وبالعودة إلى موضوع " الإرهاب الإداري " والذي لم يكن له أيـة علاقـة لا من قريب و لا من بعيد بتلك الأحداث الدامية والمأساوية وذلك نتيجة السياسات الغير متزنة والمنحازة دوما والخاطئة للولايات الأمريكية المتحدة ، والتي جعلتها تفقد عقلها وصوابها وأحيانا وقارها وهيبتها وتتصرف برعونة وغباء ، وتشن الحروب وتفتعل المشكلات والأزمات .

فالإرهاب الإداري يدخل ضمن مفهوم الفساد الإداري بكافة أشكاله وألوانه ، فعندما يتطور أو تسيء أحواله يتحوّل إلي العنف والتعسف ، وبالتالي يصبح هذا الفساد الإداري فسادا إرهابيا ، لكون هذا المفسد إداريا يتمادى في تعسفه وتنكيله بالآخرين في ظل غياب الضمير والوازع الديني ، بالإضافة إلى غياب الرقيب والحسيب ، فهناك البعض من المديرين والإداريين يتخذون من الإرهاب والقمع منهجا وطريقا لهم في معاملاتهم مع الأخرين ، ويمارسون التمييز الطائفي والعنصري ، وينفذون ما يخططون له لصالحهم ولمصالحهم ، من أجل إرضاء أهواءهم ونفوسهم المريضة والحاقدة .

فظاهرة الإرهاب ليست متوقفة على فئة معينة من الناس ممن يملكون العتاد والسلاح ، والقنابل والمتفجرات ، بل هناك فئة أخرى من الناس تمارس الإرهاب نتيجة لعقد نفسية وسيكولوجية وحقد دفين ، فكم من الضحايا الذين تعرضوا لإرهاب هؤلاء النفر من الناس ومضايقاتهم ، بينما طفشوا أخرين من أعمالهم وأزاحوهم عن مراكزهم ومناصبهم – ظلما وعدوانـا - نتيجة لإرهابهم وتعنتهــم ، ومن ثم ليجلبوا بني جلدتهم ليحلوا محل هؤلاء الذين تم تطفيشهم ، فأصبح هؤلاء المظلومين ضحايا للإرهاب الإداري ،شأنهم في ذلك شأن ضحايا التعذيب (النفسي والجسدي ) في ظل قانون أمن الدولة السيء الصيت ، والذي كانت له إفرازاتـه وتدعياتـه وأضراره التي لا تعد ولا تحصى ، وقد تضررت منه غالبية الشعب ، ولاتزال آثاره ماثلة للعيان ، فضـلا عن ما يعانيـه البعض من آثــار نفسية وجسمانية وسيكولوجيــة حتى يومنـــا هـــذا .

فالإرهاب الإداري لم يكن وليد تلك الأحداث المروعة أو مرتبط بها ، ولكنه كان موجودا ومورس مـن قبل الأفراد والجماعات منذ قبل هـذا التاريـخ ( الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001 م ) وسيظل يمارس حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وذلك لطبيعة الإنسان والأجواء والبيئة التي قد تساعد على تفشي مثل تلك الظواهر الغير طبيعية ، والتي ترفضها المجتمعات المتحضرة وتـمقتـها وتستـهجنهـا وتحاربها بشتى الوسائل والطرق بكل الإمكانيات المتاحــــة والمتوفــــرة.







إرهاب
كثير هم الشهداء الذين قضوا من أجل أن تصير الاشتراكية حلما، و من أجل أن يتغير الحلم إلى واقع. و هؤلاء الشهداء سيصيرون حاضرين في ذاكرة الأجيال المتعاقبة من العمال و الفلاحين و المثقفين الثوريين، وسائر المقهورين من شرائح الكادحين الذين يشكلون غالبية الشعوب، و سيصيرون كما كانوا قدوة لمن يلتمس طريقهم في الشهادة من أجل أن يستمر النضال، و من أجل أن تستمد البشرية من ذلك النضال قوتها و قدرتها على فرض احترام حقوقها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، باعتبار تلك الحقوق وسيلة لامتلاك أشكال الوعي المتقدم و المتطور.. و الوصول إلى درجة امتلاك الوعي الطبقي الحقيقي الذي يعتبر وحده الوسيلة الباعثة على ممارسة الصراع الطبقي في مستوياته الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية سواء تعلق الأمر بالصراع الديمقراطي أو الصراع التناحري.

و لذلك نرى ضرورة الاهتمام بالشهادة و علاقتها بالإرهاب و هل هي ضرورة تاريخية، أم اختيار ذاتي ؟ أم نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي ؟ أم أنها تركيبة من تحولات الواقع الموضوعي و الاختيار الذاتي، و الضرورة التاريخية ؟ و هل الإرهاب ضرورة تاريخية أم اختيار ذاتي ؟ أم نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي ؟ أم انه اختيار ذاتي لا علاقة له بالواقع الموضوعي و لا بالضرورة التاريخية ؟ و كون قيمة الشهادة في الدفع إلى الإقدام على الاستشهاد، و هل يعتبر ذلك ضرورة تاريخية، أم رغبة في التمتع بقيمة الشهادة ؟ أم ضرورة موضوعية باعثة على الإقدام على الاستشهاد ؟

كما نرى ضرورة الاهتمام بقيمة الإرهاب و كونه دافعا إلى النزوع نحو الاسترهاب و كونه نتاجا للضرورة التاريخية، أو نتيجة للرغبة الذاتية، أو للضرورة الموضوعية.

و ما طبيعة العلاقة القائمة بين الاستشهاد و الاسترهاب، و دور مفهوم الاستشهاد في الرغبة بالتمتع بقيمة الشهادة، و دور مفهوم الاسترهاب في الخوف من الوقوع تحت طائلة الإرهاب. و ما هو القاسم المشترك بين الاستشهاد و الاسترهاب ؟ و ما مظاهر التناقض بين الاستشهاد و الاسترهاب ؟

كما نرى أن الشهادة و الاستشهاد تبقى حاضرة في ذاكرة الشعوب، و أن الإرهاب و الاسترهاب يهدد أمنها، و يققدها طمأنينتها.

و بذلك نكون قد قدمنا تصورنا لمنطق الشهادة و الاستشهاد الذي يتميز عن منطق الإرهاب و الاسترهاب الذي يستهدف كادحي الشعوب في مختلف أرجاء المعمور و في مقدمتهم الأجراء، و طليعتهم الطبقة العامة من خلال هذه المعالجة المتأنية التي تقتضي منا سبر غور المفاهيم حتى تصير واضحة وضوح الشمس في كبد السماء لنتجنب بذلك الوضوح الوقوع في الخلط الذي تحاول الإمبريالية جاهدة أن توقعنا فيه ، و أن تبدد بذلك كل أمل في حرية الشعوب وفي الديمقراطية و الاشتراكية.

فهل يتعاظم منطق الشهادة و الاستشهاد في سبيل تحقيق ذلك ؟

و هل يتراجع منطق الإرهاب و الاسترهاب لصالح تكريس أمن و استقرار الكادحين ؟


بين الشهادة و الإرهاب :

و إن مفهوم الشهادة الذي تستحضره باستمرار كل الحركات التقدمية و الديمقراطية في العالم، و في حركات التحرر الوطنية و القومية و العالمية، وفاء لشهداء تلك الحركات الذين قدموا أرواحهم من اجل تحقيق الحرية و الديمقراطية و الاشتراكية، لا يعني إلا تقديم النفس فداء لتحقيق الأهداف السامية التي تسعى الحركات التي ينتمون إليها إلى تحقيقها ميدانيا، و على أرض الواقع، من أجل تخليص البشرية من همجية الاستغلال الرأسمالي، الذي يقف وراء الكثير من الكوارث الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي تعاني منها البشرية. فالشهادة إذا تضحية في سبيل هدف أسمى، و مثلا أعلى يجعل الشهادة أيضا مثلا أعلى. و هذا المفهوم يصير في حد ذاته قوة للشعب الذي يمتلك كادحوه أشكال الوعي الطبقي الحقيقي، فيسعون جميعا إلى النضال رغبة في الاستشهاد من منطلق "اطلب الموت توهب لك الحياة" خاصة و أن الشهداء بعد استشهادهم، يؤثرون في الواقع اكثر مما يؤثرون في حياتهم، لأن استشهادهم يدفع إلى الالتحام و القوة و السعي إلى اقتفاء اثر الشهداء. و نحن عندما نستحضر الشهادة في سلوكنا، و في ممارستنا إنما نستحضر ما قام به شهداء حركة التحرير الشعبية، و شهداء حركة التحرر الوطني و القومي و العالمي.

فهل يمكن أن نعتبر ما يقوم به بعض من يفجرون أنفسهم شهادة ؟

إن الشهادة تقتضي أن تحصل بسبب السعي إلى تحقيق هدف سام عن طريق الإقدام على العمل الذي يقتضيه تحقيق ذلك الهدف دون أن يعرض حياة المسالمين و ممتلكاتهم إلى الهلاك و دون الرغبة في إرهابهم، و أن لا يتنافى ذلك الهدف مع القوانين الدولية الإنسانية التي تقر للإنسان بحقه في تقرير مصيره بما يتناسب مع تحقيق كرامة الإنسان على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.

أما بالنسبة للإرهاب فهو نقيض الشهادة لأنه عمل غير مشروع و غير مبرر من الناحية القانونية و الواقعية و الأخلاقية، و يترتب عنه فقدان الحق في الحياة، و في الأمان الشخصي، و فقدان الحق في الأمن الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، و يقود إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لأنه لا يميز بين عدو و صديق، و لا بين الإنسان و الحيوان ،ولا بين الوسائل التي تقع في خدمة الإنسان و رهن إشارته. و عمل من هذا النوع لا يمكن قبوله مهما كانت الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، لأنها قد تكون أهدافا مشروعة أو غير مشروعة، نظرا لكون الوسيلة التي هي الإرهاب غير مشروعة.

و الإرهاب هو القيام بعمل يجعل الناس يفقدون توازنهم النفسي والاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و السياسي بسبب مصادرة الحق في الحياة، و مصادرة باقي الحقوق مهما كانت بهدف نشر إمكانية القبول بالاستبداد بالمجتمع الذي هو الهدف الأساس من أي عمل إرهابي مهما كانت الجهة الممارسة لذلك العمل، و مهما كانت الشعارات التي ترفعها تلك الجهة. و غالبا ما يعتمد ممارسو الإرهاب المادي و المعنوي و الجسدي و الفكري و الأيديولوجي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، أد لجة الدين بصفة عامة، و أد لجة الدين الإسلامي بصفة