خاصة حتى تساعد تلك الأدلجة على جعل الناس يقبلون بالاستبداد القائم، أو بالاستبداد المفترض.

و الإرهاب قد يصدر عن أجهزة الدولة، أو عن حزب سياسي معين، أو تيار ديني، أو منظمة ذات بعد دولي. و قد يصدر عن فرد معين لا علاقة له بكل ذلك . وقد ينتج عن استغلال النفوذ من أجل تحقيق أغراض آنية ولا إنسانية ذات بعد فردي صرف .

ويمكن أن نسجل أن هدف الشهادة وهدف الإرهاب قد يتفق فيصير نفس الهدف مشروعا بوسيلة الشهادة . وغير مشروع بوسيلة الإرهاب .نظرا لعلاقة التناقض القائمة بين الشهادة والإرهاب ونظرا لأن الإرهاب قد يتسبب في الشهادة ، ولأن الشهادة لا تحصل إلا في إطار مقاومة كافة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي .

فهل الشهادة ضرورة تاريخية أم اختيار ذاتي ؟

إن الشهادة عندما تحصل فلأنها تأتي استجابة لشروط معينة تختلف من عصر إلى آخر ، ومن مكان إلى آخر ، كما تأتي استجابة لتحقيق أهداف تختلف من عصر إلى آخر ومن مكان إلى آخر نظرا لاختلاف مستوى وعي الناس . واختلاف شروط حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . ولذلك كانت الشهادة ، ولازالت وستبقى ضرورة تاريخية . فما كان مشروعا منها في مرحلة معينة قد لا يكون مشروعا في مرحلة أخرى وفي مكان آخر .

ولكن هذه الشهادة لا يمكن أن تحصل ما لم يكن هناك من لديه استعداد نفسي وعقلي وإيديولوجي وسياسي وجسدي . بالإضافة إلى توفر شرط الإرادة والرغبة . لذلك يمكن القول بأنه إذا كانت الشهادة ضرورة تاريخية فهي أيضا رغبة ذاتية . وإلا فلماذا نجد أن خالد بن الوليد يتألم بسبب إقباله على الوفاة وهو على الفراش ، ولكونه لم يحظ بشرف الشهادة في الميدان ، فجاء على لسانه ما معناه " لقد خضت مائة واقعة، وما بقي في جسمي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة خنجر ، ومع ذلك أموت على الفراش". ولذلك نجد أن شرف الشهادة يقضي وجود رغبة ذاتية واستعداد قبلي يرتبط بصيرورة النضال ومن أجل تحقيق هدف أسمى يتجسد بالنسبة إلينا ، وحسب رأينا في الحرية ، و الديموقراطية، و العدالة الاجتماعية. لأنها هي الهدف الأسمى بالنسبة للبشرية في جميع القارات الخمس. و هذا الهدف لا يتحقق إلا في المجتمع الاشتراكي الخالي من استغلال الإنسان للإنسان.

و هل الشهادة نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي ؟

إن تحولات الواقع الموضوعي لابد أن يكون لها اثر مباشر على جميع الأفعال التي تحصل في المجتمع، و على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.و لذلك فهذه التحولات يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في صياغة البرامج، وفي اتخاذ المواقف و خوض النضالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، كما يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في تحديد الأهداف التي تسعى الحركات المنتجة لتلك البرامج. و المتخذة لتلك المواقف و المتصدرة لخوض نضالات معينة. و لذلك يمكن القول إن الشهادة في جانب من جوانبها هي نتيجة للضرورة التاريخية، و للرغبة الذاتية، لأنه بدون الضرورة التاريخية، و بدون الرغبة الذاتية تبقى تحولات الواقع غير فاعلة في اتجاه حصول الشهادة.

و لذلك نرى أن الشهادة هي نتيجة لتركيب تحضر فيه الأبعاد الثلاثة التي أتينا على ذكرها:

البعد الموضوعي الذي يتجسد في تحولات الواقع بكل ما لتلك التحولات من اثر في حياة الناس.

و بعد الاختيار الذاتي الذي يجعل المعني بالشهادة مستعدا، مما يجعله ينخرط في المعارك النضالية مهما حصل فيها بما في ذلك حصول الشهادة.

و بعد الضرورة التاريخية الذي يفرض القيام بعمل معين لتحقيق هدف سام ينسجم مع متطلبات تلك المرحلة التاريخية.

و هذه الأبعاد الثلاثة تتداخل فيما بينها و يكمل بعضها بعضا فتصير للشهادة قيمة تاريخية، و قيمة موضوعية، و قيمة ذاتية.

و هل الإرهاب ضرورة تاريخية، أم اختيار ذاتي ؟

إن الضرورة التاريخية لا تكون إلا لأجل تحول نوعي لصالح البشرية، و لأجل تطور واقعها الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و هي بالتالي لا تكون إلا انطلاقا من شروط معينة توفرت لها إمكانية النضج أو تم إنضاجها بفعل ما تقوم به حركات معينة تسعى إلى تحقيق أهداف معينة. و بالتالي فإنه لا يمكن القول بأن الإرهاب ضرورة تاريخية. لأن الأصل هو أن الإرهاب قائم في الواقع. و الضرورة التاريخية تقتضي تجاوزه، و نفيه ليحل محله الأمن و الأمان و الاطمئنان على مستقبل البشرية بصفة عامة و على مستقبل الكادحين المستهدفين بالإرهاب بصفة خاصة. و نحن عندما نتأمل في التاريخ. و نمعن النظر في مختلف المحطات التاريخية سنجد أن الضرورة التاريخية ترتبط بالحاجة إلى إحداث تحول يختلف عما هو قائم في الاتجاه الذي يجعل البشرية تتغير إلى الأحسن، إلا انه عندما تحدث انعكاسات تاريخية معينة بفعل تسليط شروط غير موضوعية على واقع معين في مرحلة تاريخية معينة. فإن التاريخ يعرف ارتدادا إلى الوراء، فتظهر أمراض اجتماعية و اقتصادية و ثقافية و مدنية و سياسية، تظهر و كأنها ضرورة تاريخية، و هي في الواقع ليست إلا عملا مناهضا لحركة التاريخ، و معرقلا لتلك الحركة.و لذلك كان الإرهاب مجرد مرض يعرقل حركة التاريخ. و هذا المرض لابد أن يتم تجاوزه بفعل الوعي بخطورته على مصير البشرية، و الوعي بدوره في عرقلة حركة التاريخ حتى لا يتم التحول في اتجاه التغيير المنشود من قبل البشرية بصفة عامة و من قبل الكادحين بصفة خاصة. و في المقابل فإن الإرهاب يعتبر اختيارا ذاتيا للحركات الإرهابية و للأفراد المنخرطين في هذه الحركات باعتبارهم ظاهرة مرضية معرقلة لحركة التاريخ، تضع نفسها في خدمة الرجعية المتخلفة و المستفيدة من الجمود الذي أصاب الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي حتى ينشغل الناس بالإرهاب، و ينصاعون للجمود القائم، و يقبلون التخلف المفروض عليهم من قبل الطبقة التي تمارس الاستغلال على المجتمع ككل، و على الطبقة العاملة بصفة خاصة، و الجهة المستفيدة من الاستغلال هي التي تمول الإرهاب، و تمده بالبرامج، و بالإمكانيات اللوجستيكية حتى يحقق أهدافها في الإبقاء على تكريس كل أشكال الاستغلال المادي و المعنوي. ليصير الإرهاب بعد ذلك غير مرغوب فيه من قبل الطبقة الحاكمة في كل بلد على حدة فتظهر و كأنها تحاربه و هي في الواقع إنما تستغل ظاهرة الإرهاب لخلق شروط التراجع عن المكتسبات التي حققتها الجماهير على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و تشرع قوانين لتكريس ذلك التراجع على أرض الواقع لتتحول تلك القوانين إلى ممارسة إرهابية مستدامة تجعل الجماهير الشعبية الكادحة غير قادرة على الحركة من اجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية خوفا من الاتهام بالإرهاب. و هل الإرهاب نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي ؟

إن التحولات الطبيعية في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي و المدني لا يمكن أن تكون إلا إيجابية ولكن عندما يتعلق الأمر بالارتداد في تلك التحولات أو بإعاقتها، فإن الإفرازات غير الطبيعية تشرع في الظهور ، لأن التحولات الطبيعية لا تنتج الإفرازات المرضية، بل تسير في خدمة مصالح الإنسان الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و تعمل على تطوير تلك الخدمة إلى الأحسن حتى تتحقق كرامة الإنسان بتمتيعه بكافة الحقوق الإنسانية التي تعتبر مصدر تلك الكرامة.

و لذلك نعتبر أن الإرهاب ليس نتيجة لتحولات الواقع الموضوعي بقدر ما هو نتيجة لعرقلة تلك التحولات و إعاقتها، و إعادتها إلى الوراء. لذلك كان الإرهاب إفرازا غير طبيعي في الواقع المرتد نظرا لسيادة التنمية المعاقة على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. و نظرا لدور الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية و الأنظمة الرجعية التابعة، فإن التنمية في البلدان ذات الأنظمة التابعة لا تكون إلا معاقة تقود إلى الاستمرار في انتشار الأمية و البطالة و كثرة الذين يعيشون تحت عتبة الفقر، مما يجعل القبول بالسقوط تحت طائلة الخطاب اليميني المتطرف سائدا في صفوف الشرائح المتضررة التي تبحث عن الخلاص في العالم الآخر الذي لا علاقة له بالسعي إلى معالجة التردي الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و الحقوقي. و هو ما يجعل حالة اليأس هي السائدة و اليائس يكون اكثر رفضا للاندماج في الواقع بكل تجلياته و يكون قابلا للقيام بالعمليات الإرهابية في أي مكان و ضد أي كان. و الغاية هي جعل الناس جميعا يقبلون بالخطاب الرجعي المتردي المنتج لفكر الإرهاب.

و هل الإرهاب انفراد ذاتي لا علاقة له بالواقع الموضوعي و لا بالضرورة التاريخية ؟

لقد رأينا من خلال الفقرات السابقة أن الإرهاب ليس نتيجة للضرورة التاريخية. و لا للواقع الموضوعي الذي يعرف تحولا طبيعيا، بقدر ما هو نتيجة لما تقوم بعض الجهات ، وبعض الأفراد المرتبطين بتلك الجهات التي تعمل على إعاقة تحولات الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . ليكون ذلك الإرهاب حاصلا في الواقع برغبة ذاتية للحركات أو الأفراد لحرصهم على الوصول إلى الاستبداد بالمجتمع . والانفراد بالسلطة القائمة التي تصير ذات بعد غيبي ، لا واقعي ، ديني متطرف .

قيمة الشهادة في الإقدام على الاستشهاد :

والشهادة عندما تحصل في إطار مواجهة الإرهاب المادي والمعنوي . فإنها تقف وراء بث مجموعة من القيم النبيلة في الواقع المعني بتلك الشهادة فيصير الشهيد أو الشهداء قدوة لغيرهم ممن عاصرهم أو ممن أتى بعدهم ، فيزداد الاهتمام بموضوع الاستشهاد ويتعمق الوعي به ، ويصير مؤثرا في قطاع عريض من المعنيين والمهتمين بذلك الموضوع. ويزداد عدد الراغبين في خوض النضال ضد الإرهاب مهما كان مصدره . ويزداد بسبب ذلك النضال عدد الذين يستعدون للشهادة .ولذلك كانت قيمة الشهادة في الإقدام على الاستشهاد سيرا على