اللاتكافؤ القائمة بين الاستشهاد و الاسترهاب، و سجلنا أن الاستشهاد نتيجة للرغبة في التمتع بقيمة الشهادة و أن الاسترهاب لا يتجاوز مجرد الخوف من الوقوع تحت طائلة الإرهاب. و وقفنا على القاسم المشترك بين الاستشهاد و الاسترهاب كما وقفنا على مظاهر التناقض بينها، و سجلنا أن الشهادة و الشهداء قيمة تبقى حاضرة في ذاكرة الشعوب، و أن الإرهاب و الاسترهاب قيمة تهدد أمن الأفراد و الشعوب.

و غايتنا من هذا التناول هو العمل على الاحتفاء بالشهداء حتى يستمر تأثيرهم في الأجيال المتعاقبة و الوعي بخطورة الإرهاب على مصير الإنسانية و ضرورة العمل على التخلص من الأسباب و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي يستغلها الإرهابيون لإعطاء الشرعية لممارسة الإرهاب المادي و المعنوي على الشعوب إرضاء للجهات المخططة و المستفيدة من الإرهاب، و من الحركات الإرهابية و من أفعال الإرهابيين.

فهل تمتلك البشرية الوعي بخطورة الإرهاب . و هل تقتفي في مواجهته اثر الشهداء ؟

إننا أمام واقع يتحول بسرعة، و تحوله يصطدم بواقع الإرهاب الذي يعم الكرة الأرضية لعرقلة حركة التاريخ، و حركة الواقع للإبقاء على التخلف بكل مظاهره خدمة لمصالح الجهات الممارسة للإرهاب. و ذلك ما يجب رفضه و مقاومته اقتداء بما قام به شهداء الحق و الإنسانية.

ابن جرير 09/06/2004
القمة العالمية والتغيير في "قواعد اللعبة"
بعد الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في لندن في السابع من تموز/ يوليو أعلن رئيس الحكومة البريطاني توني بلير ان “قواعد اللعبة قد تغيرت”. ومن متابعة أعمال القمة العالمية يمكن الاستنتاج أن هذا الاعلان لم يعبر عن رأي بلير فحسب بل عن رأي الإدارة الأمريكية ايضا. ففي القمة حاولت واشنطن الغاء مشروعية الكفاح المسلح ضد الاحتلال. وسواء نجحت إدارة بوش ام لا في هذا المسعى، فإن واشنطن ولندن ماضيتان في “تبديل قواعد اللعبة”. فخلال اسابيع قليلة تتقدم الحكومة البريطانية الى مجلس العموم بمشاريع قوانين جديدة الغرض منها مكافحة الإرهاب والإرهابيين وحمابة المجتمع البريطاني من اعتداءات إرهابية جديدة شبيهة بتلك التي نفذت في السابع من تموز/ يوليو الفائت. وتتبع بريطانيا، في هذا المضمار، الإدارة الأمريكية التي سبق لها ان عدلت بعد الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر 2001 “قواعد اللعبة”. فما هي قواعد اللعبة هذه؟ وهل يؤدي التغيير الى تبديل في القواعد ام انه سوف يؤدي الى المساس “باللعبة” نفسها؟

من بين القواعد الرئيسية التي استقت منها اللعبة السياسية في الدول الديمقراطية الغربية، نجد اننا امام تغيير في النظرة الى قاعدتين رئيسيتين:
الاولى، هي النظرة الى الدولة والى سلطتها. ففي دول الغرب هناك حذر قديم وشك متجدد تجاه الدولة وما تملكه من ادوات السيطرة. ففي مدارس الغرب الفكرية المتنوعة كثيرون يرون الدولة وكأنها هي مصدر الفوارق المجحفة بين الناس، ومشروع يهدر اموال المجتمع وطاقاته، ومهدد للحريات، وعقبة امام الابداع والتنوع. كذلك تراها هذه المدارس الفكرية في اليسار واليمين مسببة للحروب بين الامم، ومعطلة لنمو نظام انساني يسوده السلام والعدالة. وفيما يعتقد البعض ان للدولة، مهما كانت طبيعتها، مسوغات وضرورات، فإن البعض الآخر ينفي ذلك، ويتنبأ بزوالها ويتمناه.

في ظل نظرة الشك المقيم تجاه الدولة، نجد ان المناخ السائد بين النخب السياسية في دول الغرب، وخاصة في الاوساط الليبرالية والديمقراطية الاشتراكية، يستصوب الحد من سلطان الدولة وسلطاتها، وحماية حريات الافراد من تغول السلطة، وتعزيز دور المجتمع المدني في مواجهة مجتمع الحكم والسلطان. وينحو المشرعون في هذه البلدان منحى استباقياً في مضمار حماية المجتمع والافراد من احتمال استفحال سلطة الدولة على حساب حريات المواطنين وحقوقهم. فالمشرعون لا يفسحون المجال امام مثل هذه الاحتمالات، بل يعملون باستمرار على اغلاق كافة الابواب امامها، وعلى توفير كل الموانع القانونية والمؤسسية التي تحول دون انتهاك الدولة حقوق المواطنين، سواء كان هذا الانتهاك مقصودا ام لا.

الثانية، هي حماية الاقلية من طغيان الاكثرية. فالاكثرية، كما كتب الكسيس دو توكفيل في وصفه للديمقراطية في أمريكا، تميل بطبعها الى الاستبداد. وعندما يدخل طغيان الاكثرية الحياة السياسية تخرج منها الديمقراطية. ومن هنا كان الشغل الشاغل للمدارس الفكرية المختلفة المعنية بالمسألة الديمقراطية في الغرب توفير الحماية للاقليات الدينية والاثنية والعرقية.

بعد الحادي عشر من ايلول/ سبتمبر والسابع من تموز/ يوليو نجد ان دول الغرب وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا تنهج نهجا نقيضا للتقاليد الفكرية الغربية، ومخالفا لما سارت عليه خلال العقود السابقة. ففي الولايات المتحدة نجد ان عملية التشريع لم تعد تسير باتجاه توسيع حريات المواطنين والمواطنات واعطائهم المزيد من الضمانات القانونية والقضائية عندما يتعرضون الى المساءلة والمحاسبة من قبل المؤسسات الحكومية بل الى التضييق على هذه الحريات.

كان العنوان الابرز لهذا النهج الجديد هو “معتقل غوانتانامو” حيث يقبع عشرات المساجين المتهمين بالاشتراك في اعمال إرهابية من دون ان يأخذ العدل مجراه في التحقيق مع هؤلاء وفي اثبات علاقتهم بالاعمال الإرهابية. وبعد غوانتانامو، تعددت المناسبات والاحداث التي تسلط الضوء على النهج الجديد، نهج التخلي عن القيود التي كانت تهذب الدولة وتحد من نزوعها الطبيعي الى تعزيز سلطانها على حساب الحريات المدنية، ومن هذه المناسبات كان قرار الرئيس الأمريكي جورج بوش بترشيح البرتو غونزاليس لمنصب وزير العدل الأمريكي، وتعيين القاضي جون روبرتس لأعلى مركز قضائي في الولايات المتحدة. فجونزاليس هو من الذين نصحوا الإدارة الأمريكية بتجاهل قوانين جنيف التي تمنع تعذيب المعتقلين بحجة ان هذه القوانين باتت “قديمة”، اما روبرتس فمعروف، كما تقول صحيفة “هيرالد تريبيون” (7/7/2005) بانه يستخف بالعديد من القوانين التي تحمي الحريات المدنية.
وكما يجري في الولايات المتحدة يتكرر الأمر في بريطانيا اذ تسعى الحكومة الى “الالتفاف على قانون حقوق الانسان الصادر عام 1998”، كما تقول مجلة الايكونوميست البريطانية (13/8/2005). تتم هذه العملية عبر اقتراح جملة من التشريعات ومنها تسريع عملية طرد المشتبه بهم، وإجراء محاكمات سرية للمتهمين، ومعاقبة كل من “يبرر” اعمال الإرهاب، وتجريد المواطنين الضالعين في الإرهاب أو المشتبه بتأييدهم له وللإرهابيين. ولما كانت الحكومة البريطانية تملك اكثرية مرموقة داخل مجلس العموم، فإنه من الارجح ان تتمكن من تمرير هذه المشاريع خلال الفترة المقبلة.

ان هذه القوانين والإجراءات لا ترسم وتنفذ بشكل مطلق، ولا تصيب المواطنين عموما، وانما تنصب بصورة خاصة على العرب والمسلمين، اي الاقلية من المواطنين من حملة الجنسية الأمريكية أو البريطانية أو الأوروبية، أو من المقيمين في هذا الجزء من العالم.. فالتلويح بطرد المقيمين لا يعني اهل البلاد الاصليين، كما ان التهديد بسحب الجنسية يصاغ بحيث يكون موجها بالدرجة الاولى الى العرب أيضا. والعرب في الغرب هم اليوم في وضع شديد الدقة. فلا هم اقلية ضئيلة محدودة الاثر والشأن. ولا هم اقلية كبيرة يحسب لها حساب كما هم الافارقة في المجتمع الأمريكي. في مثل هذه الحالة فإنه من السهل استخدامهم كمكسر عصا وكهدف لحملات التحريض والتخويف من قبل اي طامح سياسي. ومما يسهل هذا الامر ان بين العرب قلة من الضالعين في اعمال الإرهاب.

قد تكون هذه القوانين والإجراءات في محلها اذ انه من حق أي مجتمع ان يدافع عن نفسه ومن واجب كل دولة ان تحمي رعاياها ومواطنيها من الاذى. ولكن فيما يسعى أصحاب القرار في الولايات المتحدة وبريطانيا إلى مكافحة الإرهاب والحد من أخطاره وأضراره، فإنهم يسلكون طريقاً شديد الوعورة والخطر قد يقودهم إلى خسائر لا تعوض في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان.











كلمــــة

السيد الرئيس/

يسرني أن أتقدم لكم بخالص التهنئة لتوليكم رئاسة مؤتمر قمة عدم الانحياز. ونحن على ثقة بأن ما تتمتعون به من حكمة و خبرة و دراية سيقود مؤتمرنا هذا إلى ما نصبو إليه جميعاً. كما نود أن نعرب عن جزيل الشكر و التقدير لكوبا رئيسا وحكومة و شعباً و للمسئولين في العاصمة هافانا لاستضافة هذا المؤتمر وللتسهيلات الممتازة التي قدمت للوفود المشاركة. كما لا يفوتني أن أشكر حكومة ماليزيا على ما قدمته خلال فترة رئاستها لحركة عدم الانحياز و الانجازات المتميزة التي تمت خلال تلك الفترة.

كما يشرفني أن أنقل إليكم تحيات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية و تمنياته أن تكلل أعمال مؤتمرنا هذا بالنجاح و التوفيق، مع تمنياته لفخامة الرئيس/ فيدل كاسترو بالشفاء العاجل.

السيد الرئيس/

لقد قامت حركة عدم الانحياز من أجل تجسيد مصالح العالم الثالث و وضع مبادئها في خدمة السلام العالمي و تحقيق أفضل الروابط و العلاقات بين دول العالم كافة انطلاقا من مبدئي المساواة و العدالة و من أجل مساندة الشعوب المستعمرة للفوز باستقلالها و نيل حق تقرير المصير. و حيث أن حركة عدم الانحياز ليست تكتلا دوليا يشارك بشكل أو بآخر في الصراعات و الصدامات بين الدول الكبرى، لذا التفت حولها شعوب و دول العالم النامي و يتزايد عدد اعضاء حركتنا بمرور السنين بعد أن اثبتت التطورات و الأحداث الدولية صلابتها و جدوى مبادئها وقدرتها على الاستمرار في أداء دورها و رسالتها.

فبعد مرور 45 عاماً على إنشاء حركة عدم الانحياز، تزداد الحاجة إلى التمسك بها و تفعيل دورها في عالم تبدو فيه الأوضاع الدولية و الإقليمية اليوم أكثر اضطرابا و العلاقات الدولية يسودها غياب العدالة و يشوبها انعدام التوازن ويحكمها مفهوم القوة و تجاهل القانون الدولي و عدم الاكتراث بقرارات الشرعية الدولية و تشويه مبدأ حق الدفاع عن النفس و استغلال مبادئ حقوق الانسان.

إن ما يتعرض له المجتمع الدولي من تحديات كثيرة و مصاعب شتى، أدت إلى انتهاج سياسة القوة و الإملاء في العلاقات بين الدول، و كان ذلك على حساب التوازن بين الحقوق و الواجبات و المسؤولية المشتركة مما تركت آثارها السلبية على أحداث العالم، فتبلدت المفاهيم و اختلفت الارتباطات و أصبح العالم مضطربا تنظمه قواعد طارئة و توجهه اتجاهات عارضة و اتبعت المعايير المزدوجة. وكل ذلك أدى إلى تفشي ظاهرة العنف و ابتليت الانسانية بشيوع ظاهرة الارهاب التي لم يختص بها مجتمع دون آخر و هي ليست نتاج ثقافة معينة أو دين محدد، و إنما هي تعبير عنيف و تطرف، لا تحترم الانسان و حقوقه و المبادئ الانسانية التي نشأ عليها. و لهذا راح ضحيته الكثير من الأبرياء و دمر الكثير من الممتلكات. فبلادي كانت ضحية لهذه الظاهرة الخطيرة مثلها مثل كثير من الدول، و لكنها عقدت العزم على التصدي لها و محاربتها بشتى الطرق و السبل و التعاون مع الدول الأخرى و المجتمع الدولي للتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة التي هي غريبة على مبادئنا و أخلاق مجتمعنا مما استوجب معه تضافر الجهود الدولية للتصدي لها و التعاون في مكافحتها.