دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: " عِنْدَمَا تَرْقُصُ الرِّيَاحُ لاهِيَةً " قصة قصيرة للشاعر الكبير الدكتور عزت سراج

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    المشاركات
    520

    Icon73 " عِنْدَمَا تَرْقُصُ الرِّيَاحُ لاهِيَةً " قصة قصيرة للشاعر الكبير الدكتور عزت سراج

    عِنْدَمَا تَرْقُصُ الرِّيَاحُ لاهِيَةً

    فِي الثَّامِنَةِ صَبَاحًا ، يُسْرِعُ عَلِيٌّ حَامِلاً رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، دَافِعًا قَلْبَهُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ ، مُتَّجِهًا نَحْوَ مَوْقِفِ السَّيَّارَاتِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى طَنْطَا ، مُتَذَكِّرًا رَئِيسَ مَكْتَبِهِ السَّمِينَ ، وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى الصُّورَةِ فِي أَعْلَى الْجِدَارِ ، مُهَدِّدًا بِالْفَصْلِ ، وَإِلْقَائِهِمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ يَدْعُونَ هُنَالِكَ ثُبُورًا ، مُنْذِرًا فِي حِدَّةٍ نَاظِرًا إِلَيْهِمْ فِي اشْمِئْزَازٍ سَاخِطًا فِي غَضَبٍ :
    ـ لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا !
    000000
    000000
    000000
    الْقَرْيَةُ الْكَبِيرَةُ تَبْدُو كَامْرَأَةٍ فِي السَّبْعِينَ ، ابْيَضَّ شَعْرُهَا ، وَتَرَهَّلَ جِلْدُ وَجْهِهَا الْمُنْكَمِشُ عَلَى الْعِظَامِ الْهَشَّةِ الْبَارِزَةِ ، تَمْلأُ ـ مَا بَيْنَهَا مِنْ نُتُوءَاتٍ ـ أَحْزَانُ السِّنِينَ الطَّوِيلَةِ ، وَانْتِظَارِ لْحْظَةِ النِّهَايَةِ 000
    الشَّوَارِعُ تَضِيقُ عَلَى بُيُوتِهَا الطِّينِيَّةِ الْمَزْحُومَةِ بِالصِّغَارِ الْجَائِعِينَ فِي غَيْرِ صَمْتٍ ، وَالأَرْصِفَةُ تَمْشِي عَلَى رُؤُوسِ الْعَابِرِينَ الشَّارِدِينَ الْمُتَرَقِّبِينَ صَهِيلَ الْخُيُولِ الَّتِي لا تَجِيءُ مِنْ زَمَانٍ بَعِيدٍ 000
    تَزْدَحِمُ الْمَحَطَّةُ الْكَئِيبَةُ بِالْوُجُوهِ الشَّاحِبَةِ الْبَاحِثَةِ عَنْ بَقَايَا ظِلٍّ تَخْتَبِئُ تَحْتَهُ مِنْ لَهِيبِ الشَّمْسِ الْحَارِقَةِ 000
    تَمْتَزِجُ رَائِحَةُ الْعَرَقِ بِالأَوْجَاعِ الْمَخْنُوقَةِ ، وَدُخَانِ السَّيَّارَاتِ الْقَدِيمَةِ ، وَأَبْخِرَةِ الْفُرْنِ الْمُجَاوِرِ ، وَهَمْهَمَاتِ الْمُنْتَظِرِينَ ، وَصَيْحَاتِ بَائِعِي اللُّبِّ ، وَطَقْطَقَةِ أَكْوَابِ عَصِيرِ الْقَصَبِ الْمُثَلَّجِ ، وَرَنِينِ صُنُوجِ بَائِعِ الْعُرْقُسُوسِ الْمُنْعِشِ 000
    يَتَلَفَّتُونَ نَحْوَ النَّخْلَةِ الصَّامِتَةِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ، يَتَطَلَّعُونَ فِي دَهْشَةٍ إِلَى جَرِيدِهَا الْمُتَشَابِكِ تَرْقُصُ فَوْقَهُ الرِّيَاحُ لاهِيَةً 000
    000000
    000000
    000000
    تَتَعَالَى فَوْقَ الضَّوْضَاءِ الْمُتَدَاخِلَةِ صَرْخَةُ شَابٍّ فِي الْعِشْرِينَ ، تَرْتَفِعُ مَخْنُوقَةً مَبْحُوحَةً فَوْقَ الأَحْزَانِ 000
    يَسْقُطُ مُرْتَطِمًا بِالأَرْضِ ، يَفْقِدُ وَعْيَهُ ، يَتَمَدَّدُ فَوْقَ بَطْنِهِ الْمُرْتَعِشِ ، مُهْتَزًّا كَثَوْرٍ مَذْبُوحٍ تَسِيلُ دِمَاؤُهُ فَوْقَ السِّكِّينِ الْبَارِدِ ، مُخْرِجًا أَنْفَاسَهُ الأَخِيرَةَ ، نَابِضَةً أَوْصَالُهُ ، مُمْسِكَةً بِبَقَايَا الرُّوحِ الْهَارِبَةِ 000
    مُخْتَنِقًا يَسْوَدُّ الْوَجْهُ كَقِطْعَةِ فَحْمٍ ، تَتَصَلَّبُ عَيْنَاهُ الزَّائِغَتَانِ كَحَجَرَيْنِ اصْطَدَمَا فَاشْتَعَلا 000
    تَتَشَنَّجُ ـ فِي وَجَعٍ ـ عَضَلاتُ الْجَسَدِ هَائِجَةً لا تَتَوَقَّفُ 000
    يُهَرْوِلُ عَلِيٌّ وَحْدَهُ ، يَدْفَعُهُ فِي إِصْرَارٍ نَحْوَ جَنْبِهِ الأَيْمَنِ 000
    ضَاغِطًا عَلَى رِئَتَيْهِ ، يَفْتَحُ فَمَهُ الْمُغْلَقَ ، دَافِعًا بِالْهَوَاءِ ، مُتَشَبِّثًا بِاللَّحْظَةِ الْبَاقِيَةِ 000
    صَارِخًا فِي الْوُجُوهِ الْمَدْهُوشَةِ أَنْ يُسْرِعَ أَحَدُهُمْ يُمْسِكُ يَدَهُ 000
    تَمُرُّ الدَّقَائِقُ بَطِيئَةً فَوْقَ عَقَارِبِ السَّاعَةِ الْمُعَلَّقَةِ فَوْقَ الْجِدَارِ الْمَشْرُوخِ 000
    يُفِيقُ مَذْهُولاً كَمَيِّتٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الْقُبُورِ حَامِلاً جَسَدَهُ ، بَاحِثًا عَنْ بَيْتِهِ الْقَدِيمِ 000
    يَرْغُو فَمُهُ كَجَمَلٍ يَلْهَثُ فَوْقَ الرِّمَالِ السَّاخِنَةِ لا يَهْتَدِي فِي وَسَطِ الصَّحْرَاءِ إِلَى طَرِيقِ الْوَاحَةِ ، يِخِبُّ وَرَاءَ السَّرَابِ 000
    يَفْزَعُ فِي شُرُودٍ مُمْسِكًا قَبْضَةَ الْحَقِيبَةِ ، يَكْسِرُهَا حَانِقًا 000
    سَائِرًا نَحْوَ الْبَيْتِ يَسُبُّ أَشْبَاحَ الطَّرِيقِ ، لاعِنًا صَمْتَ الأَرْصِفَةِ 000
    يَفِرُّ مُنْكَسِرًا ، يَخْتَفِي وَرَاءَ السَّيَّارَاتِ 000
    000000
    000000
    000000
    مُتَّكِئًا عَلَى أَوْجَاعِهِ يَنْهَضُ عَلِيٌّ مُتَأَمِّلاً هَذَا الآخَرَ الَّذِي تَسَمَّرَتْ نَظَرَاتُهُ فِي شُحُوبٍ ، لا يَرِفُّ لَهُ جَفْنٌ ، تَمِيلُ رَأْسُهُ عَلَى كَتِفِهِ فِي غَيْبُوبَةٍ قَصِيرَةٍ 000 يَنْقَطِعُ تَيَّارُ الْوَعْيِ 000
    ـ أَنْتَ ، هِيهِ ! مَا بِكَ ؟ يَا اللهُ !
    يَهُزُّ جَنْبَيْهِ فِي رِفْقٍ مُحَاوِلاً أَنْ يَعُودَ بِهِ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ دُونَ جَدْوَى 000
    يَتَثَاءَبُ الْوَاقِفُونَ فِي خُمُولٍ يَنْتَظِرُونَ 000
    يَجْمَعُونَ 000
    يَطْرَحُونَ 000
    يَقْسِمُونَ 000
    يَضْرِبُونَ 000
    يَعُدُّونَ الْعَابِرِينَ 000
    يَتَلَفَّتُونَ يَمْنَةً ويَسْرَةً 000
    يَضْحَكُونَ 000
    يُقَهْقِهُونَ فِي انْكِسَارٍ 000
    يُتَمْتِمُونَ فِي حُرُوفٍ مَمْطُوطَةٍ تَأْتِي مِنْ ذَاكِرَةٍ مَطْمُوسَةٍ 000
    يُعِيدُونَ دُرُوسَ الْكِيمِيَاءِ حِينَ تَخْتَلِطُ بِأَبْيَاتِ قَصِيدَةٍ فَرَّ صَاحِبُهَا مِنْ سِجْنِ السُّلْطَانِ ذَاتَ مَسَاءٍ فِي لَيْلَةِ عِيدٍ 000
    كَمُومِيَاوَاتٍ يَفْقِدُونَ مَلامِحَهُمْ 000
    يَجْرُونَ وَرَاءَ الأَشْبَاحِ 000
    يَجُرُّونَ ـ خَلْفَهُمْ فِي غَرَابَةٍ ـ مَخَاوِفَ الْكَهْفِ الأَسْوَدِ السَّحِيقِ 000
    يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ 000
    يَشَمُّونَ ـ جَائِعِينَ ـ رَائِحَةَ الْخُبْزِ الْمَحْرُوقِ فَوْقَ النِّيرَانِ 000
    يَسْمَعُونَ ـ فِي فَزَعٍ ـ أَصْوَاتَ مَلائِكَةٍ لا تَتَنَزَّلُ بِالْبُشْرَى 000
    صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ 000
    كَكَابُوسٍ لا يَنْتَهِي يَبْدُو الْمَشْهَدُ فَوْقَ رَصِيفِ الْمَحَطَّةِ 000
    000000
    000000
    000000
    تَتَقَدَّمُ لَيْلَى فَاتِنَةً تَرْقُصُ عَارِيَةً مُتْعَبَةً 000
    فِي قَلَقٍ تَجْرِي حَافِيَةً وَرَاءَ صَوْتِ صَغِيرِهَا الْبَعِيدِ 000
    تَسْقُطُ فَوْقَ الرَّصِيفِ 000
    يَتَرَاجَعُ عَلِيٌّ نَحْوَ الْبَيْتِ كَقِزْمٍ يَقْرِضُ أَصَابِعَهُ النَّحِيفَةَ ، مُمْسِكًا أَضْلاعَهُ فَوْقَ الْجُرُوحِ 000
    مُرْتَجِفًا تَطْحَنُهُ صَرَخَاتُ الْمَوْجُوعِينَ 000
    تَتَدَاخَلُ أَصْوَاتُ الْبَاعَةِ الْجَوَّالِينَ ، وَطَقْطَقَةُ الأَكْوَابِ الْفَارِغَةِ ، وَرَنَّاتُ الصُّنُوجِ النُّحَاسِيَّةِ الْخَائِفَةِ 000
    هَارِبًا يَفِرُّ فَوْقَ جُثَثِ الْمَفْزُوعِينَ 000
    مَخْنُوقًا تُطَارِدُهُ تِلْكَ النَّخْلَةُ الصَّامِتَةُ 000
    تَرْقُصُ ـ فَوْقَ سَعَفِهَا ـ الرِّيَاحُ لاهِيَةً فِي جُنُونٍ 0


    فقُلْ للعِدا ذَهَبَ ابْنُ الخَطيبِ.........وفاتَ ومَنْ ذا الذي لا يَفـوتْ
    فمَنْ كانَ يَفرَحُ منْكُمْ لهُ..............فـقُــلْ يَفْرَحُ اليومَ منْ لا يَـــمـوتْ


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    بلد شاعرى حبيبى محله مرحوم
    المشاركات
    142

    008

    اشكرك استاذه صفاء على حسن ودقه اختيارك وسلمت يداك ياسراجنا وشاعرنا العظيم لما كتبته وما تقدمه من اعمال جديده وقيمه لك منى احلا الامانى التى تحبها

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-08-2011, 11:24 AM
  2. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-01-2011, 02:39 AM
  3. مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 12-31-2010, 06:11 AM
  4. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-25-2010, 07:14 PM
  5. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 11-21-2010, 08:43 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •