دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 42

الموضوع: حكايات زورك نيميسيس ..وقصص عن الجن والعفاريت ...يمنع الدخول للأطفال

العرض المتطور

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي حكايات زورك نيميسيس ..وقصص عن الجن والعفاريت ...يمنع الدخول للأطفال

    من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية مطعم اللحوم البشرية

    ليس مهما أن أرحب بكم .. وليس ضروريا أن تستقبلوني بترحاب .. دعونا نتفق على ما سيحدث .. أنا هنا لأكتب .. وأنتم هنا للقراءة .. ليس من الضروري أن يعجبكم ما سأقول .. وليس من الضروري أن أصدع رأسي بتحملكم .. لذا لنبتعد عن المجاملات .. أنا شيخ مسن من النوع الذي لا يروق لأحد .. وأنتم مجموعة شباب فضوليين من النوع الذي لا يروق لي .. هكذا نكون قد ابتعدنا عن الرسميات البغيضة التي يصر البشر على استخدامها فيما بينهم .. اسمي ليس مهما .. لكني سأدعكم تنادونني باسم زورك .. ولا أود سماع كلمة واحدة عن معنى هذا الاسم .

    أنتم هنا للبحث عن متعة الرعب .. فإني أرى للأسف أنه قد أصبح موضة ممتعة في هذا الزمن .. في زماننا كانت أبداننا تقشعر إذا أتى أحدهم على ذكر السحرة أو السحر الأسود أو الشياطين ونبسمل و نحوقل ، بينما أرى اليوم قوما يخصصون أياما من السنة للاحتفال بالجن و السحرة ويقلدون طقوسهم .. وهم يفعلون هذا في استمتاع يثير الغيظ .. ماذا يعرف هؤلاء عن السحر وعن العوالم الأخرى التي يمتليء بها كوكبنا حتى أصيب بالتخمة ... هل يعرفون كيف بدأ السحر في الدنيا و من هو أول ساحر؟ لو علموا نصف ما علمت في حياتي لتعاملوا مع الموضوع بتهذيب أكثر .. أنا لست هنا لتقديم تلك المتعة الزائفة لكم .. أنا هنا لأخبركم أن القبور تكتظ بأمثالكم من الذين ظنوا أن الرعب متعة جميلة .. ثم ماتوا وفي أعينهم نظرة ملتاعة عندما عرفوا الحقيقة ..


    سأتيح لكم الفرصة لمعرفة أكثر .. لكن ليس مني فأنا مصاب بداء الملل السريع .. ستسمعون كل شيء منهم .. بألسنتهم ... إذا كان لهم ألسنة ....هم يعرفون كل شيء .. لأنهم رأوه رأي العين .. لا تسألوني من أنا .. ولا تسألوني عن علاقتي بهم ولا كيف يحدثونكم .....لن تحتاجون أن تسألوا من هم ... لأنهم سيتحدثون عن أنفسهم بأنفسهم ...تذكروا أنكم هنا لتسمعوا .. لا لتسألوا ... وإن لم يعجبكم ما سمعتموه فاذهبوا وفجروا رؤوسكم .. لن يحدث فارقا عندي .. تماما كما أنه لو انتزعت روحي مني في أحد نوبات الصرع الذي ابتليت به فلن يحدث فارقا لديكم ... هكذا اتفقنا ..

    للقاء اليوم سيكون مع دكتور جوزيف ليستر من نيويورك .. توفي هذا الرجل منذ عامين فقط .. كيف يحدثنا طالما توفي ؟ ألم نتفق منذ البداية على منع الأسئلة السخيفة ؟ إن دكتور جوزيف لديه قصة مروعة يقول أنها تهم كل شخص يعيش في هذا العالم الكبير .. دكتور جوزيف .. القلم معك .


    حكاية مطعم اللحوم البشرية


    " إنهم يأكلون البشر بالشوكة و السكين .. بتلك المناديل على صدورهم .. وتلك الابتسامة على ثغورهم "

    لا أدري كيف يمكنني أن أبدأ قصة كهذه .. لطالما أردت أن أحكيها و أنا حي .. لكن ما باليد حيلة .. هل أبدأ الحكاية منذ طفولتي حتى آخر ثواني حياتي و أسردها كقصة سخيفة ؟ أم أقفز مباشرة إلى الجزء الهام من القصة .. لا أدري .. سأبدأ في الكلام بغض النظر عن الترتيب .. سأقول ما يأتي على ذهني .... ياللهول لقد كانت قصة مروعة فعلا .. سأستجمع أنفاسي و أتكلم .. اسمعوني جيدا من فضلكم .

    سأحكي لكم في البداية عن رجل اسمه تشارلز لوسيانو أو كما يدعونه لوسيانو المحظوظ .. أحد العبقريات الإجرامية التي كافحت الشرطة طويلا حتى تظفر به في سجون نيويورك .. كان هذا الرجل هو الأب الروحي للمافيا الأمريكية كلها .. وكلمة عبقرية إجرامية لو تجسدت شخصا لكونت هذا الرجل دون غيره من الرجال .

    إن اسم لوسيانو المحظوظ جاء من حادثة مشهورة حدثت له في شبابه .. حيث أمسك به ثلاثة من الرجال و ألقوه داخل سيارة ليموزين تمهيدا لإطلاق النار عليه .. و أطلقوا النار عليه فعلا .. و كان مع أحدهم خنجر ضربه به في وجهه .. ورغم كل هذا فقد نجا لوسيانو ولم يمت .. لكن ضربة الخنجر في وجهه لازالت باقية إلى يومنا هذا ... من هنا جاء اسم لوسيانو المحظوظ .

    هذا الرجل هو صاحب فكرة إجرامية رهيبة تم تطبيقها فعليا منذ عام 1950 .. فكرة زادت بها أرباح المافيا المهولة أضعافا مضاعفة .. عمل إجرامي تخصصت فيه المافيا الأمريكية دون غيرها ... وتخصص فيه الزعيم لوسيانو دون غيره .. وبالمناسبة ، الناس لا يعلمون شيئا عن هذا العمل الإجرامي حتى يومنا هذا .. وربما يظلون هكذا حتى نهاية الدنيا .

    إن المافيا كما يعلم الكل أو لا يعلم الكل تدخل في كل شيء بلا استثناء .. منظمة جبارة غاية في التنظيم .. تشارك في أعمال القمار في الكازينوهات تجارة المخدرات بكل أنواعها .. تجارة الأسلحة ... و أخيرا وليس بآخر ... طبخ اللحوم البشرية .

    نعم اللحوم البشرية .. وهي الفكرة الإجرامية الجديدة التي تبناها الزعيم تشارلز لوسيانو و نفذها و نجحت نجاحا هائلا ... نجاح لم يمكنه هو نفسه أن يتخيله ... ترى كيف يمكن شرح هذه الفكرة بالضبط ؟ دعوني أشرحها كما فكرت فيها عقلية لوسيانو الإجرامية بالضبط .

    إن العجل مثلا يحتوي على حوالي مائة إلى مائة و خمسين كيلوجرام من اللحم .. الجاموس و البقر أيضا كذلك .. الأغنام ربما خمسين كيلوجرام أو أقل ... لكن .. إن شراء هذه الحيوانات يكلف مالا . .. تربيتها تكلف مالا .. علفها يكلف مالا .. مالا رهيبا .. بينما هناك كائن آخر لا يكلفك شيئا و ينتج من اللحم ما يزيد قليلا عن خمسين كيلوجرام .. ليس هذا فقط بل و له طعم شهي يختلف تماما عن باقي اللحوم .. نعم أنا أتحدث عن الإنسان .

    لوسيانو المحظوظ كان يفكر بطريقة مختلفة نوعا ما .. إن معدل القتلى الذين يقتلون شهريا ضحية أعمال المافيا الإجرامية في ولاية واحدة من ولايات أمريكا يتراوح بين مائة إلى مائتي شخص .. عادة المافيا لا تكون لديها مشكلة إخفاء جثث القتلى .. المافيا في الدول الأخرى تترك الجثث و ترحل و تتكلف أموالا زائدة في رشوة الشرطة و القضاة و المحققين .. أما لوسيانو فكان يأخذ الجثث ... ويحولها إلى أموال .. أقصد إلى لحوم .

    من أنا ؟ أنا طبيب أمريكي أدعى جوزيف لستر .. متخصص في أمراض الدم .. و أنا أعمل تحت إمرة المافيا .. تحت إمرة لوسيانو المحظوظ .. أين أعمل ؟ يمكنك أن تقول أنني أعمل في مذبح ... مذبح متطور مخفى بمهارة شديدة في قلب نيويورك ... مذبح من المذابح التي جعلت أفكار الزعيم لوسيانو تتحول إلى حقيقة واقعة .. مذبح للحوم البشرية .

    هذا المذبح موجود بداخل نادي كبير تديره المافيا ..وهو عبارة عن مبنى في منتصف النادي .. مبنى يبدو عاديا .. لكن لا يدخله إلا المصرح لهم .. عادة لا يعرف أحد من هم المصرح لهم .. أو ماهو هذا المبنى بالضبط .. هذا المبنى هو مقر عملي .

    كل صباح تأتي إليً مجموعة من الجثث الموضوعة في أكياس سوداء ...ويكون عليً أنا و مجموعة من الأطباء و مختصي التحاليل أن نفحص الجثث جيدا ونأخذ كل التحاليل اللازمة للتأكد أن الجثة يمكنها الدخول إلى المذبح .. فلو كان الميت مريضا بمرض ما تعتبر الجثة مرفوضة .. ولو كان سليما يتم نقل جثته إلى الخطوة الثانية و الأكثر أهمية في هذه العملية كلها وهي طبعا .. المسلخة .

    في المسلخة طبعا حيث يتم سلخ الجلد بطريقة احترافية وباستخدام أحدث الطرق ... ثم إلى المشرحة حيث يتم تشريح الجثث و نفخها و رمي الأحشاء تماما مثل أي حيوان وبعدها إلى مكائن تقطيع اللحم و ترتيبه ثم في النهاية إلى الثلاجات الكبيرة .. كل هذه الخطوات لا علاقة لي بها بالطبع .. أنا موجود فقط في الخطوة الأولى .. أنا أسمع في بالك سؤالين ... كيف تتم الاستفادة من اللحوم المنتجة و لماذا لم يسمع أحد بعد عن هذا النشاط الإجرامي المروع بعد .. سأؤجل إجابة السؤال الأول قليلا وسأجيب عن الثاني .

    أولا يجب أن أخبرك أن كل العاملين في هذا المذبح أو أي مذبح مماثل في أي ولاية أمريكية يأخذ راتبا يزيد عن أعلى حد يمكن أن تتخيله لراتب شخص على ظهر هذا الكوكب .. وبالتالي لا يفكر أحد في الخيانة .. ثانيا العاملين يتم اختيارهم بحرص شديد و دراسة متأنية جدا .. ويكونون مراقبين ومهددين هم وعائلاتهم لو فكروا مجرد تفكير في إفشاء السر .

    إن اللحوم البشرية هي بلا منازع أطيب و أطعم أنواع اللحوم كلها .. حتى أنها أكثر حلاوة من اللحوم البحرية للأسماك و غيرها .. لكن كيف كانت فكرة لوسيانو للاستفادة من تلك اللحوم ؟ في بداية المشروع كانت كل اللحوم تذهب للمطاعم الراقية التي تديرها المافيا في أمريكا .. ثم تطور الأمر ليصل إلى الفنادق الراقية .. نعم إلى الفنادق .. بالطبع لا يعلم أي من هذه الجهات أنه يحصل على لحوم بشرية .. هم يشترونها من أشهر أسماء مزارع العجول و الأغنام في أمريكا .. وهذه وكما لا يعلم البعض .. تسيطر عليها المافيا أيضا .

    أرباب هذه المزارع أنفسهم لا يشكون في تلك الأكياس المحتوية على لحوم حمراء و مكتوب عليها عبارة خاص ... باختصار أقول الكل يتم خداعه واستغفاله .. لأنه ليس هناك أحد يمكنه أن يشك لحظة أن لحوم البشر يمكن أن يفعل بها هذا .... لم يكتف لوسيانو بهذا الحد .. لقد كان ينظر لأهداف أبعد من هذا بكثير ... و لقد تحقق له ما أراد كما أراد بل و زيادة .

    كان لوسيانو يود تصدير اللحوم إلى أربعة أسماء تحديدا ... كل اسم منهم عبارة عن سلسلة مطاعم أمريكية Fast Food شهيرة تفرعت ودخلت كل مدن العالم بلا استثناء ... كان هذا سيعني أرباحا لا مثيل لها و لم يحلم بها شخص حي .. لكن كان هذا سيعني أيضا لو نجح الأمر .. أن معدل الجريمة و نسبة القتلى من أعمال المافيا يجب أن تتضاعف .. وهذا لم يكن مشكلة بالنسبة لزعيم المافيا الأمريكية .. فقتل الناس لا يوجد ما هو أسهل منه .

    بعد فترة من الزمن حقق لوسيانو حلمه .. و دخلت لحومه إلى الأربعة أسماء الكبيرة .. أكبر أربعة سلاسل مطاعم أمريكية عالمية ... ليس هذا فقط .. بل إن هذه الأسماء الأربعة أصبحت مع مرور الزمن لا تستورد إلا من مزارع لوسيانو وحده ... ذلك لأنها لاحظت أن تلك اللحوم مختلفة جدا .. وبسبب هذه اللحوم فإن الزبائن تزداد و شهرة هذه الأسماء تزداد حتى أصبحت اليوم أشهر سلاسل مطاعم في العالم و المدينة التي تخلو منها في أي مكان في العالم تصبح مدينة بدائية و مملة جدا … نعم فكل زبون يأكل لحوم هذه المحلات يشعر باختلاف واضح جدا بينها و بين أي لحوم أخرى مصنوعة بنفس الطريقة … إن الخلطة السرية التي وراء هذا كله هي لوسيانو .. تشارلز لوسيانو .

    أنا لا أمزح هنا يا سادة ... ليس من أحد منا إلا و يتردد على هذه الأسماء مرة في الشهر على أقل تقدير ... نعم أقولها و أعني كل حرف فيها ... نحن كلنا منهم .. كلنا في الحقيقة آكلي لحوم بشر بدون أن نشعر أو يشعر أي شخص .. و أنا هنا لأوقظكم من هذه المهزلة قبل فوات الأوان .

    لقد عملت في هذه المهنة ما يزيد عن عشر سنوات كاملة .. حتى أتى عليً اليوم الذي لم أستطع أن أتحمل ... فنسبة الجريمة زادت كثيرا بطريقة لا يمكن السكوت عنها .. لكن كما نعرف فالمافيا دائما تسكت الأفواه .. ترشي كل من يمكن أن يسهل لها عملها أو يتظاهر بأنه لا يرى .. و الرشوة تكون بالمال أو بأي طريقة أخرى .. لقد جعل لوسيانو من جريمته المروعة جريمة كاملة .. كاملة إلى درجة أن شخصا لم يفهم حتى الآن .. دقته الشديدة في كل خطوة حالت تماما دون أن يفهم أي شخص أي شيء ... لم أستطع التحمل أكثر ...كان لابد أن أفشي السر الذي أثقل كاهلي كل هذه السنين .

    في يوم بعد أن أنهيت عملي في المذبح إياه توجهت بسيارتي بسرعة جنونية إلى مبنى الشرطة الفدرالية الأمريكية FBI في نيويورك .. ودخلته و أنا في حالة يرثى لها وطلبت مقابة المدير لأن لدي أمر هام لا يمكن تأجيله .. أمر يتحدث عن البشرية المخدوعة .. عن مهزلة يجب إيقافها بأي شكل .. ظللت أنتظر قليلا حتى دخلت عليه .. مدير الشرطة الفدرالية بنفسه .

    كان الرجل مبهورا تماما بما أحكيه ... وظل مبهورا هكذا حتى انتهيت من قصتي .... نزل من جبينه عرق أظنه عرق المفاجأة من هول ما سمع ... قلت له أنني مراقب أنا وكل العاملين في تلك المنشأة و كل المنشآت المماثلة التي يديرها لوسيانو في أمريكا ... ولن أخرج من هذا المكان حتى يتم القبض عليه .. لأنني لو خرجت من هنا قبل ذلك فسيكون غالبا إلى القبر .

    كان الرجل متفهما جدا و استمع إلى كل كلمة قلتها بحرص شديد .. ثم إنه غاب عني ما يقرب من عشرين دقيقة ثم عاد إلىً و قال أنني يجب أن أخرج معه إلى المذبح بنفسي .. و سأكون تحت حراسة الشرطة الفيدرالية ... ثم إنه أجرى اتصالا أمر فيه أن تتواجد قوة من الشرطة الفدرالية عند المذبح الذي أعمل فيه .. أكملت طريقي معه حتى وصلنا إلى المذبح ... لكن أين تلك القوة التي طلبها ؟ دخلنا معا رغما عن الكل .. فهذا مدير الشرطة الفدرالية شخصيا ... ثم إنه دخل معي إلى مكتبي في داخل المبنى .

    انتظرنا ... ماذا ننتظر ؟ لا أدري .. قال إن لديه خطة أمر رجاله بتنفيذها حتى يقبض على لوسيانو متلبسا.... مرت أكثر من ساعة .. سمعت صوت ضجة في الخارج ... فجأة انفتح باب المكتب و دخل عليً آخر مجموعة من البشر أتوقع رؤيتهم في هذه اللحظة .

    عائلتي ... زوجتي سامنثا ... ابنتي الصغيرة مارجريت .. والدتي .. عماتي .... كل من يعيش من عائلتي في نيويورك .. ليس هذا فقط ... بل رأيت أصدقائي أيضا ... لم أفهم شيئا في الوهلة الأولى .. لكنني فهمت كل شيء في الوهلة الثانية .

    لقد كانوا مقيدين ومكممين ... نظرت إلى مدير الشرطة باستغراب .. كان يبتسم ساخرا ... وسرعان ما تحولت ابتسامته إلى شراسة مفاجئة فأمسكني من ذراعني و جذبني معه إلى خارج الغرفة ... وظل يمشي بي حتى أصبحنا في منتصف قاعة الاستقبال في المبنى .. ثم ألقاني أرضا بقسوة ... كان هناك تجمع من العاملين المندهشين ... رأيت رجال المافيا يدفعون عائلتي و أصدقائي المقيدين المكممين إلى القاعة بجانبي .

    لا يلمني أحدكم .. لأنه ليس من المتوقع مطلقا أن يكون رجل الأمن الأول في نيويورك تابعا للمافيا .. إن المافيا لا تمزح في هذا الأمر بالذات .. لا تمزح مطلقا .. لن يكتفوا بقتلي ... بل سيقتلون كل من أعرفه و يحتمل أن أكون قد أخبرته أو نوهت له عن الأمر ... يريدون إخفائي من الوجود تماما .. بكيت .. بكيت كما لم أبك في حياتي .. أنا لم أخبر أحدا من هؤلاء عن شيء ... لكن من يسمعك .. كان لوسيانو مجرما ... مجرما حقيقيا .

    لم أصدق عيناي ... فجأة أصابتني طلقة من مسدس كاتم للصوت في صدري فجثوت على الأرض في ألم .. كانت عيناي تبكي دما .. تمنيت ألا أرى ما أراه .. كنت أرى كل عائلتي يقتلون واحدا واحدا .. يا إلهي .. اتركوا ابنتي الصغيرة ذات السنوات العشر فهي لا تفقه من الأمر شيئا ... لكنك تحدث المافيا هنا .. و أنت لن تدرك معنى كلمة مافيا حتى تتعامل معهم .... متٌ أقسى موتة يمكن أن يموتها إنسان .. و أظنني أستحق هذا إلى حد ما .. فمجرد قبولي لهذه الوظيفة الإجرامية منذ البداية كان خطأ مقززا أستحق عليه الموت ألف مرة .

    في اليوم التالي اجتمع لوسيانو بكل زعماء المافيا في أمريكا ... كان اجتماعا كبيرا من اجتماعاته الشهرية ... أولئك المجرمين الذين يرتدون أفخر أنواع البزات الإيطالية و يدخنون التوسكانيللو ببرود ... أولئك المجرمين الذين جلسوا على مائدة كبيرة فيها كل ما يمكنك أن تتخيله من طعام ... وطبعا مادام لوسيانو هو المضيف فإن اللحوم ستكون من نوع خاص ... نوع بشري .

    لقد كانوا يلتهمون جوزيف ليستر ... وزوجة جوزيف ليستر .. و اينة جوزيف ليستر .. و عائلة و أصدقاء جوزيف ليستر .. ذلك الطبيب الغبي الذي ضحى بالمعيشة الراقية التي كان يعيشها و التي لا يحلم بها أكبر طبيب في أمريكا .. ضحى بكل هذا لأجل أن ضميره قد استيقظ فجأة .

    كانوا يلتهمون جوزيف ليستر و يضحكون .. و ترتفع أصوات الشوكات و السكاكين على مائدتهم .. كم تمنيت لو خرج صوتي للعالم ... ليعلم الناس أنه لست أنا فقط الذي أؤكل على هذه المائدة الفاخرة ... بل إن هناك غيري الكثير جدا يأكل غيري على موائد أخرى .. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه .

    إن لوسيانو لا يزال حيا حتى هذه اللحظة ... لكن في سجن نيويورك .. بالطبع كانت لديه ألف تهمة استحق القبض عليه بها .. لكن أحدا لم يعرف بأمر مذابحه الخاصة أبدا ... و يوم إعدامي أنا وعائلتي أمام كل عاملي المذبح كان درسا ... تم تدريسه لكل العاملين في هذا المذبح و كل المذابح البشرية الأخرى .

    إن مجلة التايمز الأمريكية وضعت اسم تشارلز لوسيانو ضمن أكثر عشرين شخصية إجرامية غيرت مجرى التاريخ .. فله أعمال إجرامية أخرى كثيرة لا علاقة لها باللحوم البشرية .. سترون لوسيانوا في الكثير من أفلام المافيا .. وستقرأون عنه في الإنترنت ... لكن أحدا لن يخبركم بسره الخاص .. سر اللحوم البشرية

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية صرخة الرعب

    حكاية صرخة الرعب


    " هناك فرق .. بين الفتاة تصرخ لما ترى صرصارا .. وبين الفتاة تصرخ لما ترى شيطانا "


    كان يا مكان .. فيما انقضى من الزمان .. كان هناك حي حديث بالقاهرة .... حديث جدا .. و هاديء جدا .. اقتربت الكاميرا ببطء لتصور لك مشهد عمارة حديثة في هذا الحي ... متوسطة الطول.. عالية المستوى جدا .. ودارت الكاميرا يمينا ثم شمالا بحركات سينيمائية .. حي مصري حديث عادي جدا .. عواميد نور.. اسفلت من المستوى الأول .. شاب و فتاة يمشيانن و يتحدثان في أمور لا أهمية لها .. حارس العمارة يجلس على كرسي خشبي بجلبابه الرمادي و يدخن .. حي راق كما يصفه الناس .. تعود الكاميرا لتركز على العمارة .. و تقترب من شرفة مضيئة في الدور الأول . اقتربت أكثر .. هناك جلسة نسائية عائلية فيما يبدو .. آنسات يثرثرن في أمر ما .. و بدأت الكاميرا تركز على فتاة واحدة .. وعلى طريقة الأنمي الياباني .. ظهر اسمها بخط أبيض على الشاشة .. كان اسمها زهرة شرف الدين.. بفتح الزال .. لها ملامح الحور العين بالضبط لو كنت تعرف أوصافهن .. كانت تتحدث و تبتسم ثم تتحدث .. هذا طراز الجلسات العائلية دائما .. أطنان من الابتسامات و المجاملات .

    مرحبا .. أدعى زهرة .. في السابعة عشرة من عمري .. إن خالتي إكرام تملك عمارة كاملة في التجمع الخامس بالقاهرة .. تلك العمارة أكرهها رغم جمالها ... حكايتي معها لن تمحى من ذاكرتي ولو فقدتها ..
    حكاية شيطانية .. دعوني أبدأ مباشرة .. تبدأ حكايتي عندما كنت جالسة في الشرفة في بيت خالتي في الدور الأول من تلك العمارة ... كانت معي أختى الكبرى أسماء .. و ابنة خالتي مي .. نتحدث كلنا في أمر ما .. وللحظة خيل إلي أنني سمعت صوت ساحرة تحترق .. بل جنية تذبح .. بل طفلة تتمزق .. كانت صرخة .. صرخة سمعتها في قلبي وارتجفت .. صرخة أنثى .

    انتفضت أنا و أختي من مكانينا .. لكن مي بقيت كما هي و رسمت على وجهها تعبير( أوه - ليس - مرة - أخرى ) وبادرتنا قائلة بسرعة : هذه هي الفتاة التي أخبرتكما عنها من قبل .. كانت مي قد حكت لنا السنة الماضية عن وجود فتاة مريضة نفسيا في العمارة المجاورة لهم ... وهذه الفتاة المريضة تصرخ كل يوم صراخا مريعا حتى أصبح الأمر عاديا عند أهل الحي ..أذكر من حكايتها أن أهلها كانوا يحبسونها في قبو العمارة ويغلقون بابه بالمفتاح ... لكن هيهات .. الأمر يختلف تماما عندما تسمع عنه و عندما تعيشه بنفسك ... كيف أصف الأمر لمخيلتك ... إنها بدت لي وكأنها
    صرخة أنثى لدغها ألف ثعبان .

    استأذنتنا مي وذهبت لفعل شيء ما .. بقيت أنا و أسماء مرتعبتين جدا .. كنا نرتجف .. وجدنا نفسينا نقرأ المعوذتين و آية الكرسي معا بصوت عال حتى تطمئن قلوبنا ... وحتى أفيق من أثرتلك الصرخة أترك خالتي إكرام تحكي لك ما حكته لنا لما جلسنا معها في جلسة الشاي بالداخل... تفضلي يا خالتي ..

    لقد قررت أنا وزوجي بعد سنين من العناء أن نبني عمارة في حي من الأحياء الحديثة بالقاهرة تكون سكنا لنا و لأولادنا .. يتزوجون فيها و نكون فيها كلنا معا .. وبدأنا فعلا في أمر البناء الذي استغرق وقتا لا بأس به .. وكنا نتابعه كل سنة حتى اكتمل .. ثم بدأ العمل على تجهيز الحوائط و الأرضيات من الداخل .. ثم بدأ العمل في تجهيز الشقق نفسها ... ثم بدأنا في فرشها ... كان الأمر مكلفا جدا .. نقود و ديون و عناء نفسي حتى شارفنا على الانتهاء منها .

    وذات مرة ذهبت مع زوجي للعمارة لأضع بعض الأشياء في الشقة بالدور الأول و المفترض أنها ستكون شقتي أنا و هو .. وبينما أنا أرتب الأغراض هنا وهناك سألته عن الجيران .. قال أنهم كلهم طيبون ومسالمون ... لكن جارتنا في العمارة المجاورة لديها ابنة مريضة ... ظننت أنه يعني أنها معوقة مثلا أو شيء من هذ القبيل .. دعوت الله أن يشفيها ... ويصبر أهلها .

    ثم توضأت و بدأت أصلي الظهر .. وفجأة انتفضت .. سمعت
    صرخة عالية جدا و أليمة جدا تأتي من مكان قريب جدا ... خرجت من الصلاة مفزوعة و نظرت إلى الشارع .. لا شيء .. كل شيء هاديء .. حتى الناس يمشون ويضحكون بشكل طبيعي جدا .. وكأن الصرخة جاءت إلى أذني انا وحدي ... هرعت إلى زوجي الذي بدا طبيعيا هو الآخر ... قال لي : لا تقلقي .. إنها الفتاة المريضة التي أخبرتك عنها .. إنها مريضة بالتوحد .. كما أن لديها ضمور في المخ .. لكنني لم أسمع باقي الكلام .. قلت له بحزم ... اسمع يا عزيزي .. لا يمكنني أن أعيش هنا .

    بعد أيام أتت أختى و زوجها لزيارتي... كنت أبكي بحرقة .. للأسف لا يمكننا الانتقال من هنا ، لقد بذلنا كل ما لدينا في أمر هذه العمارة ... ولكن لا يمكنني العيش هنا وسماع هذه الصرخة الرهيبة كل يوم .. إن الصرخة تؤلم .. وكأنها تجرح روحك ذاتها بخنجر ملتهب .. كان رأي زوج أختي أن أهدأ تماما و أن أحمد الله أنه لم يكن في أحد أولادي ... وأن أدعو لها بالشفاء ... ثم قال لي أنه يجب أن أكلم والدة الفتاة و أتعرف عليها لأعرف منها الحكاية كلها .

    وجدت نفسي ذات يوم أطرق باب الدور الأرضي في العمارة التي تجاورنا .. فتحت لي الباب سيدة في الثلاثينات نظرت لي بتساؤل .. بعد مرور ساعة من هذا المشهد خرجت من ذلك البيت مندهشة و أضرب كفا في كف .. و أسأل نفسي بصوت عال عن العالم الذي فقد معنى الإحساس .

    لما جلست مع المرأة وفاتحتها في أمر تلك الصرخة الرهيبة ... قالت لي بدهشة :
    - ماهذا ؟ أيصلكم الصوت حقا ؟
    يبدو أن هذه السيدة تهذي ... إن كل من في الشارع يسمعه ... قالت السيدة :
    - لقد أتيت من مدينة نصر خصيصا إلى هنا بسبب هذه البنت ... صوتها كان يصم آذان الجيران ... قلت أنني سأنتقل لحي واسع في الصحراء حتى لا يؤذي الناس صوت ابنتي المريضة .
    قالت هذا ثم قامت لتحضر كوبين من الشاي ...

    بصراحة أصبح قلبي أقوى من ناحية الفتاة لما جالست هذه المرأة .... كانت تتحدث و تسخر و تضحك بين الكلمة و الكلمة و حتى أنها تسخر على ابنتها نفسها ... كنت مندهشة جدا لكنني سألتها :
    - لماذا لم تذهبي بها إلى مستشفى ؟
    ردت بسرعة :
    - تعرفين ما تفعله المستشفيات في المساكين أمثالنا .. تحاليل و استغلال .. والنهاية مخيبة للآمال و مضيعة للنقود
    قلت لها بإصرار:
    - ولماذا لم تحضروا لها طبيبا في البيت؟
    قالت بلهجة عتاب :
    - من قال أننا لم نحضر لها طبيبا ؟ لقد أحضرنا لها طبيبا و أعطاها علاجا منوما ... وقال لي أن الجلوس معها لا يفيدها ولا يضرها ... لأنه مثلها مثل هذا الكرسي لن يفرق معها .

    كرسي ؟ هذه المرأة تستخدم مصطلحات قاسية نوعا ما على ابنتها ... أكملت المرأة قائلة :
    - لكنني لا أعطيها الدواء
    سألتها باندهاش جزع :
    - لماذا ؟ لماذا لا تعطينها العلاج ؟
    قالت بهدوء :
    - لأنني أريد أن أتركها تلعب و تعيش حياتها طبيعية .. لا أريدها أن تقضي بقية حياتها في النوم
    قلت لها باستنكار :
    - أنت يجب عليك الالتزام بتعاليم الطبيب .. هذا يمكن أن يؤذيها .. كيف تتجاهلين تعليماته هكذا لآراء شخصية قد تكون خاطئة .
    قالت بلهجة غير محببة :
    -أنت تقولين هذا لأن صوتها يضايقك .. لكن لا تقلقي .. سأعطيها الدواء المنوم بانتظام .. أعدك .
    شعرت بالغضب و قلت :
    - لا تفهميني بالعكس من فضلك .. إني مشفقة عليها جدا .
    ثم قلت و كأنني تذكرت شيئا :
    - ثم إن هذا سيكون أفضل مثلا لو أتى عريس لأخواتها ... سيخاف ويقلق جدا لو سمع هذا الصراخ
    قالت المرأة باندفاع :
    - فليذهب في ستين داهية .. يأتي غيره ألف عريس... ولو أتى عريس أصلا سأجعلها هي أول من يسلم عليه .

    شعرت أنني ضايقتها ..ربما لمست وترا حساسا ... سألتها محاولة تغيير مجرى الحديث :
    - لماذا لا تشغلين عليها القرآن ؟ ربما تهدأ
    قالت المرأة باستنكار :
    - قرآن ؟ ولماذا ؟ تريدينني أن أؤذيها ؟ لماذا ؟ ماذا عملت لك هذه المسكينة ؟
    قلت باندهاش غاضب :
    - ماذا تقصدين ... كل الناس تحتاج لسماع القرآن ... كل الناس الصحيح منهم و السقيم
    شعرت أن المرأة ليست مرتاحة من وجودي في الكون .. قالت لي :
    - دعك من هذا الأمر ... أخبريني كيف كان شعورك لما سمعت الصرخة لأول مرة ؟
    إن هذه المرأة مختلة ... هذا مؤكد .. قلت لها :
    - ماذا تعني بهذا السؤال ؟ طبعا شعرت بالذعر الشديد لما سمعتها لأول مرة .. وكأن هناك فتاة تحترق ...تتعذب ... كنت أريد أن أطلب الشرطة لولا أن زوجي أخبرني بحقيقة الأمر .

    هكذا انتهت كلمات خالتي .. كانت
    حكاية عجيبة جدا ... وبات واضحا أن هناك شيئا ليس على ما يرام في الموضوع .. لا أدري أين .. لكن هناك شيء غريب .. قررت أنا و أسماء أن نذهب من هنا ... استأذنا خالتي و قمنا .. نزلنا إلى الشارع وفي ذهنينا مئات الأفكار ... وفجأة انطلقت الصرخة للمرة الثانية ... وياللألم الروحي الذي يصاحب سماعها .

    غبت أسبوعا انشغلت فيه بأمور حياتي ... ثم صدف أن زرنا خالتي مرة ثانية .. كنا جلوس لديها في غرفة المعيشة ... وبين أطراف الحديث سألتها عن الفتاة التي تصرخ .. قالت أنها سمعت أنها تأخذ دواءها بانتظام ثم إنها كـ .... جاءها التكذيب في صورة حية تذبح بخنجر قديم ...
    صرخة هزت أرجاء الوجود حتى جعلنا أصابعنا في آذاننا جميعا .. إن الصرخة ليس صاخبة لكنها تخترق روحك فتشعر أنك أنت الذي تصرخ .. مرت دقائق من الصمت حتى قالت مي :
    - هذه أول مرة أسمعها تصرخ منذ فترة طويلة .. هذا حظكما

    دقائق أخرى و سمعنا صوت ضربات يبدو من صوتها أنها تضرب على سطح معدني سميك ... سألت مي فقالت لي أن الفتاة اعتادت أن ترمي بالحجارة على باب القبو ... لم أجد وقتا للاستغراب حيث شقت الهواء فجأة
    صرخة مكتومة .. صرخة تصرخها و شفتاك مغلقتان ... وهذه ذات تأثير روحي جارح جدا لو سمعتها .. قلت لمي :
    - هي الفتاة أيضا ؟
    أومأت برأسها أن نعم .. ثم قالت:
    - أقترح أن نقوم كلنا الآن و ونذهب من هنا .. حتى يمكننا النوم على الأقل .

    إن التأثير المرعب لهذه الصرخة يمتد معك لساعات طويلة ... وقصة الفتاة ووالدتها غريبة الأطوار يجعلاني أفكرفي احتمالات شريرة كثيرة .. فكرت مثلا أن هذه ليست أمها ... أمها الحقيقية ماتت منذ زمن وما هذه إلا واحدة من عبدة الشيطان تحاول تقديم البنت قربانا له ... ولهذا ترفض القرآن و تقول أنه ربما يؤذيها .. فكرت أيضا في احتمالات أن تكون الأم ساحرة فودو .. لكن لا أظن .. إن هذا البيت تعيش فيه الأم و ابنتها و أخوات البنت .. عائلة عادية فيها عضو مريض نفسيا ... ضمور في المخ .. توحد ... هذه الأمور تحدث .. أنا أهول الأمور ليس إلا .

    مرت الأيام و الليالي وانشغل كل ذي شغل بشغله و كل ذي لهو بلهوه .. كنا في إجازة آخر العام ... سافرنا إلى الإسكندرية و عدنا .. و أخذت أيامي الأنثوية العادية تنقضي بين تسوق و تلفاز و ثرثرة و Facebook .... لا أدري من قال أن الدراسة مملة و الإجازة ليست كذلك ؟... كلاهما له روتين ممل خاص به ...وكانت هذه الإجازة رتيبة حتى أتت أسماء و قالت لي :
    - زهرة .. نحن مدعوون لعيد ميلاد نسرين .
    - وما نسرين ؟
    - هي تلك الفتاة التي تصرخ ليل نهار بجوار بيت خالتي .

    عمارة حديثة في التجمع الخامس .. الكاميرا تقترب منها في هدوء مقلق .. ثم تلتفت الكاميرا و تحيد عن تلك العمارة و تقترب مسرعة من عمارة مجاورة .. ليست أقل حداثة .. لكن يبدو أن فيها احتفال ما .. يمكنك أن ترى باب العمارة و أبواب الشقق مفتوحة و الأنوار مضاءة و كذلك النوافذ ... تتوقع أن تدخل بك الكاميرا إلى ذلك الحفل لكنها تحيد مرة أخرى فجأة و تتجه مسرعة إلى القبو .. كان بابه مفتوح على مصراعيه .. ثم تدخل بك لترى المشهد بالداخل .

    كأن إعصارا كان ينام في هذا المكان .. كل قطعة تدخل تحت بند الأثاث تراها مقلوبة .. أو محطمة .. وهناك كثير من العرائس مخلوعة الرأس أو اليدين ترتمي هنا و هناك ... ألعاب محطمة ... دماء .. مياه .. فرش مبعثرة على سرير حديدي .. الصورة التي تتكون في ذهنك فورا هي أن هذه زنزانة .. ليست أي زنزانة.. إنها زنزانة شيطان ... شيطان طفل .

    نعم وافقت على الذهاب إلى حفل عيد الميلاد ... قالت لي أختي أسماء أنهم أعطوها كمية لا بأس بها من العقاقير المهدئة .. حتى أنها ستبدو كالهرة الوليدة طوال الحفل .. وأنه لا خوف مطلقا .. وأن الحفل سيكون فيه حضور كثير منهم رجال .. فلا داعي للخوف ... فلسنا نحضرعيد ميلاد المينوطور هنا .. ما هي إلا ابنة ما يزيد قليلا عن العشر سنوات .

    ازدحام من ذوي الطبقة المتوسطة الأقرب للعلو .. أكواب كركديه .. الكثير من النساء .. يمكنك أن تعد خمسة أو ستة منهن مألوفات ... هناك رجلين أو ثلاثة ينظرون إلى ساعاتهم كل ثلاث دقائق .. تدور بك الكاميرا حول كل تلك الوجوه ثم تمر من بين الأجساد لتركز معك على فتاة واحدة صغيرة تعطيك ظهرها .. شعر أسود ناعم .. فستان أبيض و أحمر .. جسم هزيل .. تقرر الفتاة فجأة أن تستدير إليك .. نعم إنها هي .. نسرين ... صاحبة الصرخة .

    شقت الأجواء أسهم من نار استقرت في قلوب كل الحضور فأسقطتها عند أقدامهم .. بل هي
    صرخة واحدة اعتلت الأجواء فتهدمت لها كل الأفئدة .. والتفت الكل بأعين متسعة إلى المصدر ... وليتها اكتفت بصرخة واحدة .. بل ليتها اكتفت بالصراخ وحده .

    كانت ستبدو للخبراء وكأنها نوبة صرع عادية من طراز Grand mal Epilepsy و لغير الخبراء ستبدو وكأنها شيطان مجنون تهيأ على هيئة فتاة في العاشرة .. لم تكتف نسرين بالصراخ .. بل إنها تحركت ناحية المائدة و هي تصنع تلك الصرخة المكتومة .. ثم أخذت كوبين من الكركديه و ألقتهما بقوة رهيبة ناحية أحدى النساء .. اصطدم أحد الأكواب بكتف المرأة وسقط الكوبان و انكسرا على الأرض ... واستمر الصراخ المؤلم .

    ومثل ذئبة صغيرة تحركت إلى الباب الرئيسي و وأوصدته بسرعة ... ونظرت إلى الكل بغل واضح .. هذا ليس صرعا .. هذا عفريت من الجن يبدو كطفلة .. إن من أكثر المناظر رعبا لما ترى ملامح الطفل البريئة تتوحش كالشياطين .. إن حالنا لا يخفى عليك يا عزيزي .. بعضنا سقط مغشيا عليه و ارتاح .. و بعضنا الثاني احتضن بعضنا الآخر في جزع .. لم يكن هذا كل شيء ... فقد قررت تلك الذئبة أن تطفيء الأنوار .. و بضغطة من يدها الصغيرة أظلمت الأجواء ... و أظلمت قلوبنا من
    الرعب .

    وهنا أفاق رجلين من غيبوبتهما و تحركا بعنف .. كانا يمضيان في الظلام بغير هدى .. سمعت فحيحها الصارخ مرة أخرى .. ثم سمعت صوت رجل يطلق سبة بذيئة .. دقائق و ضغط أحد الرجلين زر النور فعادت الرؤية تتضح .. كانت الفتاة تتصارع مع الرجل الآخر .. نظرت إلى حجم المتصارعين و رأيت أن الطفلة قد أنشبت أسنانها في يده .. ثم إنها تلقت صفعتين رهيبتين من يد متورمة غاضبة فسقطت على الأرض وهي تزوم .

    أطلقت تلك الصرخة المكتومة التي تحمل الكثير من معاني الغيظ و البغض ثم قامت .. تبدو و كأنها ميدوسا بهذا الشعر الثائر .. كانت تضغط على أسنانها و تهمهم بكلمات ما .... أيما كان ما تقوله فقد كان مرعبا جدا .. إن حالنا لا يخفى عليك يا عزيزي .

    ثم تحركت بسرعة خارقة ناحية كعكة عيد الميلاد .. و أخذت السكين الذي كان يفترض أن نقطع به الكعكة .. لكن يبدو أنها قررت أن تقطع به أشياء أخرى .. أشياء بشرية .. صرخت
    صرخة أخرى .. يبدو أن حديثها الصراخ .. إنها لا تصرخ صرخات ألم .. بل صرخات حديث .. كل صرخة لها مغزى معين و طريقة معينة .. صرخة تهديد .. أو صرخة غيظ .. أو صرخة غضب .. أيا كان نوع صرختها هذه المرة فقد أمسكت بالسكين و ركضت بسرعة ناحية خالتي .

    يستحيل أن تجاري سرعتها .. ورغم أنها طفلة إلا أنه من الصعب أن تجد في نفسك الشجاعة للوقوف أمامها و هي بهذه الحالة .. تراجعت خالتي في رعب و كعادة الذين يتراجعون في رعب تعثرت في شيء ما ووقعت على ظهرها ... وبدا أنها النهاية في أبشع صورها .

    وفجأة نظرت الشيطانة للأعلى و اتسعت عيناها بشكل مرعب جدا و بدا على وجهها علامات ألم قاس .. ثم تحولت نظرة الألم إلى نظرة ذهول بذات العين المتسعة ... فتحول الذهول إلى دموع ... و الدموع إلى بكاء ... بكاء طفلة .. أخذت الفتاة تبكي و تبكي ثم سقطت على الأرض ... وذهل الحضور .. وهنا تحركت أمها .. و تحرك من وراءها عدة نسوة في حذر .. دفنت الأم الفتاة في صدرها و احتضنتها .. و أخذت تميل للأمام و تعود و تربت على رأس الفتاة .. ثم فجأة علا صوت الحضور و كأنك كنت ضاغطا زر الـ Mute .. احتجاج .. مواساة ... حوقلة .. بكاء .. كانت لوحة جديرة بدافينشي أشد تأثيرا من لوحة العشاء الأخير .

    لم أفهم شيئا .. ولم يفهم أحد شيئا .. ولم تفهم الأم شيئا .. لكني فهمت بعد حين .. و بعد استشارات عديدة ... طبعا وبلا شك كان ما يحدث لهذه الفتاة أمر شيطاني بحت ... لكن لغز ليلة عيد الميلاد يكمن حله في توقيت الاحتفال الذي وافق آخر يوم في شعبان .. حيث بدأ الحفل قبل المغرب بقليل .. واستمر ما يقرب من الساعة عانينا فيها أقسى مشاعر الخوف ثم غربت شمس ذلك اليوم ودخل الليل .. وفور حدوث هذا ..

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي حكايات زورك نيميسيس .. حكاية نداء الشيطان

    حكاية نداء الشيطان


    "عندما تحاول جنية أن تتقرب للزواج منك فهذا عادي .. أما أن يطلبك للزواج شيطان رجل فلتقل على الدنيا السلام "


    "سارعي .. للمجد والعلياء ........ ....... ....... ....... ........ عاش المليك .. للعلم .. و الوطن " .. نظرت إلى من كان يقف بجواري ... كائن مغمض العينين .. فاغر الفاه ... تأملته قليلا بتمعن ثم رفعت عيني إلى ساحة المدرسة .. كائنات مغمضة العينين .. فاغرة الأفواه .. تتململ بتثاقل كأفراس النهر في انتظار انتهاء النشيد الوطني .. إنهم هنا يشغلونه في الطابور عبر كاسيت أمامه مايكروفون .. اختراع صممه الأستاذ دعبس بعد اليأس التام من أن تنشد أفراس الـنهر ... رحم الله أيام اسطنبول حيث كان الكل يقف كالعواميد يصرخون بتحية العلم بجنون وكأنه فيلم القلب الشجاع .

    بعد انتهاء الطابور وفي الطريق المتململ إلى الفصول .. وكعادته الأزلية ، كان يجب أن يخرجني المدير ليلسعني لسعتين بالعصا لعدم ارتدائي الزي الرسمي السعودي .. هذا يحدث كل يوم لأنني لم أكن ألتزم به أبدا .. المشكلة أنهم هنا يصفون كل من لا يرتديه بأنه (منهم ) .. يعنون الكفار .. لأنه ببساطة من تشبه بقوم فهو منهم .. أذكر أنهم كانوا يعلقون ورقة بهذا على الجدران ... لا يبدو أنني سأحب حياتي في هذه المدرسة خاصة و أنه تبقى لي ثلاث سنوات لأنهيها .

    دخلت إلى الفصل متأخرا قليلا بعد اللسعتين .. لم يكن الأستاذ قد جاء بعد .. اتجهت إلى مقعدي في الصف الأول لا شعوريا .. و بالمناسبة فإن هناك شـ.......... دووووف .... دووووف .... دوووف ... ثم سكوت ... ثم دووووف ....ثم بشكل أسرع قليلا .... دووف دووف دوووف دوووف دووف ... الصوت يحدثه الطلاب كلهم في نفس واحد ... ألم تعرف بعد لم يفعلون هذا ؟ تنظر إلى ما ينظرون لتجد جسدا ضخما جدا جدا كبضعة أفيال موضوعين في ثوب سعودي واحد ... كان هذا هو الدمنهوري ... فتى مغربي غاية في البدانة.. وهو كلما يخطو خطوة داخل الفصل يجب أن يحدث الطلاب هذا الصوت .. و أخيرا لما يصل إلى مقعده ليجلس تسمع .. تِششششششششش .

    وفجأة سكن الكل .. وانتظموا في جلستهم .. رأيت الباب يفتح بقوة شديدة .. توقعت أن أراه ... هرقل .. ابن ملك الالهة و صاحب مدينة الأفاعي .. لكن من دخل لم يكن هو ...بل كان رجلا ممتلئا قليلا .. يرتدي ثوبا و طاقية بيضاء سعودية .. ذو لحية سوداء متوسطة الحجم تبدأ مباشرة من تحت عينيه.. تلك العينين التي اتسعت في تهديد واضح .. كان يمسك عصا متوسطة الطول في يده اليمنى . .. أعرفك .. هذا هو الأستاذ فوزي ... مدرس المواد الدينية وهي خمسة مواد هنا في السعودية .. وهذا يعني أنك سترى هذا الوحش كل يوم .. هذا الأستاذ مصري الجنسية ... لو أردت تخيله أكثر .. تخيل واحدا من عصابة القناع الأسود نمت له لحية سوداء متوسطة الطول .

    كانت حصة في آخر أيام العام الدراسي .. وقد فضل الأستاذ فوزي أن يجعلها حصة حفظ .. أي أن يستغلها الطلاب في حفظ ما تقرر عليهم من القرآن .. ويستغلها هو في إراحة كرشه على الكرسي على ألا يسمع همسا في الفصل ... دقائق و قام طالب يدعى حسن .. أبيض الوجه ، جميل الملامح ، أسود الشعر ناعمه ، ممتليء الجسم قليلا ... قام على استحياء و اتجه إلى الأستاذ فوزي الذي نظر له راسما على وجهه أعتى تعابير الصرامة .

    اقترب حسن من أذن الأستاذ فوزي و همس ببضع كلمات فرسم الأستاذ فوزي على وجهه تعبير المتفهم العالم ببواطن الأمور .. ثم أخذ حسن كرسيا من مكان ما ووضعه بجانب الأستاذ فوزي و جلس عليه معطيا ظهره للفصل .. و مال إلى الأستاذ فوزي وبدأ يتكلم بصوت منخفض حتى لا يسمعه أحد .. وفي كل دقيقة ينظر إلى الفصل في قلق ... تحولت نظرة المتفهم إلى نظرة المندهش ... ثم إلى نظرة أفراس النهر فاغرة الفاه ... ثم بدأ يجفف عرقا وهميا ... لم أستطع منع نفسي من الاشتياق لسماع ما يقولون .. يبدو أنه أمر جلل .. لا أحد يجروء على الجلوس إلى الأستاذ فوزي و التحدث معه هكذا .. ثم إن حسن هذا شخص ضعيف الشخصية جدا .. عدت أحاول سماع أي شيء لكن بلا فائدة.

    المشكلة أنه هذه الجلسة بين أستاذ فوزي و حسن أصبحت تتكرر في معظم الحصص الدينية التالية .. و أصبحا يتقابلان فيما بين الحصص و في وقت الفسحة ... فيما بعد عرفت الموضوع بأكمله من حسن الذي رواه لي بعد أن تخرجنا من المدرسة بعشر سنوات في جلسة رائقة ممتلئة بدخان الشيشة .. وظللت مندهشا من حكايته حتى لحظة كتابة هذه السطور بعد مرور عشر سنوات على سماعي لها .. لن أحك لك شيئا منها بالطبع .. سأمارس عادتي المحببة.. وأدعه يحكي بنفسه ما حدث له.

    مر.... مرحبا .. أدعى حسن خاشـ ... لا .. لا يمكنني الإفصاح عن اسم العائلة .. أنا سعودي في الصف الأول الثانوي .. في مدرسة المنارات في المدينة المنورة ... على قدر من الجمال .. أقـ .. أقصد .. احم .. أعني ... .. المهم .. بدأت قصتي على السرير .. في إحدى الليالي الحارة .. ومكيف غرفتي يضيف مشكلة الإزعاح إلى مشكلة الحر .. فضلت أن أخلع ملابسي لأكون عاري الصدر .. أحاول الحصول على النوم .. أتفلب على جميع الجهات ... أقكر في كل شيء ممل يدعو إلى النعاس ... بلا فائدة .. لازلت يقظا وكأني في مسبح بارد .. قررت أن أجرب أحد طرقي الشهيرة للحصول على النوم .. التفكير في الجنس .

    زاد هذا حالي سوءا لأنه أضاف مشكلة التعرق إلى المشكلتين السابقتين ... لم يبد أن النوم سيأتي اليوم ولا في أي يوم آخر ... وبينما أنا وسط حبات عرقي حدث ما جعلني أنتفض من رقادي و أجلس ملتصقا بالحائط كما يحدث في أفلام الكرتون ... طبعا غرفتي مظلمة .. ومن مكاني على السرير أرى باب غرفتي المفتوح .. وأرى السيب المظلم .. غرفتي في منتصف السيب .. فلما أقول أنني أرى السيب يعني أنني أرى فقط حائط السيب المواجه لباب الغرفة .. ما جمد الدم في عروقي هو أنني رأيت ما يبدو مثل النور يقترب في السيب .. وهذا النور ينعكس على حائط السيب بشكل يستفزك قائلا .. نعم إنني نور .. ونور جدا أيضا .. و أنت لا تهلوس ... ولم تهلوس قط في حياتك .

    المرعب أن النوركان يقترب بسرعة ... هذا نور لا يضيع وقته ... لا ينوي أن يدع لي فرصة لأخذ حقي الطبيعي في الارتعاب ... وفجأة اتضح لي ما كان يصنع النور ... رأيته لثانية ثم فقدت الوعي من الرعب في الثانية الأخرى .. استيقظت فجأة .. ما هذا الحر ؟ جبيني متعرق جدا .. نظرت إلى الساعة ذات العقارب الفسفورية .. إنها الثالثة بعد منتصف الليل .... نظرت لباب الغرفة ... رأيت نورا غريبا يقترب بسرعة .. ثم إنه كـ ... وهنا تذكرت كل شيء .. وصرخت بقوة ..

    أين من يعيش معي في هذا المنزل ؟ لايعيش معي أحد حاليا سوى أمي .. المشكلة أنها معتادة على عادة غبية جدا .. وهي تشغيل الراديو بجانبها على أعلى صوت أثناء نومها .. لا أدري إن كانت حالة نفسية ...يقولون أنها تفعل هذا حتى لا تسمع أي صوت من تلك الأصوات التي تجعلك تظنها أشباح.. طقطقة الأثاث .. تحريك الهواء للأبواب .. صفير النوافذ ... المهم أنها لم تسمعني .. صرخت و صرخت .. لكن النور استمر في الاقتراب بسرعة .. ثم ظهر لي للمرة الثانية .

    جسد أنثى .. ملفوف بطريقة لا تراها إلا في رسوم الكاريكاتير ... قميص نوم فوق الركبة .. بياض قمري غريب .... وجه فاتن لا تراه إلا في الميثولوجيا الإغريقية .. هالة خفيفة من الضوء تلف كل هذا برقة .. كل هذا كان عند باب غرفتي يتقدم على استحياء .. لازلت ملتصقا بالحائط .. لكن ليس بنفس قوة الالتصاق السابقة .. ثم إن تلك الإغريقية مدت يديها وفردت كفيها الرقيقين نحوي .. بالنسبة لي كان كل هذا أكثر مما يحتمله عقلي .. لذا سقطت فورا مغشيا علي .....ليست نقطة جيدة أن تخيب ظن الإغريقيات الذين يمددن إليك أيديهن في منتصف الليل .

    إن ما رأيته ولا شك جنية .. لطالما سمعت عن
    حكايات الجنيات اللاتي يتزوجن رجالا من البشر .. هذا مرعب .. سمعت عن جنيات مثل شيخة الفلسطينية ابنة الخمسمائة عام .. أو ميمونة التي تزوجت رجلا سعوديا له قصة مشهورة ... و أخرى تزوجت أحدهم ورفضت الطلاق و أخذت تطالب بحقوقها .. هذه الأمور كلها سمعتها و تكفلت المجلات و الصحف الصفراء و غير الصفراء بنشر التفاصيل كاملة .

    في ليلتي التالية .. لم أطفيء النور بل فتحت كل أنوار الغرفة و السيب .. و أغلقت باب الغرفة بالمفتاح .. ومرت الليلة بسلام .. مثلها مثل خمس أو ست ليالي تالية استخدمت فيها نفس الطريقة .. لكن كانت لدي مشكلة بسيطة خربت تلك الطريقة الرائعة .. وهي أنني شخص دائم التفكير بالجنس .. مصيبة .. يقولون أن هذا يرجع لسني لكن لا أظن .. فأنا أربط كل شيء في الدنيا بالجنس .. أن تكون جائعا منذ سنين ويأتي شخص يقدم لك مائدة طعام ملكية .. هل سترفضها وتلتصق بالحائط ؟

    في الليلة التالية أطفأت كل الأنوار الممكنة .. وفتحت باب الغرفة وانتظرت على السرير .. مهما كان نوع هذه الحسناء فأنا جائع .. لازل جمالها يحضرني ... ومشيتها تحضرني ... و نورها يحضرني .. كنت أعرف أنني وسيم جدا .. لهذا جاءتني أنا بالذات ... ظللت في مكاني أترقب .. حتى خفق قلبي .. خفقة خوف .. كأن تشعر أن قلبك سقط من فوق جبل بسرعة .. ظهر ذلك النور إياه وهو يقترب .. يالغبائي .. هذا أمر جلل الذي أريد أن أرمي نفسي فيه ... ظل قلبي يسقط من جبل إلى جبل ... وعيناي تتسعان حتى ظهرت مرة أخرى على الباب ... وهذه المرة ظلت واقفة ... واقفة مثل الدم الذي تجمد في عروقي .

    اقتربت مني .. وجهها كألف امرأة جميلة يزدحمون أمامك .. عينان كالسحر .. بل هما السحر ذاته .. شفتان حمراوتان ترى دقائقهما من بليغ دقتهما .. شعر لم تره في أجمل رسومات الأنمي .. أنثى يكفي وجهها لإشباع كل رغباتك .. فلا داعي للنظر للجسد كما اعتدت أن تفعل عند رؤية أي أنثى أخرى .. وها أنا أقوم من مرقدي .. الظلام دامس هنا .. ونورها لا يبدد الظلام و إنما يبدو كجزء منه .. لا أعرف كيف أقرب الأمر لتفكيرك .. لكن تلك الحسناء استدارت ببطء .. وتحدثت .. وليتها ما تحدثت .

    إن لاله ميرة يريدك أيها الإنسي الجميل .. ببركة استقراء المكنون .. لاله ميرة أحبك .. وبه ستملك أمر دنياك الفانية .. وله ستبذل روحك الغالية .. وعنده ستكون أيامك كلها .. ولياليك حتى بزوغ فجرها .. وفيه ستكون ببركة استقراء المكنون .. لاله ميرة هـ .... وسقطت مغشيا علي .

    بعد حوالي يومين ذهبت إلى المدرسة .. كنت في حالة مزرية .. .. طبعا لن يصدقني أحد لو ذكرت لأحد ما حدث ... وسيرسلونني لمستشفى الأمراض العقلية و أضطر لمواجهة طبيب نفسي مصري يلعن اليوم الذي أتى فيه إلى هذا المكان .. لكنني فعلت الحل المنطقي الوحيد ... قررت أن أستشير شيخا .. الشيخ الوحيد الذي أعرفه هو مدرس الدين الخاص بنا ... الأستاذ فوزي .. هو شديد جدا ولا أدري إن كان رجلا صالحا أم لا ... لكن قوة شخصيته أغرتني بأن ألجأ إليه .

    ذهبت في أحد الحصص الفارغة واستشرته .. اندهش في البداية ثم قال لي أنه خبير في هذه الأمور .. وأنه سيساعدني بنفسه... وأن له عدة قصص مع جنيات يظهرن على باب غرفته ... و أن إحداهن أخبرته أنها على استعداد بأن تحقق له أي أمنية لو تزوجها ... الأكثر من ذلك أنه أخذ يحكي قصة عن نفسه - وهذه حكاها للفصل كله ليس لي وحدي – قصة رأى فيها أحد الشياطين يدخل غرفته وهو نائم ... ولأنه كان متعبا و لا يريد القيام لضرب
    الشيطان فقد أشار لملكين رآهما في أحد زوايا الغرفة أن يضربا الشيطان ... فتحركا بعصبية ناحية الشيطان بأسلحتهما التي كانا يحملانها ... باختصار كان الأستاذ فوزي تعريف كلمة نصاب .


    " لاله ميرة أحبك "

    علمني الأستاذ فوزي الكثير من الطرق لطرد الجن و الكثير من الأذكار .. كتبتها كلها .. وكنت أنفذها كل ليلة .. قال لي أنه لو رضخت لما تريد مني الجنية فهي نهايتي .. فهي مثل المسيح الدجال جنته نار و ناره جنة .. وبالفعل ظللت حوالي شهرا كاملا أداوم على الأذكار .. وفعلا طوال الشهر لم يحدث شيء ... هذا يثبت أنني نجحت في طردها .. رائع .. يبدو أني تسرعت في الحكم عليك يا أستاذ فوزي .

    كل شيء كان يمضي بخير .. أمضي أيامي و لياليً في هدوء ... حتى أصابتني تلك الحالة الجنسية إياها ... أول شيء فعلته هو أنني مزقت تلك الكراسة التي كتبت فيها الأذكار .. و أخرجت كل المصاحف و الكتب الدينية من غرفتي .. ثم أنني تعمدت أن أترك الصلوات كلها بلا استثناء ... و أصبحت أقضي معظم الوقت في غرفتي ... وذات ليلة كنت أرقد على سريري مطفئا النور... بدأ النوم يداعبني .. يروح و يأتي ... حتى لمحتها عيناي .. لمحت حبيبتي .

    كان ظهورها هذه المرة مرعبا بحق ... في البداية لمحت نورها الأبيض من تحت الباب .. ثم بدا لي و كأن النور دخان أبيض ناعم أخذ يدخل من تحت الباب لداخل الغرفة و تهيأ على هيئتها .. هذه المرة كانت لا ترتدي أي شيء على جسدها .. اقتربت مني برقة مرعبة .. عيناي اتسعتا في لذة .. هل تعرف كيف يمكن أن تتسع عيناك في لذة ؟


    " إن لاله ميرة يريدك أيها الإنسي الجميل "

    احتضنتني بقوة بين ذراعيها الجميلتين...وبدأت هالة الضوء الخفيفة التي تحيط بها تتحول لشكل دخان مضيء أبيض .. مهما كانت هذه الحسناء فسأكون معها بخير .. قالت لي أنني بما أفعل الآن أفتح على أبواب سخاء لا ينقطع ... ونعيم أبدي .. و أنها الآن ستعطيني أكبر عطاء يمكن أن يحصل عليه إنسي ... وفجأة شعرت ببرودة شديدة في جلدي و كأنه أحيط بماء بارد جدا .. أخذت أنتقض و هي تحتضنني و أرى دخانها المضيء حولها إلى أن شعرت أنها تضمحل ... حجمها ينقص ... ولما فطنت للحقيقة كانت قد اختفت كليا .. الحقيقة أن هذه الإغريقية دخلت تحت جلدي .

    بعدها كنت أشعر دائما أنني لست على ما يرام ... تلك الجنية لم تأتني مجددا لكنني كنت أشعر أنها موجودة في مكان ما بداخلي .. ثم بدا لي و كأنها تأتي معي أينما ذهبت .. تعرفت على مجموعة من الشاب .. كانوا من المغرب و قائدهم طالب معي في الفصل يدعى الدمنهوري .. وهو ولد لن تصدق ضخامته مالم ترها بنفسك .. لكنه ظريف و طيب القلب جدا .. كما أنه يحبني جدا .

    ذات يوم جاءني صديقي الدمنهوري .. كنا في أول أيام الإجازة ... قال لي أنه جهز استراحة جميلة ومعه مجموعة من الشباب خفيفي الظل.. وأنهم ينوون قضاء الليل في لعب الورق و الشيشة و مشاهدة الأفلام و السباحة الرقص .. و أنه سيحب أن أكون معهم ... أعجبتني الفكرة جدا... وفعلا ذهبت معهم في تلك الليلة .. و ليتني ما ذهبت .

    استراحة جميلة .. مسبح نظيف .. شباب معظمهم من المغاربة خفيفي الدم فعلا جدا .. رأيت الدمنهوري يرتدي الشورت و التي شيرت ... كان يبدو ظريفا عليه جدا .. كنت قد اعتدت منظره بالثوب السعودي .... كان الشباب كلهم يجلسون في غرفة واسعة على طراز المجلس العربي .. و الدمنهوري يحاول ضبط الكاسيت و يوصله بسماعات كبيرة .

    سألني الدمنهوري إذا كنت أحب الأغاني المغربية .. قلت له أنني أحب الألحان لكن لا أفهم الكلمات عادة ... قال لي أن الكلمات لا يفهمها سوى المغاربة فقط ... ثم سأل صديقه أن يحضر له شريطا مغربيا له اسم غريب .. تحمس الفتى و أخذ يبحث وسط أغراضه حتى أخرج الشريط ... أخذه الدمنهوري ووضعه في الكاسيت ثم ضغط زر التشغيل .

    بدأ اللحن ... يبدو محببا و ظريفا جدا ... لكنني لازلت أشعر أنني لست على ما يرام ... شعرت بدوخة بسيطة ... بدأت الألحان تتخذ طابعا حماسيا .. و بدأت أنا أتفاعل معها ... ثم فجأة قمت من مكاني و أخذت أرقص بجنون ... شعرت أنني فقدت السيطرة على نفسي ...كل حركاتي المتحمسة لم يكن يوافقها أي حماس داخلي مني .. لكنني كنت أفعلها ... ثم أننني سقطت أتمرغ في الأرض طالبا بعض الحلوى رأيتها في أحد الصحون القريبة... حتى أتي أحد هؤلاء المغاربة وأعطاني تلك الحلوى الجميلة ... أخذت ألتهمها بشراهة ... لا أذكر شيئا بعدها غير أن هناك بعض الناس ذوي لحى اقتحموا علينا المكان و معهم قوة أمنية ...

    احم .. مرحبا أنا أحمد مجددا .. معذرة فلندع حسن في شأن نفسه .فحكايته انتهت من على لسانه تقريبا... إن قصة حسن هذه بحثت فيها مطولا و تأكدت أنها لم تكن مزحة .. قرأت تصنيف البوني الذي يدعى "منبع أصول الحكمة " ويحكي فيه عن ملوك الجن وتصنيفهم .. وفيه جاء " ويحصر ملوك الجان في ( المذهب ، مرة ، الاحمر، برقان ، شمهورش ، الابيض ، ميمون ) وفيما عدا اسمي شمهورش ومرة الغريبين عن النطق العربي والأمازيغي ، فإن الأسماء الخمسة الأخرى معروفة ومتداولة في المجتمع بكثرة كأسماء الأفراد . وقد عرف اسم ملك الجان (مرة) تحريفا متواليا طال . حتى جنسه الذي تحول حسب الأسطورة من الذكورة الى الأنوثة ... فإن اسمه كان الحارث بن مرة لكننا نجده تحول إلى (ميرة) . إن (لاله) لفظ تشريف يسبق عادة أسماء النسوة ذوات النسب المتحدر في أعلى الشجرة من الدوحة النبوية الشريفة. وحسب المعتقد فإن (لاله ميرة) تنال في توزيع الادوار بين ملوك الجان السبعة بركة استقراء مكنون النفس البشرية الغامضة وكل ما يرتبط بعالم الغيب. ولذلك تقام لتلك الملكة المهابة الذكر حفلات خاصة كي تحضر وتدخل في جسد وتسرع في كشف أسرار النسوة المحيطات بها "


    " وبه ستملك أمر دنياك الفانية .. وله ستبذل روحك الغالية "

    جاء أيضا في كتاب يتحدث عن السحر لكاتب مغربي شهير " والموسيقى التي تعزف ليلة الدربة ليست مجرد إيقاعات راقصة قوية، كما قد يبدو لغير العارف بخبايا كناوة، بل إن المقاطع الراقصة تتوزع وفق نسق يجعل الفرقة الكناوية تعزف تباعا الإيقاعات الخاصة بملوك الجان السبعة الذين يقدسهم أفراد الطائفة، بحيث يستطيع الممسوسون من الجان أن يجدوا ضالتهم في أحدها, فإذا كانت إحداهن ممسوسة بأذى «الملكة ميرة»، مثلا، فان الفرقة ما إن تعزف لحن تلك الملكة حتى تنهض الممسوسة، كما لو أنها مدفوعة من قوة خفية، فتشرع في إطلاق ضحكات هستيرية مخيفة، ثم تبدأ في الجذب المحموم مع الصراخ والتمرغ على الأرض, وتطلب من المحيطنين بها أن يعطوها «قاقة» التي تعني في لغة الأطفال الحلوى، فيسرعون إلى مناولتها شيئا حلوا، لأن الملكة هي التي طلبته في الحقيقة "

    دعني أخبرك بسرين صغيرين ربما تفهم منهما كل شيء بلا داعي لشروح مطولة .. السر الأول هو أن حسن دخل سجن المدينة المنورة بعد أن تم ضبطه في حالة شذوذ مع مجموعة من المغاربة في أحد الاستراحات .. وظل في السجن فترة حتى أخرجه والده بعد جهد رهيب ... هذا هو السر الأول .

    السر الثاني هو في مارد من الجن يدعى لاله ميرة ... رجل في الأصل .. أنثى في الهيئة و الرغبة ... جن شاذ .. يندمج في جسد من يختارهم من الرجال و يجعلهم يمارسون الجنس مع رجال أمثالهم وكأنهم مارسوها مع الجني .. وبهذا يحقق الجني شهوته .. وهو ملك من ملوك الجن ... اتصاله بالبشر يكون إما بالتلبس أو بالتجلي - كما حدث لحسن - وبعد تلبسه في الإنسان يمكن إيقاظه فور سماع بعض الألحان التي يعرفها المغاربة دون غيرهم .. وهي ألحان منتشرة في أغانيهم ويستمتع الناس بها لكن لا يعرف إلا القليل حقيقة تأثيرها .


    " وفيه ستكون ببركة استقراء المكنون "

    إن لاله ميرة له عدة أدوار أخرى غير الشذوذ الذي يتخذه هواية .. أدوار مهمة مثل الفضيحة .. و يفعلها عن طريق ميزة يتميز بها دون غيره من ملوك الجن و تدعى استقراء مكنون النفس البشرية الغامضة .. فيمكنه أن يجعل النفس أن تبوح بكل أسرارها لمن حولها مهما كانت النفس ترفض ذلك ... ومهما كان من حولها من أعدائها .. ولاله ميرة هو ملك الجن الوحيد القادر على استراق السمع هو و أتباعه.. و لذا فإن أتباعه يرجمون في السماء كل ليلة لما يسترقون السمع .


    " وعنده ستكون أيامك كلها .. ولياليك حتى بزوغ فجرها "

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي حكايات زورك نيميسيس .. حكاية صراخ الديناصورات

    حكاية صراخ الديناصورات


    " أما نحن فكنا نمتطي الميمينشيوصور و نصيد التريسيراتوبس ونستخدم التيروصور في المراسلة "



    رغم مرور مئة مليون سنة على تلك الأحداث إلا أني أذكرها بتفاصيلها و كأنها حدثت البارحة ... لازلت أذكر طفولتي أيضا .. عندما كنت أجري مع أصدقائي على صفحة مياه المحيط الهادي الذي كان بنصف حجمه الحالي ومن حين لآخر تحوم حولنا طيور الأونيثاكاروس العملاقة ذات العيون الزرقاء واضعة مناقيرها في الماء في محاولة لالتقاط أي كائن حي يقابل أسنانها الحادة المتشابكة ... مهلا مهلا .. معذرة لقد نسيت أنني أحدث بشريا هنا.. ربما وضعت في مخيلتك الآن أنني أقيم في مستشفى للأمراض العقلية .. لا عليك .. فهو خطأي ... سأحدثك بمفاهيمك حتى تتمكن من استيعاب كلماتي جيدا .

    لا أعرف لنفسي اسما .. ففي عالمي لا نستخدم الأسماء مطلقا للتعريف .. وبالمناسبة فجنس الإنسان فقط هو الذي يستخدم الأسماء ... أنا من جنس الجان .. الجان العلوي وليس السفلي ... معذرة ثانية لم أنتبه إلى أنك لا تفقه حرفا عن الجان ... سأبسط الأمر جدا .. الجان مثلهم مثل أي شعبة من الكائنات الحية ينقسمون إلى فصائل ثم إلى رتب ومن ثم إلى عائلات .. إن هناك حوالي ثلاثمئة نوع من أنواع الجن .. لكن الكل يندرجون تحت شعبتين رئيسيتين .. الجن العلوي الذين أنتمي إليهم والجن السفلي وهم الشياطين .

    الإنسان من المخلوقات التي تأتي في نهايات السلسلة الحيوية وبالتالي لا تندرج تحته أي تقسيمات.. وهو المسيطر على العالم الآن بلا أي منازع آخر .. يعجبني جنس الإنسان جدا لأنه مخلوق بدأ بأدوات بدائية جدا طورها الآن إلى حد بعيد فسهلت عليه حياته و تمكن بالعلم وحده من معرفة أمور من تاريخ الأرض لم يعاصرها بنفسه ولازال يتطور و يتطور حتى يأذن الله للدنيا أن تنحسر لتبدأ الحياة الأبدية الآخرة .

    لا تفزع عندما أقول لك إن عمري يتجاوز الـمئتي مليون سنة ولازال عمري مستمرا حتى تنتهي الأرض .. نحن جنس معين من أجناس الجن لا نهرم ولا نموت .. أعرف أن الأمر صعب الاستيعاب بالنسبة إليك لكنك لا تعرف أنك أيضا أيها الإنسان لا تهرم ولا تموت ... جسدك فقط هو الذي يفعل .. بينما روحك باقية أبد الدهر ... نحن أرواحنا قد وضعت في أطوار لا تهرم ولا تشيخ .. ليست مثل جسدك الضعيف الفاني .

    أنا من الشخصيات التي رأت كل شيء حدث على الأرض و تابعت تطور الإنسان العلمي باندهاش من سرعته ... لكنني اندهشت أكثر من شيء واحد ... الإنسان في تطوره في العلم يفصل تماما بين العلوم التطبيقية و العلم الديني السماوي .... مع أنه لو ربط بينهما لقفز قفزات علمية هائلة لم يكن يحلم بها .. سأحكي لك مثالا بسيطا جدا .

    دراسة الإنسان الرائعة لعلم الجيولوجيا مكنته من وصف و رسم معظم المخلوقات التي سادت الأرض في الزمن السحيق ومنها الديناصورات و العديد من المخلوقات البحرية الأخرى و الحشرات العملاقة التي وصفها ورسمها بدقة .. ليس هذا فقط و إنما وصف حياتها بالتفاصيل و توصل لكل أنواعها تقريبا .

    الشيء الذي يحيرني هو عدم اطلاع العلماء من الإنسان جيدا على العلوم السماوية والتي تخبرهم بوضوح أن الأرض قبل نزول آدم أبو البشر إليها كانت عامرة بالجن ... وأنهم – الجن - لما أكثروا من سفك الدماء في الأرض جعلهم الله مخلوقات ثانوية ... الشيء الذي لم ينتبه إليه الإنسان هو أن الجن كانوا يسكنون الأرض في نفس الفترة التي كانت تسكنها الديناصورات بالضبط .

    إن الله قد سخر لكم الحيوانات بكل فصائلها و أنواعها لخدمتكم يا جنس الإنسان ... أما نحن فالله قد سخر لنا مخلوقات أخرى عملاقة لخدمتنا ... منها الديناصورات .. ولما كانت طبيعة الإنسان لن تتكيف حتما مع هذه المخلوقات العملاقة فقد قضى الله عليها كلها قبل نزوله إلى الأرض و بدلها بمخلوقات تناسبه .

    أرى أنكم أطلقتم أسماء لاتينية على كل شيء اكتشفتموه .. هناك أسماء لاتينية للعصور التي مرت بها الأرض أو للمخلوقات التي عاشت عليها ... حتى الحيوانات و الكائنات البدائية سميتموها بأسماء لاتينية وهذا طبعا لأن لغاتكم كثيرة جدا فأردتم استخدام أسماء موحدة تتفق عليها كل اللغات .. خطوة عبقرية أهنئكم عليها .. وسأستخدم هذه الأسماء في حكايتي هذه .. بالطبع كانت لدينا أسماء أخرى تماما .. لكننا اتفقنا أن أحدثك بمفاهيمك .

    في منتصف العصر الجوراسي .. قبل حوالي مئة مليون سنة ، كانت هناك قارة وحيدة موجودة على الأرض سميتموها في كتبكم بقارة بانجايا .. في العصر الجوراسي كانت هذه القارة قد بدأت تتكسر و تتصدع سامحة للعديد من الأنهار أن تتكون و للعديد من غابات الصنوبر أن تظهر .. دخل على الأرض وقتها عصر من الارتواء و الخضرة بعد العصر الجاف الذي كنا نعيش فيه و استمر 50 مليون سنة قبل العصر الجوراسي و الذي سميتموه بالعصر الترياسي .

    كانت الديناصورات طاغية تماما على غيرها من الحيوانات في العصر الجوراسي. إن معاملتكم للحيوانات معاملة راقية جدا رغم وجود بعض التجاوزات ... لكن معاملتنا للديناصورات كانت بشعة جدا ... ربما أنتم تخافون الديناصورات وتهابونها و تصورونها على أنها مخلوقات مفترسة .. لكنها لم تكن مفترسة أبدا بالنسبة لنا .. الديناصورات المفترسة التي تتحدثون عنها كانت فقط آكلات لحوم .. و أنت تعلم أننا لسنا بلحوم .. فنحن لم نخلق من صلصال مثلكم .. بل قد خلقنا من مارج من نار .

    العصر الجوراسي كان عصرا ذهبيا لنا ... فنحن أيضا آكلي لحوم .. وربما سيدهشك أننا كنا نتغذى على لحوم الديناصورات .. الجميل في الأمر أنه كانت هناك ديناصورات بوزن 10 أطنان أو أكثر مما كان يوفر لنا غذاء دائما لا ينقطع ..

    طعامنا المفضل كان الستيجوصور .. ذلك الديناصور آكل العشب ذو الألواح الظهرية الذي كنا نستخدمه في الرعي كما تستخدمون أنتم الأبقار والجاموس الآن .. لكن الستيجوصور يكون عدوانيا جدا عندما يحين موعد ذبحه ... فألواحه الظهرية الغنية بالأوعية الدموية تتورد لتعطي لونا أحمرا ممزوجا بالبنفسجي بشكل مقلق ...إن الأبقار والجمال تبدو مسالمة جدا بالنسبة له عند ذبحها . أيضا من الديناصورات ذات اللحم الجميل هو التريسيراتوبس ذو القرنين و الآذان العريضة .. وكما كان غذاء مفضلا لنا فقد كان غذاء مفضلا لغيره من الديناصورات آكلة اللحوم .

    هناك ديناصور ذو عنق طويل يدعى الديبلوديكس .. هذا لم يكن لحمه يؤكل .. رغم أنه تطور فيما بعد ليصبح براكيوصور الذي كان أضخم ، ثم إلى ميمينشيوصور وهذا هو أضخم الكائنات التي مشت على ظهر الخليقة ... هؤلاء كنا نستخدمهم في التنزه .. نمتطي ظهورهم ونرافقهم في رحلاتهم النهرية للتغذي على قمم الأشجار ... كان علينا حماية الديبلوديكس و الستيجوصور و التريسيراتوبس دائما من هجوم الألوصورات المفترسة ... و الألوصور هو ذلك الديناصور المفترس صغير الحجم سريع الحركة .. وهو من أوائل الديناصورات التي وجدت على ظهر الأرض واستطاعت العيش في العصر الترياسي الجاف ... هو من آكلي اللحوم الشرهين جدا و الخبثاء جدا فمهما ننصب له من كمائن كان يجتازها ليهاجم الفرائس التي يريد .


    الأنكليوصور كنا نستخدمه في الحروب ... فهو مدرع .. و لديه سلاح فتاك عبارة عن شيء يشبه الهراوة المدرعة في نهاية ذيله يدافع بها عن نفسه و كان قادرا بواسطتها على كسر أقوى الحصون ..أما البتروصورات التي هي الديناصورات الطائرة كانت أنواعها عديدة لكننا كنا نستخدم أهمها وهو الأركيوبتركس في المراسلة .. فرحلات هذا الديناصور الطائر تكون عبر آلاف الأميال وهو مثل الحمام الزاجل لديه أماكن معروفة يهبط فيها .

    أما البتروصورات الأخرى مثل الأونيثاكاروس العملاق ذو العيون الزرقاء فلم تكن لنا علاقة مفيدة بهم .. لكنني أحب النظر إليهم دائما لأن أسلوب حياتهم طريف جدا ...خاصة في طريقة مشيتهم ... أنا أسمي الأونيثاكاروس بصاحب العباءة ... فهو يضع جناحيه المخلوقين من جلد رفيع بجانبه عندما يمشي فيظهران عليه وكأنه يرتدي عباءة ويمشي بها ... الأطرف هو ما نشاهده في في موسم تزاوجه حيث يتجمع ذكور الأنوثاكاروس على صخرة واحدة وينادون الإناث .. أقوى الذكور هم الذين يكونون في منتصف التجمع وهم الذين تنجذب لهم الإناث .. أما المساكين على الأطراف فربما يقضون حياتهم كلها أملا في التزاوج ولا يستطيعون .

    أعرف أن أشهر ديناصور بالنسبة للإنسان هو التيرانوصور ريكس ...كان هذا هو الديناصور الأكثر إزعاجا بالنسبة لنا ... فلا أدري لماذا يكون الأنثى و الذكر منه منفصلين تماما ... أشد اللحظات إزعاجا هي عندما تنادي الأنثى الذكر ... تظل تناديه أسابيع طويلة كل يوم بصوت مزعج جدا ... وفي الغالب نقتلها لنرتاح من صوتها إلى الأبد .

    يجب أن أخبرك أيضا أنني مسلم ... جني مسلم .. أنت تعرف أن الجن منهم المسلم ومنهم الكافر ... الجن السفلي ليس منهم مسلمون .. الإسلام ينتشر بين الجن العلوي فقط .. هل تتساءل عن الطريقة التي عرفنا بها الإسلام ؟ هل لنا أنبياء من الجن ؟ أم أن أنبياؤكم هم أنبياؤنا ؟ من الذي يعلمنا ويوجهنا لطريق الله ؟ كيف هي صلاتنا أو صيامنا ؟ هذه أسئلة لا يمكنني إجابتها مطلقا لأنه لا يسمح لبني الإنسان أن يطلعوا عليها حتى قيام الساعة ... لكن يكفيكم يا بني الإنسان أن سيد الخلق أجمعين محمد هو منكم .

    كانت حياتنا مع الديناصورات حافلة ... كنا نستخدمها أسوأ استخدام ممكن و نقتلها كثيرا لمجرد اللهو ... حتى أتى العصر الذي تسمونه بالعصر الطباشيري ... منذ حوالي 65 مليون سنة تقريبا ... تغير مناخ الأرض تغيرا ملحوظا .. الطقس أصبح أكثر حرارة وقشرة الأرض بدأت في التحرك بعصبية لتولد الكثير من البراكين و الكثير من الزلازل بشكل مخيف ....نحن لا تؤثر فينا الحرارة لكن البرودة تقتلنا ...بينما الحرارة كانت تقتل الديناصورات ... لكن ما كان يقتلهم أكثر هو الغازات السامة التي تخلفها البراكين ... انقرضت سلالات كاملة من الديناصورات الأضعف في تلك الحقبة .... ظلت هذه الحقبة السوداء على الأرض فترة من الزمن طويلة.... حتى رأينا شيئا في السماء ... رأينا نذر الهلاك فجأة .

    كل ليلة كانت سماء الليل تلمع بالعديد من الشهب المتتابعة ... الرعد و البرق أصبحا يحدثان تقريبا كل يوم ... هذا نذير كارثة ما آتية لا ريب .... لم نكن متطورين علميا مثل الإنسان حتى نعرف الحقيقة ... كانت هناك حقيقة مفزعة لم نكن نعرفها وقتها .... كان هناك نيزك هائل الحجم يقترب من الأرض بسرعة كبيرة منذ شهور .

    حدث كل شيء فجأة .... اصطدم النيزك الضخم بالأرض .. تحديدا عند خليج المكسيك ... اصطدم محدثا انفجارا رهيبا لا تصفه ملايين الكلمات ... لكنني لأقرب الصورة إلى ذهنك سأقول أن هذا الانفجار كانت قوته تعادل عشرة بلايين ضعف قوة قنبلة هيروشيما النووية ... بل أكثر من هذا... كان الانفجار يمتد من جنوب الكرة الأرضية إلى شمالها بسرعة متوسطة... ماسحا في طريقه كل آثار الحياة على وجه الكرة الأرضية .

    لقد أثبتم علميا بالآثار و الدراسات و الأرقام حدوث هذا الانفجار منذ 50 مليون سنة لكنكم لم تعلموا ماذا فعل الانفجار بنا نحن الجان .... بالطبع قتل هذا الانفجار بل أباد الكثير من الأجناس منا ... لكن معظم أجناس الجن العلوي و السفلي لم تتأثر ... الحقبة التي عشناها بعد الانفجار كانت أشد الفترات صعوبة في حياتنا ... وأشد الفترات صعوبة في تاريخ الأرض كلها .

    ربما تتحدث كتب الدين عن أن الجان عاثوا في الأرض فسادا و سفكوا الدماء قبل ظهور الإنسان ... هذا صحيح تماما لكن أكثر فترة من الفساد و سفك الدماء كانت هي تلك الفترة بعد الانفجار ... لاحظ أن مصدر الغذاء الأساسي بالنسبة لجنسنا قد اختفى تماما... تخيل أن تأتي كارثة ما تقتل كل الحيوانات على وجه الأرض .

    زادت الحروب بطريقة بشعة بسبب أنه كانت هناك أماكن محددة من الأرض تعيش عليها كائنات حية لم يقتلها الانفجار ... ليست كائنات حية عادية .. أنا أتحدث عن أضخم كائن حي خلقه الله على هذه الأرض ... كائن كان يقضي معظم أوقاته في أعماق المحيطات وقد كتبت له النجاة من الانفجار العظيم .... أتحدث عن اللايبلوريدون ... البرمائي المفترس الذي عاش على الأرض منذ خمسين مليون سنة .

    وزن هذا المخلوق كان مئة وخمسون طنا .... مئة وخمسون طنا من اللحم ... كنز ثمين جدا في تلك الحقبة من الزمن ... هذا المخلوق هو صاحب أكبر فك على مستوى جميع مخلوقات الكرة الأرضية وكان يتغذى على الديناصورات التي يلقيها حظها العاثر على الساحل بالقرب من منطقته . كان متركزا في بقاع معينة فقط من الأرض ..... هل تخيلت ما حدث أم لا ؟ حروب ضارية جدا بين ملوك الجن ... حروب استمرت ملايين السنين .... نعم كانت هناك ممالك من الجن ولكل مملكة ملك عظيم .... ووجود كتلة اللحم التي تدعى اللايبلوريدون في ممالك دون سواها خلق هجوما ضاريا من الممالك على بعضها بطريقة لم تحدث من قبل و لا حدثت من بعد .

    حروب الجن ليست كحروب البشر ... إننا أجناس و أنواع ... ولكل جنس منا أسلحته ... حروبنا مدمرة نادر فيها الصلح أو الهدنة ... إن منا أجناسا كاملة انقرضت في تلك الحروب .. مرت السنين تلو السنين و الحروب في ازدياد خاصة مع تناقص أعداد اللايبلوريدون بشكل رهيب .

    فيما أتى من الزمن لاحظنا نمو كائنات حية أخرى صغيرة الحجم ... بدأت بالأسماك ثم تطورت شيئا فشيئا لتصبح برمائيات تشبه الأسماك ... ثم برمائيات تشبه الحيوانات لكنها تمشي على أربع زعانف ... ثم إلى ثديات تمشي على أربع .. لاحظنا أن كل الأجيال التي خلقت من الحيوانات صغيرة الحجم جدا بالنسبة إلى أجدادها السابقون... حتى الحشرات التي كانت عملاقة فيما مضى في العصر الجوراسي أصبحت الآن صغيرة جدا ... لم نكن نفهم الأمر بشكل كامل وقتها .

    تناثرت قارة بانجايا إلى ثمان قطع أحدها غرقت في الأعماق تسمونها عادة في كتبكم بقارة أتلانتس .. اخضرت الأرض وأصبحت مليئة بالأنهار و الشلالات و الغابات و النخيل ... ظهرت أنواع جديدة كليا من النباتات و الثمرات .. بدا و كأن الأرض تتزين أحلى زينة لديها ... لم نكن نفهم ... لقد كانت الأرض تتزين من أجلك .

    منذ عشرين ألف سنة فقط سمعنا بنبأ قدومك .... ومنذ عشرين ألف سنة فقط نزل إلى الأرض أبو البشر آدم .. كان يتصرف عن علم تام بكل شيء و كأنه كان يعيش فيها طيلة حياته ... منذ عشرين ألف سنة فقط حكم علينا بالاختفاء ... أصبحنا نراكم ولا ترونا .. نعيش بينكم ولا تشعرون بنا ... يأكل بعضنا معكم و يأكل بعضنا من بقايا طعامكم ولا تلاحظون .

    أتيت أيها الإنسان منذ عشرين ألف سنة ... الحق أقول لك أنك أجمل المخلوقات التي خلقها ربي ... إن أجمل جنس لدينا يبدو أبشع ألف مرة من إنسان مشوه .. أنت ترى جمالك و تشعر به عندما تقارن نفسك ببقية المخلوقات التي تراها عينك ... أنا أخبرك أنك أيضا أجمل من المخلوقات التي لم ترها عينك ... وقد صدق ربك عندما قال لك أنه خلقك في أحسن تقويم .

    هذا قبس من حكاية جنسنا الطويلة ... هناك تفاصيل بالطبع لا يسمح لنا بإخراجها ولا يسمح لك بمعرفتها بحكم الحاجز الطبيعي بين جنسينا .... لكن أود أن أخبرك أن هناك طوائف من الجن تحبك .. ربما يكون لك فرصة اللقاء بها في الحياة الآخرة ... فقط أردتك أن تعرف أنه ليس كل الجن أشقياء ... الحقيقة أن معظمهم فقط كتبوا على أنفسهم أن يكونوا أشقياء لكن ليس الكل يا صديقي ... ليس الكل

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي حكاية كلاب جهنم


    حكاية كلاب جهنم

    " كل المخلوقات تهاجمك إذا شعرت منك بخطر ما ، أما هذه فتهاجمك إذا شعرت أنك تريد الهرب "

    جريدة الأهرام المصرية 23 – 7 – 1994

    الفيلم الذي قتل سبعة بالغين


    قررت هيئة الرقابة على الأعمال السينمائية سحب الفيلم الأجنبي " كلاب جهنم " من جميع دور العرض .. و هذا عندما أرسلت تقارير تفيد وفاة سبعة أشخاص عقب مشاهدتهم لهذا الفيلم مباشرة .. ثلاثة منهم كانوا يعانون ارتفاع ضغط الدم مما أدى لمضاعفات خطيرة جدا حدثت عند رؤيتهم لبعض المشاهد ، الأمر الذي تسبب في قتلهم على الفور .. أيضا هناك مريض قلب توفي في الليلة التالية مباشرة لمشاهدته هذا الفيلم الخطر .. صرح السيد ........ بأنه يجب على الرقابة أن تمنع منعا باتا دخول مثل هؤلاء المرضى إلى أفلام الرعب بطريقة ما ويهيب سيادته بـ ................ "


    جريدة المساء المصرية .. باب صحتك بالدنيا .. 1 – 8 – 1994

    السعار – داء الكلب


    " ....... أما عن أعراض هذا المرض فإن المريض يدخل في حالة من الأعراض شبيهة بالإنفلونزا لمدة شهر .. ثم تبدأ الأعراض في التطور لتتحول إلى القلق و الأرق و عدم التركيز و التردد و الحركات الغريبة طيلة الوقت .. ثم يتطور الأمر إلى الهلاوس ..وفي المراحل المتقدمة من المرض يبدأ المريض في إخراج كميات كثيرة جدا من اللعاب و الدموع ويصل إلى حالة تعرف بـ ( كاره الماء ) .. لأنه يبدي ذعرا غير مفهوم لو قربت منه كوب ماء بريء المظهر .. أغلب المرضى يموتون عند إصابتهم بهذا المرض لو لم يتم علاجهم .. والقليل فقط هم من ينجون منه .. لكنهم ييبقون مع أعراض غير طبيعية في جهازهم العصبي تجعلهم يتصرفون بغرابة طيلة الوقت وقد سألنا دكتور .......... "


    هل جربت إحساس أن تجري وهناك كلب يجري وراءك ؟ إنه شعور بأن الشيطان نفسه يريد أن يعضك .. وشعور بالخجل من منظرك الذي كنت تدعي وقاره وأنت تجري في الشارع بينما هذا المخلوق الرهيب يجري وراءك في إصرار ..

    أنا جربت هذا مرارا .. و سأنزل بكم الآن إلى وسط الحدث مباشرة على طريقة بعض أفلام الحديثة ..إنه الظلام الرمادي .. ودعني أحدثك عن الظلام عندما يكون رماديا .. الأرض مليئة بأوراق الشجر الذابلة مما يصنع صوتا رهيبا عند الجري فوقها .. شواهد مقابر في كل مكان تشعرك أنك ستكون التالي .. كنت في مقبرة .. وعدة كلاب يجرون ورائي كأنهم خرجوا من حفر جهنم الموجودة بداخل بعض قبور المعذبين في هذه المقبرة .

    لا فائدة من المحاولة .. كلما أجري قليلا أجدني وصلت إلى سور المقبرة الذي لا مخرج منه إلى الشارع .. أغير اتجاهي بذعر وأجري ثانية .. لكن يبدو أنهم يعيشون هنا ويعرفون كل شبر من هذه الأرض .. ربما سمعتم عن وفاء الكلاب .. لكن هل سمعتم عن شيء يدعى ذكاء الكلاب؟ ... هذا ما اكتشفته في تلك اللحظة .. لقد كفوا عن الجري ورائي في مجموعة واحدة كالمغفلين .. انفصلت منهم مجموعة ... ويبدو أنها دارت من مكان ما لأجدها أمامي مباشرة.. كنت مذعورا .. من الناس من يموت قبل وقوع الحادث بسبب الخوف .. من يقع من عل مثلا أسمع أنه يموت وهو في طريقه إلى الأرض من شدة الخوف ... هذا ما شعرت أنني سأصل له بعد قليل ...

    - كم سيحتاج من هذه الحقنة يا دكتور ؟
    - أظن أنه سيحتاج إلى 90 كيلو متر كبداية
    - هممم ... ألا تظن انها جرعة صغيرة نوعا ؟

    وقفت مكاني أخيرا أنظر لكل هذه المخلوقات .. إن هناك لعابا أو كما يسمونه ( زبدا ) يسيل من أشداقهم جميعا ... فجأة شعرت بشيء ما تحت قدمي .. نظرت بذعر لأرى يدا بشرية يبدو أنها كانت تبيت تحت التربة ... أمسكت اليد بقدمي في إصرار عقابا لي على إزعاجها في هذا الوقت من الليل ... إذن الزومي الذين كنت أراهم في Resident Evil حقيقيون .. نعم .. لطالما كنت أؤمن بهذا

    - كم حقنة باقية لدينا ؟
    - بقي ثمان حقن بالضبط
    - يبدو أن أمامنا وقتا طويلا جدا

    نظرت إلى السور في يأس لأكتشف كالمغفل أن الباب كان أمامي طيلة الوقت وأنا لا أراه .. بل ومفتوح على مصراعيه أيضا ... لا يوجد أسهل من الإفلات من يد زومبي خرجت لك من تحت الأرض .. يجب على الزومي أن يطوروا من أنفسهم فيما بعد ... هنا جريت ناحية الباب بأقصى سرعة ... واللكلاب الغاضبة لازالت تجري محمومة ورائي .

    - أنتم سفاحون أيها الأطباء ، ما هذا الذي فعلتموه
    - اهدأي يا سيدتي .. هذا ما تعلمناه
    - أنتم جهلة ... أنتم سفاحون .. ستقتلونه .. منكم لله ..

    أمامي شارع واسع مليء بالناس والحركة و أبواق السيارات المزعجة ونهيق الحمير ... لابد أننا في مصر إذن .... قطعت الكثير من الشوارع وسمعت الكثير من السباب البذيء من الناس ومن الكلاب ورائي ... وهذه الأخيرة تعبر عن سبابها بالنباح كما يبدو ... وجدت أمامي مبنى قذر تحتشد حوله العديد من السيدات المرتديات ثياب الفلاحات يلطمن ويصرخن ويبكين .. و معظمهن يحملن طفلا أو اثنين على سواعدهن ...نعم .. إنها مستشفى مصرية حكومية ما على ما يبدو ...

    - هل سيموت أم سيعيش ؟
    - سيعيش أيها الأحمق بالطبع ... لقد نفذنا ماتعلمناه بالحرف الواحد
    - أتمنى ألا يقفز ليعضنا واحدا واحدا عندما ننتهي

    إن هذه المستشفى هي المفر الوحيد ... لا يمكن أن تكون الكلاب تكرهني لدرجة أن تدخل ورائي لهذه المستشفى ... دخلت بسرعة من الباب الضيق جدا الذي صمم للخروج والدخول على مايبدو ... إن التصميم فن لا تجده إلا هنا في مصر ... اصطدمت بأجساد عديدة في طريقي ... وسمعت صرخات نساء كثيرات ... يبدو أن الكلاب تحاول الدخول أيضا .. هذا مستحيل .... لم أنظر ورائي ... وإنما مضيت أجري بين الممرات ذات الرائحة التي تجدها في أي مستشفى ... إنهم ورائي ... لازلت أسمع نباحهم ...هنا وجدت أمامي العديد من الأطباء في أحد الممرات يمشون معا .. أصابهم الجنون عندما رأوني ... أخذوا يشيرون لي و يصيحون :

    - إنه هو ... لا تدعوه يفلت منكم .. أمسكوا به

    يا إلهي ... أنا مطارد من الملائكة والشياطين إذن ... لكنني ... كنت قد تعبت جدا .... لن أحتمل أكثر ... سقطت على الأرض في يأس ... فليفعلوا بي أي شيء .. لكنني لن أجري خطوة أخرى .... وجدتني فجأة نائما على محفة و نورا قويا مسلطا على عيني و بعض الوجوه الملثمة تفحصني في اهتمام .....

    - أخيرا أمسكنا به ... إنه عنيد ...
    - حان الوقت إذن ... دعونا لانضيع المزيد من الوقت ...

    إنهم أطباء على ما يبدو ... وأنا على سرير فحص طبي ما ... لكن لماذا تبدو آذانهم طويلة بهذا الشكل ؟ ... أحدهم يمسك بمحقن ضخم جدا ... لكن يده غريبة المنظر جدا ...رأيت هذه اليد من قبل في فيلم مئة مرقش و مرقش من ديزني ... يا إلهي ... هذا ليس إنسانا ... هنا فك اللثام على وجهه وقرب وجهه المرعب مني ... إنه ليس طبيبا ... إنه كلب .... وهناك سائل مقززيسيل من شدقيه على ملابسي ووجهي .....

    - ماذا تفعل يا دكتور ؟
    - أحاول أن أجعله يفيق ببعض الماء على وجهه
    - ما هذا إنه يتحرك أخيرا ...

    فتحت عيني لأجد طبيبا باسما يحمل كوب ماء .. وبجانبه تقف أمي المذعورة التي تنظر لي في شغف .... أشعر بألم رهيب جدا في بطني ... أين كنت ؟ .... أين الكلاب ؟ ..... كان هناك زومبي أيضا ... يا إلهي ... هل كان كابوسا إذن ؟ لكنني أحب الكوابيس .... إنها فيلم رعب تعيشه بالكامل ... و مثلي يعشق أفلام الرعب .....

    من قرأ منكم حكاياتي سابقة سيعرف كيف تعرضت ذات يوم لعضة كلب في مقبرة .... وكيف أنني الآن قد أخذت 21 حقنة في بطني حتى شعرت أنني مصفاة مطبخ .... أفكر في حالي لو لم يخترعوا البنج ... كم هم عباقرة هؤلاء الأطباء ..

    طوال حياتي لاأفهم في الكلاب و أنواعها و الأسماء التي يسمونها بها .. هذا بوكسر .. وهذا بيتبول مفترس .. بينما هذا الصغير الأبيض المزعج هو كلب لولو .. بينما هذا رود ريفر راقي .. هم عندي كلهم كلاب ... نعم .. كلاب ... ولا فرق بينهم إطلاقا ..

    اسم هذه المستشفى هو مستشفى الكلب في مصر ، ياله من اسم .... إن بطني تتقطع من الألم .. لابد عندما تكون في مستشفى أن تأتي لحظة ما تكون فيها وحيدا .. لا أحد معك ... أمك قررت أخيرا أن تغادر المستشفى لتنام في البيت لتعود إليك في الصباح .. لقد ظلوا يقنعونها لساعات بأنه لا خطر هنالك .. وأن وجودها معك لن يسرع من شفائك .. ليتها لم تقتنع .. ليتها بقيت ... أنت الآن وحدك يا صديقي .. أجهزة باردة حولك في كل مكان .. رائحة شيء ما تشعرك أنك ستموت قريبا جدا .. كل شيء أبيض .. الأرض والجدران وملاءة السرير و ذلك الشيء الواسع الذي ألبسوك إياه أبيض أيضا... صدقني لو كانت كل هذه الأشياء سوداء كنت ستشعر بدفء أكبر .. ألم حاد جدا يجعلك تتلوى وتعض بأسنانك على تلك الوسادة البيضاء .

    والآن فتح أحدهم الباب ، لم يدخل .. وإنما امتدت يده على عجالة وأطفأت النور الذي كان بجوار الباب .. ثم أغلقت تلك اليد الباب ثانية بهدوء .. الآن أنت ترتعش .. من قال أن ترك المرضى وحدهم يساعدهم على الشفاء ؟ بالعكس .. إن وجود من يخفف عنك طوال الوقت بجانبك لهو أمر جميل .. تبا لكل النظريات الطبية .. كم تتوق الآن ياصديقي لشخص ما يثرثر معك في أي شيء ... حتى لو كان سيحكي لك حكاية قبل النوم ..

    أنت تخاف من الظلام .. اعترف بهذا أمامنا جميعا ياعزيزي .. سنك في ذلك الوقت 15 عاما وتخاف من الظلام .. ربما لأنك مدمن أفلام رعب عتيق الطراز .. الآن بالذات تذكر كيف هو منظر مصاص الدماء عندما يسمع صوتا ما من خلفه فيلتفت ببطء بعينين مفتوحتين عن آخرهما و أنياب تتساقط منها دماء تلك المسكينة التي كان يمتص دمها منذ لحظات .. تذكر الآن بالذات كيف كان منظر تلك الفتاة التي نبشوا مقبرتها وفتحوا تابوتها .. ليجدوها راقدة مفتوحة العينين عن آخرهما و تنظر للكاميرا نظرة الموتى ... هل تعرف نظرة الموتى ؟

    تلتفت حولك من آن لآخر لتتأكد أن كل شيء على ما يرام .. الآن تذكر كل ما قرأته عن الجن و أنهم يرونك ولا تراهم .. وأن منهم أشرارا يحبون العبث بأعصاب الحمقى مثلك طيلة الوقت .. لابد أنهم لن يجدوا فريسة أسهل منك وأنت في هذا الوضع .. أسمع أن الجن في شكلهم الحقيقي أقزام بشعوا الخلقة... البعض يقول أن الجن يحضرون لمن يذكرهم أو يفكر فيهم .. قد تنظر لآخر هذه الغرفة الآن لتجد أحدهم قد ظهر فجأة و مشى متجها لك بتؤدة ...

    تتقلب على جانبك الآخر وتغمض عينيك محاولا أن تنام فعلا ... الآن ترى خيالات أخرى بعد أن أغمضت عينيك ... خيالات أنت لا تتخيلها .. بل هي فقط تأتي إليك من حيث لا تريدها ... ترى الآن شكل تلك الفتاة التي لبسها الجن .. واقتربت منها الكاميرا لتسمعها تتكلم بصوت الجني الذي مسها ... تتذكر كابوسك .. منظر ذلك الكلب الأسود الغاضب ذو الزبد المتساقط من شدقيه ... تحاول الآن أن تنفض عن نفسك كل هذه الأفكار ... تحاول تذكر شكل دونالد داك .. أو شكل سيمبا من فيلم ليون كينج ... تحاول أن تعد أفلام ديزني لتبعد عن نفسك تلك الخيالات السوداء ....يالك من تعيس يا صديقي عندما يتركونك وحيدا ويرحلون .

    ما هذه الأصوات بالخارج ؟ كلاب ؟ .. إنه صوت نباح كلاب تشتم بعضها البعض بغضب. ... تخيل لو كنت بينهم الآن ... تبا لهذه الأفكار ... تفكر في أن تقوم لتقتح النور حتى تطمئن قليلا ..تحاول لكنك لا تستطيع .. بطنك كأن هناك 21 مخلب اخترقها بعنف .... ماذا ستفعل ؟ .. ها أنت تجذب إليك هذا الغطاء الأبيض البارد وتغطي وجهك .. إنك تبكي ... يالكبريائك .. أنت الذي كنت تضحك طيلة الوقت وتمزح مع هذا وذاك تبكي الآن وحيدا ولا يراك أحد ليخفف عنك أو ليسألك عما يبكيك ..

    إنه الصباح .. لا تدري كيف نمت ولا متى استيقظت .... تسمع حركة الناس بالخارج .. إنه الصباح ... الذي وصفه القرآن بأنه يتنفس ... لو اجتمع كل أدباء العالم لما خرجوا بكلمة لها عشر جمال ودقة هه الكلمة .. وبعد قليل ستدخل عليك أمك لتمسح على شعرك بحنان وتقول لك أنك ستخرج من هنا قريبا ...

    - إنه لم يعد أحمد الذي نعرفه
    - أنا أراه عاديا
    - أنت لم تر ما رأيته .. لقد أصبح مفترسا .. أنت لم تره عندما كان يعض ذلك الفتى في تلك المشاجرة

    - دكتور .. مرحبا بك .. أنا دكتورة نيفين والدة أحمد .
    - مرحبا دكتورة ..... ما أخباره الآن ؟
    - لا أدري يادكتور .. لقد أصبح غريبا بعد خروجه من المستشفى .. لا يأكل الخضروات كما كان يحب .. فقط اللحوم .. و لايشرب الماء بحجة أن ( ملهوش نفس )
    - هل أنت متأكدة يا دكتورة ؟ هذا كلام خطير

    إن مذاق هذا الشيبسي جميل جدا .. كيف لم أفطن لهذا من قبل .. إنه شارع بيتنا .. لقد كان هناك 4 كلاب تمرح في هذا الشارع لكن هيئة اصطياد الكلاب قتلتها كلها بالبنادق .. ياللقسوة .. الآن يبدو الشارع نظيفا حقا ... لكن مهلا ؟ هناك شيء ما .. لقد مررت بجوار سور ذلك البيت الذي تحرسه تلك الكلبة الشرسة المربوطة التي تدعى ساندي .. الغريب أنها لم تقم من مكانها عندما رأتني .. لقد اعتدت عندما أمر بجوار هذا البيت أن تقوم ساندي وتنبح وتملأ الدنيا صياحا وكأنها رأت لوسيفر نفسه .. عندها أخرج لها لساني وأرمي عليها أي شيء في يدي ثم أجري مستمتعا بصوت نباحها الغاضب .. لكن كل هذا لم يحدث الآن .. إنها نظرت لي بلا مبالاة ثم حولت نظرها بعيدا ..

    - ماذا يفعل هذا المجنون ؟ ... سيفضحنا أمام الناس
    - يا إلهي إنه يمتص العظم بشراهة .. أتمنى ألا يلاحظه أحد
    - هل أنت غبي ؟ كل الناس في المطعم رأوه ... انظر

    - أنا خائف يا أحمد .. هذا ليس فيلما صدقني ... هذا حقيقة .. لا يمكنهم أن يجعلوا الكلاب تمثل بهذه الدقة .
    - اخرس ... لقد فعلت المستحيل ليسمح لنا الرجل بالخارخ أن ندخل هنا .. لقد دفعت له كثيرا ..
    - لا يهمني .. سأرد لك مالك .. فقط أخرجني من هنا ..
    - ستضيع نقود السينما كلها أيها الجبان ... اخرس وشاهد كالرجال .


    " مذكرتي العزيزة .. باختصار .. أنا أتحول تدريجيا إلى كلب .. يبدو أن حقن المستشفى لم تجد نفعا مع عضة كلاب المقبرة .. عما قريب ستتحول أصابعي إلى مخالب ولن يكون بإمكاني الإمساك بالقلم .. أصبحت أحب مذاق العظم و النخاع الشهي الذي بداخله .. أصبحت أكره شرب الماء البارد الذي أنفر منه ومن برودته على معدتي .. أحيانا أنظر لبعض إخوتي فتراودني أفكار في الانقضاض عليهم وعضهم .. أرى أن هناك شعرا نبت لي في أماكن غريبة جدا .. أرى أن صوتي قد أصبح أخشن بكثير فجأة ... أرى أن وجهي بدأ يصير غريبا ولم يعد صافيا كالسابق .. باختصار يا مذكرتي العزيزة .. أنا أتحول إلى كلب شرير ... "

    - من كتب هذا السخف من الأولاد ؟
    - ابنك أحمد
    - إنه أحمق .. ناده فورا ليأتي إلى هنا
    - الغريب أنه لم يكتب مذكراته من قبل أبدا ... لقد اشترى هذه النوتة الصغيرة وهذه الكلمات هي أول شيء كتبه فيها ..


    - ألن تكف عن إرعاب إخوتك طوال الوقت ؟ أنت محروم من المصروف لمدة أسبوعين حتى تكف عن هذه العادة
    - ولكن ...
    - إخوتك لا زالوا صغارا و سيصدقون هذا الكلام السخيف الذي تكتبه
    - ولكن يا أبي
    - اذهب من أمامي أيها السخيف .... هيا

    تمت

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي

    يتبع)))))))))))))))))))))))))))))))))))))

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي حكاية السد

    " إن السد يعني أن هناك واديا .. و الوادي يعني أن هناك عائلات من الجن يتكاثرون .. فلا تذهب لأنك لن تعود "

    إن الذين لا يسمعون الكلام تأتيهم الواوه لتخيفهم ليلا .. إن الذين لا يسمعون الكلام لا يكبرون .. إن الذين لا يسمعون الكلام لا تعطيهم طنط نجوى الحلوى .. إن الذين لا يسمعون الكلام لا يكونون أقوياء .. إن الذين لا يسمعون الكلام لا يتزوجون حسناوات .. إن الذين لا يسمعون الكلام يموتون .. إن الذين لا يسمعون الكلام سأقتلهم بنفسي واحدا واحدا ثم أعلق رؤوسهم على أرجلهم ليكونوا عبرة للعالم .. المشكلة أنني لم أسمع الكلام في أي مرحلة من مراحل الحياة .. ربما لأجل هذا كانت تنطبق علي كل تلك التحذيرات ... وآخر مرة لم أسمع فيها الكلام كانت عند ذلك السد .. سد بطحان .

    بفتح الباء و كسر الطاء .. وادي بطحان .. من البطح تعني الواسع المستوي .. بنوا عليه هذا
    السد الجميل ليحمي المدينة المنورة من السيول .. بل إنه لو حدثت سيول يكون المنظر عنده رائعا فيتجمع أهل المدينة ليروه .. هؤلاء لا يملكون بحيرة في مدينتهم .. فتراهم يهرعون إلى البحيرة فور تكونها عند السد أثناء السيول .

    كنا ستة أسماء لن تعني لك شيئا لو ذكرتها .. يمكن اختصارها في ( شرف – عمرو – ربيع – علاء - أنا - أخي مصطفى ) ... شرف مصري حذق .. تعرف المصري الحذق لما تراه .. ربيع مصري طيب تلك الطيبة التي لا تصدق وجودها مالم ترها .. علاء فتى نحيل من طراز طلاب الثانوية العامة المصريين النحيلين ... عمرو سعودي يختصر في كلمة واحدة .. جنتل مان ...وأنت تعرف أخي مصطفى .. كان معي أثناء محاولتنا لرؤية فاطمة تلك الفتاة التركية و هي تقطع رأسها .

    إجازة أظنها في منتصف العام إن لم تكن في آخره .. فراغ شبابي تام .. لاحظ أننا في السعودية .. الحياة نفسها ترتدي عباءة سوداء وتجلس في منزلها .. ليتك في جدة مثلا .. أنت في المدينة حيث لا شيء على الإطلاق .. أقصى أمر مثير تفعله هو الجلوس على المقهى في شارعكم و الثرثرة التي غالبا ما تكون شكوى .

    وأنا شخص أبحث عن الإثارة بشراهة .. لو تركتني وحدي في كهف مظلم وتتوقع أن يصيبني الملل ستفتح علي الباب لتجدني أحفر بحثا عن ديدان الأرض أو العقارب أو الثعابين .. أو بدأت في تحضير الشياطين بطريقتي الخاصة .. استفزازهم و ربما شتمهم .. هذه أسرع طريقة لو سألتني رأيي ... ولما كانت الإثارة لا تجدك في السعودية فمن الأفضل أن تجدها بنفسك ... وهكذا اتخذت سلسلة من القرارات .. قرارات مخيفة .

    قررت الخروج في رحلة لمكان مرعب .. هناك الكثير من الـ Hot Spots في المدينة لو أردت رأيي .. قلعة قباء .. قلعة بناها الرماة الأتراك وهي مهجورة منذ مئات السنين ...ومليئة بالأفاعي و الجان حسب كلام المتكلمين .. مستشفى المجانين القديمة وهو مبنى مهجور منذ سنوات طوال ... ستكون عفاريت رائعة تلك التي تهيم هناك ... وادي الجن في منتزه البيضاء البري حيث تجد كل المتنزهين البريين يتحاشونه لأن الجن يتنزهون فيه... هناك أماكن عظيمه تنتظر منك قص الشريط فقط .

    تحدثت مع الأسماء التي ذكرتها لك و كانت محاولة إقناعهم رحلة شاقة بغض النظر عن الرحلة التي ننوي القيام بها .. لكنهم في النهاية اقتنعوا .. وجهتنا كانت سد بطحان .. سد طويل يقطع واديا ضخما مظلما ... بوابة
    السد ليست مغلقة ... يمكنك فتحها و المشي فوق السد ما يقرب من الكيلو متر وسط السواد فوق الوادي المظلم .. كان مكانا رائعا جدا .. وها نحن قد ركبنا سيارتنا و توجهنا ناحيته .

    مصطفى كان يريد قتلنا ليريح ضميره .. كان يعتبر أننا مجموعة من الحمقى ذاهبون في رحلة مدرسية للمشي فوق جسر .. ظانين أنهم في فيلم رعب .. ولو أن هناك فيلم رعب قصته هكذا ستمنعه الرقابة حفاظا على شاشة السينما من رميات المتفرجين ... كان يحاول إقناعنا طوال الطريق أن نغير وجهتنا إلى مطعم أو نادي بلياردو أو بولينج أو أي شيء مفيد .. لكنهم كانوا قد تحمسوا للفكرة و لتنفيذها أكثر من تحمسي أنا نفسي ... نظرت إليهم نظرات عابرة على طراز ( رائع – حمقى – لدرجة أنهم استجابوا لكلامي ) .. أتتني لحظة سعادة أنني تمكنت في التأثير في كل هذه العقول لا تلبث أن تحولت للحظة قلق ... لو حدث لهم شيء .. سيبدو أنني الشيطان الأعظم ... ربما أنا كذلك من يدري .

    وصلت السيارة إلى
    السد ... كانت هناك بوابة مغلقة .. هذه البوابة موضوعة بين عمودين قصيرين .. يعني أنها ليست موضوعة في سور يمنعك من الدخول للسد .. يمكنك ببساطة المرور بجانب أحد العمودين و المشي فوق السد ... ظللت أفكر في معنى هذه البوابة لحظات ثم قررت أن أتقدم المجموعة لأشعرهم أنني القائد الأعلى لهذه المهمة الشيطانية .. هذا شعور رائع أن تكون شريرا .. ليتني أستطيع أن أضحك ضحكة أبو الغضب .. لابد أنه كان يشعر بروعة شيطانية لا شك فيها .

    رفض مصطفى النزول من السيارة .. ووضع سماعات الجوال في أذنه و أخذ يهز رأسه بمعنى ( حمقى – اذهبوا و موتوا ولا تعودوا ) .. حاولت إقناعه لكنه استمر في هز رأسه بنفس الطريقة .. في النهاية استسلمت و تحركت و تحرك أربعة أشخاص ورائي .

    كانوا يعتبرون الموضوع نزهة ظريفة .. كل واحد يتحدث مع صاحبه في أمور طريفة و يمشون و أنا أتقدمهم ... كنت أقول في نفسي أقوال مثل ( بلهاء - إن أفلام الرعب دائما تبدأ بمجموعة ضاحكة مثل هذه تزور مكانا مخيفا ) .. بصراحة كان
    السد جميلا ... و مبنيا بأسلوب جميل و يبدو أن الحكومة تعتني به جيدا .. كنت أتطلع إلى الوادي المظلم بالأسفل و إلى النجوم بالأعلى .. منظر رائع حقا ينقصه أشباح تهيم هنا وهناك و غربان لتكتمل روعته ... لكن يبدو أن هذا كان الهدوء الذي يسبق العاصفة .

    جاءتنا العاصفة على هيئة كلب .. بدا من بعيد على جبل متصل بالسد .. كان ينبح بغضب ... ذلك النباح الذي تستخدمه الكلاب فتشعر أنها تشتمك بكراهية .. توقفنا كلنا مرة واحدة .. كان الكلب نحيلا أسودا ذو ذيل مقطوع .. كان يتحرك يمينا و شملا و ينبح في غضب .. ماذا يريد هذا الأحمق بالضبط ... تحول هذا الكلب إلى اثنين .. و الاثنين إلى خمسة .. و الخمسة إلى عشرة ... و العشرة إلى ثلاثين .. ينبحون لتشعر أنهم اعتبروها حربا بيولوجية ضد بني الإنسان و إما النصر و إما الشهادة .

    استدرنا جميعا و مشينا بخطوات سريعة جدا أقرب إلى الركض ناحية السيارة .... وبدأت مجموعة في الكلاب في التحرك ناحيتنا بخطوات متوسطة السرعة .... قابلنا مصطفى في السيارة يضحك بكل جزء في فمه حتى لسانه ... ركبت السيارة بسرعة و أدرتها و ركب الكل قفزا فوق بعضهم و تحركنا حتى قبل أن نغلق كل الأبواب .

    في الطريق إلى المنزل كان الكل غاضبا ... ليس كما ظننت أنهم غاضبون من فكرتي الغبية التي كادت أن تودي بحياتهم جميعا بين أسنان مجموعة من الكلاب ... بل كانوا غاضبين من الكلاب .. و مصرين على أن يعودوا ثانية إلى
    السد .. لكن هذه المرة يكونون مجهزين بالحجارة ... لم أعلق .. استدرت بالسيارة في هدوء إلى السد مرة أخرى ... يا إلهي .. لم أعرف أن تأثري مخيف هكذا .. لقد اعتبروها حربا بيولوجية بدورهم ... يبدو أنها ستكون ليلة دامية .

    طبعا رفض مصطفى النزول .. الكل كان يقنعه بالدخول في تلك الحرب .. لم أعلق و أخذت أنظر للكل نظرة غريبة ... هؤلاء البشر غريبي الأطوار .. لماذا يمشون بهذه الحماسة نحو فكرة بهذه الحماقة ... عموما تقدمت الجمع كالعادة و أخذنا نجمع أحجارا من الأرض و نعبيء جيوبنا .. نظرت للكل نظرة مشفقة .. هؤلاء الأغبياء يمكن أن يموتوا اليوم في هذه المعركة ببساطة .. .إن عدد الكلاب الغاضبة رهيب .. لكني قتلت هذه الصحوة في نفسي و استمريت في جمع الأحجار .. إحساس أن تكون شريرا يفوق روعة اي أحاسيس بشرية أخرى ... ولن تصدقوني مالم تشعروا به يوما .

    بدأنا نتقدم بحذر فوق
    السد شاخصين ببصرنا إلى الأمام مرهفين أسماعنا ... ظللنا نتحرك حتى اقتربنا من ذلك المرتفع الذي ظهرت فوقه الكلاب في المرة السابقة ... بدأت خطواتنا تكون أكثر بطئا .. شيئا فشيئا بدأنا نصل إلى المرتفع ... أتوقع أن يظهر ألف كلب الآن و أن تكون المعركة دامية لدرجة أن يقع بعضنا من فوق السد ليتحطم عنقه في الوادي .

    صعدنا فوق ذلك المرتفع ... من هنا يتخذ
    السد مسارا آخر ... كان المرتفع هاديء تماما ... ليست عليه حياة من أي نوع .. حقا كان الأمر غريبا .. يبدو أن الكلاب قررت تركنا نتقدم في السد قليلا حتى منتصفه ثم يهجمون ... بحيث نكون بعيدا عن أي شوارع .. ونموت و لا يشعر بنا أحد ... عرفت أن الكلاب وفية لكن هل هي ذكية ؟ لست خبيرا في عالم الحيوان .

    تحركنا بخطوات أسرع على
    السد ... لم يبد أنه كانت هناك أي كلاب .. عبثا حاولت العثور على تفسير لما رأيناه ... ربما هم جن مثلا ... لكن لو انهم جن يحرسون هذا الوادي و طردونا في المرة الأولى ... لماذا انسحبوا الآن ؟ ربما هو فقط (شغل عفاريت) كما يقول المصريين .

    وصلنا إلى نهاية
    السد ... لاشيء إطلاقا .. هدوء تام ... وهنا استدرنا و مشينا عائدين .. وفجأة ارتفع صوت جرس جوالي ... إنه مصطفى يتصل ... فتحت الخط بدون أن أقول أي شيء .. فقط أستمع إلى ما يمكن أن يكون يتصل بشأنه .. قال لي ... بسرعة تعالوا أرجوكم ... الكلاب تحيط بالسيارة .

    هنا أصبحت خطواتنا سريعة جدا ... تلك الكلاب الجائعة فضلت الحصول على وجبة طازجة بدلا من تصديع رؤوسها بالحرب البيولوجية ... تحولت خطواتنا السريعة إلى ركض .. ثم إلى ركض سريع ... حتى بدت لنا السيارة من بعيد و الكلاب تحيط بها في بشاعة .. لم تكن تنبح ... كانت فقط تدور حول السيارة و تلتصق بها و ترتفع على قائمين للنظر بداخلها ... يبدو أن مصطفى المسكين بلل الكرسي الآن .

    أصابتني حالة من الغضب دفعني للركض بقوة ناحيتهم ... و أخذت أرمي حجارة كالمجنون ناحية السيارة .. قال لي شرف في عصبية :
    - أيها الغبي ستكسر زجاج السيارة و سيصلون إليه

    تنبهت إلى غبائي ... وانتبهت لنا الكلاب ... استدار بعضها لنا و أخذوا ينبحون بغضب .. ثم تحركت بعضها ناحيتنا بسرعة ... كانوا يركضون .. تعرف الكلاب عندما تركض نحوك بشراهة .. أخذنا نرمي بالحجارة بكل قوتنا ناحيتهم بحيث لا تصل الحجارة للسيارة ... لكن يبدو أن الكلاب كلها قد استدارات و تحركت ناحيتنا الآن .. بل ركضت ناحيتنا بغضب رهيب ... أنهيت كل الحجارة التي كانت معي و كذلك معظمنا .. ولا توجد حجارة فوق
    السد النظيف الذي تعتني به الحكومة جيدا ... نظرنا إلى الوادي بالأسفل ... هل يمكننا النزول للوادي ؟ كانت هناك جهة من جهات السد فيها جدران السد المائلة ..و هذه مستحيل أن ننزل عليها لأن ميلانها حاد جدا .. والجهة الأخرى فيها جدران أيضا لكن فيها جزء جبلي يمكننا النزول عليه .

    وبدون مزيد من التفكير قفزنا على ذلك الجزء الجبلي ... وبدأنا ننزل بحذر في البداية ... لكنني كالأحمق كانت لدي بعض المهارة في نزول الجبال فاستغللتها بأن أخذت أنزل على الجبل و كأنني أتزحلق على الجليد ... المشكلة أن علاء طالب الثانوية العامة إياه بدأ يقلدني ... لكن الأحمق لما نزل بهذه الطريقة لم يستطع السيطرة على نفسه .. لا أقصد أنه وقع ... لكن قصدت أنه لم يستطع التحكم في سرعته ... سرعته أصبحت كبيرة جدا في النزول حتى أن قدميه كفتا عن التزحلق و بدأتا في الجري ... الجري بسرعة شديدة جدا فوق ذلك الجزء الجبلي المائل ... وطبعا فقد توازنه في النهاية .

    شاهدته يطير ثم يسقط على أم رأسه ثم يتشقلب و يطير و يسقط فوق رأسه مرة أخرى ثم يهمد في مكانه تماما ... لقد قلت أنها ستكون ليلة دامية ... ويبدو أن علاء هو أول الموتى ... شعرت بغصة كبيرة في حلقي ... أخذت الغصة تتفرع و تتفرع من الفروع فروع داخل حلقي .... نزلت إلى علاء شاعرا بالغصة قد خرجت من حلقي وأخذت تتفرع فروعا للخارج .

    لكن علاء قام من الأرض و أخذ يتحسس رأسه في غباء .. كان كشخص ضرب على رأسه وهو الآن يفيق من غيبوبة متسائلا ببراءة عما حل به ... كان واضحا أنه بخير بغض النظر عن النظرة الزائغة التي ينظر بها لي ... تحسست رأسه ... لا توجد حتى دماء ... إن الله قد لطف به حقا هذا المجنون .... لا أعرف كيف لكن كان الكل بخير .. وقد أصبحنا الآن أسفل الوادي المظلم ... نظرنا إلى أعلى
    السد ... الكلاب تنبح و تركض يمينا و شمالا في جنون ثم تنبح .

    أخرجت جوالي سريعا .. اتصلت بمصطفى ... سمعت تلك النغمة المريضة التي تعلن أن جوالي شارف على الموت .. تمنيت فقط أن يظل الجوال حيا حتى أتصل بمصطفى ... رد مصطفى بعصبية :
    - أين أنتم ؟ هل أنتم بخير ؟ أحمد ... تعالوا هيا لا يوجد كلاب هنا .
    أعرف هذا الطراز من البشر الذي يسألك أسئلة و يجيب على نفسه و يمضي في الكلام على أساس هذه الإجابات ... قلت له :
    - نحن هربنا من الكلاب ونزلنا للوادي الآن .. كلنا بخير .. سنبحث عن طريقة للصعود لك .. ابق حيث أنت ... لا تخرج من السيارة و إلا قتلتك قبل أن تقتلك الكلاب .

    كان ربيع في حال بائسة جدا ... ولا يكف يلعن أفكارنا الحمقاء التي أتت به إلى هنا وهو الذي كان يحلم بليلة مريحة في سريره أمام الأنمي الرائع الذي يحبه مع كوب من الشاي و المكسرات .. عمرو كان متحمسا لكنه فقط متضايق لأن ثوبه أصابه بعض الغبار .. شرف كان يحاول البحث عن شيء ما يمكننا الصعود عليه إلى السيارة بدون أن تشعر بنا الكلاب المحمومة بالأعلى ... بينما كنت أنا مع علاء أطمئنه و أطمئن عليه .. لكن العاصفة عادت و هبت علينا مرة أخرى .. وكانت هذه المرة أشد قسوة .

    شق الوادي صوت نباح غليظ جدا .. ثم أصبح نباحين فثلاثة فأكثر ... الظلام دامس لا يمكنك أن ترى شيئا .. إن أصل الرعب هو الخوف من المجهول ... شيء لا تراه لكنك تعلم أنه قادم لقص رأسك ... شيء بشع ... وها أنت تسمع نباحه ... والحق يقال أن نباح الكلاب التي هاجمتنا أعلى
    السد يعتبر موسيقى بالنسبة لهذا وهنا أصابتنا جميعا حالة من الذعر ... إنه الموت يا رفاق ... الموت بين أسنان كلاب مسعورة .. في واد مظلم .

    وفجأة ظهرت الكلاب ... كانوا أربعة كلاب ضخمة بشعة الخلقة غاضبة جدا .. وقفوا قريبا منا و أخذوا ينبحون بذلك الصوت المرعب .. ثم يتحول النباح لصوت مكتوم يعبر عن الغيظ الشديد .. لا أعرف لماذا تكون الكلاب دائما غاضبة هكذا ... ولا أدري أصلا كيف يحب شخص ما الكلاب و يربيها .. دعك من نجاستها و أنيابها و صوتها الذي يأبى إلا أن يكون دائما غاضب ... وشكلها الغاضب الأقرب للشياطين ... كيف يحب الناس هذه الكائنات .... أحببتها أو لم أحبها .. يبدو أن نهايتي ستكون بين أنيابها في النهاية .... لست أنا فقط ... بل أنا و أعز أصدقائي كذلك .

    إن عضة الكلب قذرة جدا ... مررت بتجربة مريرة معها في السابق .. لا أدر ما أمري مع الكلاب المسعورة السوداء .. لماذا يعلنون علي الحرب البيولوجية من آن لآخر .. كنت أعرف أن من يحب التدخين تكون نهايته بأمراض تتعلق بالصدر أو القلب ... من يحب السرعة تكون نهايته في حادث سيارة و من يحب المغامرات الغبية تكون نهايته في مغامرة غبية .. لم نتحمل أكثر ... استدرنا جميعا و أطلقنا سيقاننا للريح .. ولم تكذب الكلاب الضخمة خبرا فانطلقت وراءنا على الفور .

    لما يجري الكلب وراءك يمكنك أن تسمع ثلاث أصوات مرعبة في آن واحد ... صوت أقدامه الي تركض بسرعة على الأرض ... صوت لهاثه أثناء ركضه ... و صوت نباحه ... لكنني سمعت فجأة صوتا آخر لا دخل له بكل هذا ... صوت طلقة نارية أضاف لها الوادي صدى رهيبا ... ثم طلقة أخرى .. لم ندر أين ننظر لكن الكلاب توقفت و بدأت تجري في اتجاهات مختلفة .. طلقة ثالثة ... أنين كلب ... طلقة رابعة .... صوت كلاب تركض مبتعدة بأقصى سرعة .... طلقة خامسة .. وسادسة .

    - يا محمد ... محمد ... يا محمد ...

    صوت رجل من أهل باكستان .. نظرنا لمصدر الصوت لنجد رجلا مشعث يرتدي فانيلة بيضاء و ينزل على سلالم مصنوعة لتنزل بها إلى الوادي و تصغد بكل سهولة ... أين كانت هذه السلالم اللعينة لما احتجناها ... ثم رأينا وراءه مصطقى يلوح .. كان هذا أمين
    السد أو المسؤول عن السد أو رجل السد ... هناك شخص ما له هذه الصفة دائما في السدود .. أنت تفهم قصدي بالطبع .

    كان الرجل غاضبا جدا .. قال أشياء كثيرة عن حماقتنا و عن الكلاب التي استعمرت هذا المكان منذ زمن و عن حماقنا ... وعن أنها المرة الأولى التي يرى فيها أشخاصا بجنوننا . كل زوار
    السد يفرشون بجانب البوابة و يجلسون ... وعن حماقتنا .. وعن المطر الذي لم ينزل منذ سبعة أشهر حتى جف الوادي تماما ... وعن حماقتنا ... هذا الرجل ثرثار جدا ... من أشد الأشياء على نفسي أهل باكستنان لما يكونوا ثرثارين ... وأنت مضطر لسماع كل كلمة يقولها بابتسامة واسعة لأنه أنقذ حياتك .

    لم تكن هذه آخر زياراتنا لهذا
    السد .. فأنا و ربيع و شرف مثلا ربما نذهب لزيارته من آن لآخر .. الغريب أننا نمشي فوقه حتى نهايته و نعود بدون أن نرى أي كلب أو نسمع أي نباح ... حتى أنه أصبح متنزها لنا نقصده كلما شعرنا بالملل .. ودائما لما نمشي فوقه نتذكر ذلك اليوم الكارثة .. لكن لا نجد أثرا لأي كلب أو لأي مخلوق آخر وكأنهم كلهم كانوا وهما قاسيا ... ربما كانوا شياطين .. فهم حقيقة لم يمسونا بأذى حسي .. إنما جعلونا نهرب منهم حتى كدنا نموت رعبا ..أو ربما جاءت الحكومة التي تعتني بالسد جيدا و قتلتهم كلهم بعد أن بلغهم ذلك الحارس الباكستاني الثرثارعن حادثتنا .. لن تدري أين الحقيقة أبدا .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي حكاية ألفت

    " إنهم حولك .. الكل رآهم وشعر بهم .. الكل فيما عداك أنت أيها المتحذلق "

    - إن بيتنا تحدث فيه أحداث غريبة جدا مؤخرا .. فما رأيك ؟

    قالت لي هذا في عصبية وهي تنظر حولها إلى اللاشيء .. ثم نظرت إلى نظرة تساؤل و استعجال وكأنني الوحيد الذي يعطلها على هذا الكوكب .. لكنني مثل أي بشري ، أحتاج إلى معلومات ولو ضئيلة عن أي شيء قبل أن أبدي فيه رأيا ما .. أما هذا الذي قالته فهو غير قابل للتحليل .. الأمر أشبه بأن تفتح محرك بحث Google وتكتب فيه حرف الميم ، بينما أنت تنوي البحث أصلا عن كلمة موسيقى .. لا تنتظر منه نتائج مشجعة ولو في الصفحة المئة .

    - معذرة عزيزتي ألفت .. هلا أخبرتني بالموضوع من الألف إلى الياء ؟ .. أظن أن هذا من حقي بهذا العقل المتواضع الذي أملكه .

    أخرجت تنهيدة ملل ونظرت إلى في عتاب لا أفهم سببه .. كنا في كافيه يدعى Diva وهو من تلك الكافيهات الغير شهيرة التي تستقطب زبائن الحي الواحد أو الشارع الواحد... فيما بعد ستعرف أن هذه الفتاة – ألفت - هي الفتاة التي وقعت في حبائلها .. أو ربما هي التي وقعت في حبائلي لا أذكر .. أحدنا وقع في هوى الآخر أولا فلم يصدق هذا الآخر نفسه من الفرحة فاعترف له بدوره بكل شيء .. هذه قصتنا ببساطة شديدة .


    لن أضيع وقتك في وصفها .. فالمحبين عادة يجدونها فرصة لا تعوض للثرثرة عن جمال الحبيبة و رقتها .. لكنني سأقرب الصورة إلى ذهنك .. إنها تشبه Filiz .. أو Tuba Büyüküstün الشخصية التي تحول اسمها عندما عبرت من تركيا إلى العالم العربي ليصبح "لميس" .. الأمر الذي لم أستسغه أبدا ولن أفعل .. فأنت عندما تحب شخصا لفترة طويلة و أنت تعرف أن اسمه كريم مثلا ... لن تستسيغه بعد اليوم إذا تحول اسمه ليصبح سيد أو عباس .. الأمر صعب .. حتى اسم المسلسل الذي أحببناه كلنا ( تحت شجرة الزيزفون ) تحول ليصبح ( سنوات الضياع ) .. هؤلاء سفاحين وليسوا مترجمين .

    نعم كان اسمها ألفت .. ونعم أحببتها .. الكل يقول لها أنها تشبه Filiz .. هذا يغضبها جدا لأنها تكره هذا المسلسل و تكره كل من يشاهده لسبب أجهله ..... لكن التوافق الذي وجدته بيني و بينها و الذي تعدى 100% هو ما جعلها أميرتي .. كفاك حسدا ودعنا نكمل .. فألفت كانت لديها قصة نجحت في إثارة شهيتي حقا ... وسأسلمها القلم الآن لتتحدث حتى أريحك من ثرثرتي لبعض الوقت .


    إن أبي كثير الأسفار .. لا أراه أكثر من مرة كل أسبوع تقريبا .. لذا فأنا أنام مع أمي كل ليلة .. ليس هناك أجمل من النوم مع دفء وحنان الأم .. يستحيل أن تقلق ليلا أو تخاف أو تزورك الكوابيس .. قد تكون الأم ضعيفة جسديا لكن لو أن غوريلا إفريقية كسرت علينا الغرفة الآن ودخلت لن أشعر بالخوف طالما أنا معها... لكن ما حدث في تلك الليلة لن أنساه ما حييت .


    كانت ليلة بلا قمر على الإطلاق .. أراهن أنه لا توجد حتى نجوم في السماء .. إنها تلك اللحظة التي يسكن فيها كل شيء ولا تسمع سوى صوت دقات الساعة الممل .. هذا هو الصوت المزعج الوحيد الذي يمنعني أن أنام كل يوم .. أحيانا يدخل هذا الصوت في أحلامي .. عندها أجدني أحلم مثلا بأن أحدهم يدق مسمارا في الحائط ويظل يفعل هذا لمدة طويلة جدا بشكل مستفز...حتى أستيقظ فأكتشف أنه صوت الساعة إياه .... ها هو النوم أتى يتسلل إلى فأستسلم له في سعادة .. على الأقل أتى ليريحني من دقات الزمن المزعجة المعلقة على الحائط أمامي .

    بعد قليل استيقظت .. الدقات لازالت كما هي ... ياللإزعاج .. فكرت أن أتحول على جانبي الآخر عل هذا يخفف الصوت قليلا .. نحن نكون أغبياء جدا أثناء النوم .. لكن مهلا .. أنا ثقيلة جدا .. وكأنني زدت ألف كيلوجرام دفعة واحدة .. حاولت النظر إلى جسدي لأتأكد أنني لازلت على رشاقتي التي أحافظ عليها منذ ولدت لكنني لم أستطع حتى النظر .. رأسي ثقيلة جدا هي الأخرى ... لكن لا ... الناس لا يثقلون هكذا فجأة .. الأمر أكبر من هذا .. إنه شلل تام ... شلل تعدى مرحلة الشلل الرباعي بكثير .. يا إلهي .. كنت أبكي .. لم أظن قط أنني سأشل يوما ما .. فجأة تحررت .. تمكنت من تحريك يدي فجأة ... ما الذي يحدث لي ؟ هل هذه أعراض الموت ؟ ... بكيت مرة أخرى .. بكيت حتى تمكن مني النوم مرة أخرى .


    أتى اليوم التالي سريعا .. قمت من السرير وأنا أنظر حولي في توتر .. لازلت أذكر ما حدث .. هناك شيء ما زارني أمس و أطبق على صدري ليلا .. دخلت أمي الغرفة فجأة .. كانت تنظر إلى نظرات قلقة جدا .. سألتني إذا كنت بخير .. لكنني لم أكن .. حكيت لها عن كل ما حدث معي أمس .. أمي كانت تنام بجانبي على نفس السرير .. في الواقع لم تبد مندهشة كثيرا .. كانت تخبيء شيئا ما .

    بعد طول نقاش مع أمي عرفت ما كانت تخبئه عني .. استخرجت منها الكلام استخراجا .. كانت تخبيء قصة أرعبتني جدا ... قالت لي أمي أنها رأت كل شيء .. قالت أنها استيقظت من نومها فجأة قلقة علي بلا سبب معين .. ونظرت ناحيتي فرأته .. رأت كيانا بشعا أبيض اللون يجثم علي .. فزعت أمي وحاولت أن تقوم لإبعاده قبل أن تفكر أصلا ما هو .. لكن ذلك الكيان الأبيض صفعها بيده على وجهها فارتدت نائمة و أصيبت بشلل طويل جدا .. ولما أفاقت منه نظرت إلي فوجدتني نائمة في سلام ... ظنت أمي أن كل هذا كان كابوسا .. فأكملت نومها كأن شيئا لم يكن .


    أكثر ما يرعبني في القصة هو أنني لم أجرب على أمي كذبا قط .. هي ليست من النوع الذي يحب اختلاق القصص الخيالية .. أنا أعرفها جيدا .. وطالما قالت أن هذا قد حدث فقد حدث حتما .. في هذا اليوم كنت متوترة جدا وكذلك كانت أمي ... نزلت من البيت وذهني مكدود من التفكير .. ربما أقابل أحمد فأخبره عما حدث .. هذا الفتى يفهم في هذه الأمور .. لكنني لم أقابله .. لما دخلت إلى البيت ثانية بعد العصر كانت أمي تشغل الراديو على القرآن الكريم .. وكان الصوت مضبوطا على أعلى درجة يستطيعها المسجل .. كان الصوت عال جدا جدا .. إنها متوترة حقا .. لكن هذا طمأنني نوعا ما رغم كل شيء .. ألا بذكر الله تطمئن القلوب .


    كنت مع أمي في المطبخ أساعدها و أنا أتذكر قصة الكيان الأبيض ..عندما اتصلت بأحمد ضحك وقال أنه صديقه الجاثوم أتى ليطمئن علي .. ياللسخافة .. و فجأة سمعت أنا و أمي صوت تكسير زجاج من بين أصوات المسجل العالية .. ثم سمعناه مرة أخرى أعلى و أعلى حتى زاد على صوت المسجل نفسه .. الأمر كان وكأن كل زجاج المنزل قد انهار فجأة ... أطلقت أمي صرخة مرعوبة .. خرجت من المطبخ سريعا لأرى ماذا حدث .. لكن لا شيء .. كل نوافذ المنزل بحالة رائعة .. ولا توجد أي قطعة زجاج تشير لأي شيء .

    لن أصف لك حالة أمي و الأذكار التي اندفعت ترددها فجأة في رعب .. فتحت النوافذ لأتأكد .. ربما أتى الصوت من الخارج .. لكن لا شيء .. أغلقت أمي المسجل .. و نظرنا إلى بعضنا في رعب .. نظرات حملت الكثير من الكلمات ... وقادنا حوار النظرات إلى أن نخرج من البيت قليلا حتى يأتي أخي يوسف.. ويوسف فتى شجاع يعرف كيف يشعرك بالأمان دائما .


    أيام مرت وراءها أيام .. أمي و أخي يوسف أقسما أنهما رأياه أكثر من مرة .. رأيا الجان يتحرك داخل المنزل ... أقسما بأغلظ الأيمان ... وأنهما رأياه ذات مرة معا .. مما ينفي أي احتمال للهلاوس ... هذا أمر لا يمكن السكوت عنه .. نحن نحتاج لمساعدة أحدهم ... و أحدهم هذا لا أدري ماذا ستكون مهنته .. بعض الناس يحتاج لطبيب .. البعض يحتاج لسباك أو لنجار .. لكن لا أدري ماذا سنحتاج نحن بالضبط .. سمعت عن طرد الجان من المنزل بطرق معينة لكنني لا أعرف كيف .. سأقول ما حدث لأحمد .. أنتم تعلمون أنه يفهم في هذه الأمور .


    انتهت حكاية ألفت .. هناك فتاة تشعر وأنت جالس معها بالسخافة ... وهناك فتاة تشعر وأنت معها بالتفاهة و السطحية .. هناك فتاة تشعرك بأنك رجل ... وفتاة تشعرك بالجنون .. وهناك فتاة تشعر وأنت جالس معها بالراحة .. وهذه الأخيرة هي من يحبها قلبك .. هذا ملخصنا نحن معشر الرجال .. بالنسبة للأنثى فإن هناك رجل تشعر الفتاة وهي معه بالراحة .. وهناك رجل يشعر الفتاة بالحب .. و آخر تشعر الفتاة معه بأنها رخيصة .. ورجل يعطي الشعور للفتاة دائما بأنها من أهل الطبقة الثانية و أنه من الطبقة الأولى لأنه رجل .. وهناك رجل تشعر الفتاة وهي معه بالأمان .. وهذا الأخير هو حبيبها .. الأمر بهذه البساطة .. ولا أدري لماذا تحتار بعض الفتيات حقأ .


    دعنا نفكر .. مبدئيا فألفت زارها الجاثوم في أبشع صوره .. ليس هذا فقط بل إنه أتى بأصدقائه من الجان معه إلى المنزل .. ثم إنه وصل لمرحلة أن يمد يده اللزجة و يصفع والدتها .. إنه يتحدى إذن .. ألفت أصبحت تعيش في منزل مسكون . هذا أمر مفروغ منه .. وبالنسبة لخبرتي في المنازل المسكونة فهي خبرة لن تفيدها إطلاقا لأنني كونتها من آلاف أفلام الرعب التي شاهدتها عن المنازل المسكونة .. هناك منزل تعرف في آخر الفيلم أنه أقيم على أنقاض مقبرة ملعونة .. أو أنه يجاور مقبرة ملعونة .. أو أن الجن هم أهل المنزل الأصليين بينما اشترته عائلة مسكينة ظانين أنه شاغر حقا كما يدعي المستأجر ..... لن أفيدها بهذا الهراء .. لكنني على الأقل أعرف من يفيدها حقا في هذا الأمر .

    توجهت إلى مسجد الحي .. هذا هو المسجد الذي كنت أذهب فيه إلى " التحفيظ" يوميا في اسطنبول في صغري ... هذا يعيد لي ذكريات جميلة جدا و مؤلمة جدا في نفس الوقت .. ذكريات الأستاذ فازيل ( فضيل ) ذو النظارات إياه وصديقه الشيخ فاروق .. هذا الثنائي كان يحفظنا القرآن في صغرنا .. الأستاذ فازيل لازال موجودا .. هو حتى الآن إمام المسجد و خطيب الجمعة .. إنه خريج جامعة إسلامية ما لا أذكر اسمها .. الآن هو شاب في الثلاثينات .. ولقد عشنا معه قبل عشر سنين أيام لم تكن لطيفة إطلاقا هو و عصاه الرفيعة المرنة المؤلمة جدا ... لم أكن أعرف أنني سأحتاج يوما ما إلى الأستاذ فازيل .


    هناك ما يشبه قاعة وراء المسجد وملحقة به هي التي كنا نحضر فيها التحفيظ وفي داخل القاعة هناك غرفة صغيرة هي غرفة الأستاذ فازيل .. الغرفة التي لم ندخلها قط ولم نرد يوما أن نفعل .. الآن دخلتها أخيرا .. كانت غرفة مكتب بسيطة جدا .. ابتسامة علت وجهه فور أن رآني .. هذا الرجل لم يتغير .. ولو أتيت بعد عشر سنين أخرى سأجده كما هو .. أعرف هذا الطراز من الناس جيدا .. لم يبد اندهاشا وأنا أخبره بحكاية ألفت ... أعطى لي شعورا بأن الموضوع عادي جدا وأنه يحدث كل يوم تقريبا وأن علي ألا أقلق .... قال شيئا عن أننا سنذهب غدا للمنزل ونقرأ فيه كلنا سورة البقرة بصوت عال ...بعدها لن يقرب المنزل أي جان .. هذا رجل يعرف تماما ما يفعله .


    ذهبت مع الأستاذ فازيل بصفتي خطيبها الهمام .. وقفت معه أمام بيتها .. مد يده و رن الجرس في هدوء وأنا وراءه .. هذا الرجل قفاه لم يتغير أبدا .. أتساءل لو أن الـ .... فجأة فتح الباب .. لحظات تعارف قصيرة سمحت لنا فيها والدة ألفت بالدخول .. كان يبدو أن الجميع بانتظارنا بالداخل .

    إنها المرة الأولى التي أدخل فيها بيتا مسكونا .. هؤلاء الجن لا أفهمهم .. هم يعلمون أننا نجتمع الآن لطردهم .. لو أنني في مكانهم لتصرفت بعنف فعلا ... هاقد أجلسنا الأستاذ فازيل في حلقة كما يحب أن يفعل دائما .. كانت المجموعة تضمني أنا و
    ألفت - التي أراها لأول مرة تغطي شعرها بتلك العباءة والإيشارب المصري - ويوسف أخوها ووالدتها علياء و الأستاذ فازيل ... أخبرنا الأستاذ أن الأمر سيأخذ وقتا طويلا نوعا ما لأن سورة البقرة طويلة .. قال أنه سيقرأ ونحن نردد وراءه في صوت واحد قوي .. وسنفعل هذا في كل آية حتى ننهي السورة .. بعدها لن يجرؤ جني على الاقتراب من هنا لأن سورة البقرة حصن قوي .

    انتهينا بعد ساعات .. الأستاذ فازيل تعب و أخذ يجفف عرقه ثم قام واستأذن ورفض أن يأخذ أي نقود .. لا أصدق أن القصة انتهت هنا .. لم أرو ظمأي بعد .. ظننت أننا سنرى شياطين بالداخل .. لكن ما حدث في اليوم التالي أذهلني بمعنى كلمة أذهلني .. لم يذهلني وحدي بل إنه أذهل كل سكان حينا ... أذهلهم لدرجة أنهم كانوا يمشون في الشارع يحدثون أنفسهم كالمجانين .. وأنا أولهم .

    ما حدث هو أنه وفي وقت متأخر من الليل .. حوالي الساعة الحادية عشرة تقريبا .. سمع الكل صوت سيارة الشرطة .. لكنها شرطة غريبة لم أرها في اسطنبول من قبل .. شرطة الآداب .. كان هناك تجمهر من الناس أمام مسجد الحي .. كنت في الشارع وقتها فذهبت تلقائيا إلى هذا التجمع لأرى ما المشكلة ... بعض الواقفين غاضبين جدا .. سيارة شرطة الآداب تقف أمام المسجد .. وتحديدا أمام باب القاعة التي كنا نحضر فيها التحفيظ قديما .. وفجأة خرج الـ .... يا إلهي .. كان الأمر يفوق قدرتي على التحكم بأعصابي .

    خرج مجموعة من رجال الأمن وهو يمسكون بالأستاذ فازيل وليس على جسده سوى منشفة يحاول أن يغطي بها عورته و بجواره فتاة تغطي عريها التام بملاءة بيضاء تكشف أكثر مما تستر .. نعم كانت فضيحة الموسم وكل موسم ... الأستاذ فازيل ... وفي المسجد .. تبا للحظ الذي جعلني أعيش في دولة بهذه القذارة .

    انتهى الأستاذ فازيل تماما ... وانتهت معه ثقتنا في كل البشر .. هناك أناس لا يمكن أن تصدق أن .. تبا ... كان هناك تفسير مرعب اهتديت له بعد أن هدأت قليلا .. إنه يتعلق باليوم السابق للقبض على الأستاذ فازيل .. اليوم الذي كان يحاول فيه طرد الجان من منزل
    ألفت ... نعم ... الأمر ليس له تفسير آخر ... فهذا الرجل سمعته رائعة منذ أكثر من 20 سنة أو أكثر .. فما الذي يجعله يفقد كل شيء وتفضح كل أوراقه هكذا فجأة وفي هذا اليوم بالذات ؟ .. إن وراء هذا قوة لا قبل لنا بها .. وكل ما أعلمه هو أنني كنت مساعده .. و أنني التالي حتما .. وما حدث بعدها أكد لي كل شيء ....بل إنها لم تصبح شكوكا على الإطلاق .. لقد تحولت لوقائع مريعة لن أقدر على نسيانها مهما حاولت ... وللحصول على الصورة كاملة أرجح أن تحكي ألفت الجزء المتبقي من القصة .

    لم ينته أي شيء .. بل زاد .. بيتنا أصبح مرعبا إلى حد لا يصدق .. حتى الجيران أصبحوا يدقون بابنا في أوقات متأخرة لنكف عن أصوات الصرخات التي نحب أن نطلقها ليلا والناس نيام .. وطبعا لن يصدقنا أحد أننا لسنا أصحاب هذه الصرخات .... حتى أتى ذلك اليوم ...ذلك اليوم الذي رن فيه جرس الباب حوالي الساعة التاسعة .. بعد صلاة العشاء مباشرة ... ذهب أخي يوسف ليفتح الباب .. نظرت له لأستشف منه شيئا عن القادم .. كان يوسف يتحدث مع أحدهم في دهشة .. لا ريب أنه واحد من هؤلاء الجيران ثانية .. لكن لا .. يوسف ينظر إلى الداخل في توتر ... لابد أن القادم يريد أن يدخل ... طلب مني يوسف أن أذهب لأنادي أمي بسرعة ... أتت أمي من الداخل تلقائيا لترى من القادم .. كان يوسف يتحدث على الباب مع شيخ كبير في السن عليه هيبة الشيوخ الكبار بثوبه الغريب و لحيته الحمراء ... طلب منا الرجل ببساطة أن يدخل .

    دخل الرجل بخطوات بطيئة وهو ينظر إلى الشقة في ارتياب .. هذا رجل لن تصدق حجم لحيته ما لم تراها .. جلس الرجل على أقرب كرسي وجده أمامه .. وهرعت أمي إلى المطبخ لتحضر مشروبا ساخنا ... و بدأ الرجل يتحدث ... وفهمنا كل شيء .

    إن الحي كله الآن عرف أن بيتنا مسكون .. و الحقيقة أن كل من في الحي يخاف من الاقتراب من عمارتنا .. وجيراننا يعيشون في رعب ليلة بعد ليلة ... أخبرنا الشيخ أنه مبعوث من مسجد الحي .. قال أن لديه خبرة في هذه الأمور بالذات وأن علينا ألا نقلق .... دخلت أمي بصينية عليها الشاي ... رفض الرجل بأدب لكن أمي ألحت عليه .. ثم إن الرجل قد نظر إلي وابتسم و طلب مني مصحفا ... لم يكن يطلب كان يأمر .. يالهيبة هذا الرجل .. قمت من مكاني سريعا و أحضرت المصحف ووضعته أمامه .

    أخرج الشيخ نظارات صغيرة من مكان ما في ثيابه و طلب مني أن أفتح له على سورة الجن لأن نظره ضعيف جدا ولا يمكنه أن يرى جيدا ... سورة الجن .. نعم أعرف مكانها ... ثم طلب مني في أدب أن أذهب لأرتدي العباءة .. حقا أحب الرجل المؤدب ... إن جوالي يرن منذ فترة .. إنه أحمد كالعادة ... هذا الفتى لا يهدأ أبدا .

    بدأ الرجل يقرأ آيات معينة من سورة الجن .. ثم يتوقف ليرشف رشفة من الشاي الساخن ثم يتابع ... ثم طلب مني أن أفتح له على سورة " قَ " .. نظرت إليه .. حقا لحيته كبيرة جدا ... ثم انتفض قلبي من مكانه فجأة ... هذا الرجل يرشف الشاي منذ ربع ساعة ولم تنقص من الكوب قطرة .. لازال مستوى الشاي في الكوب كما أتت به أمي ... ثم إن هذا الرجل لا يمس المصحف .. حتى أنه يطلب من يوسف أن يقلب له الصفحات .. ثم كيف يقول أن نظره ضعيف جدا لدرجة أنه لا يرى أسماء السور بينما هو يقرأ أمامي منذ ربع ساعة ... هذا الرجل ... فجأة قمت من مكاني مسرعة ناحية غرفتي .... يا إلهي هذا الجالس بالخارج ... إنه شيطان .

    اتصلت فورا بأحمد الذي كان وكأنه ينتظر الاتصال ففتح منذ أول جرس .. حكيت له كل شيء بكلمات سريعة .. كنت عصبية جدا ومنفعلة جدا ... المسكين كان قلقا علي جدا .. قال لي أنه في طريقه إلي فورا ... لا أدري ماذا سيفعل .. أو سأفعل أنا بكونه في طريقه إلي من عدمه ... سألته عما أفعل مع هذا الجالس في الخارج ... قال لي أن أحاول أن أخبر أمي أو يوسف بالأمر .. و قال أنه يستحسن أن نطرد هذا الشيء بطريقة مؤدبة من المنزل .. قال هذا ثم أغلق الخط .

    سمعت صوت الرجل يعلو بقراءة القرآن ... إن له صوتا رفيعا لزجا غير محبب ... لكن إذا كان جنا أو شيطانا فكيف يقرأ القرآن ... بدأت أفقد عقلي .. وقفت على أعتاب غرفة الجلوس ... رأيت الرجل منهمك في القراءة .. وأمي متوترة .. أعرف أنها تشعر بشيء ما .. إنها تشعر دائما بأي شيء سيء قبل حدوثه .

    مشيت ببطء حتى جلست أمام الرجل وهو يقرأ .. نظر لي نظرة سريعة لن أنساها ... هذا الرجل لا يمكن أن يكون شيخا .. إن بريق عينيه هو بريق عيني شاب قوي في الثلاثين ... أخذ الرجل يقرأ ويقرأ .. ويوسف تعب حقا من تقليب الصفحات هنا وهناك وهو لا يدري لهذا سببا ... وفجأة انقطع التيار الكهربائي و أظلمت علينا الدنيا .

    صرخت أعظم صرخة في العالم ... وصرخت أمي على صراخي .. أين يوسف ؟ ... لازلت أرى الشيخ جالسا بهدوء بهذا البريق في عينيه ... إنه مخيف ... صرخت وحاولت أن أقوم من مكاني لأفتح أقرب نافذة .... لكنني سمعت صرخة يوسف فالتفتت ورائي ... هناك نار اندلعت من مكان ما ... كل النيران تبدأ صغيرة ثم تكبر .... أما هذا فبدأت كبيرة .... أرى الشيخ على ضوء النار ... إنه لا يفعل شيئا سوى النظر إلينا ... أقسم أنه شيطان ... و صرخت ... صرخت بقسوة .

    أسمع دقات عنيفة على باب شقتنا .. هناك من سمع صراخنا .. الرعب شل حركتي وتفكيري فلم أفكر أصلا أن أفتح الباب .. ثم إن النيران أصبحت تندلع من كل مكان ... الدقات تزداد عنفا ... هناك من ينادي باسمي من الخارج ... وفجأة انكسر الباب .

    انتهت
    حكاية ألفت للمرة الثانية .. نعم كنت أنا الذي كنت على الباب أضربه بعنف .. أنا و أقوى من وجدت في طريقي من الشباب حتى انهار الباب أمام ضرباتنا ... رأينا ألفت جالسة على الأرض تصرخ في هيستيريا ... يقلدها في ذلك كل من يوسف ووالدتها ... كلهم يصرخون ... فقط يصرخون ... كأنهم يعقدون بينهم مسابقة للصراخ ... البيت في حالة رائعة جدا ونظيفة و لا يوجد ما يدعتو لهذه الهيستيريا .. تحدثت ألفت عن نيران وعن تيار كهربائي مقطوع .. وعن الشيخ ذو اللحية الحمراء الذي كان هنا ثم اختفى ... لكنها لم تكمل ... كانت قد فقدت الوعي ... مسكينة حقا .

    كانت تلك هي آخر ليلة تقضيها تلك العائلة في ذلك البيت الذي سكنه الجن فجأة ... انتقلوا إلى حي آخر تماما .. بعيد تماما ... إنه انتصار الجن ... الجاثوم الذي يضرب كل من يحاول أن يعطله عن تأدية عمله ... الأستاذ فازيل الذي اختار نهايته عندما ادعى قدرته على طردهم .. ثم الشيخ العجوز الذي يدق بابك ليلا ليخبرك بأنه طارد للأرواح الشريرة ... الشاي الذي لم ينقص .. المصحف الذي لم يمس ... الآيات المعينة التي يقرأها و التي علمت أنها أحد وسائل تحضير الجن ... النار و انقطاع التيار الذان لم يراهما أحد غير من كان بالداخل .... لقد أدخلوا الشيطان إلى منزلهم وقدموا له مشروبا ساخنا بينما يمارس هو طقوسه في استدعاء المزيد من أعوانه .

    لكن
    ألفت تنسى سريعا ... وتتكيف مع أي وضع سريعا .. ها أنا أراها اليوم في قمة تألقها وجمالها وكأن شيئا لم يكن ... كثيرا ما أضبط نفسي و أنا أحاول تذكر لون عينيها .. الأوراق الرسمية تقول أنها خضراء ... لكنني أرى أن لونها لا يبقى على حال .. أحيانا تكون عيناها رماديتان .. وأحيانا عسليتان .. هذين عينان يتحديان قوانين علم وظائف الأعضاء .. هذين عينين أحببتهما جدا وأحباني جدا .

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي جنود الرعب

    " نشعر بالفخر أمام مقابر الشهداء من جنود الحرب .. فقط لأنهم يحاربون لأجلنا ... فماذا لو انقلبت الآية ؟"


    " ...... عزيزي أحمد .. اشتقت إليك كثيرا .. ربما تذكرني وربما لا ... فقد جلسنا معا يوما واحدا .. لكنني شعرت أنني أعرفك منذ ملايين السنين .... شعرت أننا كنا جنبا إلى جنب ذات يوم نحاول الإمساك بالماموث الصوفي أيام العصر الحجري وعلى كل منا مجموعة من الأصواف التي من المفترض أن تحمينا من البرد .... أنا معتز ... الذي قضيت معه يوما كاملا في السنة الماضية في غرفته ... أنا الشاب ذو القدم المشلولة ... هل تذكرتني الآن ؟ ... عرفت أنك أتيت في هذه الإجازة إلى مصر ... ويجب أن أراك مرة أخرى ... قأنا أشعر بفراغ كبير يقتلني قتلا ... حفظت كل الكتب التي لدي و رأيت كل الأفلام ... أنت تعرف أنني لا يمكنني الحركة خارج سريري .... شعور قاتل أن تعرف أنه من المسموح لك الحركة لعدة سنتيمترات يمينا وشمالا .... سريرك هو مملكتك الدائمة .... جزء من هذا السرير تتدثر فيه بالألحفة عند النوم .... جزء آخر ترفع قدمك فوقه وتسند ظهرك للقراءة ليلا ..... حفظت جميع الحفر والبقع الموجودة في السقف ....لن أطيل عليك الكلام ... لكنني أرجو أن تأتي إلي ذات يوم في هذه الإجازة ... وأتمنى أن يكون هذا اليوم قريبا جدا .............. صديقك ... معتز "

    " صديقي معتز .... من حسن حظك أنني ذاهب إلى المنصورة بعد يومين بالضبط لزيارة خالتي هناك ..... ربما يكون هذا هو أول خطاب أبعثه بالبريد في حياتي كلها ... لا أستخدم البريد عادة وأفضل الهاتف .... لازلت أذكر ذلك اليوم الذي قضيته معك كاملا نتحدث في كل شيء .... أنا عادة لا أحب الثرثرة ... لكنني أحببتها معك ..... صدقني أنت يجب أن تكون كاتبا أو مفكرا في يوم من الأيام ... أحيانا أشعر أنك تعرف كل شي وقرأت كل الكتب التي كتبها أي إنسان .... في طريقي إليك قريبا .... أحمد "

    " ... عزيزي أحمد تصل الرسائل عادة بعد إرسالها بيومين حسب سرعة البريد الخيالية التي نملكها في بلدنا الحبيب ... هذا يعني أنك اليوم في المنصورة ..... يجب أراك .. فأنا كما تعلم بدون أصدقاء ... لا يزورني في غرفتي هنا غير أمي المريضة التي تخدمني بعينيها رغم ألم مفاصلها الذي يجعلها تحتاج لمن يخدمها ... بانتظارك ... معتز "

    " عزيزي أحمد .... أسبوع كامل مضى على خطابك الذي أرسلته لي قائلا أنك ستأتي بعد يومين .... لقد عرفت أنك الآن في المنصورة .... فلم لم تأت لزيارتي ياصديقي ؟ .... ربما صدقت نفسي حينما جلست معي يوما واحدا و اعتقدت أن هذا سبب كاف لجعلك صديقي ... يبدو أنني سأموت في مكاني ولن يسمع عني أحد ... أتمنى أن تكون سعيدا في المنصورة ..... صديقك معتز "

    - ألا تفهمون ؟ .. لا يمكنكم الحجز في هذا الفندق بدون بطاقة شخصية أو جواز سفر على الأقل ... أنتم أربعة أطفال مجهولي الهوية لا أعرف عنهم شيئا ..
    - ألا ترى ياسيدي أننا في منتصف الليل وأنك إن لم تدخلنا عندك فلن نجد مكانا لآخر يؤينا ؟
    - هذا لا يخصني يا فتي .... النظام هو النظام ... احضر لي شخصا كبيرا أو اتصل به على الأقل ... أنا لن أتحمل مسؤوليتكم ....
    كنا أربعة أطفال حقا ... أنا وأختي وابن وابنة خالتي ... أحمد وسارة وهشام ونورهان على الترتيب ... ماذا وضعنا في هذا الموقف ونحن نعتبر نوعا ما من أبناء الذوات الذين يجب أن يتناولوا العشاء ويغسلون أسنانهم دائما قبل النوم ؟ ... هذه قصة طويلة عائلية لا دخل لكم فيها ... لكننا الآن هنا ... وسنبيت في هذا الفندق الآن ... حتى بوجود هذا المزعج الذي يحب النظام .... تصنعت الذلة والنكسار ونظرت إلى الأرض قائلا :
    - فليكن ... هيا بنا ... يبدو أننا سنقضي الليلة على الرصيف ...
    واستدرت واستدار الجميع معي متجهين إلى الباب .... وفجأة سمعنا الصوت الذي كنت أتوقعه يقول :
    - فليكن ..... ليلة واحدة فقط .... واحدة فقط ... وتنصرفون غدا صباحا .... وهذا آخر كلام عندي ...
    ابتسمت ابتسامة خبيثة لم يلحظها قائلا :
    - فليكن .. غدا صباحا سننصرف ... وهذا وعد مني بذلك ....

    غرفة سيئة جدا ... جدران بحالة تجعلك تشفق عليها .... ولا داعي لذكر الحمام لأنه يستحيل أن يوصف بالكلمات ...... فكرت في فتح الشرفة علني أجد شيئا يهون علي كل هذا .... ها قد فتحنا الشرفة بعد عناء أنا وهشام .... نظرنا إلى المنظر أمامنا ..... هذا مستحيل .... هذا لا يمكن أن يكون فندقا ........... هذه الشرفة تطل على ...... تطل على مقبرة كاملة .

    يبدو أن حظي السيء بدأ يتذكرني مرة أخرى .... هنا سمعت شقيقتي سارة تقول :
    - هل نغير الغرفة ؟
    - لا بد من هذا ... لن أنام بجوار الأموات ... ألا تذكرون الفيلم ؟ ... لقد حدثت لتلك العائلة التعيسة قصتنا هذه بحذافيرها .... واكتشفوا في النهاية أن الفندق نفسه بني على مقبرة ملعونة .
    ذهبنا معا مرة أخرى إلى الاستقبال في الأسفل ..... تناقشنا مع الرجل الثقيل الظل إياه طويلا ... فهمنا أنه ليس هناك غرف شاغرة سوى في الجهة التي تطل على المقبرة ... الجهة الأخرى محجوزة بالكامل لأنها تطل على النيل .... هذا ما فهمناه .... لكنه قال ليطمئننا :
    - هذه مقابر الجنود الذين استشهدوا في الحرب .... أبطال المنصورة الذين يشهد لهم التاريخ ... الأبطال الذين ضحوا بعمرهم من أجل أن نعيش نحن ...
    عدنا لغرفتنا محملين بالأفكار السوداء حينا والبيضاء حينا آخر ..... المتشائمة حينا و المتفائلة حينا آخر .......لكن هذه الليلة التي قضيناها بجوار هؤلاء الشهداء كانت قاسية نوعا ما ... خاصة على أطفال في سننا ....
    والآن هانحن أغلقنا الغرفة علينا وأصبحنا بداخلها نتأملها ... نظرة لا إرادية إلى النافذة ....نصغي لكل همسة ... لو وقع من أحدنا الآن أي شيء لأصابنا جميعا بالصرع لبقية حياتنا .. قلت في لهجة أحاول أن أجعلها حازمة :
    - لا أريد كلمات من طراز ( هل سمعتم هذا الصوت ؟ ) ... أو ( لن أنام بجانب النافذة ) أو أي تعابير سخيفة أخرى ..
    نظرات صامتة قابلت كلامي جعلتني أنظر إلى النافذة لا شعوريا ... اقتربت من النافذة لأفتحها .. نظرت إلى المقبرة التي تطل عليها .. أرض لا تتحرك فيها ذبابة .. كل شيء فيها ساكن وكأنها لوحة مرسومة .. لمحت هشام يحاول فتح التلفزيون .. كان كل ما يحصل عليه هشام هو مجرد وش طويل لا ينتهي ولا ينذر بقرب ظهور أي صورة ما .. وبينما كنت أنظر إلى اللوحة الساكنة رأيت سيارة تقترب من المقبرة بببطء وصوت الأغاني من المسجل بداخلها يصل إلى هنا . سمعت بداخلها العديد من الضحكات الشابة ... توقفت السيارة أمام المقبرة ونزل منها شابين .. أخذا يتضاحكان كالمخابيل ثم انحنى أحدهما على باب السيارة الخلفي وأخذ يضرب عليه بيده .. فتح الباب الخلفي وخرجت منه فتاتين جميلتين .. نظرة لا شعورية أخرى إلى الساعة في يدي .. إنها قرب الثانية بعد منتصف الليل .. تعالت الضحكات الماجنة مرة أخرى .. أغلق أحدهم المسجل فأصبحت أسمعهم بوضوح تام وكأنني معهم .. لا أعتقد أنهم توقفوا هنا ليقضي أحدهم حاجته .. وإلا كان وبالا عليهم وعلينا وعلى جميع أعداء مصر .. هنا انفصل أحدهم عن المجموعة متجها إلى المقبرة .. و بدأت يداه تحاول فتح أزرار سرواله .. يبدو أن ما توقعته سيحدث .. لمحت هشام ينظر معي إلى نفس المنظر .. أتت سارة ونورهان من الداخل لمشاركتنا النظر .. ابتعد الفتى الذي سيقضي حاجته عن أنظارنا قليلا حتى أصبح مجرد ظل تميزه بصعوبة من حشد الظلال من حوله .. بقية المجموعة يتضاحكون في مجون .. وهنا حدث شيء جعل أعيننا تتسع عن آخرها .. وجعل الضحكات الماجنة تتوقف ... شيء مخيف .

    ليس من الممتع مراقبة ما يحدث لمعتوه يقضي حاجته في مقبرة .. كان ما سمعناه مفزعا .. سمعنا صراخ الشاب من بعيد . تبعه صوت طلقات مسدس سريعة ..وسرعان ما انتقلت الصرخات لباقي أعضاء المجموعة و لنا نحن من قبلهم .. ركبوا السيارة جميعا كيفما اتفق و أصدروا ذلك الصرير المميز للعجلات التي تحتج دائما على الانطلاقات المماثلة .. لكن الأمور لم تمض على خير لسوء حظهم .. فجأة انفجر الإطاران الخلفيان للسيارة بعد انطلاقها فتوقفت مرغمة محدثة صريرا مزعجا .. وكان يبدو أنها النهاية .
    لم ينتظر أحدهم لحظة أخرى .. شعرت أن أبواب السيارة الأربعة فتحت مرة واحدة ومجموعة من المخابيل يركضون بعيدا عنها وكأن شياطين الأرض تركض وراءهم .. وما أدرانا .. ربما تكون شياطين الأرض حقا تطاردهم الآن .. ظللنا نراقبهم وهم يركضون حتى اختفوا عن ناظرينا تماما .. وسكن كل شيء فجأة وكأن شيئا لم يكن .. أبواب السيارة لازالت تتحرك ببطء شديد ربما بفعل الهواء .. وقد أضيفت سيارة مذعورة إلى اللوحة الساكنة لتضيف عليها نكهة جديدة .. نكهة مرعبة .
    - يجب أن نذهب من هنا الآن .
    - ليست فكرة جيدة .. هل تعرفين كم الساعة الآن .
    - لا تهمني الساعة .. أريد أن أذهب من هنا الآن .. وحتى لو لم يأت أحد معي
    كانت هذه هي نورهان .. تؤدي دورها الهيستيري في هذه المسرحية .. إن لم تفعل هذا لشككت أنها فتاة أصلا ... أخذت سارة تهديء قليلا من روعها .. فقد كانت سارة أحكم منها نوعا ما ..
    نظر هشام إلى النافذة قائلا :
    - لا أظن أن أحدنا سينام في هذه الليلة .
    قلت مفكرا :
    - نحن لازلنا في بداية الليلة .. الساعة الثانية بعد منتصف الليل .. لازال أمامنا ثلاث ساعات كاملة حتى الصباح .
    قالت نورهان في هيستيريا :
    - ستكون كافية جدا لنموت كلنا بأيدي هؤلاء الشياطين .
    قلت لها في تحد :
    - أي شياطين أيتها الذكية .. هذه الطلقات التي سمعناها هي حتما من بندقية حارس المقبرة .. لابد لكل مقبرة من حارس على حد علمي .. خاصة لو كانت مقبرة مهمة كهذه .
    قال هشام :
    - يبدو أنك مخطيء .. لو كان هذا حارسا لاكتفى بالطلقات الأولية التي أخافتهم وجعلتهم يهربون بالسيارة .. لكن ما تفسيرك للطلقات الثانية التي فجرت الإطارات ؟
    - ما أدراك أن هناك طلقات فجرت الإطارات .. أنا أرجح أن هناك شيئا ما على الأرض .
    اتجهت نورهان إلى الباب عازمة على الخروج من هذا كله .. وهنا تدخل هشام أخوها قائلا في غلظة :
    - لن تذهبي لأي مكان .. هيا تعالي وكفي عن هذه الحركات البلهاء .
    قلت له في بساطة :
    - اتركها يا عزيزي تذهب .. اتركها من أجلي .
    نظرت لي شذرا .. كانت تعرف أنني أعرف أنها لن تستطيع أن تخطو خطوة واحدة لوحدها خارج هذه الغرفة ... كان جوا متوترا ... مليئا بالصرخات و الشياطين و النقاشات التي لانهاية لها ... و أخيرا سمعنا شيئا وضح حدا لكل هذا الإزعاج وجعلنا ننظر لا شعوريا إلى النافذة .. صوت أبواب سيارة تغلق بقوة .
    نظرة من النافذة وفهمنا كل شيء .. كان الرجل الذي قابلناه في الاستقبال - ثقيل الظل إياه – ومعه رجل آخر يتفحصون السيارة ويتحدثون أحاديثا أعرف أن أغلبها أسئلة عن السيارة و ما الذي أتى بها هنا .
    قلت موجها كلامي للجميع :
    - أرى أن ننزل لنجلس في ساحة استقبال الفندق .. هناك مقاعد مريحة هناك وسنجد أنسا مع طاقم الاستقبال .. وسجد إجابة عن أسئلتنا ( المقبرية ) كلها .
    وافقتني أعين الكل .. وهنا اتجهنا للأسفل معا وأغلقنا الغرفة المشئومة وراءنا ... كان رجل الاستقبال الثقيل الظل بالخارج .. و كان هناك واحد آخر يبدو شابا يجلس في مكانه . سألنا بسرعة :
    - ما الذي أتى بكم .. هل هناك مشكلة في الغرفة ؟
    - لا مشكلة هناك .. لكن لم نستطع النوم .
    - هل تقصدون أصوات الطلقات .. ستعتادون الأمر .. لقد كان الأمر يزعجنا في البداية .. لكنه الآن أصبح أمرا طبيعيا .. أنت بجانب مقبرة للجنود .. ماذا تتوقع أن تسمع غير صوت طلقات ومدافع .. لا أدري لماذا يعقد الجميع الأمور بهذا الشكل .
    كان يبدو الرجل ثرثارا جدا .. وقد وجد فرصة لإشباع جميع رغباته الثرثارية ... لكن هذا كان مفيدا في حالتنا .. كنا نريد معرفة كل المعلومات الممكنة عن كل شيء هنا .. وهنا سألته :
    - ماذا تقصد أننا سنعتاد الأمر .. ألم يكن هذا الرصاص بفعل حارس المقبرة بعد الزيارة التطفلية لهؤلاء الشباب ..
    - هذه المقبرة ليس عليها حراس .. كيف تضع حارسا على مجموعة من الجنود المدججين بالسلاح ؟
    قال له هشام وقد بدأ هذا الغباء يضايقه :
    - هؤلاء الجنود ماتوا منذ زمن طويل .. وهم شهداء عند ربهم يرزقون الآن .. لا حاجة بهم لإطلاق المزيد من الطلقات كل ليلة .
    - أعرف ما تقصد أيها الصبي اللطيف .. ربما أخطأت أنا التعبير فقط ..كلنا نعلم أن الأموات ليس لديهم الوقت في مقابرهم لإصدار أصوات سخيفة لتخويف الناس .. ما قصدته هو أن هناك جن يسكن هذه المقبرة .. ربما هو القرين .. هل تعرف القرين يا فتى ؟
    سألته وقد بدا لي يدافع عن شيء ما :
    - هل تقصد أن قرناء هؤلاء الجنود يمرحون بإطلاق النار في كل ليلة ؟
    - لا يا عزيزي .. القصة أن هؤلاء القرناء غاضبين لأن هؤلاء الجنود ماتوا دفاعا عن الأهالي هنا .. لكن الأهالي لم يهتموا بهم أو بمقبرتهم .. بل إن هناك رجلا ثريا من المنصورة كان سيبني على هذه الأرض التي فيها المقبرة ... ولولا أن عرف بالموضوع ..لكان بنى فوقها برجا سكنيا طويلا .
    - لكنها الآن مبنية وعليها شواهد لكل قبر .. لقد رأيناها من النافذة بوضوح .
    - معك حق .. وهذا هو السبب الذي جعل الأصوات تخف جدا الآن .. في السابق كان الناس يسمعون أصوات المدافع والدبابات وصرخات الجنود . ولم يكن أحد يرتاد الفندق أبدا .. لذا تبرع مدير فندقنا المتواضع ببناء هذه الشواهد وهذا السور الذي رأيتموه من النافذة .
    هذا الرجل إما يلعب بعقولنا نحن الصغار .. أو أن كلامه صحيح .. و في الحالتين أجد هذا الفندق ليس مريحا جدا.
    و هانحن قد اجتمعنا مرة أخرى في تلك الغرفة الكئيبة نناقش احتمالات خروجنا من هنا أو بقائنا لبضع ساعات أخرى .. طوال حياتي أكره الجبن و الجبناء .. و ما يضايقني أن جميع البنات جبناء بالفطرة .. لم أجد حتى الآن فتاة شجاعة في حياتي .. وإن وجدت لكان هناك تغير ما في هرموناتها الأنثوية الطبيعية .. و أعرف أيضا أنني أعشق
    الرعب .. لذا كان الأمر رغم كآبته يمثل لي متعة خاصة .. وفجأة قلت :
    - من منكم يذهب معي لزيارة مقبرة الشهداء ؟

    أن تشاهد فيلم رعب في السينما لهو مر ممتع جدا .. لكن الأكثر متعة هو أن تعيش أجواء فيلم
    الرعب هذا بنفسك .. أن تمشي بين شواهد مقبرة تعلم مسبقا أنها ملعونة .. أن تسمع أصواتا غريبة من آن لآخر هنا أو هناك .. ما هو أقصى ما يمكن أن يحدث ؟ أن تتفتق الأرض عن مجموعة من الزومبي النصف ميتين ؟ أم أن يحوم الجن حولك عازما على جعلك تفقد كل ذرة عقل كنت تمتلكها ؟ في حالتنا هذه أعرف أنني سأسمع الكثير من طلقات الرصاص و المدافع وربما القنابل أيضا .. وماذا أيضا ؟ .. لا شيء يستحق الخوف منه .. بالعكس .. إنها تجربة ممتعة تستحق أن نخوضها ... و النون في كلمة نخوضها مهمة جدا ... لأن الجماعة دائما تبدد الخوف ..ناقشنا الأمر فيما بيننا طويلا محاولا إقناعهم بوجهة نظري المجنونة و التي ربما لا يؤمن بها في هذا العالم غيري ... لم تقتنع القتاتان بشيء ... لكن هشام كان سهل الإقناع .. فهو مثلي .. يحب المغامرة ... خاصة لو خضناها معا جنبا إلى جنب ... في النهاية تم الاتفاق على أن أذهب مع هشام إلى هناك .. بينما تبقى الفتاتان التعيستان هاهنا .. هذه ستكون تجربة مريعة ....و أنا أحب هذا النوع من التجارب "
    ماذا يمكن للمرء أن يأخذ معه في رحلة إلى مقبرة .. ماء بارد ؟ ... سندوتشات ؟ .. لا أظنها فكرة صائبة ... كما أن شيئا من هذا لا يتوفر معنا في هذه اللحظة . لذا بدأنا فورا في التحرك .. نظرة أخيرة منا إلى الفتاتين رأينا في عيونهما أقسى أنواع التعابير .. وأقسى أنواع التساؤل الأنثوي عن هؤلاء الرجال الذين يتركونهما بعد منتصف الليل لزيارة بعض الأشباح ... وأخيرا انصرفنا وأغلقنا الباب خلفنا في رفق .. قابلنا الرجل الثقيل الظل في الاستقبال فنظر إلينا نظرة كريهة .. فقابلته بنظرة مماثلة وأدرت وجهي عنه عازما الخروج .. توقعت أن يستوقفني متسائلا عن الشيء الذي يدعوني للخروج في هذه الساعة من الليل أنا وهشام .. لكنه لم يفعل .. ووجدنا أنفسنا في الخارج بسلام .. ترى هل هي فكرة صائبة أن نترك شقيقاتنا وحيدات في هذا الفندق الغريب تحت إشراف هذا الرجل الثقيل الدم الذي لم أرتح له منذ أن رأيته .. نظرت إلى هشام فوجدت ملامحه تفكر في ذات الشيء الذي أفكر فيه .. وأخيرا وضعت حدا لكل هذا قائلا :
    - هشام .. سأذهب وحدي ولتبق أنت مع سارة ونورهان
    - وما الذي يدعوك أن تذهب أصلا ؟
    - لست أدري لم أقطع هذه المسافة إلى الأسفل لأرجع بعدها و المقبرة على بعد خطوات مني .
    - فليكن يا أحمد سأنتظرك فوق
    وتحرك بعدها عائدا بسرعة غير منتظر لردي .. أنا أعرف هذا الأسلوب منه .. إنه يضعني في وسط المأزق الذي اخترت أن أضع نفسي فيه لأجد نفسي وحيدا فأخاف وأ صعد بعده مباشرة ... لكنني أعرف هذا الأسلوب وأستخدمه كثيرا .. و لا يؤدي معي إلى أية نتائج ... لذا نظرت إلى الفندق نظرة أخيرة وتقدمت من المقبرة بخطوات بطيئة تميز المترددين الذين يؤثرون التراجع .
    لا أدري لماذا يمشي كل من يزور الأماكن المخيفة بخطوات بطيئة .. القصور المهجورة والمقابر الملعونة .. لماذا يمشون فيها دائما ببطء شديد تاظرين يمينا ويسارا ببطء أشد ... هل يساعدون الشياطين في تخويفهم ؟ .. قررت أن أمشي بخطى عادية وكأنني أزور هذه المقبرة كل يوم ... وهكذا تقدمت منها متسائلا في داخلي عن هذا الجنون الذي أتميز به دائما عن الآخرين .. أحيانا أشعر أنني الوحيد المختلف ... أنني أنا الوحيد الغريب وسط كل هؤلاء البشر ..ربما لأنني أنا نفسي أحب أن أكون مختلفا ... أحب ألا أكون ( آخَر ) ..... وخلال استغراقي في كل هذه الأفكار وجدت نفسي أدوس على طريق مختلف .. طريق مليء بأوراق الأشجار الذابلة .. لماذا تتميز كل المقابر بذات التفاصيل دائما ؟ ... يبدو أنني بدأت أدخل في حيز المقبرة ... هل جرب أحدكم سكون المقابر من قبل ؟ .. إنه سكون تام قاتم .. يمكنك حفا أن تسمع فيه دبيب النملة من تحت قدميك ... كلما تقدمت خطوة أسمع صوت تكسر أوراق الشجر الصفراء الذابلة من تحت قدمي ...وبينما أنا أقف في مكاني أطالع سور المقبرة الذي أصبح يبعد عني خطوتين أو ثلاثة ..سمعت صوت تكسير الأوراق إياه ... لست أنا من أحدث هذا ... كما أنه لا يمكن أن يحدث بفعل قط مثلا أو فأر .. فالصوت الذي سمعته لا يصدر إلا عن قدم بشرية .. وهو صوت لخطوة واحدة فقط ... أي أن من أحدث هذا الصوت مشى خطوة واحدة ثم توقف ... لماذا توقف ؟ ... ولماذا مشيى خطوة واحدة ؟ .. بل لماذا مشى أصلا ؟ ... كلها أسئلة وجدت إجابتا في الدقيقة التالية مباشرة .
    نظرت عند الباب لأجد نقطة صغيرة جدا مشتعلة والدخان يتصاعد منها ... ورأيت هذه النقطة تتحرك لأسفل ثم لأعلى .. أمعنت النظر المذعور لأتبين في النهاية أنها سيجارة مشتعلة في يد شخص ما .. حاولت أن أرى التكوين البشري المفترض أنه يدخنها .. كل ما رأيته هو مجموعة من الأسمال البالية .. وشيء ما يفترض أنه عمة على الرأس .... كانت تكفي نظرة واحدة إلى هذا الشيء لأفزع وأتراجع خطوة إلى الوراء .. ثم أدت بي هذه الخطوة إلى الوقوع على أرض المقبرة ... لا أدري لماذا تذكرت تلك المقولة اللعينة التي كنت أسمعها مرارا من الكبار ( من وقع على الأرض عند زيارته للمقبرة فسيصاب بالجنون الدائم .. هذه حقيقة واضحة مثل شمس الظهيرة ) .. مخاوف عديدة اجتمعت علي في هذا الوقت ... نظرت إلى الأسمال البالية فوجدتها ترمقني في فضول .. ثم استدار هذا الشيء أخيرا وأخذ يمشي ببطء محدثا ذلك الصوت على الأرض ... صوت تكسير الأوراق الرتيب .
    ظللت في مكاني لحظة منتظرا أن أصاب بالجنون ... إن الكبار دائما يستغلون بلاهة الأطفال للتخريف عليهم ... أو كما يقولون في السعودية ( للتفقيع ) عليهم ..

    بعد دقائق مذهولة على الأرض قررت أن أقوم ... نظرت نظرة سريعة من حولي .. الأسمال لازالت تتحرك باتجاه سور المقبرة ... لكن مهلا ... إنني أرى السيارة ... سيارة الشباب ... كيف لم أفكر بزيارتها من قبل ؟.... إنها فرصة لأدقق النظر في إطاراتها لأعرف سبب انفجارها .. مشيت بحرص نحو السيارة ناظرا خلفي إلى تلك الأسمال لأعرف إلى أين وصلت ... أشك أن بداخل هذه الأسمال رجل .. أظن أن بداخلها سلحفاة ما ... هنا وصلت إلى السيارة ... المكان هاديء جدا جدا .. حاولت النظر أسفل السيارة .. لا شيء يدل على أي شيء .. نظرت إلى الفندق .. وبالتحديد إلى شباك غرفتنا .... فوجئت بأن نور الغرفة مطفأ ..... ترى ماذا يعني هذا بالضبط ؟

    هل يعني هذا أنهم في إثري الآن ؟ ... أم تراهم قرروا النوم ... أنا مع الاحتمال الأول .... حتما هم ينزلون الآن إليّ .... فليكن .. لا يجب أن يروني هنا بجانب هذه السيارة السخيفة ... ينبغي أن يعرفوا أنني لست خائفا ... سيجدونني بداخل المقبرة ... وهنا بدأت أتحرك بسرعة مقتربا من بوابة المقبرة ... نظرت إلى الأسمال ... يبدو أن هذا الرجل مات في مكانه وأصبحت الرياح تحركه ... عندما اقتربت منه بطأت قليلا من خطواتي ... ثم وبصوت لا أدري كيف خرج مني قلت له :
    - الـ ... السـ .. السلام عليكم يا حاج ..

    تمنيت ألا يرد .. لكنه التفت لي ببطء قائلا :
    - أين أصدقاءك وصديقاتك ... يا فاسقين يا عديمي التربية والأدب ... أين هم ؟
    - عم تتحدث يا حاج ؟
    - هل تركك أصدقاءك وهربوا من السيارة كالجبناء ؟
    - لحظة يا سيدي هناك خطأ ما و ...
    - اخرس .. أنتم لا تحترمون الموتى .. هل أتيتم هنا لتمارسون الفجور أمام مساكن الموتى ؟
    - سيدي أنا لست ...
    وهنا وضع يده في داخل هذه الأسمال ... لابد أنه سيخرج شيئا ما ... وهذا الشيء لن يكون لطيفا أبدا ... لذا استدرت وجريت بأقصى قوتي ... جريت بسرعة خارقة ..... وهنا تعثرت .... ولم تكن عثرة عادية ... فمع سرعتي تلك وجدت نفسي طرت من على الأرض وانقلبت عدة مرات ثم اصطدمت بالحجارة .... لم أدر ماذا أفعل ... عادة أنا لا أتعثر .... لكن يبدو أن المقبرة فيها سر تجعل كل من يجري فيها يجب أن يتعثر ....بدأت الصورة تهتز في عيني ... هناك شيء دافيء يسيل على جبهتي .. لابد أنه دم .... يالذكائي ... أمعنت النظر قليلا ... كنت أرى الأسمال تتحرك نحوي ببطء ..... لابد أن ميتا جديدا سيضاف إلى قائمة الأموات هاهنا ..

    ينصحونك دائما عندما يجري الأسد وراءك أن تمثل أنك ميت ... عندها سيدور الأسد حولك بضع دقائق ثم ينصرف شاعرا بالحسرة .... قررت أن أفعل هذا الآن .... رأيت الأسد .. أقصد الأسمال تقترب .... لكن الرجل لم يدر حولي .. هو اقترب مني و مد يده إليّ ... تحسس الدماء على جبيني ثم شدني من يدي قائلا :
    - ما الأمر يا بني لماذا جريت ؟ ... أنت مصاب ... تعال معي حتى نجد حلا بسرعة .

    وهنا أمسك بي ذلك الرجل وحملني بيد واحدة ... وأخذ يمشي عائدا إلى المقبرة ... يالرائحة هذه الأسمال ....هل يظن أنه سيجد أدوية بداخل المقبرة ؟ ... هذا الرجل لا يتحدث بدقة ؟ .... هذا الرجل كاذب ... وهنا حاولت التملص منه بأقصى قوتي لكن هيهات .... حاولت أن أصرخ مناديا بأي اسم ....لكن لم يرد أحد ... يبدو أنني ضحية الليلة .. في نظره أنا الشاب العابث الذي قرر أن يقلق منام الأموات... وأنني أستحق العقاب .... فجأة أنزلني على الأرض واتجه إلى مكان ما ليحضر منه شيئا ما .... كانت ساقي تؤلمني بشدة بعد هذه العثرة .. لذا استسلمت تماما ... وفجأة سمعت بعض الأصوات تقترب ... أصوات مألوفة .... إنه صوت هشام يتساءل عن شيء ما .... لا أحتاج للكثير من الذكاء لأعرف ماهية سؤاله ....

    هنا رأيت الرجل قد توقف .... ونظر إلى ناحية الأصوات .... ثم أخذ يقول بضع كلمات غاضبة لم أسمعها جيدا ... لكن لاريب أنها تتحدث عن خراب بيتهم جميعا ... ثم مشى إلى ناحيتهم بحدة .... لا أستطيع أن أحذر أحدا .... إنها نهايتهم ..... وهنا سمعت صرخة نورهان المميزة .... وسمعت خطوات تجري مبتعدة .... أتمنى ألا يتعثروا بدورهم ... سأكون غبيا لو انتظرت لحظة أخرى ..... قمت من مكاني بصعوبة و مشيت محاولا أن أسرع خطواتي إلى الناحية الأخرى من المقبرة .. لم أكن أعرف إلى أين ستوصلني ... لكن حتما ستبعدني عن هذا الكائن الشرير قليلا ....

    اصطدمت في طريقي بالعديد من شواهد القبور .... هذا المكان مخيف جدا جدا ... وهنا سمعت صوت شيء أكد لي أنها نهايتي لهذا اليوم المشئوم .... سمعت صوت كلب .... كلب قوي يتحرك غاضبا نحوي ..... استدرت بأقصى سرعة ونفضت عن نفسي كل التراخي وحاولت أن أجري ... لكن الكلب كان قد وصل لي .. استدرت لأراه قد قفز ناحيتي قفزة هائلة .... أغمضت عيني بقوة ... ترى كيف ستكون العضة ؟ ... أنا لم أجربها من قبل .. أخي الصغير كان يعضني أحيانا ... ماذا عن هذه العضة إذن ؟ ....


    رأيت الكلب يتجاوزني بقفزته ويجري ناحية باب المقبرة .... يالحظي الرائع ... إنه لم يكن يقصدني ... لقد بدا أنه لم يراني أصلا ..... يالتعاسة من سيصل إليه هذا الكلب ...... سمعت أحدهم يصيح بكلمات غاضبة ... والكلب ينبح بقوة ... ثم صرخة أنثوية عرفتها على الفور ..... يالتعاستي .... استدرت وأكملت العدو إلى الناحية الأخرى من المقبرة ..... بحثت عن أي باب .... و فجأة وجدته .... وجدت باب المقبرة الآخر ... دفعت الباب بسرعة و أكملت الجري ..... ثم حدث ما جعلني أتوقف تماما .... نظرت أمامي جيدا .... رأيت مجموعة من خمسة كلاب تتحرك في أرجاء المكان في ملل ..... ويبدو أن قدومي قد أزعجهم جدا .....


    " عزيزي أحمد .... أرسل لك بهذه الرسالة وقد عرفت أين أنت ... اعذرني لأنني لم أكن أعرف .... أتمنى لك الشفاء سريعا ... أنا أعرف الإحساس القاتل الذي يصاحب تلك الحقنة الكبيرة الخاصة بعضة الكلب .... كنت أود زيارتك في المستشفى ... لكن أنت تعلم حالتي جيدا .... لكنني سأحاول فعل المستحيل لزيارتك مع عائلتي .... صديقك العزيز ... معتز "

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي حسناوات بعد منتصف الليل

    " هل تظن حقا أن الجني أكثر إرعابا من الجنية ؟ .. حسنا ، إن هذا لأنك لم تر جنية في حياتك يا عزيزي "

    " اليوم 11 – 7 – 1994 .... مذكرتي العزيزة .. أنا هنا وحيدة ... كنت سأسعد أكثر لو كنت صبيا .. إن الأولاد يخرجون وقتما يحلو لهم أينما يحلو لهم .. أما أنا فأضطر دائما للجلوس في بين هذه الجدران أمام التلفاز أو أمام أي شيء ممل آخر .. كل الأفلام مكررة و متخلفة .. التمثيليات أعرف نهايتها منذ بدايتها .. عندما أسمع صوت الفتيان يلعبون في الشارع أتمنى لو كنت ديناصورا لأبتلعهم كلهم لأريح ضميري للأبد .. وعندما يقررون العودة إلى البيت أخيرا ، لا يكون لهم دور سوى افتعال المشاكل معنا نحن أخواتهم المسكينات .. و هم ينتصرون دائما .. سحقا لهم جميعا .. وسحقا لنا أيضا .

    إن الأولاد الكبار أفضل بكثير .. هم لا يضايقوننا .. بالعكس إن كلامهم معنا يكون لطيفا دائما... أما هؤلاء الذين في مثل سننا فهم شياطين .. أتمنى لو كنت ولدا كبيرا .. سأكون سعيدة جدا حينها.. أقود سيارة والدي وقتما يحلو لي .. أذهب للسينما وحدي مع أصدقائي ليلة السبت .. حتى مصروف يدي سيتضاعف عشرين مرة عما هو الآن ..

    إن اسمي نورهان .. سني هو 10 سنين .. و أقول لكم أن أفضل ما يمكن أن تفعله الفتاة في سننا هي أن تكتب مذكراتها ... إنها فكرة رائعة .. كل فتيات فصلنا يكتبن حكم و أمثال بلهاء في آخر ورقة من كل كراسة يملكنها .. وهي دائما حكم عن الحب .. الشمس خيوط ذهبية والقمر خيوط ذهبية و الحب خيوط .... إلى آخر هذا الهراء .. إنها طاقة مدفونة لدى كل الفتيات .. ولقد تعلمت أن أخرج هذه الطاقة في مذكراتي بدلا من تشويه الكراسات طيلة الوقت .

    نحن اليوم قد ذهبنا لمصيف جديد لم نذهب له من قبل .. ذهبنا إلى ( أرموتلو ) في الشمال الغربي من تركيا .. معي أخي هشام و بنت خالتي و حبيبتي سارة و أخوها أحمد .. و ... "

    - أحمد أيها الأحمق اترك مذكرات نورهان فورا .. أسمع أحدهم قادم
    - هل أنت متأكد ؟
    - يا إلهي .. هيا أيها الأحمق اترك كل شيء وتعال فورا

    كانت هوايتي دائما هو قراءة مذكرات هذه الفتاة ... ربما أكون معجبا ... لكن الفضول يقتلني دائما .. الفتيات يكرهننا جدا كما هو واضح .. هذا المصيف أصابني بالملل منذ أن دخلته أول مرة .. لا يوجد بحر .. بل هي قرية صغيرة عبارة عن عدة بيوت متجاورة ... وهناك مسبح كبير في منتصف القرية .. المسبح نفسه مقسم لجزئين .. واحد للصغار و آخر للكبار ... و القسمين يمكن العبور بينهما بكل بساطة.. أما البحر فهو خارج القرية ويبعد عنها قليلا .. لقد كنا في ( أرموتلو ) .. أخطر مصيف زرته في حياتي كلها .

    كنا نحب الجلوس أمام المسبح في الظلام .. أن تجلس على تلك الكراسي البيضاء الطويلة المخصصة لمن يحبون أخذ حمام شمس في وقت الظهيرة ... يشغلون ليلا هنا الأضواء الخافتة من أعمدة الإنارة المتناثرة هنا وهناك لتعكس ضوءها الأبيض على صفحة الماء ... كنا بعد منتصف الليل.... و يبدو أنه لا أحد يحب الجلوس هنا سواي أنا وهشام وأخي الصغير مصطفى الذي يصر على مرافقتي كالطحلب في كل مكان.... الجو رائع بشكل لن أصفه لك حتى لا تصاب بعقدة نفسية ... ما يفسد السكون هو أنغام تصل إلينا من ديسكو قريب خارج القرية لكنه في نفس الشارع ... أنغام خافتة لكنها محمومة ... تمددت على الكرسي وسط كل هذا و أعطيت وجهي للنجوم .

    في الصباح يمتليء هذا المكان بالناس ... و في الليل يغادر الجميع إلى مكان ما ... ربما إلى الديسكو القريب ... فالأتراك يحبون العيش على الطريقة الأوروبية ... ينسون دائما أنهم مسلمون و يفعلون مايحلو لهم ... يصل الأمر إلى أنك لو نزلت في الشارع في نهار رمضان في اسطنبول سيخيل إليك أننا في عيد الفطر ... الكل يأكل في الشارع بلا حساب وبلا خجل .... نعم .. اسطنبول مدينة رائعة ... لكنك ستشعر فيها بالغربة ... غربة من نوع آخر ... أناس تربيت معهم وتشعر أنهم غريبون عنك ... إنها غربة لا يمكن للكلمات أن تصفها .. دعني لا أصدع رأسك بالمزيد ... أين كنا ؟ ... نعم ... عند ذلك المسبح هناك .... في تلك اللحظة حدث شيء مخيف ... شيء اقشعرت له أبداننا .

    صاح أخي الصغير فجأة :
    - أحمد ، انظر هناك ... انظر يا هشام

    كان يشير بيده لبعيد ... ناحية الجبال ... نظرنا بسرعة إلى هناك ... هناك على الجبل .. وجدنا... والله شاهد على ما أقول ... وجدنا ثلاثة فتيات ..... طويلات القامة..... ترتدين ثيابا بيضاء .... ذوات شعر طويل بني يصل لأسفل ظهورهن ... كن يمشين بتؤدة على الجبل .... يمشين بهدوء ثقيل وكل واحدة منهن تنظر أمامها وكأنها ترى في الظلام كالخفافيش ...

    كنت مندهشا جدا ... فجأة سمعت حركة سريعة بجانبي ... كان هذا أخي مصطفى يجري كالأحمق ..وفجأة تبعه هشام وهو يضحك على بلاهته ... نظرت نظرة أخيرة على الفتيات لأتأكد من أنني لا أهذي ... ثم جريت وراءهما مندهشا ... يبدو أن أرموتلو كانت تدخر لنا الكثير .

    في اليوم التالي عرفنا أن هناك اجتماع في مكان في نهاية القرية .. اجتماع الكل مدعوون إليه ... فيما بعد عرفنا أنه حفل ختان أحد الأولاد من أهل هذه القرية ... في هذه القرى التركية لديهم هذه العادة ... يختنون الفتى عند سن الخامسة أو السادسة في حفل يحضره كثير من الناس ... وتوزع فيه الكثير من المأكولات التركية والعصائر .. كان يوما حافلا ... لم يكن هذا أول حفل ختان أحضره بالطبع ... لكنني في كل مرة أحب رؤية وجه الفتى المسكين الذي لا يدري شيئا عما سيحل به بعد دقائق .... لكن ما رأيته على الجبل أمس كان يحضرني إذا خلوت إلى نفسي طرفة عين .

    حمدا لله أنني من أم مصرية وإلا لكنت واجهت هذا الويل ولنصبوا لي حفل ختان كهذا ولشعرت بطعم الدماء في حلقي .. بصراحة كنت أبحث بعيني في الحشد عن ثلاثة فتيات طويلات القامة ذوات شعر بني طويل ... هناك الكثير من السيدات الكبيرات هنا ... والسيدات التركيات سمينات عادة ... هو شيء في جيناتهن لا يمكن تغييره ... ليس هذه .. هذه قصيرة نوعا ... لكن مهلا من هؤلاء ؟ .... إن هناك ثلاثة فتيات طويلات يقفن في هذه اللحظة ويتحدثن ويضحكن مع أمي ...

    لكن لقد كن محجبات ... ذلك الحجاب التركي الأنيق الذي لا يمكنك أن ترى فيه شعرة ... الميزة في تركيا أن المحجبات هن محجبات فعلا ... أي أن المتدينين هم متدينون فعلا ... والفاسقين هم فاسقون فعلا ... لقد عشت في مصر أيضا ورأيت كيف أن الوسط ممكن جدا ...تعلمت كيف يمكن أن يكون الحجاب هو للشعر فقط دون غيره ... لكن مهلا ... إن واحدة من هؤلاء الفتيات تنظر إلي في اهتمام ؟ ... نظرت لها بخوف ثم أدرت وجهي ومشيت بعيدا ...

    " اليوم 14 – 7 – 1994 ..... مذكرتي العزيزة .. أصارحك بأنني خائفة جدا ... إن لدي خوف هائل من الجن ... لا تمر لحظة بدون أن أفكر أنهم يراقبونني ... أصعب لحظات حياتي هي عندما أصاب بالعطش في منتصف الليل .. عندها أعرف أنه علي أن أمشي في البيت المظلم كله حتى أصل إلى المطبخ .. فأنت تعرفين يا مذكرتي أن غرفتي هي الأخيرة .. في أغلب الأحيان أحاول أن أكمل نومي وأتحمل .. لكنني لا أستطيع .. عندها أقوم من السرير وأخطو بضع خطوات في غرفتي في حذر ... أكره الذين يصرون على إغلاق الأنوار كلها نهائيا بحجة أن هذا يساعدهم على النوم .. هذا سخف .. لابد من نور ما حتى يرى المرء طريقه على الأٌقل .

    لا تتصوري ذعري وأنا أخرج رأسي من مدخل غرفتي وأتطلع يمنة ويسرة في الرواق لأتأكد أن كل شيء بخير ... كم أتمنى لو فتحت هذا النور الآن .. لكنني أعرف أن انتقام أبي سيكون أبشع من انتقام الجن لو استيقظ في هذه الساعة .. عندما أفتح الثلاجة و يغمرني ضوءها أشعر بنوع من الاطمئنان فأشرب جرعات سريعة جدا من الماء حتى لا أغفل عن مراقبة ما حولي ... نعم يا مذكرتي .. أصارحك إن حالتي أسوأ من هذا .

    عندما أدخل إلى الحمام لأغسل وجهي لا أنظر إلى المرآة .... أبدا ... يخيل إلي أنني سأرى شيئا آخر فيها غير انعكاس صورتي ... أعرف أن الجن يسكنون الحمامات و أعرف أن السبيل الوحيد لرؤيتهم هو مرآة الحمام ... إنني حتى ..... "

    - أختك غريبة جدا يا هشام ... هل يخاف المرء من مرآة بهذا الشكل ؟
    - أنا أيضا أخاف من الحمام جدا ... سأخبرك بسر
    - حسنا
    - أنا لا أجرؤ أن أغمض عيني وأنا أستحم
    - ماذا ؟
    - نعم صدقني ... يخيل لي أنني لو أغمضت عيني لحظة في الحمام فستكون فرصتهم للظهور أو شيء كهذا ...
    - فرصة من ؟
    - الجن ... الجن يا عزيزي


    حقا لقد كنا صغارا جدا في ذلك الوقت ... كنت سني 10 سنوات تقريبا في تلك الأيام ... بعض من مخاوف الأطفال هذه قد يتبقى منها الشيء اليسير عندما يكبرون ... تجد البعض له طقوس غريبة عند النوم تأثرا بتلك المخاوف ... أعرف من كان يخبرني أنه يجب أن ينام وظهره باتجاه الحائط ... لا يمكن أن ينام ووجهه باتجاه الحائط وظهره للغرفة ... إنه لا يأمن .... البعض لازال يفتح نورا قريبا ليبعث له بعض الاطمئنان قبل النوم وهو يخترع لفتحه ألف حجة مقنعة ...

    هناك نوع من البرد يدخل إلى نخاع العظم ...وهو ما أشعر به الآن .. نحن في منتصف الصيف و أشعر بالبرد .. هذا ليس طبيعيا أبدا .. أضم علي غطائي وأحاول أن أتدثر به حتى آخر عظمة ... النافذة مغلقة ... وهشام ينام في السرير الذي بجانبي ويلبس أخف أنواع المنامات ... لكنني أشعر بالبرد ...ثمة رائحة غريبة في الجو لا أدري من أين تأتي ... رائحة لم أجرب مثلها من قبل .... هذا لا يحتمل .... هل أنا مريض ؟ لم أكن أبدا بصحة أفضل من هذه ..... ثم إن هناك تيار بارد خفيف يلفح وجهي بإصرار ... من أين يأتي ؟ دفنت وجهي في الغطاء حتى أصبح كالكفن ...إنني أبدو كميت يشعر بالبرد في مشرحة ... ياللسخرية .

    " اليوم 15 – 7 – 1994 ........ مذكرتي العزيزة .....أشعر بالبرد .... أنا مدمنة أفلام رعب كما تعلمين .. تعلمت أشياء كثيرة من هذه الأفلام ... عرفت أن الأشباح عندما تحضر في مكان ما فإن هذا المكان فإن المكان يصير باردا كالقبر ... لأنها خرجت من القبر ... بيئتها الباردة الأصلية ... أحيانا عندما أجلس أمام المسبح الوحيد في هذه القرية يلفحني تيار بارد للحظات ثم يختفي .... إن هناك شبح في هذه الـ .......... "

    إن نورهان مثقفة جدا فيما يتعلق بأفلام الرعب .. كانت هوايتنا كلنا تأجير أفلام رعب من نادي الفيديو القريب ومشاهدتها يوميا .. كنا ننظر إلى رسالة التحذير في بداية كل فيلم باستخفاف ... هذا الفيلم ممنوع لصغار السن ... لازلت أذكر ذلك الفيلم الخاص بنظرية الأشباح والبرد هذه ... كان الفيلم يتحدث عن هذه النظرية كأنها حقيقة واقعة لا شك فيها ... كانت حضارة ما قديما تؤمن بها بشدة قبل أن يعرفوا أن الأرض تدور حول الشمس .... لكن من آن لآخر ..... بيني وبين نفسي كنت أؤمن بهذه النظرية .

    كانت أيام هذا المصيف تمر ثقيلة جدا .. أتت على بالنا فكرة أن نخرج من القرية لنزور البحر القريب منها .. كان البحر يبعد عن القرية حوالي 5 دقائق من المشي السريع .. نعم فكيف نكون في مصيف بدون بحر ... وهكذا خرجنا ذات يوم من القرية وزرنا البحر ... أصابنا الإحباط التام ... فهو بحر غير صالح للنزول نهائيا ... لا يوجد شاطيء .. إنما هي مجموعة صخور تفصل بين البر والبحر بشكل مستفز .

    حتى أتت تلك الليلة ... كنا قد مشينا في كل أنحاء القرية الصغيرة وحفظناها حتى مللنا منها ... فكرنا أن نخرج من القرية ونقف على البحر قليلا .... أنا عكس كل الناس ... لا أحب البحر في الصباح ... لكنني أعشق الوقوف على شاطئه في الليل ... تشعر أنك تقف أمام كائن أسطوري رهيب جدير بالتأمل ... لكن ليلتنا تلك انتهت بمأساة .

    ليس هناك أجمل من الإمساك بحصى صغير والإلقاء به في البحر المظلم بعد منتصف الليل... يمكنك أن تفعل هذا طيلة حياتك دون ملل ... كنا أربعة أطفال .. أنا وهشام ونورهان وأختي سارة ... ليل بهيم ... وبحر مظلم .. وأطفال ترمي بالحجارة في حماس إلى البحر الواسع .. و أحدهم يشعر ببرد غير مفهوم ...

    " اليوم 16 – 7 – 1994 ........ مذكرتي العزيزة .. لا أستطيع وصف حالتي الآن .. أحمد الله أنني عدت إليك ثانية لأخط هذه الكلمات .... لازلت ألهث والطين لم يجف من حذائي بعد .. لقد رأيتهم يا مذكرتي ... لقد رأيت الجن ... وهم يختلفون تماما عما كنت أظنه أو نظنه كلنا ... رأيت ثلاث جنيات طويلات القامة ... يلبسن ثيابا بيضا .. يقفن على شاطيء البحر وينظرن إلى البحر بنظرة ثابتة بينما يحرك الهواء ثيابهن وشعورهن ... ولقد شعرن بنا يا مذكرتي ... ولقد نظرن ناحيتنا ... إنهن حسناوات ... ذلك الحسن القاسي الذي تنفر منه إذا رأيته ... ولقد جرينا بكل قوتنا ... لقد كانت .... "

    يوم جديد ... اليوم هو يوم السبت ... ويسمونه هنا في أرموتلو يوم السوق ... الباعة المتجولون ينصبون ما ينصبونه في كل الشوارع حتى يتخمونها ... الناس يخرجون اليوم من بيوتهم للتسوق ... ويأتي أيضا أناس من البلدان الصغيرة المجاورة .. زحام لا يطاق .. كل شيء يباع هنا .. بداية من الخضروات وحتى الملابس ... إنها متعة للسيدات والفتيات هنا ... و عذاب لنا نحن .

    أمشي وحيدا وسط كل هذا الزحام ... لا أدري أين ذهب الجميع فقد استيقظت متأخرا جدا اليوم بعدما أصابني الإرهاق من الجري أمس من شاطيء البحر إلى القرية لما رأينا الجنيات ثانية ... لقد كان منظرا مريعا ... للمرة الأولى أرى فتاة جميلة ومخيفة .....والآن استيقظت ووجدت الجميع خرجوا للسوق ... كم أكره التسوق ... هذا تاجر تحف يعرض ممتلكاته لبضع سيدات يبدين اهتماما مريعا لما يعرضه ... تاجر آخر هنا يعرض فاكهة الصيف بكل طريقة ممكنة .. إنه يجعل أحد السادة يجرب المذاق أولا .. يالحماسه ... يستحيل أن تجد والدتك وسط كل هذا ... الكثير يصطدمون بك ولا يأبهون حتى بالاعتذار لأنك لابد أنك أنت المخطيء بالطبع .... .. شعرت ببرد مفاجيء أتى واختفى في لحظات .. تبا .. لابد أن هناك أشباحا تتسوق معنا هاهنا .... وبدون مقدمات ... ووسط كل هذا .... رأيتها .

    كانت تلك الفتاة الطويلة إياها التي نظرت لي باهتمام ونحن في حفل الختان ... كانت تمشي وحدها تنظر إلى البضاعة المعروضة باهتمام ... وعندما نظرت أمامها وجدتني أقف مذهولا أتطلع لها في خوف ... نظرت لي باهتمام ثم أسرعت الخطا ناحيتي ... يا إلهي ... استدرت بأسرع ما أمكنني و جريت وكأن شياطين الأرض تطاردني كما حدث أمس عند الشاطيء ... إنها واحدة منهن ... تعم لابد أنها واحدة منهن .

    تعثرت ألف مرة ... ووقعت على الأرض عدة مرات ... أنظر ورائي لأراها لازالت تحث الخطا السريعة إلي وكأنها تريد رأسي .... اصطدمت بألف بشري ... وتعثرت بألف طفل ..و قد ولد هذا غضبا شديدا عند البعض حتى دفعني أحدهم دفعة قوية مع سبة ما أوقعتني أرضا وسط كل هذا الخضم .

    نظرت ورائي ثانية ... أين هي ؟ ... لقد اختفت ..... نظرت في كل مكان بذعر فلم أجدها ... هنا أمسكت بي يد سمينة وجذبتني بعنف ... كانت أحد السيدات تقول كلاما كثيرا عن أنني شقي جدا ويجب أن أكف عن هذا حتى لا أؤذي نفسي .. أخذت السيدة تضرب بيدها على ملابسي لتزيل الغبار العالق منها ... ثم ضربت على رأسي وشعري بعنف ... كنت مذهولا ... ماهذا الذي يحدث لي كل يوم ؟ ... أنا أكره أرموتلو ... وهنا تركت السيدة السمينة تحدث نفسها وجريت ناحية البيت .

    " اليوم 17 – 7 – 1994 ....... مذكرتي العزيزة ... اليوم كان يوم السوق هنا ... كم أصبحت عاشقة لهذه القرية .. الكثير من الملابس الرائعة اشتريتها بأسعار رخيصة جدا لن تصدقيها لو أخبرتك ... إن أمي تكون متحمسة جدا في مثل هذه الأسواق وتنفق كل ما في جعبتها بدون حساب ... لهذا كنت أختار كل شيء يعجبني ... وفي الليل زارتنا مرفت و مريم و دينيز .. ثلاث صديقات لطيفات تعرفن على والدتي حديثا ... إنهن طريفات جدا ويضحكن طيلة الوقت .. عندما خلعن الحجاب كن مثل عارضات الأزياء حقا .. قوام طويل وشعر جميل .. كم أتمنى أن أكون مثل هذا عندما أكبر .. المشكلة أن أختهم دينيز خرساء ... و اليوم حدث موقف طريف دعيني أحكيه لك .

    دخل علينا أحمد و هن موجودات معنا ... وهنا قامت دينيز فجأة ... إنها تقول أنه يذكرها بأخوها الصغير المتوفي تماما ... لكن أحمد الأحمق صرخ صرخة هائلة عندما حاولت أن تمسك به لتقبله .. أخذ يضربها بيديه الصغيرتين وهو ينادي أمه في ذعر ... لن أفهم الأولاد أبدا .. ولا أريد أن أفهمهم .. لقد غيرت رأيي .. لا أريد أن أصير ولدا ... إن البنات أذكى و أحلى وأرق بكثير .... لن تصدقي كيف كان شكله كالمعتوهين ودينيز تحاول أن تمسكه .. لن أنسى هذا المنظر ما حييت "

    إن معها حق .. أنا معتوه حقا ... لقد أحببت دينيز الخرساء الآن ...... هي لازالت تزورنا هي وصديقاتها كل سنة في اسطنبول حتى يومنا هذا .. لكن بيني وبين نفسي أتساءل كلما نظرت إلى قوامهن و شعرهن وجمالهن الحاد .. هل يمكن فعلا أن تكون هاته الصديقات اللطيفات هن جنيات قرية أرموتلو ... لو أن هذا كان صحيحا فأنا أحب الجنيات ... على الأقل هن لا يؤذين أحدا ...بالعكس .. إنهن اجتماعيات جدا ...... ربما تكتفين بجولات على الجبال أو على شاطيء البحر ليلا من حين إلى آخر ... أظن أن الجني الذكر لا يضيع وقته في الاجتماعيات .. إن لديه أعمال أهم فيما يبدو..... نعم ... ربما "

    تمت


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الاتجار في البشر والاستغلال الجنسي للأطفال
    بواسطة ياسمين في المنتدى بحوث ومقالات في القانون الجنائي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-18-2010, 07:36 PM
  2. الاتجار في البشر والاستغلال ****** للأطفال "الظاهرة ودور الانترنت فيها"
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى مكتب أستاذ هيثم الفقي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-25-2010, 12:57 AM
  3. الانفصال يمنع الزوجة من السفرِ
    بواسطة فهد في المنتدى أحكام الأسرة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-04-2010, 03:00 PM
  4. ما الحكم في زوج يمنع زوجته من حضور المؤتمرات العلمية
    بواسطة فهد في المنتدى أحكام الأسرة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-22-2009, 07:30 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •