دكتور غنام
قناة دكتور أكرم على يوتيوب

آخـــر الــمــواضــيــع

النتائج 1 إلى 10 من 42

الموضوع: حكايات زورك نيميسيس ..وقصص عن الجن والعفاريت ...يمنع الدخول للأطفال

العرض المتطور

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي




    " أنتم صنعتم لنا مكانا مثاليا لنعيش فيه .. ونحن هيأنا لكم مكانا حارقا تموتون فيه "



    أشعر بملل رهيب .. الأيام رتيبة بشكل يصيبك بالنعاس .. أنظر من وراء زجاج ( فاترينة ) هذا المحل إلى الشارع في فتور .. يالكمية البشر .. متى أتى كل هؤلاء إلى العالم ؟ ومتى سيرحلون ؟ إن لكل منهم حكايته .. أشعر أن هناك الملايين من الناس يطوفون بالخارج في هذا الحي المزدحم .. يبدون وكأنهم لا يذهبون إلى أي مكان .. هم فقط يطوفون بالخارج .. هذا الحي في مانيلا هو حي باكو ... ونسميه هنا الحي الأصفر .. وهذا لأن أكثر قاطنيه من اليابانيين الذين وفدوا إلى مانيلا منذ قديم الزمان أيام وجود الإسبان فيها .. الإسبان لهم علامات حضارية جميلة في بلدتنا مثل الكاتدرائيات والحدائق .. أما اليابانيين فأشعر أنهم سمجون جدا .. ولم نأخذ من مجيئهم سوى اللون الأصفر .



    أنا في هذا المحل الشهير في وسط الحي الأصفر .. محل ليفيز للملابس الجاهزة .. ألم ترني بعد ؟ ها أنا أقف هناك في الفاترينة الزجاجية .. أنت ضعيف النظر جدا و أحمق مثل كافة بنو جنسك ... انظر جيدا وستراني .. هل ترى هذه الزبونة الذي أتت تتفحص قميصي في إعجاب ؟ نعم إنه أنا التي أحدثك ؟ أنا هي تلك المانيكان الأنيقة يا صاحب العقل القاصر .. أنا سومارا التي لا يمر عليها شخص إلا و أبدى إعجابه بأناقتها .. بعقليتك القاصرة أسمعك تسأل نفسك كيف أحدثك ؟ بل من أنا أصلا ... كنت أود أن أحكي لك الحكاية التي أدخرها سريعا .. لكن يبدو أنني يجب أن أفسر لك ما هيتي أولا .



    نحن هنا منذ البداية .. نحن هنا قبل أن تأتوا أنتم .. هنا منذ ملايين السنين .. والأرض بأكملها كانت ملك لنا وحدنا .. وعندما نزل جنسك البشري إلى الأرض .. حكم علينا بالاختفاء .. تسألني من نحن ؟ إننا الجن أيها القاصر ... الجن الذين تحجمت جميع ممالكهم وإمبراطورياتهم ونفوذهم بسبب كائن أحمق مثلك .. لكننا موجودون .. أنت لا تدري بقصورك و غرورك أننا في كل مكان حولك .. بل إن منا من وكلوا ليكونوا قرناء لشخصك القذر يتابعك أينما تذهب .. ولولا أن هناك حدودا وضعت بين جنسنا الفاخر وجنسك الضعيف لكنا حولنا حياتك إلى جحيم ... وكل حد بين شيئين له ثغرات عدة ... وبسبب كرهنا الشديد لك فقد أصبحنا خبراء في استغلال هذه الثغرات .. وسنظل نفعل هذا ولن نمله على الإطلاق .



    نعم أنا الجنية التي تسكن ذلك المانيكان بريء المنظر الذي يتوسط هذا المحل ... إن الجان أنواع عديدة تفوق قدرتكم على التفكير .. وأنت لا تتخيل أن هناك جنس كامل منا يسكن في تلك الأجساد والتماثيل التي تصنعها أيديكم .. شرط أن يكون هذا الجسد برأس ذات رقبة .. سواء كان جسد إنسان أو حيوان أو حتى جسد كائن خرافي ... فور انتهاء صانعيكم من صنعه يحل فيه واحد من جنسنا .. وأنتم تفرطون في صنع هذه الأجساد بمسميات كثيرة ... الأصنام الأثرية .. التماثيل في المتاحف أو الميادين .. المانيكانات ... ألعاب الأطفال بأنواعها .. أيها القاصر ... هل أدركت الآن أننا حولك في كل مكان وأنت لا تشعر ؟ مهلا .. هناك وجه جديد أراه لأول مرة يعمل في محلنا .. فتاة مكتنزة متوسطة الجمال ..ذات ملامح غير مريحة ... يبدو أنه قد تم تعيينها اليوم فقط ..



    إنها ترتدي ذلك الزي الأزرق الذي ترتديه العاملات في محلنا .. قميص و تنورة قصيرة فوق الركبة وربطة شعر زرقاء ... إنها تضحك مع جريس .. جريس تعمل هنا منذ سنوات ويبدو أنهما سيكونان صداقة ما .. هي أحد المحظوظات ....لإنه لا يعمل في محل ليفيز الشهير إلا المحظوظات فقط .. قطع ضحكاتهن أن دخل المحل شاب ياباني وسيم ألقى التحية بصوت عال ..وعندما أقول أنه شاب ياباني وسيم فما أعنيه هو أن عيناه أوسع من غيره ... اليابانيون يحملون عقدة من ضيق عيونهم دائما ، لذا تجد كل شخصيات الكرتون اليابانية ذات أعين واسعة جدا تحمل ثلث الوجه ... هذا أول شرط تتعلمه إذا أردت احتراف هذا النوع من الفن .. الرسم الياباني يصب الاهتمام على العين فقط بينما تقتصر باقي ملامح الوجه على بعض الخطوط هنا وهناك ... الخلاصة أن الشاب الوسيم كان يحتاج إلى بزة رسمية .. وهاهي جريس قد ساقته وراءها لتختار له شيئا مناسبا ... وهاهي تلك الفتاة الجديدة - التي عرفت فيما بعد أن اسمها هو مادل - تمشي وراءهما لتتعلم كيفية جعل الزبون يخرج من المحل وقد صرف كل ما يملك .



    الحكاية المعتادة .. الشاب غاب عقله تماما عن جريس التي نبحت صوتها في الكلام عن هذه البزة أو تلك .. بينما عيناه تسترق نظرات إلى مادل .. إنه عيب هذه المهنة ... من الصعب أن تكمل فيها فتاة مكتنزة متوسطة الجمال .. لكن مادل رسمت وجها ثلجيا وأبدت أنها تهتم لكل كلمة تقولها جريس ... الشاب استنفذ كل الطرق التي يمكن أن تجذب بها اهتمام فتاة ما .. لكن الجليد على وجه مادل كان يزداد ... جرب الفتى أن يكون طريفا ففشل .. جرب أن يضيق عينيه من حين لآخر ليعطي انطباعا بالخطورة ففشل .. جرب أن يسأل مادل عن رأيها في كل قطعة تعرضها له جريس فكانت تقول كلمات مقتضبة جدا من النوع الذي يقتل فيك أي رغبة للحديث .. في النهاية تظاهر الفتى أن وراءه أمرا ما ... فقط ليعود ثانية بالطبع فيجرب مرة أخرى ... هذا السيناريو رأيته آلاف المرات ... وسيتكرر اليوم عشرات المرات مع عشرات الفتيات ... ألم أقل أنها حياة رتيبة ؟



    قل لي هل أخبرتك كم يكرهك جنسنا ؟ وكيف أننا نستغل أي فرصة للظفر بك ؟ أنت لا تعرف أن جنسنا هو سبب أي حريق حدث في هذا الكون .. راجع الملفات الجنائية لأي حريق وأحص بنفسك عدد المجسمات والتماثيل التي كانت موضوعة في المكان .. كيف نسبب الحريق ؟ سؤال أحمق كصاحبه .. سل لماذا نسبب الحريق ... لازلت تجعلني أتكلم في أمور لا أريدها .. إن جهلك لا يطاق .



    لقد أتينا من النار .. هي جزء من أرواحنا .. وعندما تتقد وتشتعل في عالمك القاصر ، يكون الانضمام إليها من أجمل متعنا .. و الذوبان فيها هو قمة شهوتنا و نشوتنا .. لكن ليس لأجل النار نفسها .. بل لأجل الأرواح التي تحرقها في طريقها .. دعك من اللذة الغامرة التي تنتابنا عندما تحرق هذه النار أرواح بشرية .. البشر ضحايا أغبياء .. ونحن نشعلها نارا كلما سنحت لنا الفرصة .. هل قابلت بشريا بعد أن مات بالاحتراق ؟ هل حدثك عما رأى ؟ هل حدثك عن جنسنا ؟ لن أتحدث أكثر من هذا .. التزم الصمت و دعني أكمل لك ما بدأته .



    في اليوم التالي دخل علينا الشاب الياباني واسع العينين نفسه و ألفى التحية بصوت عال ... اتجهت له جريس و تكلما بضع دقائق ... ثم مشت ومشى وراءها .. أشارت لمادل لتتبعهما ففعلت .. وها هي تعرض له أنواعا من البزات ... وها هو ينسى كل شيء ويحاول أن يجذب انتباه مادل التي رسمت الوجه الثلجي إياه .. وأجابت بنفس العبارات المقتضبة إياها .. في النهاية مثل الفتى وكأن هناك موعدا هاما وراءه وانصرف بسرعة ... هذا يبدو مألوفا جدا .. لقد قلت أن الحياة رتيبة وتتكرر .. لكن ليس هكذا .. في اليوم التالي أتى الفتى الوسيم إياه .. و ألقى التحية إياها ... و اتجهت له جريس .. و عرضت له الأنواع إياها .. و مادل كانت هناك بالوجه الجليدي إياه .. وفي اليوم التالي أتى نفس الشاب و ...



    مهلا ... ألاحظ أشياء غريبة هذه الأيام بالفعل ... الفتى الكاشير الذي يدعى موديستو يتشاجر كل يوم مع رجل سمين ذو شارب كث يأتي و يبدأ بالتذمر على الأسعار ثم ينتهي بسب موديستو بأمه ... هناك كذلك طفل شحاذ ذو شعر أحمر ناري يدخل هنا كل يوم ويتفحص بعض الملابس في قسم الأطفال حتى يأتي رجل الأمن الضخم المدعو بينجي فيلقي به خارجا ... أرى الآن أمامي امرأة ممتلئة جدا تدخل مع زوجها .. هذه تأتي كل يوم في هذا الوقت و تخرج وقد اشترت نفس أنواع الملابس ويخرج زوجها كل يوم متذمرا ... هناك فتيات يأتين هنا كل يوم بملابس المدرسة بعد انتهاء يومهم الدراسي و يقفن لتفحص نفس أنواع الملابس كل يوم .. وكل يوم يخرجن ضاحكات ولا يشترين شيئا .. وهاهو الفتى الياباني الوسيم يدخل مرة أخرى ...



    إنه منتصف الليل ... موعد إغلاق المحل قد حان الآن ... لازال هناك زبائن قليلة جدا يحاول الكاشير موديستو أن ينجر أمورهم بسرعة .. لم تمض عشر دقائق إلا وقد أصبح المحل خال .. وبدأ رجل الأمن يغلق أنوار المحل تدريجيا ... ثم أغلق أبواب المحل الكبيرة .. فساد الظلام الدامس ... و سمعته يغلق الأبواب الحديدية في الخارج .. ثم انصرف الجميع ... إنه وقت حريتنا الآن .. أخيرا يمكنني التحرك بهذا الجسد الغبي الذي أسكن فيه ... لست وحدي هنا ... هناك قبيلة كاملة من المانيكانات بدؤوا يتحركون الآن بحرية في المحل ... نعم ... نحن نأخذ حريتنا عندما تغيب عنا أعينكم القذرة .. لا خوفا منكم حاشانا .. و إنما لأن هذا قانون صارم جدا على جنسنا كله ... كل ذا رقبة يتحرك عندما تغيب عنه أعين البشر ... و البشر أغبى من أن يلاحظوا شيئا عند عودتهم إليه ... حتى لو تغير وضع وقفته فهم أغبى من أن يلاحظوا .. و إن لاحظوا فإن تفكيرهم أكثر قصورا من مجرد الشك في حقيقة ما حدث .

    أرى الآن المانيكانات ميريل و نيبريدا و سييلو و أفانسينا و ديلاروز كلهن وجدنها فرصة لفك القيد الذي كانت تحاصرهم به أعين البشر وبدؤوا في التحرك و الحديث بحرية ... بالفعل لاحظ الكل أن هناك مشاهد تتكرر كل يوم منذ أسبوع بشكل مستفز ... حتى أن سييلو أقسمت أن هناك شاب يأتي كل يوم ويتحسس قميصها بإعجاب ثم ينادي العامل و يصر أن يشتري القميص الموضوع عليها وليس الموجود على الرف .. ويصر على رأيه حتى يضطر العامل أن يخلع القميص عن سييلو و يبيعه إياه بسعر أغلى من سعره ... و يأتي الفتى كل يوم ويشتري كل قميص يضعونه على سييلو المسكينة .

    طبعا كل ما أقوله لك الآن غريب على مسامعك ... لكننا اتفقنا على أنك قاصر العقل ... هذه الأمور نراها نحن أقل غرابة لأننا نعرف أكثر .. نعرف أن القرين بعد موت صاحبه وبعد مضي مئات السنين عل الدفن ، يكلف أن يعيد أداء مشاهد معينة من حياة صاحبه ... لماذا ؟ لا أحد يدري ... ولا أحد سيدري ... إنها أسرار جنس كامل .. في عالمك إفشاء الأسرار شيء سهل جدا ... لكن عالمنا يختلف ... هذه أشياء مستحيلة الحدوث ... هذا يعني أن كل هؤلاء الذين يأتون و يروحون كل يوم هم قرناء ... لكن لماذا يجتمعون كل يوم في محل ليفيز للملابس الجاهزة ؟

    إنه يوم جديد .. أرى نفس الشخصيات قد أتت و اجتمعت في المحل كل يؤدي مشهدا رأيته عشرات المرات من قبل ... جريس تحاول منذ أسبوع إقناع الشاب الياباني أن يشتري شيئا ما .. وهناك ذلك الشاب يجادل العامل في أمر قميص سييلو ... فجأة حدث شيء في غاية الغرابة ... بدأ بعض الشباب يغلقون أبواب المحل فجأة بعنف .. وعلت همهمة الزبائن .. أفاق الحارس بينجي من غفوته .. لم يستوعب شيئا ... أخرج الشباب مسدسات من مكان ما و أطلقوا عدة طلقات في الهواء .. هذه عملية سطو مسلح .. والسطو على محل ليفيز في هذا الوقت من اليوم مربح جدا .... من ذا الذي قال أن الحياة مملة .. كم أحببت هؤلاء الشباب .

    صرخات نساء .. بكاء أطفال ... همهمات رجال ... طلقات مسدسات .. مجرمين يطالبون الكل بالجلوس على الأرض ... أرى الكل قد جلس .. لكن ذلك الطفل الشحاذ ذو الشعر الأحمر مازال واقفا بتحدي .. و أرى أيضا ذلك الرجل السمين ذو الشارب الكث كف عن التشاجر مع موديستو ووقف مقطبا جبينه رافضا الجلوس ... فتيات المدارس توقفن عن الضحك و نظرن نظرة جامدة و أبين أن يجلسن مع الجالسين ... الشاب الياباني إياه أراه يقف راسما أعتى علامات الخطورة على وجهه ... طلقات المسدس اشتعلت مرة أخرى ... صيحات مجرمين ... إنهم يهددون الواقفين بتحويل أجسادهم إلى مصفاة ... وهاهو أحدهم يصوب مسدسه على الرجل ذو الشارب الكث ... وهاهو الرجل يقف في تحدي .. وهاهو المجرم يطلق النار .

    " لكن لماذا يجتمعون كل يوم في محل ليفيز للملابس الجاهزة ؟ "

    صرخات نساء ورجال .. نحيب أطفال .. كرش رجل ذو شارب كث ينزف دما بينما يقف الرجل مكانه وكأن كل هذا لا يعنيه ... مجرمون ينظرون في ذهول ... مجرمون آخرون يصوبون مسدساتهم ويفتحوا النار على صاحب الشارب الكث .. دماء تنزف ... رجل سمين ذو شارب كث يبدو بصحة عالية رغم أن جسده تحول إلى مصفاة .. مجرمون تحول ذهولهم إلى رعب جنوني وبدأوا في إطلاق النار في كل مكان على كل الواقفين .. طفل شحاذ ذو شعر أحمر ينزف دما أحمر من رأسه بينما ينظر في جمود ... فتيات مدارس لوثت ملابسهن المدرسة بدمائهن بينما ينظرن لبعضهن في فتور ... صرخات مجرمين ... زبائن مغمى عليهم أو ماتوا بالسكتة القلبية لن تعرف أبدا .

    " وجه جديد أراه لأول مرة يعمل في محلنا "

    أسمع أصوات سيارات الشرطة بالخارج .. أرى المجرمين في حالة من الذعر .. ليس من الشرطة بالطبع وإنما مما رأوه بداخل محل ليفيز .. هاهم يفرون إلى الباب .. رغم أن الشرطة بالخارج إلا أنها أكثر رحمة من هذا العذاب .. يحاولون فتح الأبواب التي أغلقوها ... لكن لا مجال .. لقد أوصدت الأبواب .. لا تسأل عن الكيفية .. فقط أوصدت .

    " فتاة مكتنزة متوسطة الجمال ..ذات ملامح غير مريحة "

    نظر المجرمون إلى الخلف في رعب .... وهنا رأى الكل مشهدا عجيبا ... بدأت الملامح الجامدة لكل الواقفين الذين أخافوا المجرمين تتحول إلى ملامح مذعورة جدا .. ملامح رسمت عليها أعتى علامات الرعب .. وكانوا كلهم ينظرون إلى نقطة واحدة .. مادل ... التي بدأت تطلق النار عليهم بدورها ... لكن في هدوء شديد .... وأصبحوا يتساقطون أمام طلقاتها .. لا تزعج عقلك القاصر بالتفكير ... هذه الفتاة هي قاتلتهم ... وموضوع تكرر المشاهد لم نلاحظه إلا بعد عمل هذه الفتاة في المحل ... كانت هذه هي قاتلتهم في حياتهم الحقيقية ... وقاتلتهم بعد مماتهم .

    مهلا ... أرى المانيكان ديلاروز بدأت في إعطاء إشارة ما .. هناك سيجارة مشتعلة سقطت من فم أحد المجرمين إلى الأرض الرخامية .. لكن ديلاروز نجحت في جعل السيجارة تلامس أحد أقمشة الملابس المعروضة .. نجحت ولم ينتبه أحد لحركاتها وسط كل هذا الجنون ... هذا يعني أن الموازين ستنقلب .. وأنه دورنا في هذه المسرحية .

    نار بدأت صغيرة لكنها اشتعلت بسرعة غير مفهومة في كل ما حولها .. سرعة اشتعال النيران في الحرائق نحن سببها الوحيد .. فالجذوة الصغيرة يمكننا جعلها نيران رهيبة تأكل غابة بأكملها .. الناس تصرخ .. المجرمون يصرخون .. هناك أجساد واقفة تنزف منها الدماء وتنظر لكل ما يحدث في برود تام .... واشتعلت النار أكثر ... أسمع ضربات على الأبواب بالخارج ... هناك نوافذ لكنها عالية جدا وتحتاج لسلالم ليمكن الوصول إليها .

    الكل في الداخل أصبح يجري و يصرخ .. ضربات على الأبواب و محاولات مستميتة لفتحها دون جدوى ... تسألني من أوصد الأبواب فجأة هكذا ؟ .... لا تستهن بجنسنا أيها القاصر ... لحظة إنهم يكسرون الباب من الخارج ... إنهم ينجحون في هذا ... لقد كسروا الباب الكبير الرئيسي .... الكل في الداخل والخارج توافد على الباب ... أناس بالداخل يودون الخروج .. و شرطة بالخارج تحاول الدخول للقبض على بعض من في الداخل ... لكن مهلا ... فجأة سقطت كل الأبواب الحديدية الخارجية واصطدم بها الجميع ؟ هل ستعاود سؤالي عمن أنزل الأبواب أيها القاصر عديم النفع ؟ من خلال الباب أرى في الخارج سيارات مطافيء قد وصلت للمكان و بدأت في تحريك سلمها في اتجاه النوافذ العالية ... لكن هيهات ... لقد كان حفلنا قد بدأ ... وصل حجم النار إلى الحجم الذي يسمح لنا بالتحرر ... وقد تحررنا ...

    نعم يمكنني أن أقول أنها كانت ليلة غاية في اللذة و الإشباع ... أرواح بشرية بريئة .. وأرواح مجرمين .. وروح قاتلة مسلسلة .. وقرناء سيئ الحظ .. إن جنسنا هو الذي يسود في النهاية .. لا أحد يقف أمام النار .. نيراننا توقدت في وجه رجال الإسعاف الذين كسروا النوافذ و بدأوا في إطلاق المياه من خراطيمهم السخيفة ... هؤلاء تساقطوا من فوق النوافذ إلى داخل المبنى و ليس إلى الخارج ... من الممتع إضافة أرواح أبطال المطافيء أيضا إلى المجموعة .

    في داخل محل ليفيز للملابس كنا نتحرك .. فجأة رأى الناس مجموعة من المانيكانات دبت فيها الحياة و توحشت ملامحها وصارت تعطي تعبيرات بوجوهها كالبشر تماما ... وتوحشها ليس توحشا عاديا .. كان توحشا رهيبا حارقا ... كنا نمسك بواحد من هؤلاء البشر و النار مشتعلة فينا .. و نقبض على جسده حتى تشتعل فيه النار .. ويحترق ... ليس فقط يحترق .. إنه يحترق و تحترق روحه معه .

    إنها لذة ما بعدها لذة ... لثد قدرت جريدة مالايا الفلبينية عدد ضحايا هذا الحريق بحوالي مائتان و سبعون شخصا ... وكتبت كلمات بشرية حمقاء عن الخبراء الذين تحدثوا عن ماس كهربائي ما ... وعن تحليل جنائي للحريق وعلاقته بمجموعة المجرمين الذين صادف وجودهم هناك في ذلك الوقت .

    مرحبا بكم مرة أخرى .. محدثتكم سومارا من محل يوكاي للملابس الجاهزة على أطراف مانيلا ... نعم أنا المانيكان ... هل تفتح عقلك و أصبحت تدرك معنى هذه الكلمة الآن يا صاحب العقل القاصر ... لن أعرفك على باقي المجموعة ... يمكنك رؤيتهم بنفسك ... نيبريدا و سييلو و أفانسينا ... كلهن واقفات بأناقة هنا وهناك .. و مجموعة من الوجوه البلهاء تنظر لهن في إعجاب ... نحن المانيكان .. بل نحن أكثر من هذا .. لطالما كنا نراقبك .. وسنظل نراقبك .. و إننا نراقبك الآن .. لا تنظر لنا هكذا أيها القاصر ... فقط تذكر ما قلته لك يوما ... لولا أن هناك حدودا وضعت بين جنسنا الفاخر وجنسك الضعيف لكنا حولنا حياتك إلى جحيم .. لكنها فقط مسألة وقت ... نعم ... إنها مسألة وقت .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2011
    الدولة
    المنصورة
    المشاركات
    113

    افتراضي

    حكاية الدماء المقدسة


    "يابني أنا والدتك .. لكنك إذا رأيتني وقد طال الشعر على وجهي و تقوس ناباي و أصبحت أكره نور الصباح ، فاقتلني يابني "


    كم أمقت تلك الأيام التي كنت فيها واحدة من أمثالكم .. أفكر مثلكم .. أحلم أحلاما حمقاء و أبحث عن متع زائفة.. أتجمل و أتعطر لأبدو أكثر احتراما أمام أناس يتجملون و يتعطرون لنفس السبب .. أقرأ كتبكم البلهاء لأبدو أكثر ثقافة أمام مجموعة من الجهلاء ... والآن أنظر إلى ما أنتم عليه من التدهور ثم أنظر إلى مرآتي و أبتسم ... لست شخصية أنانية لأستأثر لنفسي بما وصلت إليه ... بل إن هدفي أن يرتقي غيري في السلسة الحيوية كما ارتقيت .. أعود أنظر إلى مرآتي و أبتسم ... و ناباي يبتسمان معي في سخرية .

    سأتبسط في حديثي نوعا ما .. فأنتم تحتاجون إلى هذا .. أنا الدكتورة بريانكا شونرا ، استشارية أمراض الدم الشهيرة بمستشفى العائلة المقدسة في بومباي بالهند .. توفي زوجي و أنا طالبة في الكلية خلال السنين الأولى من زواجنا .. كنت قد أنجبت منه ابني راج .. بعد وفاة زوجي كرست حياتي كلها من أجل راج .. وراج وحده .. لأجله تخرجت من كليتي بدرجات عالية .. ولأجله وحده سافرت إلى انجلترا و أمريكا لأحصل على الماجيستير و الدكتوراه وهو معي .. ثم عدت إلى الهند .. كان تخصصي في الطب هو أمراض الدم .. ولا أدري لماذا اخترت هذا المجال بالذات .. لكني شعرت أنه الأنسب .

    وصلت إلى كل ما تحلم به أي طبيبة في الهند من ناحية المادة و مستوى المعيشة المتقدم ... سيارة فاخرة .. بيت كبير في بندره بمدينة بومباي .. راتب شهري يزيد جدا عما يجب أن تكون عليه حاملة الدكتوراه من أمريكا ... ربيت راج تربية صارمة جدا .. كنت اختار له كل شيء منذ أن كان طفلا مرورا بمرحلة المراهقة وحتى هذه اللحظة وهو في بداية العشرينات .. ملابسه .. قصة شعره ... وحتى كلية الطب فرضتها عليه فرضا .. فرضت عليه الفتاة التي يجب أن تكون زوجته .. ولكن راج عند هذه النقطة عصاني .. نعم يمكنك أن تفرض على أي شخص أي شيء إلا أن تفرضعليه أن يحب أو يكره .

    هذه مشكلة كل أم في العالم تربي ابنا وحيدا .. هي تفني عمرها كله من أجله فقط لتأتي طفلة من صاحبات الصدور غير المكتملة لتأخذه على طبق من ذهب .. فقط لأنها ضحكت له ذات مرة في بلاهة .. لن أسرد لكم تلك الدراما الاجتماعية المألوفة .. أنتم في غنى عن كل هذا .. بل إن كل هذا سخف بشر .. ولست هنا للحديث عن سخف بشر ... تعرفتم علي بما فيه الكفاية الآن ... ما أنا هنا للحديث عنه هو الطوق الذي سينقلكم من بحر السخف الذي تعيشون فيه إلى بر الرقي .. أنا هنا لأحدثكم عن البورفوريا ... وتذكروا هذه الكلمة جيدا .

    إن الدم مخلوق عظيم .. هو ليس مجرد سائل كما تقول كتبكم ... بل إنه مخلوق .. لأنه حي .. كل شيء فيه حي .. بداية بالبروتينات الجانبية التي تنقل الغذاء وانتهاء بالخلايا البيضاء الدفاعية ... لقد نوهت لك أنني استشارية في أمراض الدم .. تعلمت الدم في أرقى مدارسكم العالمية .. علمتموني أن البورفوريا مرض خبيث يصيب الدم و يجب التخلص منه قبل أن يتفاقم .. و بذلتم جهودا خرافية لعلاجه حتى نجحتم وببراعة .. إن البورفوريا أيها الجهلة هي حالة مقدسة تمر بها دماؤكم البشرية لترتقي .. أنتم تذكرونني بالشخص الذي اكتشف جذوة نار دافئة في صحراء شديدة البرودة فأطفأها ظنا منه أنها ربما ستحرقه .

    فلنر ماذا تقول كتبكم ؟ تقول أن الدم ببساطة يتركب من مادة معقدة نوعا ما تدعى هيموجلوبين .. و أن الجسم يصنع هذه المادة ذات الاسم المعقد من مادة أبسط تدعى هيم ...هذا ما تتشدقون به ليل نهار ... لكن عندما يحدث تحور غير مفهوم – كما تقولون - في مادة الهيم البسيطة ، فإنها لا تصنع هيموجلوبين في النهاية بل تؤدي لصنع مواد أخرى غريبة – كما تقولون – أحدها يدعى البورفرين ... وهذا الأخير عندما يتراكم في الدم يوصله لحالة مرضية – كما تقولون – تدعى البورفوريا .

    علمتمونا كيف نعرف مريض البورفوريا عندما نراه أمامنا ؟ ألم رهيب في البطن .... قيء متكرر .. ثم نلاحظ أن المريض زادت نسبة الشعر في وجهه .... و أصبح حساسا جدا لأي ضوء .. ثم وفي النهاية يلتوي ناباه و يزيدان في الطول ... بعدها تبدأ حاجته إلى الدماء تزيد شيئا فشيئا ... هل يذكركم هذا بشيء ؟ بالطبع أنتم تأخذون هذا المريض إلى عياداتكم و تعطونه كل الدماء التي يحتاج إليها بأسلوب طبي ثم تعزلوه عن الناس حتى لا تعدي حالته أحدا ... و تعالجونه حتى يعود إلى طبيعته .

    ما لا تقوله كتبكم ولن تصل إليه عقول علماؤكم هو أن من تأتيه البورفوريا يبدأ دمه في التحور من الدم البشري ليصبح ذا طبيعة أخرى أكثر رقيا ... طبيعة الفامباير .. أو كما تسمونه في مصطلحاتكم الناقصة بمصاص الدماء .. أنتم أطلقتم هذا الاسم لأول مرة على الامبراطور فلاد الثالث ، امبراطور مقاطعة والاشيا برومانيا والذي أسميتموه ( دراكيولا ) أو الشيطان .. رغم أنه لا علاقة تربطه بالشياطين .. إن السيد فلاد ليس أسطورة خيالية ... لقد ارتقى السيد فلاد وتحور من الطبيعة البشرية إلى طبيعة الفامباير المقدسة .. بل و أصبح أشهر فامباير بالنسبة إليكم .. ليس هو كبير عشيرة الفامباير كما هداكم خيالكم المريض .. هو فقط أكثرهم شهرة .... بالطبع استلهمتم من شخصيته الكاسحة أفلاما و روايات لا عدد لها .. وجنيتم من وراءه أموالا لا حصر لها كعادتكم البشرية المعروفة .

    كثير من البؤساء المشهورين أتاهم ذلك النداء – البورفوريا – لكنكم حطمتموه قبل اكتماله ... و أشهرهم الملك جورج الثالث و جدته ماري ستيوارت ... أنتم تظنون أن الفامباير هي أجناس مرعبة و مؤذية كالجن و الشياطين .. هذه حماقة .. إن هدف مصاص الدماء .. أي مصاص دماء هو ترقية البشرية و إعطائهم شرف الوصول إلى الحالة التي وصل هو إليها ... فيما سيأتي سأحكي تجربتي الشخصية مع البورفوريا .. أنا ارتقيت من استشارية بشرية شهيرة حمقاء إلى أكبر مصاصة دماء في الهند بأكملها .

    بدأ كل شيء بالصدفة ... في السنين الأولى من عملي بمستشفى العائلة المقدسة .. بالمناسبة هذا مجرد اسم وضعوه للمستشفى لكنها لا تتعلق بأي عائلات مقدسة ..بدأت الحكاية عندما دخلت على عيادتي الشهيرة فتاة متوسطة الجمال في مرحلة المراهقة .. فاتحة اللون عكس معظم فتيات الهند و ذات عيون بنية يائسة .. تملك شعرا أصفر جميلا تجعله كبنات المدارس الصغيرات حيث ترى خصلتين يخرجان من الشعر كقرون الاستشعار .... كانت تبدو مريضة جدا .. اللون الأصفر الشاحب ينطق من وجهها المراهق ويعطي تأثيرا دراميا مع لون شعرها .. أنا استشارية أمراض دم .. ومجيء هذه الفتاة عندي يعني أنه تم اكتشاف أن لديها غالبا فقر دم ككل الفتيات اللواتي يأتين إلي كل يوم ويتبين أن لديهم نوع من أنواع فقر الدم الخمسة .. لكن ومنذ نطقت الفتاة كلماتها الأولى اتضح لي أنها حالة من الحالات التي يعرف الطبيب أنها ستستهلك الكثير من وقته بالفعل .

    بورفوريا .. هذا مؤكد .. رأيت حالات بورفوريا نادرة فيما سبق من حياتي كان معظمها أثناء إنهائي لرسالة الماجيستير في لندن .. مريض يشكو من الآم في البطن و يحكي عن هلاوس يراها ويسمعها طيلة الوقت لدرجة أن معظمهم يتم تحويلهم للعيادة النفسية لتشارك في العلاج ... كانت الفتاة تدعى ريا .. وهذا كل ما تهمك معرفته حاليا .
    كانت ريا هي أول حالة بورفوريا أراها في الهند .. وقد تصرفت كما تتصرف أي طبيبة استشارية تستحق مركزها وبدأت في طقوس العلاج بالترتيب الذي تعلمته و أعلمه لتلامذتي .. لكن ريا كانت تتصرف بحدة .. وترفض العلاج بقسوة إلى حد أننا كنا نكبلها على سرير المستشفى لنسقيها أو نحقنها العلاج بالقوة .. لا أفهم لماذا أتت إلينا لو كانت ترفض العلاج بهذه الطريقة .... كل ما قالته لنا هو أنها فتاة في السنة الأولى من الجامعة .. و أنها تريد أن ترتاح من آلامها .. و أن اسمها ريا .. و أنها هاربة من بيت أهلها مؤقتا .

    - مقدسة أنفاسنا .. مقدسة دماؤنا .. من الظلام المقدس أتينا .. و في الظلام المقدس نعيش .. وإلى الظلام المقدس نعود ...
    - ماذا تقولين يا ريا ؟
    - خلقنا منذ خلقت الدماء على الأرض .. محرم علينا النور .. محرم علينا الهرم ..
    - إلى متى ستعيشين وسط هذه الأوهام يا فتاتي ؟
    - دماؤكم غذاء أرواحنا .. منها نرتوي ... و ...
    - أفيقي يا ريا .. أفيقي ... فلترحمنا السماء
    - نهاركم ليل لنا .. و ليلكم نهار لنا ..
    - ريا ؟
    - نداؤنا شرف لكم .. فمنكم من يرضى الشرف .. ومنكم من يرضى العار ..

    لقد كانت ريا مصاصة دماء .. لم أكن أفهم شيئا وقتها .. كانت دماؤها تمر بالحالة الانتقالية المؤلمة التي يجب أن يمر بها أي فامباير.. لسبب ما كنت أقدم لها العلاج بشكل غير كامل .. ربما شفقة عليها و استجابة لرغباتها .. وربما فضول لأرى هذه الحالة الغريبة عن قرب .. رأيت كيف نمت لها شعيرات خفيفة ملحوظة على وجنتيها .. وكيف بدأت أنيابها تطول وتلتوي حتى أصبحت مخيفة فعلا .. وكيف كنت أكبلها على السرير فتجد قوة هائلة لفك القيد والانقضاض عليً ... أذكر كيف كانت شراستها حين خمشتني بأظفارها وفي وجهها ذلك التعبير الشبيه بالنمور ... وكيف حاول رجال الأمن إيقافها فاندهشوا من قوة جسدها الضعيف ثم أذكر كيف راوغتهم و هربت .. أذكر أيضا كيف تغيرت حياتي بعد تلك الليلة .. وكيف فهمت كل شيء على حقيقته .

    قرأت كل شيء كتب عن الفامباير و جنسهم .. وكان كل ما قرأته كلاما فارغا جدا ... يتحدثون عن قتلهم بالثوم و أن إبراز الصليب يؤذيهم .. أنا فامباير تحترم نفسها ... وهؤلاء لا يعرفون أنني الآن أمارس حياتي اليومية كأي إنسانة و أطبخ يوميا باستخدام الثوم ... ثم أنني أعلق صليبا ذهبيا صغيرا على رقبتي ... فرغم أنني هندية إلا أنني لا أؤمن بالهندوسية و دجلها .. فأنا من الطائفة المسيحية في الهند .. قرأت أيضا أن الفامباير لا يموتون ويعمرون أبد الدهر ... هراء .. نحن نموت كما تموتون تماما و حالتنا المقدسة لم تعط لنا أي ميزة فيما يتعلق بالعمر ... نحن فقط لا نهرم ولا نشيخ ... لكننا نموت بنفس الطرق التي تموتون بها ... قراءتي لكل هذه التفاهات زادني حيرة على حيرتي في تلك الأيام ... وزادتني تصميما على دراسة الأمر بنفسي عن قرب .

    طلبت من المستشفى أن أكون مسؤولة عن جميع حالات البورفوريا التي تأتي إلى المستشفى رغم وجود عدد من أطباء الدم الآخرين المتخصصين.. لكنني طلبت أن أكون مسؤولة عن هذه الحالات دون سواها .. كان المريض يأتي إليً بآلام في بطنه وهو لا يدري أن لديه بورفوريا .. وعندما أكتشفها باستمتاع ، أتركها تنمو بداخله ... بل لإنني كنت أحفزها وأزيد من سرعة تقدمها .. بمرور الوقت زادت خبرتي في التعامل مع هؤلاء المرضى .. مثلا تعلمت أن أكبل المريض إلى سريره بأغلال حديدية بينما أتابع حالته ... هل يبدو هذا شاذا ؟ دعني أخبرك بأمر لم أخبرك به سابقا .. أنا رئيسة قسم أمراض الدم في المستشفى .. وكل ما أريده ينفذ حرفيا .. خاصة عندما أطلب أن أختلي بالمريض في غرفة الكشف .. أو أن أمنع أي شخص من زيارته سواء من عائلته و أصدقاءه أو حتى الممرضات .. بدعوى الحرص على عدم العدوى التي أدعي أنها سريعة الانتقال بشكل مرعب .

    انتقلت من مرحلة دراسة الحالات إلى مرحلة الفهم الكامل ... هؤلاء المرضى يتحولون لمصاصي دماء .. بالطبع خلال تجاربي أراهم يصبحون شديدي العصبية عندما يتم تكبيلهم هكذا كالسجناء .. لكن هذه لم تكن أبدا مشكلة.. كنت دائما أحقنهم بأقوى أنواع المهدئات ... وعندما أعرف أنهم وصلوا للمرحلة النهائية من مرضهم و أصبحوا بعيدين نوعا ما عن كلمة بشر ، عندها وعندها فقط أطلقهم ..

    الغريب أنني لاحظت أنهم يتصرفون دائما كبشر عاديين يتحدثون ويتعاملون بشكل عادي .. والمفاجأة التي أظهرتها متابعتي الطبية الدقيقة لهم .. هي أن هناك أعصابا زائدة تنمو في أسنانهم .. وتحديدا حول منطقة الأنياب.. وهي تختلف عن كل أعصاب الأسنان في أنها أعصاب من النوع الإرادي .. تسمح لهم بتحكم إلى درجة ما في أنيابهم .. فهي تبرز إذا توحشوا أو تمت إثارتهم عصبيا أو جنسيا أو حتى تم حقنهم بمادة منشطة .. و تضمر عندما يكونون في حالتهم الطبيعية ..

    دائما هم يحتاجون إلى دماء .. ودائما أحقنهم بما يحتاجونه منها ... لكنني إذا حرمتهم منها يزداد توحشهم جدا ...أجدهم يحاولون إخفاء عصبيتهم في البداية كما يحاول أن يخفي أي إنسان عصبيته ... لكنهم في النهاية يتحولون لوحوش كاسرة تحتاج إلى التكبيل بمقابض من حديد .. وهم لا يقبلون بأي دماء .. بل الطازجة منها فقط .

    نعم كنت أدرسهم دراسة احترافية .. ربما أدت هذه الدراسة إلى قتل بعض منهم .. و إيذاء البعض الآخر إيذاء فادحا ... لكنني كنت قد فهمت كل التطورات العضوية التي تطرأ عليهم .. ما كنت أجهله هو بم يشعرون .. لأنني كنت أستغرب جدا أنهم يتعاملون بشكل عادي بريء جدا .. كأن في الأمر سر ما ..

    الحق أنني كنت قد بدأت أهابهم و أخافهم شيئا فشيئا .. وبدأت أحلامي تتحول لكوابيس يومية مليئة بالدماء السوداء .. كل ليلة أقوم من فراشي فزعة ... بعض الكوابيس تصفني كجثة لا حيلة لها وبدلا من أن تنهشها الغربان كما هي العادة أراني تنهشني مجموعة من مصاصي الدماء .. و أحيانا أخرى أراني وكأني أسمع نداء غريبا مسموعا مثل نداء الكنيسة .. ثم أراني أتجه إلى النداء في الشارع ويتبعني مجموعة من الناس بعضهم أعرفهم .. عشت ليال كثيرة أندم فيها على ما فعلت و أقسم أن أعود استشارية عادية كما كنت .. ثم إنني ظللت أسبح في بحر أفكاري هذا حتى استيقظت يوما شاعرة بألم رهيب في معدتي .

    تحول فزعي هذا فورا إلى هيستيريا .. ذهبت إلى المستشفى كالمجنونة لأخضع نفسي للتحاليل التي أطلب من مرضاي أن يجرونها عادة ... النتائج كلها سالبة ... لكن هذا لا يعني شيئا .. النتائج لا تكون موجبة في بداية ظهور المرض .. ربما في مرحلته الثانية .. وعلى الجانب الآخر قد يكون هذا ألم معدة عاديا .. خاصة أنني فقدت شهيتي تماما في الآونة الأخيرة .

    استمر ألم البطن .. و صاحبه قيء متكرر بشكل أشعرني بالضعف الشديد ... رقدت في سريري في تلك الأيام غير قادرة على الحراك إلا بصعوبة .. راج ابني كان قلقا جدا علي ... حتى أنه أعطى لنفسه إجازة من كليته ليبقى بجانبي .. كان يوصلني إلى المستشفى لأخضع للتحاليل يوميا .. النتائج سالبة ... دائما سالبة ..

    في الأيام التالية شعرت أنني أصبحت أكثر وعيا .. أقصد أنني صرت أكثر حساسية لكل شيء يدور حولي .. حساسيتي للأصوات زادت بشكل مزعج حتى أنني أصبحت أسمع صوت وقوف راج على عتبة باب المنزل قبل أن يفتح الباب و أنا راقدة على سريري في غرفتي وراء صوت المكيف ....حساسيتي للروائح أشعر أنها زادت كثيرا .. لكن الأهم هو حساسيتي للأضواء .. في البداية كنت أشعر بصداع عندما يكون نور الغرفة مضاء ... وفي النهار عموما ... ثم تحول الصداع إلى صداع رهيب ثم إلى ألم شديد في البشرة يشبه لسعة الاحتراق .. في ذلك اليوم أيضا كانت نتائج التحاليل كلها سلبية .. لا أصدق .. أنا في بورفوريا لا شك فيها ... أنا أكثر من يعرف البورفوريا عند رؤيتها .. هناك شيء ما مريب .... ثم أنني أهلوس كثيرا جدا ولولا أن رباطة جأشي عالية و عقلي متفتح لكنت جننت منذ زمن .

    لابد أن أموت .. لا أريد أن أكمل هذا السيناريو .. كل هذا السخف يجب نهاؤه .. . رأيت ابني راج دخل عليً مهموما .. طلبت منه بهيستيريا أن يقتلني ليريحني من كل هذا الألم .. لن يفهم أنني أتحول إلى مصاصة دماء و أنه هذا الغافل – غالبا - سيكون أول ضحية لي.. مستحيل .. هذا راج .. وهو أغلى عندي من ذاتي... بدا راج منفعلا مع كلامي ثم أخذ في تهدئتي بحنان لم آلفه فيه .. قال لي أنني سأكون بخير و أن نتائج تحاليل سالبة ولا تشير لوجود أي مرض قاتل أو غير قاتل ...لكنني كنت أصرخ في هستيريا .. وفي النهاية أضطر أن يعطيني حقنة مهدئة رغما عني حتى رحت في النوم .

    " خلقنا منذ خلقت الدماء على الأرض .. محرم علينا النور .. محرم علينا الهرم"

    استيقظت من النوم .. أنظر بنصف عين إلى الغرفة من حولي ... أرى راج نائما على أحد الكراسي القريبة.. هذا الفتى عاطفي بالفعل ... جل ما أفكر فيه الآن هو الانتحار .. هذه ستكون نهاية عادلة أكفر بها عن كل حماقاتي ... أخرجت شريط دواء مهديء و شرعت أخرج كل الحبوب منه .. أخرجت تنهيدة مريضة لم يسمعها سواي .. فجأة استيقظ راج ... نظر إلى بهدوء .. ثم تحولت ملامحه إلى الحدة والغضب عندما عرف ما أنتويه ... أخذ مني الحبوب بغلظة ورماها جانبا .. نظرت إليه باستغراب برهة .. ثم تحول هذا الاستغراب لغضب عارم .

    " مقدسة أنفاسنا .. مقدسة دماؤنا "

    صحت فيه بغلظة كما كنت أصيح فيه منذ صغره وأمرته أن يتركني أفعل ما أريد ... لكنه بدأ يتعلم العند معي هذا الفتى .. أمرته بغلظة أن يوصلني للمستشفى لأخضع للتحاليل مرة أخرى .. لكن راج زاد عناده .. وأنا زادت هيستيريتي .. و إذا به يقبل علي ليحتضنني و يهديء من روعتي فأخمشه بأظفاري و أضربه و أقاومه .. وهو يكبلني بحنان و يتحمل ما أفعله بصبر .. أصبحت شرسة لدرجة أنني جرحته عدة جروح في وجهه .. أمسك ابني راج بمحقن قريب بسرعة .. لكنني ضربت يده في غل ليطير المحقن بعيدا .. ثم صرخت فيه و خمشته مرة أخرى في وجهه ... لكن ما هذا ؟

    " نداؤنا شرف لكم .. فمنكم من يرضى الشرف .. ومنكم من يرضى العار "

    إن ابني راج فد توحش عليً فجأة ... و بدت ملامحه الوسيمة كملامح نمر حبيس ... ثم احتضنني بقوة شديدة لم أعهدها فيه ... نظرت له بدهشة ..فقط لو أن عيناي المرهقتين تخدعانني ... إن ابني راج له أنياب ... أنياب مقوسة تعتزم عنقي .... إن ابني الحبيب راج له عينان مخيفتان .. وعيناه هاتان تحمل رعبا و شراسة لا حد لهما .. انقض ابني راج على ً... أنستني الدهشة أنه يجب أن أقاوم لأبقى .. هذا ابني ... إن قواي تخور مني ... شيء ما تذكرته الآن بسرعة .. دائما راج هو الذي كان يخبرني بنتائج التحاليل جميعها .. ولم أكن أرى ضرورة للنظر فيها بعد كلماته الواثقة .. استسلمت له تماما ... لا أشعر بالألم .. بل بالخدر اللذيذ يسري في عروقي كلها .. أود أن أشعر بهذا الشعور طيلة حياتي ... ثم إنني أغلقت عيني بهدوء واستسلام تامين .. ثم إن راج حملني ووضعني على سريري ببطء .. وطبع على جبيني قبلة حب ورضا .


    تمت

المواضيع المتشابهه

  1. الاتجار في البشر والاستغلال الجنسي للأطفال
    بواسطة ياسمين في المنتدى بحوث ومقالات في القانون الجنائي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 10-18-2010, 07:36 PM
  2. الاتجار في البشر والاستغلال ****** للأطفال "الظاهرة ودور الانترنت فيها"
    بواسطة هيثم الفقى في المنتدى مكتب أستاذ هيثم الفقي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 09-25-2010, 12:57 AM
  3. الانفصال يمنع الزوجة من السفرِ
    بواسطة فهد في المنتدى أحكام الأسرة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 08-04-2010, 03:00 PM
  4. ما الحكم في زوج يمنع زوجته من حضور المؤتمرات العلمية
    بواسطة فهد في المنتدى أحكام الأسرة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-22-2009, 07:30 PM

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •