من حكايات زورك نيميسيس .. حكاية مطعم اللحوم البشرية

ليس مهما أن أرحب بكم .. وليس ضروريا أن تستقبلوني بترحاب .. دعونا نتفق على ما سيحدث .. أنا هنا لأكتب .. وأنتم هنا للقراءة .. ليس من الضروري أن يعجبكم ما سأقول .. وليس من الضروري أن أصدع رأسي بتحملكم .. لذا لنبتعد عن المجاملات .. أنا شيخ مسن من النوع الذي لا يروق لأحد .. وأنتم مجموعة شباب فضوليين من النوع الذي لا يروق لي .. هكذا نكون قد ابتعدنا عن الرسميات البغيضة التي يصر البشر على استخدامها فيما بينهم .. اسمي ليس مهما .. لكني سأدعكم تنادونني باسم زورك .. ولا أود سماع كلمة واحدة عن معنى هذا الاسم .

أنتم هنا للبحث عن متعة الرعب .. فإني أرى للأسف أنه قد أصبح موضة ممتعة في هذا الزمن .. في زماننا كانت أبداننا تقشعر إذا أتى أحدهم على ذكر السحرة أو السحر الأسود أو الشياطين ونبسمل و نحوقل ، بينما أرى اليوم قوما يخصصون أياما من السنة للاحتفال بالجن و السحرة ويقلدون طقوسهم .. وهم يفعلون هذا في استمتاع يثير الغيظ .. ماذا يعرف هؤلاء عن السحر وعن العوالم الأخرى التي يمتليء بها كوكبنا حتى أصيب بالتخمة ... هل يعرفون كيف بدأ السحر في الدنيا و من هو أول ساحر؟ لو علموا نصف ما علمت في حياتي لتعاملوا مع الموضوع بتهذيب أكثر .. أنا لست هنا لتقديم تلك المتعة الزائفة لكم .. أنا هنا لأخبركم أن القبور تكتظ بأمثالكم من الذين ظنوا أن الرعب متعة جميلة .. ثم ماتوا وفي أعينهم نظرة ملتاعة عندما عرفوا الحقيقة ..


سأتيح لكم الفرصة لمعرفة أكثر .. لكن ليس مني فأنا مصاب بداء الملل السريع .. ستسمعون كل شيء منهم .. بألسنتهم ... إذا كان لهم ألسنة ....هم يعرفون كل شيء .. لأنهم رأوه رأي العين .. لا تسألوني من أنا .. ولا تسألوني عن علاقتي بهم ولا كيف يحدثونكم .....لن تحتاجون أن تسألوا من هم ... لأنهم سيتحدثون عن أنفسهم بأنفسهم ...تذكروا أنكم هنا لتسمعوا .. لا لتسألوا ... وإن لم يعجبكم ما سمعتموه فاذهبوا وفجروا رؤوسكم .. لن يحدث فارقا عندي .. تماما كما أنه لو انتزعت روحي مني في أحد نوبات الصرع الذي ابتليت به فلن يحدث فارقا لديكم ... هكذا اتفقنا ..

للقاء اليوم سيكون مع دكتور جوزيف ليستر من نيويورك .. توفي هذا الرجل منذ عامين فقط .. كيف يحدثنا طالما توفي ؟ ألم نتفق منذ البداية على منع الأسئلة السخيفة ؟ إن دكتور جوزيف لديه قصة مروعة يقول أنها تهم كل شخص يعيش في هذا العالم الكبير .. دكتور جوزيف .. القلم معك .


حكاية مطعم اللحوم البشرية


" إنهم يأكلون البشر بالشوكة و السكين .. بتلك المناديل على صدورهم .. وتلك الابتسامة على ثغورهم "

لا أدري كيف يمكنني أن أبدأ قصة كهذه .. لطالما أردت أن أحكيها و أنا حي .. لكن ما باليد حيلة .. هل أبدأ الحكاية منذ طفولتي حتى آخر ثواني حياتي و أسردها كقصة سخيفة ؟ أم أقفز مباشرة إلى الجزء الهام من القصة .. لا أدري .. سأبدأ في الكلام بغض النظر عن الترتيب .. سأقول ما يأتي على ذهني .... ياللهول لقد كانت قصة مروعة فعلا .. سأستجمع أنفاسي و أتكلم .. اسمعوني جيدا من فضلكم .

سأحكي لكم في البداية عن رجل اسمه تشارلز لوسيانو أو كما يدعونه لوسيانو المحظوظ .. أحد العبقريات الإجرامية التي كافحت الشرطة طويلا حتى تظفر به في سجون نيويورك .. كان هذا الرجل هو الأب الروحي للمافيا الأمريكية كلها .. وكلمة عبقرية إجرامية لو تجسدت شخصا لكونت هذا الرجل دون غيره من الرجال .

إن اسم لوسيانو المحظوظ جاء من حادثة مشهورة حدثت له في شبابه .. حيث أمسك به ثلاثة من الرجال و ألقوه داخل سيارة ليموزين تمهيدا لإطلاق النار عليه .. و أطلقوا النار عليه فعلا .. و كان مع أحدهم خنجر ضربه به في وجهه .. ورغم كل هذا فقد نجا لوسيانو ولم يمت .. لكن ضربة الخنجر في وجهه لازالت باقية إلى يومنا هذا ... من هنا جاء اسم لوسيانو المحظوظ .

هذا الرجل هو صاحب فكرة إجرامية رهيبة تم تطبيقها فعليا منذ عام 1950 .. فكرة زادت بها أرباح المافيا المهولة أضعافا مضاعفة .. عمل إجرامي تخصصت فيه المافيا الأمريكية دون غيرها ... وتخصص فيه الزعيم لوسيانو دون غيره .. وبالمناسبة ، الناس لا يعلمون شيئا عن هذا العمل الإجرامي حتى يومنا هذا .. وربما يظلون هكذا حتى نهاية الدنيا .

إن المافيا كما يعلم الكل أو لا يعلم الكل تدخل في كل شيء بلا استثناء .. منظمة جبارة غاية في التنظيم .. تشارك في أعمال القمار في الكازينوهات تجارة المخدرات بكل أنواعها .. تجارة الأسلحة ... و أخيرا وليس بآخر ... طبخ اللحوم البشرية .

نعم اللحوم البشرية .. وهي الفكرة الإجرامية الجديدة التي تبناها الزعيم تشارلز لوسيانو و نفذها و نجحت نجاحا هائلا ... نجاح لم يمكنه هو نفسه أن يتخيله ... ترى كيف يمكن شرح هذه الفكرة بالضبط ؟ دعوني أشرحها كما فكرت فيها عقلية لوسيانو الإجرامية بالضبط .

إن العجل مثلا يحتوي على حوالي مائة إلى مائة و خمسين كيلوجرام من اللحم .. الجاموس و البقر أيضا كذلك .. الأغنام ربما خمسين كيلوجرام أو أقل ... لكن .. إن شراء هذه الحيوانات يكلف مالا . .. تربيتها تكلف مالا .. علفها يكلف مالا .. مالا رهيبا .. بينما هناك كائن آخر لا يكلفك شيئا و ينتج من اللحم ما يزيد قليلا عن خمسين كيلوجرام .. ليس هذا فقط بل و له طعم شهي يختلف تماما عن باقي اللحوم .. نعم أنا أتحدث عن الإنسان .

لوسيانو المحظوظ كان يفكر بطريقة مختلفة نوعا ما .. إن معدل القتلى الذين يقتلون شهريا ضحية أعمال المافيا الإجرامية في ولاية واحدة من ولايات أمريكا يتراوح بين مائة إلى مائتي شخص .. عادة المافيا لا تكون لديها مشكلة إخفاء جثث القتلى .. المافيا في الدول الأخرى تترك الجثث و ترحل و تتكلف أموالا زائدة في رشوة الشرطة و القضاة و المحققين .. أما لوسيانو فكان يأخذ الجثث ... ويحولها إلى أموال .. أقصد إلى لحوم .

من أنا ؟ أنا طبيب أمريكي أدعى جوزيف لستر .. متخصص في أمراض الدم .. و أنا أعمل تحت إمرة المافيا .. تحت إمرة لوسيانو المحظوظ .. أين أعمل ؟ يمكنك أن تقول أنني أعمل في مذبح ... مذبح متطور مخفى بمهارة شديدة في قلب نيويورك ... مذبح من المذابح التي جعلت أفكار الزعيم لوسيانو تتحول إلى حقيقة واقعة .. مذبح للحوم البشرية .

هذا المذبح موجود بداخل نادي كبير تديره المافيا ..وهو عبارة عن مبنى في منتصف النادي .. مبنى يبدو عاديا .. لكن لا يدخله إلا المصرح لهم .. عادة لا يعرف أحد من هم المصرح لهم .. أو ماهو هذا المبنى بالضبط .. هذا المبنى هو مقر عملي .

كل صباح تأتي إليً مجموعة من الجثث الموضوعة في أكياس سوداء ...ويكون عليً أنا و مجموعة من الأطباء و مختصي التحاليل أن نفحص الجثث جيدا ونأخذ كل التحاليل اللازمة للتأكد أن الجثة يمكنها الدخول إلى المذبح .. فلو كان الميت مريضا بمرض ما تعتبر الجثة مرفوضة .. ولو كان سليما يتم نقل جثته إلى الخطوة الثانية و الأكثر أهمية في هذه العملية كلها وهي طبعا .. المسلخة .

في المسلخة طبعا حيث يتم سلخ الجلد بطريقة احترافية وباستخدام أحدث الطرق ... ثم إلى المشرحة حيث يتم تشريح الجثث و نفخها و رمي الأحشاء تماما مثل أي حيوان وبعدها إلى مكائن تقطيع اللحم و ترتيبه ثم في النهاية إلى الثلاجات الكبيرة .. كل هذه الخطوات لا علاقة لي بها بالطبع .. أنا موجود فقط في الخطوة الأولى .. أنا أسمع في بالك سؤالين ... كيف تتم الاستفادة من اللحوم المنتجة و لماذا لم يسمع أحد بعد عن هذا النشاط الإجرامي المروع بعد .. سأؤجل إجابة السؤال الأول قليلا وسأجيب عن الثاني .

أولا يجب أن أخبرك أن كل العاملين في هذا المذبح أو أي مذبح مماثل في أي ولاية أمريكية يأخذ راتبا يزيد عن أعلى حد يمكن أن تتخيله لراتب شخص على ظهر هذا الكوكب .. وبالتالي لا يفكر أحد في الخيانة .. ثانيا العاملين يتم اختيارهم بحرص شديد و دراسة متأنية جدا .. ويكونون مراقبين ومهددين هم وعائلاتهم لو فكروا مجرد تفكير في إفشاء السر .

إن اللحوم البشرية هي بلا منازع أطيب و أطعم أنواع اللحوم كلها .. حتى أنها أكثر حلاوة من اللحوم البحرية للأسماك و غيرها .. لكن كيف كانت فكرة لوسيانو للاستفادة من تلك اللحوم ؟ في بداية المشروع كانت كل اللحوم تذهب للمطاعم الراقية التي تديرها المافيا في أمريكا .. ثم تطور الأمر ليصل إلى الفنادق الراقية .. نعم إلى الفنادق .. بالطبع لا يعلم أي من هذه الجهات أنه يحصل على لحوم بشرية .. هم يشترونها من أشهر أسماء مزارع العجول و الأغنام في أمريكا .. وهذه وكما لا يعلم البعض .. تسيطر عليها المافيا أيضا .

أرباب هذه المزارع أنفسهم لا يشكون في تلك الأكياس المحتوية على لحوم حمراء و مكتوب عليها عبارة خاص ... باختصار أقول الكل يتم خداعه واستغفاله .. لأنه ليس هناك أحد يمكنه أن يشك لحظة أن لحوم البشر يمكن أن يفعل بها هذا .... لم يكتف لوسيانو بهذا الحد .. لقد كان ينظر لأهداف أبعد من هذا بكثير ... و لقد تحقق له ما أراد كما أراد بل و زيادة .

كان لوسيانو يود تصدير اللحوم إلى أربعة أسماء تحديدا ... كل اسم منهم عبارة عن سلسلة مطاعم أمريكية Fast Food شهيرة تفرعت ودخلت كل مدن العالم بلا استثناء ... كان هذا سيعني أرباحا لا مثيل لها و لم يحلم بها شخص حي .. لكن كان هذا سيعني أيضا لو نجح الأمر .. أن معدل الجريمة و نسبة القتلى من أعمال المافيا يجب أن تتضاعف .. وهذا لم يكن مشكلة بالنسبة لزعيم المافيا الأمريكية .. فقتل الناس لا يوجد ما هو أسهل منه .

بعد فترة من الزمن حقق لوسيانو حلمه .. و دخلت لحومه إلى الأربعة أسماء الكبيرة .. أكبر أربعة سلاسل مطاعم أمريكية عالمية ... ليس هذا فقط .. بل إن هذه الأسماء الأربعة أصبحت مع مرور الزمن لا تستورد إلا من مزارع لوسيانو وحده ... ذلك لأنها لاحظت أن تلك اللحوم مختلفة جدا .. وبسبب هذه اللحوم فإن الزبائن تزداد و شهرة هذه الأسماء تزداد حتى أصبحت اليوم أشهر سلاسل مطاعم في العالم و المدينة التي تخلو منها في أي مكان في العالم تصبح مدينة بدائية و مملة جدا … نعم فكل زبون يأكل لحوم هذه المحلات يشعر باختلاف واضح جدا بينها و بين أي لحوم أخرى مصنوعة بنفس الطريقة … إن الخلطة السرية التي وراء هذا كله هي لوسيانو .. تشارلز لوسيانو .

أنا لا أمزح هنا يا سادة ... ليس من أحد منا إلا و يتردد على هذه الأسماء مرة في الشهر على أقل تقدير ... نعم أقولها و أعني كل حرف فيها ... نحن كلنا منهم .. كلنا في الحقيقة آكلي لحوم بشر بدون أن نشعر أو يشعر أي شخص .. و أنا هنا لأوقظكم من هذه المهزلة قبل فوات الأوان .

لقد عملت في هذه المهنة ما يزيد عن عشر سنوات كاملة .. حتى أتى عليً اليوم الذي لم أستطع أن أتحمل ... فنسبة الجريمة زادت كثيرا بطريقة لا يمكن السكوت عنها .. لكن كما نعرف فالمافيا دائما تسكت الأفواه .. ترشي كل من يمكن أن يسهل لها عملها أو يتظاهر بأنه لا يرى .. و الرشوة تكون بالمال أو بأي طريقة أخرى .. لقد جعل لوسيانو من جريمته المروعة جريمة كاملة .. كاملة إلى درجة أن شخصا لم يفهم حتى الآن .. دقته الشديدة في كل خطوة حالت تماما دون أن يفهم أي شخص أي شيء ... لم أستطع التحمل أكثر ...كان لابد أن أفشي السر الذي أثقل كاهلي كل هذه السنين .

في يوم بعد أن أنهيت عملي في المذبح إياه توجهت بسيارتي بسرعة جنونية إلى مبنى الشرطة الفدرالية الأمريكية FBI في نيويورك .. ودخلته و أنا في حالة يرثى لها وطلبت مقابة المدير لأن لدي أمر هام لا يمكن تأجيله .. أمر يتحدث عن البشرية المخدوعة .. عن مهزلة يجب إيقافها بأي شكل .. ظللت أنتظر قليلا حتى دخلت عليه .. مدير الشرطة الفدرالية بنفسه .

كان الرجل مبهورا تماما بما أحكيه ... وظل مبهورا هكذا حتى انتهيت من قصتي .... نزل من جبينه عرق أظنه عرق المفاجأة من هول ما سمع ... قلت له أنني مراقب أنا وكل العاملين في تلك المنشأة و كل المنشآت المماثلة التي يديرها لوسيانو في أمريكا ... ولن أخرج من هذا المكان حتى يتم القبض عليه .. لأنني لو خرجت من هنا قبل ذلك فسيكون غالبا إلى القبر .

كان الرجل متفهما جدا و استمع إلى كل كلمة قلتها بحرص شديد .. ثم إنه غاب عني ما يقرب من عشرين دقيقة ثم عاد إلىً و قال أنني يجب أن أخرج معه إلى المذبح بنفسي .. و سأكون تحت حراسة الشرطة الفيدرالية ... ثم إنه أجرى اتصالا أمر فيه أن تتواجد قوة من الشرطة الفدرالية عند المذبح الذي أعمل فيه .. أكملت طريقي معه حتى وصلنا إلى المذبح ... لكن أين تلك القوة التي طلبها ؟ دخلنا معا رغما عن الكل .. فهذا مدير الشرطة الفدرالية شخصيا ... ثم إنه دخل معي إلى مكتبي في داخل المبنى .

انتظرنا ... ماذا ننتظر ؟ لا أدري .. قال إن لديه خطة أمر رجاله بتنفيذها حتى يقبض على لوسيانو متلبسا.... مرت أكثر من ساعة .. سمعت صوت ضجة في الخارج ... فجأة انفتح باب المكتب و دخل عليً آخر مجموعة من البشر أتوقع رؤيتهم في هذه اللحظة .

عائلتي ... زوجتي سامنثا ... ابنتي الصغيرة مارجريت .. والدتي .. عماتي .... كل من يعيش من عائلتي في نيويورك .. ليس هذا فقط ... بل رأيت أصدقائي أيضا ... لم أفهم شيئا في الوهلة الأولى .. لكنني فهمت كل شيء في الوهلة الثانية .

لقد كانوا مقيدين ومكممين ... نظرت إلى مدير الشرطة باستغراب .. كان يبتسم ساخرا ... وسرعان ما تحولت ابتسامته إلى شراسة مفاجئة فأمسكني من ذراعني و جذبني معه إلى خارج الغرفة ... وظل يمشي بي حتى أصبحنا في منتصف قاعة الاستقبال في المبنى .. ثم ألقاني أرضا بقسوة ... كان هناك تجمع من العاملين المندهشين ... رأيت رجال المافيا يدفعون عائلتي و أصدقائي المقيدين المكممين إلى القاعة بجانبي .

لا يلمني أحدكم .. لأنه ليس من المتوقع مطلقا أن يكون رجل الأمن الأول في نيويورك تابعا للمافيا .. إن المافيا لا تمزح في هذا الأمر بالذات .. لا تمزح مطلقا .. لن يكتفوا بقتلي ... بل سيقتلون كل من أعرفه و يحتمل أن أكون قد أخبرته أو نوهت له عن الأمر ... يريدون إخفائي من الوجود تماما .. بكيت .. بكيت كما لم أبك في حياتي .. أنا لم أخبر أحدا من هؤلاء عن شيء ... لكن من يسمعك .. كان لوسيانو مجرما ... مجرما حقيقيا .

لم أصدق عيناي ... فجأة أصابتني طلقة من مسدس كاتم للصوت في صدري فجثوت على الأرض في ألم .. كانت عيناي تبكي دما .. تمنيت ألا أرى ما أراه .. كنت أرى كل عائلتي يقتلون واحدا واحدا .. يا إلهي .. اتركوا ابنتي الصغيرة ذات السنوات العشر فهي لا تفقه من الأمر شيئا ... لكنك تحدث المافيا هنا .. و أنت لن تدرك معنى كلمة مافيا حتى تتعامل معهم .... متٌ أقسى موتة يمكن أن يموتها إنسان .. و أظنني أستحق هذا إلى حد ما .. فمجرد قبولي لهذه الوظيفة الإجرامية منذ البداية كان خطأ مقززا أستحق عليه الموت ألف مرة .

في اليوم التالي اجتمع لوسيانو بكل زعماء المافيا في أمريكا ... كان اجتماعا كبيرا من اجتماعاته الشهرية ... أولئك المجرمين الذين يرتدون أفخر أنواع البزات الإيطالية و يدخنون التوسكانيللو ببرود ... أولئك المجرمين الذين جلسوا على مائدة كبيرة فيها كل ما يمكنك أن تتخيله من طعام ... وطبعا مادام لوسيانو هو المضيف فإن اللحوم ستكون من نوع خاص ... نوع بشري .

لقد كانوا يلتهمون جوزيف ليستر ... وزوجة جوزيف ليستر .. و اينة جوزيف ليستر .. و عائلة و أصدقاء جوزيف ليستر .. ذلك الطبيب الغبي الذي ضحى بالمعيشة الراقية التي كان يعيشها و التي لا يحلم بها أكبر طبيب في أمريكا .. ضحى بكل هذا لأجل أن ضميره قد استيقظ فجأة .

كانوا يلتهمون جوزيف ليستر و يضحكون .. و ترتفع أصوات الشوكات و السكاكين على مائدتهم .. كم تمنيت لو خرج صوتي للعالم ... ليعلم الناس أنه لست أنا فقط الذي أؤكل على هذه المائدة الفاخرة ... بل إن هناك غيري الكثير جدا يأكل غيري على موائد أخرى .. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه .

إن لوسيانو لا يزال حيا حتى هذه اللحظة ... لكن في سجن نيويورك .. بالطبع كانت لديه ألف تهمة استحق القبض عليه بها .. لكن أحدا لم يعرف بأمر مذابحه الخاصة أبدا ... و يوم إعدامي أنا وعائلتي أمام كل عاملي المذبح كان درسا ... تم تدريسه لكل العاملين في هذا المذبح و كل المذابح البشرية الأخرى .

إن مجلة التايمز الأمريكية وضعت اسم تشارلز لوسيانو ضمن أكثر عشرين شخصية إجرامية غيرت مجرى التاريخ .. فله أعمال إجرامية أخرى كثيرة لا علاقة لها باللحوم البشرية .. سترون لوسيانوا في الكثير من أفلام المافيا .. وستقرأون عنه في الإنترنت ... لكن أحدا لن يخبركم بسره الخاص .. سر اللحوم البشرية