فَوْقَ الأَسِرَّة الحمراء لا تَنْبُت ُأَغْصَانُ الْوَرْدِ
قصة قصيرة من مجموعة
ثَوْرَةُالرَّصِيفِ الَّذِي خَلَعَ عَبَاءَتَهُ
للشاعر الكبير الدكتور /عزت سراج
ـــــــــــــ
لاهِثَةً تَصْعَدُ بَسْمَةُ دَرَجَ السُّلَّمِ مُتَّكِئَةً عَلَى رُوحِهَا الْمَخْنُوقَةِ فِي مُحَاوَلَةٍ لِلْفِرَارِ مِنْ أَوْجَاعِ جَسَدِهَا النَّازِفِ تَحْت َثِيَابِهَا الْمُمَزَّقَةِ 0
تَدْفَعُ ثَدْيَيْهَا الْمَكْشُوفَيْنَ لأَعْلَى ، تُطَارِدُهَا أَشْبَاحٌ قَدِيمَةٌ تَخْرُجُ مِنْ شَطِّ التُّرْعَةِ مُخْتَبِئَةً خَلْفَ أَشْجَارِ الْجُمَّيْزِالسَّاخِنَةِ فِي انْتِظَارِ الصَّبَايَا وَهُنَّ يَحْمِلْنَ الْجِرَارَفَوْقَ رُؤُوسِهِنَّ الْمُتَمَايِلَةِ ، مُشَمِّرَاتٍ عَنْ سِيقَانِهِنَّ الْبَيْضَاءِ مُتَلأْلِئَةً تَحْتَ أَشِعَّةِ الشَّمْسِ ، نَازِلاتٍ فِي الْمِيَاهِ الْمُتَدَفِّقَةِ فِي الْقَنَوَاتِ ، رَاوِيَةً حُقُولَ التُّفَّاحِ الْمُتَرَامِيَةَ خَلْفَ الشَّاطِئِ، جَارِيَةً فِي انْسِيَابٍ بَيْنَ الشُّقُوقِ الظَّمْأَى 0
ـ لا تَنْزِلِي التُّرْعَةَ يَا ابْنَتِي أَوَّلاً 0
ـ لا تَخَافِي يَا جَدَّتِي 0
ـ وَإِذَا نَزَلْتِ فَأَمْسِكِي بِفَرْعِ شَجَرَةٍ 0
ـ لا مَفَرَّ مِنَ الْمَكْتُوبِ يَاجَدَّتِي 0
ـ كُونِي دَائِمًا كَغُصْنِ وَرْدَةٍ يَاابْنَتِي 0
ـ لا أَفْهَمُ يَا جَدَّتِي 0
ـ أَشْوَاكُ الْغُصْنِ تَدْفَعُالْفَرَاشَاتِ عَنْ زَهْرِهِ يَا ابْنَتِي 0
ـ مَاذَاتَقْصِدِينَ يَا جَدَّتِي ؟
ـأَغْصَانُ الْوَرْدِ لا تَنْحَنِي أَمَامَ الرِّيحِ يَا ابْنَتِي 0
ـ اطْمَئِنِّي يَا جَدَّتِي 0
تُطَارِدُهَا حِكَايَاتٌ لا تَمُوتُ ،وَلا تَذْبُلُ فِي أَعْمَاقِهَا أَغْصَانُ الْوَرْدِ 000
يَشْتَدُّ عُودُهَا شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ ، وَكُلَّمَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهَا اللَّيَالِي قَسْوَةً أَنِسَتْ إِلَى حِكَايَاتِ جَدَّتِهَا تَمْلأُ رُوحَهَا سَكِينَةً ، مُقَاوِمَةً أَحْزَانَهَا ،مُسْتَعِيدَةً بَقَايَا أَنْفَاسِهَا الْعَاطِرَةِ 000
000000
000000
000000
هَارِبَةً مِنْ آلامِهَا إِلَى الْمَجْهُولِ تَدُقُّ الْبَابَ الأَوَّلَ فِي الطَّابِقِ السَّابِعِ 0
يَفْتَحُ السَّيِّدُ الْكَبِيرُ بَاسِطًا ذِرَاعَيْهِ فِي ابْتِسَامَةٍ فَاتِرَةٍ سَاخِرًا مِنْ عَوْدَةِ الصَّغِيرَةِ حَافِِيَةً بَعْدَ أَنْ رَفَضَتْ ذَاتَ مَسَاءٍ أَن ْتَخْلَعَ حِذَاءَهَا تَحْتَ سَرِيرِهِ النُّحَاسِيِّ الْقَدِيمِ 0 مُنْتَشِيًا كَطَاوُوسٍ يُغْلِقُ الْبَابَ فِي زَهْوِ الْمُنْتَصِرِ دَاخِلاً إِلَى حُجْرَتِهِ الْمُعَبَّقَةِ بِرَائِحَةِ الْوَرْدِ مُتَمَطِّيًا فَوْقَ السَّرِيرِ فِي خُيَلاءَ 0
000000
000000
000000
كَانَتْ تَعْلَمُ بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهَا أَنْ هَذِهِ الْجِنِّيَّةَ الْمَاكِرَةَ تَسْتَطِيعُ بِفِتْنَتِهَا الطَّاغِيَةِأَنْ تَخْطَفَ رُوحَ أَبِيهَا وَهِيَ تَسْتَحِمُّ عَلَى الشَّاطِئِ ، تَأْخُذُهُ إِلَى حَيْثُ يَدْرِي وَلا يَدْرِي ، تَذْهَبُ بِهِ بَعِيدًا عَنْ أُمِّهَا الَّتِي فَارَقَتْ دُونَ وَدَاعٍ 0
ـ قُلْتُ لَكِ سَأَتَزَوَّجُهُ وَقَدْ فَعَلْتُ ، وَالآنَ تَخْضَعِينَ لِي طَوْعًا أَوْكَرْهًا 0
ـ هَذَا لَنْ يَحْدُثَ أَبَدًا 0
ـ سَنَرَى 0
000000
000000
000000
مُقَهْقِهًا فِي اسْتِعْلاءٍ يَتَجَاهَلُ السَّيِّدُ الْكَبِيرُتَوَسُّلاتِ الصَّغِيرَةِ ، سَاخِرًا مِنْ بُكَائِهَا ، مَاسِحًا دُمُوعَهَا ،طَابِعًا قُبْلَةًفَوْقَ شَفَتَيْهَا ،مُعَرِّيًا كِبْرِيَاءَهَا ، خَاطِفًا ثَدْيَيْهَا بَيْنَ كَفَّيْهِ ، قَاضِمًا حَبَّةَ تُفَّاحٍ فَوْق َالْمَائِدَةِ 000
يَشْحَذُ السِّكِّينَ السَّاخِنَ يُرِيدُأَنْ يَقْسِمَ بِهِ ثَمَرَةَ رُمَّانٍ وَرَاءَ أَصَابِعِ الْمَوْزِ فِي طَبَقِ الْفَاكِهَةِ 0
تَرْتَعِشُ أَصَابِعُهُ الْخَشِنَةُ ، لا يَنْفَرِطُ حَبُّ الرُّمَّانِ فَالِتًا مِنْ قَبْضَتِهِ ، يُعِيدُ الْكَرَّةَ فِي إِصْرَارٍ 000
ـ أَرْجُوكَ ، انْتَظِرْ 0
ـ لا وَقْتَ لَدَيَّ يَا جَمِيلَتِي 0
ـ سَأَمْنَحُكَ مَا تَشْتَهِي 0
ـ أَشْتَهِيكِ كُلَّكِ 0
ـ لَكَ مَا تَشَاءُ بَعْدَ أَنْ 000
ـ بَعْدَ مَاذَا يَا صَغِيرَتِي؟
000000
000000
000000
يَضْرِبُهَا أَبُوهَا حَانِقًا يَضِيقُ ذَرْعًا بِسُكُوتِهَا الْغَاضِبِ، مُرْسِلَةً نَظَرَاتِهَا الرَّافِضَةَ إِلَيْهِمَا ، مُقَبِّلَةً صُورَةَ أُمِّهَا فِي بُكَاءٍ مُتَوَاصِلٍ 0
يَخْرُجُ فِي الصَّبَاحِ حَامِلاً فَأْسَهُ وَمِنْجَلَهُ ، رَاكِبًا حِمَارَهُ ، سَاحِبًا بَقَرَتَهُ ، عَائِدًا بَعْدَ الْمَغْرِبِ مُمْسِكًا أَمَامَهُ حِمْلَ بِرْسِيمٍ 0
ـ أَسْرِعِي يَا بِنْتُ ، خُذِي عَنِّي 0
ـ حَاضِرٌ ، حَاضِرٌ 0
تَدْخُلُ وَحْدَهَا الْحَظِيرَةَجَالِسَةً فَوْقَ الْحِمْلِ فِي انْتِظَارِ أَنْ تَحْلِبَ الْبَقَرَةَ قَبْلَ الْعَشَاءِ 0
ـ يَا عَبْدَ النَّعِيمِ ، الْبِنْتُ لا تُطِيعُنِي ، وَيَجِبُ تَأْدِيبُهَا 0
ـرِفْقًا بِهَا يَا هَانِمُ ، الْبِنْتُ مَا زَالَتْ صَغِيرَةً 0
ـ أَنْتَ سَتُفْسِدُهَا يَا رَجُلُ 0
تَمِيلُ عَلَى جَنْبِهَا مُبْتَعِدَةً بِصَدْرِهَا عَنْهُ ، سَاحِبَةً ضَفِيرَتَيْهَا الْمُرْسَلَتَيْنِ لِلأَمَامِ 000
ـ وَمَاذَا أَفْعَلُ لَهَا؟
ـ تَضْرِبُهَا حَتَّى تُطِيعَ يَا رَجُلُ 0
ـ حَاضِرٌ ، حَاضِرٌ يَا هَانِمُ 0
000000
000000
000000
تَبْدُو بَسْمَةُ نَاضِرَةً كَشَجَرَةِ خَوْخٍ ، مُمْتَلِئَةً كَتَكْعِيبَةِ عِنَبٍ ، مُغْرِيَةً كَمَوْجِ مُحِيطٍ 0
تَتَرَدَّدُ فِي الصُّعُودِ إِلَيْهِ ،خَائِفَةً مِنْ مَجْهُولٍ يُطَارِدُهَا تَدْفَعُهُ الْجَدَّةُ إِلَى عَيْنَيْهَا مُخْتَبِئًا وَرَاءَ غُصْنِ وَرْدَةٍ 0 تُغْمِضُ عَيْنَيْهَا هَارِبَةً مِنْجَدَّتِهَا رَافِعَةً عَصَاهَا فَوْق َرَأْسِهَا الصَّغِيرِ ، تَأْمُرُهَا أَنْ تَلُفَّ شَعْرَهَا لِلْوَرَاءِ 000
يَشُدُّهَا إِلَى جِوَارِهِ ، مُعَرِّيًا سَاقَيْنِ دَقِيقَيْنِ كَالْمَرْمَرِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ ،يَلْتَقِيَانِ عَلَى وَرِكَيْنِ مَشْدُودَيْنِ فِي امْتِلاءٍ ، يَرْتَفِعَانِ إِلَى خَصْرَيْنِ نَحِيفَيْنِ كَقَوْسٍ ، يَشْمَخُ مِنْ فَوْقِهِمَا ثَدْيَانِ نَافِرَانِ حَالِمَانِ يَشْهَقَانِ فِي ارْتِعَاشٍ 000
ـاقْتَرِبِي أَكْثَرَ 0
ـأَتَوَجَّعُ 0
ـتَزْدَادُ اللَّذَةُ حِينَ يَزْدُادُ الأَلَمُ 0
ـ أَرْجُوكَ 0
ـ اصْرُخِي إِنْ شِئْتِ 0
ـ أُرِيدُ أَلْفَ جُنَيْهٍ 0
ـ يَا لَكِ مِنْ مَاكِرَةٍ !!
ـ هَلْ تَدْفَعُ؟
ـ كَثِيرٌ يَا صَغِيرَتِي 0
ـ أَبِي يَمُوتُ 0
ـ عَشْرُ مَرَّاتٍ بِأَلْفٍ؟
ـ ادْفَعْ أَوَّلاً وَلَكَ مَا شِئْتَ 0
ـ لا بَأْسَ يَا جَمِيلَتِي 0
ـ أَرْجُوكَ بِرِفْقٍ أَيُّهَاالسَّيِّدُ الْكَبِيرُ 0
00000
00000
00000
يَسْقُطُ عَبْدُ النَّعِيمِ ذَاتَ غُرُوبٍ أَمَامَ السَّاقِيَةِ تَحْتَ سِيقَانِ الْبَقَرَةِ لا يَقْوَى أَنْ يَنْهَضَ ، مَحْمُولاً عَلَى حِمَارِهِ يَأْتِي بِهِ الْجِيرَانُ 0
يَلْتَفُّ حَوْلَهُ الصِّغَارُ فِيبُكَاءٍ تَدْفَعُهُمْ بَسْمَةُ فِي ارْتِبَاكٍ تُحَاوِلُ أَنْ تَسْنِدَ ظَهْرَأَبِيهَا 0
تَرْبِتُ عَلَى ظَهْرِهَا زُوجُهُ فِي اسْتِعْطَافٍ تَجْذِبُهَا لِلْغُرْفَةِ الْمُجَاوِرَةِ 0
ـ أَلَمْ أَقُلْ لَكِ يَا بَسْمَةُ إِنَّهُ سَيَسْقُطُ 0
ـ أَنْتِ السَّبَبُ 0
ـ أَنَا يَا ابْنَتِي؟
ـ نَعَمْ أَنْتِ 0
ـ يَا ابْنَتِي الطَّبِيبُ يَحْتَاجُ إِلَى أَلْفِ جُنَيْهٍ لِيُعَالِجَهُ 0 أَنْتِ تَعْلَمِينَ ذَلِكَ ، وَتَعْلَمِينَ أَنَّنِي بِعْتُ كُلَّ شَيْءٍ ، وَلَيْسَ أَمَامِي سِوَاكِ 0 افْعَلِي شَيْئًا مِنْأَجْلِ أَبِيكِ يَا بَسْمَةُ 0
000000
000000
000000
يَنْتَفِضُ السَّيِّدُ الْكَبِيرُهَامِسًا فِي أُذُنَيْهَا مُحَطِّمًا بَقَايَا حَيَائِهَا مُشِيرًا إِلَيْهَا أَنْ تَخْرُجَ مُسْرِعَةً 0
تُلَمْلِمُ أَوْجَاعَهَا الْمُبَعْثَرَةَ عَلَى فِرَاشِهِ الْوَثِيرِ ،كَاتِمَةً آَلامَهَا تَمْسَحُ بَقَايَا الدِّمَاءِ بَيْنَ سَاقَيْهَا ، فَاتِحَةً نَافِذَةَ الْحُجْرَةِ ، بَاصِقَةً مِنْ بَيْنِ الْقُضْبَانِ ، نَاظِرَةً إِلَىشَجَرَةِ وَرْدٍ شَامِخَةٍ فَوْقَ حَشَائِشِالْحَدِيقَةِ تَدْفَعُ أَشْوَاكُهَا حَشَرَاتِ اللَّيْلِ 0
يَدُسُّ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا قَبْضَتَهُ الْغَلِيظَةَ ، وَاقِفًا خَلْفَهَا كَثَوْرٍ0 تَرْتَدِي بَقَايَا مَلابِسِهَا مُتَمْتِمَةً تُرَدِّدُ فِي انْكِسَارٍ آَهَاتِهَا مُدْرِكَةً أَنَّهُ فوق الأسرة الحمراءلا تَنْبُتُ أَغْصَانُ الْوَرْدِ 0
ــــــــ
قصة قصيرة من مجموعة
ثَوْرَةُالرَّصِيفِ الَّذِي خَلَعَ عَبَاءَتَهُ
للشاعر الكبير الدكتور / عزت سراج
المفضلات