قضايا واراء
44709
السنة 133-العدد
2009
مايو
4
9 من جمادىالاولى 1430 هـ
الأثنين
تجديد الأخلاق.. لا.. يا شــيخ!
بقلم : وفاء محمود
ليس عندهم دين ولا نسك, فلا تغرنك أيد تحمل السبحا
وكم شيوخ بيض مفارقهم, يسبحون وباتوا في الخنا سبحا
عندما أنشد( أبوالعلا المعري) ما سبق ربما كان يقصد فئة معينة قليلة, ولكننا الآن نختار( فيمن أو من؟!) يجب أن تنشد هذه الأبيات, وغيرها الأشد قسوة وتعبيرا عن المتلاعبين بنا وبمصائرنا في ماضينا وحاضرنا, فكم هي الأمور التي قلنا فيها استنكارا أو اندهاشا أو تعجبا أو تشككا أو تهكما.. لا يا شيخ؟
فحادثة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق( جون كينيدي) لا تزال علامات التشكيك قائمة في حقيقة الجهة التي اغتالته, وعندما يقول المحققون إن القاتل( هارفي أوزوالد) أطلق ثلاث رصاصات من شباك مكتبة دالاس, إحداها فقدت, والثانية اصابت الرئيس, أما الطلقة السحرية الثالثة, فقد أصابت عنق الرئيس, وخرجت لتصيب صدر ورسغ حاكم الولاية( كونالي), وأيضا فخذه, ثم وجدوها في ملابس( كونالي) لابد أن يقول الكثيرون.. لأ يا شيخ! وانطلقت الشائعات تتهم المافيا وكوبا وغيرهما!
أيضا ملابسات مقتل الأميرة ديانا وعماد الفايد, مازال الكثيرون علي رأسهم محمد الفايد الأب, لا يكفون عن قول.. لأ يا شيخ؟!
أيضا قالها كثيرون من العلماء الذين اعتبروا أن الترويج للاحتباس الحراري ما هو إلا نتيجة لانتهاء الحرب الباردة, والبحث عن ذريعة جديدة, لاثارة مخاوف جديدة من عدو طبيعي, يضمن سيطرة الحكومات علي الدول, ويبررو مصادر للتمويل لبقائهم, لكن ما لبث أن رد عليهم آخرون بنفس الجملة لا.. يا شيخ؟! حيث ثبت وأن البحث عن مصادر وقود بديلة حاجة إنسانية ضرورية, وليس نكاية في العرب الذين يقعدون علي البترول لكن يجب ألا يملكوه حسب تعبير( هنري كيسنجر)! ولعل هذا التشكيك يذكرنا بواقعة التشكيك في حقيقة أن وكالة( ناسا) الأمريكية استطاعت حقا الهبوط علي سطح القمر عام1969, كما أعلنوا في ذلك الوقت, وأن الصور التي التقطوها لرواد الفضاء صور مفبركة في صحراء( نيفادا) الأمريكية, وذلك حتي يعفي الوكالة من الاحراج, لعدم قدرتها علي ملاحقة السبق السوفيتي, ولم تفلح تأكيدات العلماء ـ بأن الصخور التي تم فحصها تخص( القمر) لأن عمرها أقدم من أي صخور علي الأرض ـ في إزالة الشكوك التي مازالت تردد. لا يا شيخ؟!
ولا أنسي كم رددتها شخصيا عندما ادعي عالم مصري انه وجد علاجا شافيا لمرض( الإيدز), أو عندما ادعي عالم مصري آخر أنه لا وجود للمرض من الأصل وأنه مرض مصطنع, في إطار الحرب البيولوجية, وتم وضعه عمدا في الشواذ والأفارقة, بل إنه علي استعداد لشرب لتر من دماء أي مريض بالايدز, ليثبت انها فبركة غربية لاتهام العالم الثالث انه سبب كل الكوارث! ولكنني لم أندهش عندما تعرف العلماء علي فيروس(Hiv) في شمبانزي الكونجو, وتشكك الناس في أن شركات الأدوية تؤجل طرح العلاج الفعال حتي تضمن المكاسب الهائلة ونرجو ألا يفعلوا الشيء نفسه مع إنفلونزا الخنازير! أما العالمان المسيحي والإسلامي فأطلقوا لاءات متنوعة عندما أعاد المؤلف( دان براون) للاذهان قصة زواج المسيح( عليه السلام) من مريم المجدلية التي روجها شيوخ دير( سيون) بفرنسا, وادعوا أن هناك معتنقين كبارا لهذه الفكرة ومنهم( ليوناردو دافنشي), الذي ترك رموزا لهذا الأمر في لوحاته! ويدعي شيوخ الدير أن للمسيح سلالة تختبئ في عائلة ملكية فرنسية, وأن الكنيسة الكاثوليكية تخفي هذا الأمر من ألفي عام, حتي لا تقوض الأساس الذي قامت عليه, وذاع الأمر علي مستوي شعبي عندما تحولت قصة( بروان) إلي فيلم سينمائي للممثل الشهير توم هانكس باسم( دافنشي كود), فصاح المسلمون مع المسيحيين.. لا يا شيخ؟! فإذا اختلف المسلمون عن المسيحيين حول طبيعة المسيح( عليه السلام), إلا أن ذلك لا يسمح باختلاق الهرطقات حول حياته! فبعد ظاهرة العولمة أصبحت الهرطقة تنتشر كالنار في الهشيم!
ولعل هذا الحد من التجني ماجعل البابا المتشدد في الفاتيكان وغيره من الكهنة والقساوسة, يتعاطفون مع دعوة المسلمين في مؤتمر ديربان(2) في جنيف, لاتخاذ إجراءات للحد من( ازدراء الأديان) بحجة الحرية في التعبير, ولكنها تعتبر من أبسط حقوق الإنسان مما يضع الجميع في حيص بيص, وأعتقد أن المطالب الإسلامية بادانة( الاسلام فوبيا) ليست لمجرد بضع رسومات تافهة, لا ترقي لإهانة ديانة كبري, ولكن بسبب الاحساس العام لدي المسلمين بالاستهداف المباشر الناتج من حرب عالمية مصطنعة باسم الحرب علي الإرهاب! قادتها الولايات المتحدة, فكانت اعتداءات( سبتمبر) كارثية لا علي أمريكا فقط, ولكن علي العالم الإسلامي ككل, فتم تدمير شعبين في بلدين إسلاميين, وترويع الآخرين, وعلينا أن نقارن بين مؤتمري( ديربان) الأول والثاني لمناهضة العنصرية لنري تراجع القضايا العربية والإسلامية, وعلي رأسها احتلال فلسطين, ولا شك أن تداعيات هذا الاستهداف للإسلام, إن لم تكن سريعة, إلا أنها وخيمة علي المدي الطويل, فهي تقوي الايديولوجيا المتطرفة, وتعمق الكراهية والنفور من الآخر المحتل.. الاستعماري.. الكذاب! فالحرب الفاشلة علي الإرهاب وضعت المسلمين في سلة واحدة وجعلتهم كتلة لا تتجزأ بينما الحقيقة أن الفكر الإسلامي متنوع, ويحمل العديد من الرؤي الثقافية, إلا أن وطأة الظلم جعلت شوكة التطرف تقوي عن شوكة الاعتدال, فلم يقتصر نشاط( الطالبان) فكريا علي أفغانستان, بل امتد إلي باكستان حتي إضطرت الحكومة لتوقيع اتفاق سلام في وادي( سوات) مع طالبان باكستان, لتحقيق نظام إسلامي كامل حسب رؤيتهم الأصولية, وهو تحد غير مسبوق لسلطة الدولة, تحول( وادي سوات) إثرها من منطقة هادئة يتعايش فيها المسلمون الذين اكسبهم الإسلام وداعة وحبا مع الآخرين, إلي منطقة موحشة يسيطر عليها الخوف من المتطرفين الذين يطاردون الناس رجالا ونساء لاتباع التعاليم الإسلامية التي توصل إليها إدراكهم المحدود!
فالعالم الإسلامي تعرض لأشد أنواع العنف الحربي, الذي صب في صالح أشد أنواع التطرف الفكري وليس الإسلامي, هذا النوع لا يعالجه لا العنف الاستعماري ولا التنازلات الداخلية بل( التنمية), ومد يد العون للمشاركة الدولية لا للسيطرة والقمع, وهو ما نادت به( مصر) بقيادة الرئيس( حسني مبارك) منذ إندلاع الحرب علي الإرهاب المزعومة, وقد اعترفت الولايات المتحدة ضمنا وصراحة بفشلها, فتبنت سياسة مد اليد والحوار مع العالم الإسلامي, ويطالب المبعوث( ريتشارد هولبروك) لباكستان بزيادة الدعم الأمريكي من5 بلايين لـ50 بليونا لتسريع عملية التنمية في باكستان, لأنها السبيل الناجح للحد من الظواهر العدوانية المتطرفة.
.. ولأن هذه الادراك المتأخر دفع العالم الإسلامي ثمنه غاليا.. فلا يسعني إلا أن نقول.. لا ياشيخ!, فكم من دماء كان يمكن أن يوفرها هذا الادراك المتأخر بأهمية الحوار والتعاون؟, فبعد أن توصلت إلي فشل دوام الحل العسكري في العالم الإسلامي أيقنت الدول الغربية وعلي رأسها أمريكا أن مساعدة الدول الإسلامية لتقف علي أقدامها بدلا من تحطيمها, أوفر وأكثر نفعا, كما يحدث في الصومال الآن, فبعد أن حرضوا اثيوبيا علي غزوها, أيقنوا الآن أن( شيخ شريف شيخ أحمد) أنفع حالا من قراصنة المحيط!
غطرسة القوة التي انتهجها حلف الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة, أوصلت العالم إلي الحرب العبثية ضد الإرهاب, وذلك عندما تخلت عن فكر مشاريع التنمية علي غرار مشروع( مارشال), بل ووأدت حركات التحرر الوطني التي سعت لبناء الأوطان وتطويرها في العالم الثالث عامة, وفي الوطن العربي والإسلامي خاصة. فإذا صدقت الادارة الأمريكية الحالية في دعوتها للعالم الثالث( بالاستدارة نحو المستقبل), كما قال الرئيس( باراك أوباما) في قمة الأمريكتين الأخيرة, فعليها تدارك ويلات الماضي, وتعتمد علي ذكاء القوة بعد أن كادت الغطرسة أن تصل إلي منتهاها الحتمي, وهو دمار العالم, وبعد أن تأكد الجميع أقوياء وضعفاء, أن التعايش السلمي لا مفر منه, وأن المخاض الحضاري يجب أن ينتهي إلي فلسفة تقوم علي ننافس الشعوب المنتجة حضاريا, فمن المفيد أن نرجع إلي الخطاب الوطني الذي تبناه الزعيم الخالد( جمال عبدالناصر), في رسالته إلي الرئيس الراحل( جون كينيدي) وبين فيه ما تأكدت منه الادارة الحالية أن الأمن الحقيقي ينبع من سلامة الجبهات الداخلية للشعوب, والاستقلال الحر, والتطوير الوطني, ومن غير هذا الأساس المتين لن يحدث وفاق دولي, حتي يشيب الغراب!
... وللحديث بقية
المفضلات