تعرف العقوبة بأنها جزاء تقويمي وإصلاحي للجاني بناء على حكم قضائي يوقع على الشخص ذي الأهلية، أما فاقد الأهلية فهو يخضع لتدابير احترازية معينة، لتبقى العقوبة جزاءً عادلاً تتحقق به العدالة لمنع الجريمة وإصلاح الجاني، وقد تسقط العقوبة بعد الحكم بها في عدة حالات مثل وفاة الجاني لفوات محل القصاص، كما تسقط العقوبة بالعفو لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والانثى بالانثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} والعفو معناه إسقاط القصاص بدون عوض مادي أو معنوي وإنما ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة، أما التنازل عن القصاص مقابل الدية فهو صلح لا عفو، ويشترط في صحة العفو ان يكون العافي بالغاً عاقلاً وأن يصدر العفو من صاحب الحق فيه، وأحكام العفو لها آثار مثل إسقاط القصاص والدية وإذا اسقط القصاص مجاناً فليس من حق العافي اخذ الدية إلا من طريق الصلح قال تعالى: {فمن تصدق به فهو كفارة له}. ويعد الصلح من مسقطات القصاص بإتفاق الفقهاء سواء كان الصلح بأكثر من الدية أو بأقل منها والصلح يختص بالإسقاط بمقابل، وحكم الصلح هو حكم العفو فمن يملك العفو يملك الصلح.
وأما ما يتعلق بالتوبة فقد اتفق الفقهاء على ان الحدود إذا رفعت إلى ولي الأمر أو نائبه القاضي ثم تاب المتهم عن جريمته بعد ذلك لم يسقط الحد عنه بل يجب إقامة الحد عليه سواء كان قاطع طريق أم سارقاً أم زانياً أم قاذفاً أو خلافهم فلا يجوز تعطيل الحدود لا بعفو ولا شفاعة لأن الجريمة تمس مصلحة الجماعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب)! وقد اتفق الفقهاء على قبول توبة الجاني قبل قدرة السلطان عليه ودليلهم على ذلك صريح قوله تعالى {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا ان الله عفو رحيم}. وأما ما عدا ذلك من الحدود فثمة خلاف بين الفقهاء في مدى تأثير التوبة قبل القدرة، فذهب بعض الحنابلة إلى أن التوبة لها أثر عام يسري على كافة الحدود ولا يقتصر على الحرابة فهؤلاء يرون أن غرض العقوبة يكمن أساساً في إصلاح الجاني قبل ردع غيره! وقد استدلوا على ذلك بقول الله تعالى { فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه}، ومع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حد الغامدية وماعز رغم إظهارهما لتوبتهما فيما تمثل في اعترافهما، علماً بأن آية الجلد للزانين لم تستثن من العقوبة من تاب منها؟ وعلى كل حال يجب التمييز بين العقوبة الحدية التعزيرية لأن التوبة في الجرائم التي تمس حق الله والتي تمس الحق الخاص بالأفراد لا تسقط العقوبة لأن إسقاطها من شأنه أن يؤدي الى تعطيل إقامة الحدود وحتى لا تتخذ ذريعة للإفلات من العقاب.
وأما إذا كان التعزير حقاً للإنسان كالشتم والاعتداء فلا يسقط بالتوبة ولا بعفو القاضي إلا أن يصفح المعتدى عليه! ولا تسقط العقوبة بالتقادم، عند جمهور الفقهاء حيث تبقى واجبة التنفيذ، ويستثنى من ذلك جرائم التعزير إذ يمكن ان يقرر ولي الأمر سقوط العقوبة المحكوم بها بالتقادم إذا رأى أن مصلحة الأمة تقتضي ذلك، تطبيقاً للقواعد العامة في جرائم التعزير وما يتمتع به ولي الأمر من سلطة تقديرية واسعة جلباً لمنفعة أو درءاً لمفسدة، ومن جهة اخرى حددت القوانين الوضعية أسباب انقضاء العقوبة أو منع أو تعليق تنفيذها، بأحد مسقطاتها مثل وفاة المحكوم عليه، والعفو سواء كان عاماً يمحو الجريمة وآثارها الجنائية، أو عفواً خاصاً يرفع العقوبة الأصلية دون آثارها، ويعد التقادم مسقطاً للعقوبة وتختلف فيه المدة بحسب العقوبة جنائية أو جنحية أو مخالفة، وينظر في الاسباب المخففة قبل إيقاع العقوبة مثل عدم وجود سوابق للجانب ومراعاة العمر والظروف الأسرية والاجتماعية فقد يكتفي بالحكم مع وقف التنفيذ مثل إذا تورط بعض الجناة في الجريمة وكانت ظروفه والبيئة المحيطة به وتكوينه النفسي يوحيان بأنه شخص سوي ولن يعود ثانية للجريمة بشرط ان لا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة من نوع العقوبة المقرر وقف تنفيذها أو أشد منها! وتخضع لسلطة القاضي التقديرية!
مقتبس من مقال المحامي زامل شبيب الركاض تبرئه للذمه