فريده القحطاني
الرقم التسلسلي : 42


أثر التوبة في انقضاء الدعوى الجزائية


أولا : أثرالتوبة على حدِّ الردة
اتفق الفقهاء على أنَّ المرتد إذا تاب ورجع إلى الإسلام قُبِلَت توبته ، وسقط عنه حدُّالردة سواء تاب قبل الرفع إلى الإمام أم بعده .
ثانيا : أثر التوبة على حدِّ البغي
لا خلاف بين الفقهاء أنّ َالبغاة إذا تابوا سقطت عنهم الدعوى العامة .
ثالثا : أثر التوبة على حدِّ الحرابة
إذا تاب المحارب، قبل المقدرة عليه، فإن العقوبة المقررة المنصوص عليها، تسقط.. يقول تعالى : (إنما جزآؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيدهم وأرجلهم من خلافٍ أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم * إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) (المائدة :33-34). أما إذا تاب المحارب بعد القدرة عليه فتوبته حينئذٍ لا تُغير شيئاً من إقامة حد الحرابة باتفاق الفقهاء .
رابعا : أثر التوبة على حد الزنا ، والسرقة ، والشرب
وهو رأي الحنابلة، وبعض الفقهاء، أن التوبة إذا حدثت قبل وصوله إلى الإمام، فإنها تسقط عنه الحد، ومستدلين بأن الآيات الموجبة للعقوبة، المنصوص عليها، تلتها آيات التوبة، والمغفرة، والرحمة، قال تعالى : (والذان يأتيانها منكم فأذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان تواباً رحيما ً) (النساء :16)، وقال أيضاً : (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ) (المائدة :39). كما جاءت التوبة، بعد عقوبة الشرك، والقتل، كما في قوله تعالى : (والذين لا يدعون مع الله إلاهاً ءآخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً * إلا من تاب وءامن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ) (الفرقان :68-70).
ويستدلون بما رواه أنس رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال : يا رسول الله إني أصبت حداً فأقمه عليّ. ولم يسأله، قال : فحضرت الصلاة فصلى مع النبي عليه الصلاة والسلام ، فلما قضى النبي الصلاة قام إليه الرجل فقال : يا رسول الله إني أصبت حداً فأقم فيّ كتاب الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أليس قد صليت معنا؟" قال :بلى. قال: "فإن الله قد غفر لك ذنبك" أو قال : "حدك" . متفق عليه .
وجاء في بعض ألفاظ الحديث أن الرجل قال : "إني زنيت فأقم عليّ الحد" فهنا تاب قبل القدرة عليه فسقط عنه الحد لأن حكمة الحدود : الردع عن العود إلى المعصية وهذا التائب دلت توبته على ارتداعه فناسب رفع الحد عنه .
وحديث وائل بن حجر فيمن جاء تائبًا وأقر بالزنا فلم يقم عليه الحد فقيل : يانبي الله ألا ترجمه؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ((لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقُبل منهم )) رواه أحمد بسند صحيح.
و عموم حديث ابن مسعود رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) رواه ابن ماجه بسند حسن. ووجه الدلالة : أن النبي عليه الصلاة والسلام شبّه التائب من الذنب بغير المذنب ، فكما أن غير المذنب لا يستحق العقاب فكذا التائب إذا صدق في توبته قبل القدرة عليه .
فإن قال قائل: إن ماعز تاب قبل القدرة عليه ومع ذلك أقيم الحد عليه فهل يعارض هذا القول السابق؟
يجاب عنه : بأنه لا تعارض لأن ماعز اختار التطهير بالحد ولم يكتف بالتوبة ولهذا أصر على إقامة الحد، وألح على النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي عليه الصلاة والسلام يرده مرارًا وهو يأبى إلا إقامة الحد.
خامسا : أثرالتوبة على حدِّ القذف
وفي أثر توبة القاذف، في سقوط الحد عنه، نقرأ قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) (النور :4-5) فلا خلاف بين الفقهاء في أنه لا أثر للتوبة في حدِّ القذف مطلقاً ، لأنه حقٌ للعبد .