بسم الله الرحمن الرحيم
إجابة الواجب (4)
تكلمي عن التوبة كسبب من أسباب انقضاء الدعوى الجنائية ؟

1- توبة المحارب:
اتفق الفقهاء على إن المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه سقط عنه الحد بدليل قوله تعالى:" إلا الذين تابوا قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم "
إلا أن الحد لا يسقط بعد القدرة عليه لقوله تعالى " قبل إن تقدروا عليهم ".
ولان توبته قبل القدرة عليه ترغيبا له فيها وهذا المعنى غير موجود في توبته بعد القدرة عليه, فانه لا حاجة لترغيبه فيها.

2- توبة الزاني والسارق وشارب الخمر بعد ثبوت الحد وقبل التنفيذ:
هذه المسألة مختلف فيها على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن التوبة هنا لا تسقط الحد, وبهذا قال الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة في إحدى الروايات عنهم.
وقد احتج أصحاب هذا القول بالقران والسنة والمعقول.
من الكتاب :
1- قوله تعالى:" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ".
2- قوله تعالى:" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ".
ووجه الاستدلال بالآيتين أن الله سبحانه وتعالى قد أمر بإقامة الحد على الزاني والسارق من غير تفريق بين تائب وغيره .
من السنة :
1- رجم الرسول صلى الله عليه وسلم ماعز والغامدية والجهنية عندما اقروا بالزنا , مع أنهم قد جاءوا تائبين .
2- أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإقامة الحد على من شرب الخمر ولم يفرق.
3- حديث:" تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب ".
من المعقول :
1- أن إسقاط الحد هنا يؤدي إلى أن يتخذ ذلك ذريعة إلى إسقاط الحدود والزواجر .
2- أن الحدود كفارات لأهلها فلا تسقط بالتوبة ككفارة اليمين والقتل.
3- لان التوبة إذا لم يفرق الحكم فيها بين القدرة عليه وعدمها لم يسقط الحد كالقتل والقذف.
4- لان الحد في هذه الجرائم مقدور عليه فلم يسقط بالتوبة كالمحارب بعد القدرة عليه.

القول الثاني: أن الحد يسقط بالتوبة, وبهذا قال الشافعية في القول الثاني عندهم, والحنابلة في إحدى رواياتهم.
ولكن أصحاب هذا القول اختلفوا في مسألة: هل تكفي التوبة المجردة أم لا ؟؟
القول الأول: انه يكفي مجرد التوبة كإظهار الإسلام تحت السيف, وقد احتج القائلون بقوله تعالى:" ألا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم "
القول الثاني: انه يشترط مع التوبة إصلاح العمل ليظهر صدقه فيها, وقد استلوا في رأيهم على:
1- قوله تعالى :" فان تابا وأصلحا فاعرضوا عنهما "
2- وقوله تعالى:" فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فان الله يتوب عليه "
3- ولأنه قد يظهر التوبة للتقية فلا يعلم صحتها حتى يقترن بها الإصلاح.

القول الثالث :أن الحد إذا ثبت بالبينة لم يسقط بالتوبة وهذا القول هو إحدى الروايات في مذهب احمد وهو اختيار ابن تيمية , أما إذا ثبت الحد بالإقرار فتقبل التوبة بعد الرفع ولو كان في أثناء الحد .
ووجه التفرقة بين البينة والإقرار , أن الحد إذا ثبت بالبينة لم تسقط بالتوبة وان أظهرها لأنه يترتب على ذلك عدم إقامة الحد مطلقا , فان كل من أقيمت عليه البينة لا يعجز أن يقول : تبت , وان كان تائبا في الباطن كان الحد مكفرا وكان مأجورا على صبره .
لكن إذا جاء هو بنفسه فاعترف , وجاء تائبا , فهذا يجب ألا يقام عليه الحد , لان الفعل الذي ارتكبه لم يعرف إلا من قبله , وتوبته هنا صادقة لا يدخلها التهمة , لان الفقهاء قرروا انه يصح له الرجوع عن إقراره بما يوجب حدا , ويسقط عنه الحد , فإذا جاز في هذا الرجوع فالتوبة أولى بإسقاط الحد من الإقرار ولو بعد الحكم بالحد , وفي أثناء الحد .
وقد استدل أصحاب هذا الرأي بحديث انس بن مالك قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يارسول الله أصبت حدا , فأقم في كتاب الله , قال : هل حضرت معنا الصلاة معنا ؟ قال : نعم . قال : " قد غفر لك " .

الترجيح: بعد عرض الآراء في هذه المسألة نرى أن الراجح هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء 0 (القول الأول ). لوجاهة ما استدلوا به , ولأنه هو الذي يحقق المصلحة المقصودة من تشريع الحدود .

3- توبة القاذف:
يرى الفقهاء أن القاذف إذا تاب فان الحد لا يسقط عنه بحال , سواء من قال منهم بأنه لله أو للعبد , أو لأحدهما وحقه غالب , لان من لم يسقط عليه الحد بالتوبة وهو الله تعالى , فلان يسقطه بالتوبة وهو حق للعبد أولى .

4-توبة المرتد :
يرى كثيرا من الفقهاء أن المرتد إذا تاب قبلت توبته , ويسقط عنه الحد بدليل أن هؤلاء العلماء يرون استتابة المرتد قبل قتله , وفي النظام الإجرائي السعودي يجب وقف التنفيذ إذا أعلن المرتد توبته قبل التنفيذ , ما لم ينص الحكم على عدم قبول توبته .

التوبة في الجرائم التعزيرية :
يرى جمهور الفقهاء ومنهم الحنابلة , إن التوبة لا تسقط العقوبة التعزيرية , لأنها كفارة عن المعصية , ولعموم أدلة العقوبة من غير تفصيل بين تائب وغيره , ثم إن إسقاط التعزير بالتوبة يجعل لكل من حكم عليه بعقوبة تعزيرية ادعاء التوبة للإفلات من العقاب .

ويرى بعض الشافعية والحنابلة :أن التوبة قبل القدرة تسقط العقوبة قياسا على الحرابة , وهذا الري فيما يتعلق بحقوق الله دون حقوق الآدميين فلا تسقط .
ويرى ابن تيمية وابن القيم : إن التعزير الواجب لحق الله تعالى يسقط بالتوبة سواء قبل القدرة سواء كانت قبل القدرة أو بعدها , إلا إذا اختار الجاني العقوبة ليطهر بها نفسه , فالتوبة تسقط التعزير , بشرط إلا يطلب الجاني إقامته , وذلك فيما يتعلق بحقوق الجماعة .