نجوى علي الجماح
426201896

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وهو على مذهب الامام احمد:
العقوبات التي تقام من حد أو تعزير إما أن يثبت سببها بالبينة مثل قيام البينة بأنه زنى أو سرق أو شرب فهذا إذا أظهر التوبة لم يوثق بها، ولو درئ الحد بإظهار هذا لم يقم حد؛ فإنه كل من تقام عليه البينة يقول: قد تبت، وإن كان تائبا في الباطن كان الحد مكفرا وكان مأجورا على صبره.
وأما إذا جاء هو بنفسه فاعترف وجاء تائبا فهذا لا يجب أن يقام عليه الحد في ظاهر مذهب أحمد نص عليه في غير موضع وهي من مسائل التعليق، واحتج لهذا بعدة أحاديث ،وحديث الذي قال : { أصبت حدا فأقمه علي فأقيمت الصلاة } يدخل في هذا لأنه جاء تائبا، وإن شهد على نفسه كما شهد به ماعز، والغامدية

وإذا اختار إقامة الحد أقيم عليه وإلا فلا . كما في حديث ماعز : { فهلا تركتموه ؟ } والغامدية ردها مرة بعد مرة . فالإمام والناس ليس عليهم إقامة الحد على مثل هذا ؛ ولكن هو إذا طلب ذلك أقيم عليه كالذي يذنب سرا ،وليس على أحد أن يقيم عليه حدا : لكن إذا اختار هو أن يعترف ويقام عليه الحد أقيم وإن لم يكن تائبا،وهذا كقتل الذي ينغمس في العدو هو مما يرفع الله به درجته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله } .
ومن ثم ذَهب من ذَهب من علماء السلف إلى أن من حق الإمام أو القاضي أن يسقط الحد بالتوبة إذا ظهرت أماراتها، وهو ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية والمحقق ابن القيم
كما يرى فريق من المذهب الشافعي بأن التوبة لا تسقط الحد.







وفي النهاية خلص علماء اللجنة الدائمة الى القول بأن الحدود إذا بلغت الحاكم الشرعي وثبتت بالأدلة الكافية : وجب إقامتها ، ولا تسقط بالتوبة بالإجماع ، قد جاءت الغامدية إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبة إقامة الحد عليها بعد أن تابت ، وقال في حقها : " لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم " ، ومع ذلك قد أقام عليها الحد الشرعي ، وليس ذلك لغير السلطان .أما إذا لم تبلغ العقوبة السلطان : فعلى العبد المسلم أن يستتر بستر الله ، ويتوب إلى الله توبة صادقة ، عسى الله أن يقبل منه . فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 15)
وقالوا – ردا على من رغب بإقامة الحد وشك في قبول التوبة من الزنا - :
إذا تاب الإنسان إلى ربه توبة صادقة خالصة : فإن الله سبحانه وتعالى قد وعد بأنه سيقبل توبة التائب ، بل ويعوضه حسنات ، وهذا من كرمه وجوده سبحانه وتعالى ، قال تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيما) ً(الفرقان 67-70)
والتوبة من شروطها : الإقلاع عن الذنب ، والندم على ما تقدم منه ، والعزم على أن لا يعود إليه ، وإن كان حق من حقوق الآدميين : فيطلب منهم المسامحة .
وقد ثبت عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه في بيعة النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ... فمن وفَّى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارة له ، ومن أصاب منها شيئاً من ذلك فستره الله فهو إلى الله ، إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له " ، وقد حثَّ صلى الله عليه وسلم على التوبة الصادقة ، وقال في قصة ماعز " هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه " ، وروى مالك في " الموطأ " عن زيد بن أسلم وفيه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله ، مَن أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ، فإنه مَن يُبدِ لنا صفحته : نُقِم عليه كتاب الله " .