وحيث إنه إذ كان ما تقدم ، وكانت الواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية تتمثل فى قيام المدعى – بوصفه أحد التجار بمحافظة سوهاج – بحيازة وتخزين كميات من السمسم مخالفاً بذلك الحظر المنصوص عليه فى المادة الأولى من القرار المطعون عليه ، وكان هذا الحظر لا يعدو قيداً على تداول سلعة من السلع التموينية هى السمسم ، وهو قيد ناطت السلطة التشريعية اتخاذه بوزير التموين دون غيره ، إذ يختص هذا الوزير – لضمان تموين البلاد وتوفير العدالة فى توزيع المواد التموينية وبعد موافقة لجنة التموين العليا – بإصدار القرارات المنصوص عليها فى المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين ويندرج تحتها فرض القيود على إنتاج أى مادة أو سلعة وتداولها واستهلاكها بما فى ذلك توزيعها ، وله كذلك فرض قيود على نقل أية مادة أو سلعة من جهة إلى أخرى وهى قيود حددت الفقرة الرابعة من المادة 56 من المرسوم بقانون المشار إليها الجزاء على مخالفتها بقولها : " يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى هذه المادة على مخالفة أحكام قرارات وزير التموين والتجارة الداخلية الصادرة تنفيذاً لهذا القانون ، ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل ... " ، وهذا النهج الذى التزمه المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 احتذاه كذلك المرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 الخاص بشئون التسعير الجبرى وتحديد الأرباح ، ذلك ان هذا المرسوم بقانون الأخير بعد أن خول وزير التموين فى المادة الخامسة منه أن يتخذ بقرارات يصدرها التدابير المتعلقة بتعيين المقادير التى يجوز شراؤها أو تملكها أو حيازتها من أية سلعة ، وبتقرير الوسائل اللازمة لمنع التلاعب بأسعار السلع والمواد الخاضعة لأحكام هذا المرسوم بقانون وتعيين مواصفاتها ، وبإلزام أصحاب المصانع والمستوردين بتسليم مقادير معينة من أى سلعة أو مادة إلى الجمعيات التعاونية لتقوم بعرضها للبيع لأعضائها ، نص فى الفقرة الأخيرة من مادته التاسعة على أن " يعاقب بالعقوبات المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة على مخالفة القرارات التى تصدر تنفيذاً للمادة 5 من هذا القانون ، ويجوز أن ينص فى تلك القرارات على عقوبات أقل " . لما كان ذلك ، وكان المشرع على ما تقدم بيانه ، قد عهد إلى وزير التموين دون غيره – فى نطاق التدابير التى يتخذها لضمان تموين البلاد من المواد والسلع ولتحقيق العدالة فى توزيعها مع الالتزام بجداول الأسعار الخاصة بها – بسلطة تقرير عقوبات على مخالفة القرارات التى يتخذها فى هذا الصدد تكون أقل من تلك المنصوص عليها فى القانون ، فإن تجريم المادة الثانية من القرار المطعون عليه الصادر من محافظ سوهاج للواقعة محل الاتهام الجنائى فى الدعوى الموضوعية لا يعدو أن يكون انتحالاً لاختصاص مقرر لوزير التموين فى شأن التدابير التى ينفرد باتخاذها وفقاً لأحكام كل من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 والمرسوم بقانون رقم 163 لسنة 1950 المشار إليهما واغتصاباً لسلطته فى هذا المجال ، ومن ثم يقع حكم المادة الثانية من القرار المشار إليه فى حومة المخالفة الدستورية لتعارضه والمادة 66 من الدستور آنفة البيان .
وحيث إنه لا ينال مما تقدم ، ما تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 27 من قانون الإدارة المحلية الصادر بالقرار بقانون رقم 43 لسنة 1979 من أن " يتولى المحافظ – بالنسبة إلى جميع المرافق العامة التى تدخل فى اختصاص وحدات الإدارة المحلية وفقاً لأحكام هذا القانون – جميع السلطات والاختصاصات التنفيذية المقررة للوزراء بمقتضى القوانين واللوائح ، ويكون المحافظ فى دائرة اختصاصه – رئيساً لجميع الأجهزة والمرافق المحلية " . ذلك أن ما توخاه القانون المشار إليه لا يعدو تنظيم الأمور المتعلقة بالإدارة المحلية وذلك بإنشاء وحدات إدارية تتولى ممارسة السلطات والاختصاصات التنفيذية ذات الطبيعة الإدارية اللازمة لإدارة الأعمال المنوطة بالمرافق العامة الواقعة فى دائرتها نقلاً إليها من الحكومة المركزية بوزاراتها المختلفة ، وقد قصد المشرع بالنص سالف الذكر ان يباشر المحافظون – بوصفهم رؤساء الأجهزة والمرافق العامة التابعة لهم – السلطات والاختصاصات المقررة للوزراء فى هذا الصدد ، دون أن يجاوز ذلك إلى تخويلهم الاختصاص بإصدار اللوائح التنفيذية ولا إلى تقرير اختصاصهم بإصدار قرارات لائحية تحدد بعض جوانب التجريم أو العقاب ، وذلك كلما كانت القوانين المعمول بها قد عهدت بهذا الاختصاص – فى أى من هاتين الحالتين – على الوزراء ، إذ تستقل الجهة التى عينها المشرع بممارسته ولا يجوز أن تفوض غيرها فيه ، وهو فى كل الأحوال اختصاص تشريعى لا تشمله عبارة " السلطات والاختصاصات التنفيذية " الواردة بنص المادة 27/1 سالفة البيان .
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة الثانية من قرار محافظ سوهاج رقم 33 لسنة 1985 ، وألزمت الحكومة المصروفات ، ومبلغ ثلاثين جنيهاً مقابل أتعاب المحاماة .